هل سنشرب نفطنا في عام 2020؟
نفطنا يا عزَّنا..نفطنا يا ماليء خزائننا بالذهب..
نفطنا يا نافخ حساباتنا في البنوك..
نفطنا يا رافع ناطحات السحاب في خليجنا..
نفطنا يا ماليء شوارعنا بالسيارات الفارهة، وأحياءنا بالبيوت والفيلات الفخمة، وأسواقنا بـ(المولات) الضخمة المليئة بما لذَّ وطاب..
نفطنا دمت لنا.. حامي حمى أوطاننا.. وباني مجدنا..
فكن علينا واقياً.. وعلى عوراتنا خافياً.. ولفسادنا مُطهِّراً.. ولخيباتنا ناصراً..
هول النفط
لا شك أن العالم بأكمله، فقيره، وغنيه، وقويه، وضعيفه، وشماله وجنوبه، خائف من كارثة إنهيار اقتصادي من جرّاء ارتفاع أسعار النفط إلى مستويات غير مسبوقة. والعالم الخارجي، ليس وحده المتضرر، بل نحن العرب والخليجيين بالذات من المتضررين أيضاً. وها هي أسعار الحاجيات والمستلزمات وكل ما نشتريه قد ارتفع ثمنه أضعافاً مضاعفة عمّا كان عليه قبل سنتين أو ثلاث سنوات. وهو ما يعني أن ارتفاع أسعار النفط ليس ضرراً بالآخر المستهلك فقط وهو الذي يكتوي بناره، ولكن المُنتِج أيضاً هو الذي يكتوي بهذه النار أكثر فأكثر لأنه لا ينتج حبة طماطم، ولا رأس بصل، ولا حبة رز، ولا قطرة زيت الطعام، ولا إبرة خياطة، ولا (قماش فرامل) سيارة . فنحن نستورد كل شيء، ونستهلك كل شيء من الآخر: الغذاء، والكساء، والدواء، والمركوب، والمرغوب، ودِهن العود.
وها هي الصحافة العربية والخليجية على وجه الخصوص مليئة بشكاوى المواطنين من ارتفاع الأسعار، ولا حلَّ لدى المسئولين غير القول للمستهلكين: كفوا عن التبذير، وغيروا من سلوكيات الاستهلاك. وهذا مطلب معقول، ولكنا كنا نأمل أن يصدر أيام كنا نسكن بيوت الشَعْر، ونعيش على اللبن والتمر.
ولولا إنتاجنا للنفط - وهو في واقع الأمر ليس إنتاجنا وإنما إنتاج شركات أجنبية تُخرجه من تحت أرض سكنّاها، ولا نعلم ما في باطنها، ولا ماذا على ظهرها، لولا علم الغرب وعلماء وخبراء الغرب – لما كنا أمة تنتج شيئاً، أو تزرع شيئاً، أو تغزل شيئاً، ولأصبحنا أمة الاستهلاك، التي تنتظر الهلاك.
وكله توفيق من الله ويسر.
نعم العالم يرتجف خوفاً مما هو قادم.. من مزيد من ارتفاع الأسعار. والعرب من غير الخليجيين هم أكثر شعوب العالم خوفاً من مزيد من ارتفاع الأسعار هذا الشتاء، لأنهم لا يملكون أن يشتروا خبزهم بسعر أعلى من السعر الحالي، ولا تملك حكوماتهم من المال أن تدعم الرغيف أكثر فأكثر، ولا يستطيعون وأد أطفالهم خشية إملاق. وقد عبّر عن هذا الرعب القاتل، الكاتب الأردني الساخر أحمد الزعبي ("الرأي" الأردنية، 13/12/2007) بقوله :
" منذ أن قالوا أن عام 2008 عام التحديات الاقتصادية، والأمور 'خربانة' معي: أصحو من النوم مفزوعاً، أغسل وجهي مفزوعاً، أقف في طابور الخبز مفزوعاً، آكل لقمي بارتياب، أخاف من جابي الكهرباء إذا ما 'تنحنح'، ومن صور وزير الطاقة في الجريدة.
في المساء، أتأكّد أن بابي مغلق ، فأندسّ سريعاً بين الأولاد كي لا أرى ظل برميل النفط متضخماً على الحائط.. لا أحرك ساكناً طوال الليل، ولا أنام على جنبي الذي 'يريّحني' لأني لا أملك جنباً يريحني.
أصبحت مهنتي الرئيسية هذه الأيام الخوف والخوف فقط من الأسعار.
بعبع النفط قادم، وبعبع البرد قادم، وبالتالي بعبع الفقر قادم، لم يبق عن 2008 سوى أيام، رجاءً اختاروا الطريقة التي تناسبكم في تطميننا: لقاء صحفي، تصريح صحفي، برنامج تلفزيوني: ستون دقيقة، 12 دقيقة، يحدث اليوم، يحدث أمس، وجهاً لوجه، وجهاً لقفا، خبر مصوّر، خبر مكتوب، مصدر مقرّب، مصدر مسؤول.. أي شيء.
المهم أن يطمئن هذا المواطن المسكين الذي يلوك الخوف ليل نهار على أمنه المادي والحياتي والاجتماعي .
شخصياً أنا مرعوب.. هل تسمعون صرير حجابي الحاجز؟'
ليس فرانز كافكا، ولا غيره من كتّاب الأدب الأسود، يمكن أن يصل إلى مثل هذه الصور السوداوية الفنية، وكأن النفط قد أصبح غولاً أسود، أو ذئباً أسود.
البترول ليس قمحاً ولا ذهباً
البترول في العالم وضعه كوضع الدواء.. منتجاً استراتيجياً، لا تنتجه كل الأمم.
البترول ليس قمحاً يمكن أن تزرعه أية أمة وينتجه أي شعب.
والبترول ليس ذهباً بحيث يستطيع العالم أن يعيش بدونه، والاستغناء عنه بكل سهولة.
البترول مادة ضرورية واستراتيجية وحيوية حالياً – ما لم يُكتشف البديل- لحياة كل البشر في كل الكرة الأرضية. ولