هل الشـيعة مؤهـلون لإدارة الحكـم في العـراق ؟
نبذة تاريخيةلقد كان العراق سيد نفسه لآلاف السنين من التاريخ القديم ، وقد اعتبر هذا المنخفض الذي يجري فيه الرافدان دجلة وفرات مهداً لأقدم الحضارات الأنسانية التي كانت اسماؤها : السومرية والأكدية والبابلية والآشورية والكلدانية ، كانت هذه الأسماء كنجوم متلألأ في سماء الحضارة الأنسانية ، لكن بضعف الدولة الكلدانية ، وسقوطها على يد الفرس سنة 539 ق كان ذلك أيذاناً بغياب الحكم الوطني العراقي عن الساحة السياسية العراقية ، وسيستمر هذا الغياب لعشرات القرون من الزمن ، فتعاقبت على حكمه الدولة السلوقية التي دام حكمها الى سنة 247 ق . م ليعود الحكم الى الفرثيين والساسانيين الى الأحتلال العربي الأسلامي ، حيث استمر الحكم العربي الآسلامي الى زمن الخليفة العباسي المعتصم بالله الذي سقطت بغداد في عهده على يد هولاكو سنة 1258 م .
لقد كان الحكم العباسي في اكثر فصوله مركز تجاذب الجيران من الفرس والأتراك ، وبعد سقوط الدولة العباسية بقي العراق لعدة قرون في ظل الحكومات المغولية ، ولكن في نهاية المطاف بات العراق مسرحاً لتناحر الجيوش الفارسية والعثمانية للأستيلاء عليه وكان من نصيب العراق ان اصبح تحت السيطرة العثمانية التي امتدت الى سنة 1918 وبعدها تحت الأنتداب البريطاني الى سنة 1932 . وكانت ثورة 1958 التي قضت على الحكم الملكي ، ويمكن اعتبار هذه المحطة التاريخية بأنها كانت نقطة البداية في المسلسل الدموي الذي خيم على ارض العراق الى هذه الساعة .
نظرة الى المجتمع العراقي
هل ينطبق ما ذهب اليه الملك فيصل الأول في مذكراته عن الشعب العراقي ما نصادفه اليوم حيث يقول :
.. وقلبي ملان اسى أنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد ، بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية ، لا تجمع بينهم جامعة ، سماعون للسوء ، ميالون للفوضى .... نحن نريد والحالة هذه ان نشكل من من هذه الكتل شعباً نهذبه ، وندربه ونعلمه ومن يعلم صعوبة تشكيل وتكوين شعب في مثل هذه الظروف ... الخ
يقول المؤرخ حنا بطاطو في كتابه ( العرق ج1 ،31) : في مطلع القرن الحالي لم يكن العراقيون شعباً واحداً او جماعة سياسية واحدة . وهذا لا يعني الأشارة فقط الى وجود الكثير من الأقليات العرقية والدينية في العراق ، كالأكراد والتركمان والفرس والآشوريين والأرمن والكلدانيين واليهود واليزيديين والصابئة وآخرين ... وكانت هنالك تراتبات اجتماعية ، فنرى هرمية الثروة ، وهرمية الدين ، حيث كان المسلمون فوق اليهود والمسيحيين والصابئة ، وهرميات الطائفة حيث السنة فوق الشيعة ... الخ ، اجل كان الشيعة في موقع لا يحسدون عليه وبعد انتفاضة سنة 1991 حددت منطقة آمنة للشيعة في العراق تمنع الطيران العسكري العراقي فوق مدنهم .
لدى الأحتلال البريطاني للعراق أراد البريطانيون ان يزجوا الشيعة في العملية السياسية ، وذلك عن طريق اشتراكهم في الأنتخابات ، لكنهم فضلوا طريق الثورة على عملية الأنخراط في العملية السياسية ، وهكذا بات العمل السياسي من نصيب السنة العرب ، وسوف يستمر هذا النهج الى يوم دخول القوات الأمريكية الى العاصمة بغداد في 9 نيسان 2003 م .
نتائج الأنتخابات
كان للشيعة في هذه المرة اشتراك مكثف في العملية الأنتخابية ، وإذا صرفنا النظر عن تسخير الدين للتاثير في عملية الأنتخابية ، وتأثير الميليشيات المسلحة ، سنعترف بفوز الشيعة من خلال أئتلافهم في عملية الأنتخابات . وينبغي على قائمة الأئتلاف الموحد ان تدير الحكم في البلاد . لكن هل افلح الشيعة في إدارة الحكم ؟
الجواب هو : ان أية فئة او حزب او شخصية تستطيع ان تدير الحكم ، لكن الأشكالية تكمن في السؤال الآتي : ( كيف ) يدير هؤلاء الحكم ؟
إذا كانت الأمور تقاس بالنتائج فإن طريقة الحكم لا سيما حكومة الدكتور ابراهيم الجعفري ، كانت نتائجها مخيبة للامال .
عوضاً عن بناء جيش عراقي مركزي قوي ، شكلت وبمباركة الحكومة وأحزاب الأئتلاف ، ميليشيات مسلحة تحمل الأسماء الدينية ، وأصبحت هذه الميليشيات تدير الحكومة كما يحلو لها ، وربما اصبح وضع الحكومة ضعيفاً امام هذه الميليشيات والمسلحين الآخرين ، كموقف الحكومة عام 1933 والذي لخص بكون العشائر وأفراد الشعب يملكون أكثر من 100 ألف بندقية ، بينما الحكومة لا تملك سوى 15 ألف بندقية فقط ( حنا بطاطو 44 ) ، وفي معرض اختلاط الحابل بالنابل فإن قوات من الشرطة والأمن الداخلي تُتهم بلجوئها الى تصفيات طائفية ، وضربت الفوضى اطنابها في ارجاء البلاد في كل مفاصل الحياة ، وتهدر وتسرق ثروات الشعب العراقي ، ويهان الأنسان العراقي ويقتل على الهوية .... ولسنا في صدد سرد كل السلبيات إذ لا يتحمل هذا المقال تلك القائمة الطويلة .
ولكن كيف ينجح الشيعة في الحكم ؟
الشيعة قوم عراقي أصيل ، وفيهم من الخبراء والكتاب والأساتذة والأدباء والعلماء والفنانين والسياسيين المحنكين .. الخ وبإمكانهم ان يمسكوا دفة القيادة في العراق ويقودون المركب العراقي الى شاطئ السلام والأمان بجدارة وكفاءة عالية . وذلك حينما : ــ ان ينسى الشيعة المظلومية السابقة ، والمظلومية تملاء القلوب بالكراهية ، فالشيعة اليوم ليسوا أقلية ويطلبون بالحقوق او بمنطقة ذات حكم ذاتي ، انهم يحكمون العراق ، وعليهم ان يمنحوا كل عراقي ما يستحقه من حقوق .
ــ الحكم بالعقلية العراقية ، فحينما يكون جلال الطالباني (الكردي ) رئيس الجمهورية لكل العراقيين وليس للأكراد فحسب ، كذلك رئيس الوزراء الشيعي ينبغي ان يكون رئيس حكومة تمثل كل العراقيين وليس الشيعة لوحدهم .
ــ العمل على إعادة الهيبة الحكومية وأن تطبق حكم القانون في الشارع والمدرسة والمستشفى والقرية والمدينة ، وعليها ان تحافظ على امن المواطنين وتحميهم من عصابات الخطف والأبتزاز وتحافظ على اموالهم وممتلكاتهم من العصابات وتصون الأعراض وتنصر الضعيف على القوي . ــ الحكومة ينبغي ان تكون حكومة تنمية وبناء ، وإعادة بناء البنية التحتية العراقية ، وتوفير الخدمات الضرورية الحياتية اليومية للناس : خدمات الماء والكهرباء والنقل والعلاج ... ــ الحكومة في الظرف الراهن مدعوة الى إنقاذ البلاد من خطر الأنزلاق في حرب أهلية ، وذلك بالكف عن الهاب المشاعر الدينية والطائفية وتأجيجها نحو الأنفجار .
ــ الفوز في الأنتخابات وتشكيل الحكومة لا يبرر الحكم الكيفي والغرق في بحر من الفضائح المالية والفساد الأداري وانتشار الفوضى في كل مفاصل الحياة ، إن هذه عوامل تجبر الحكومة على الأستقالة والى تعرض المتورطين في هذه الفضائح الى المساءلة القانونية .
ــ على الحكومة ان تحافظ على دور العبادة ، لأن الأعتداء على هذه الدور يؤجج المشاعر ، وهي سبب رئيسي في الصراع الدموي والأنتقام الثأري الذي يتولد لدى الأطراف المختلفة بالأعتداء على الأماكن المقدسة .
إن الشيعة عراقيون أقحاح وهم يشكلون الأكثرية السكانية ، ولقد أحرز الأئتلاف الشيعي نتائج جيدة في الأنتخابات الأخيرة ، والأستحقاقات الأنتخابية تعطي لهم الشرعية في تشكيل حكومة عراقية ، ومن أجل نجاح تجربتهم في الحكم ، ينبغي ان يدافعوا عن مصلحة الشعب العراقي برمته دون تفرقة او تمييز ، وينبغي تقديس واحترام وإبراز هوية الأنتماء للوطن العراقي في المقام الأول ، لا بل ينبغي أن تكون الهوية العراقية هي الوحيدة المعتمدة ، دون النظر الى الطائفة او الدين او الأثنية او العرق .
إن الشيعة يستطيعون ان يقودوا دفة الحكم العراقي بتفوق ونجاح ، حينما يفككون الميليشيات المسلحة ، ويحكموا باسم القانون ، ويعود الأمن والأستقرار الى ربوع العراق ، وعندما تعود الخدمات الحياتية المفقودة للمواطن العراقي .
أجل .. الشيعة مؤهلون ومدعوون لحكم العراق بمنطق العدالة وحقوق الأنسان ، وأن يكون خطابهم ملؤه التسامح والمحبة والوئام بين كل الأطياف العراقية دون تفرقة او تمييز .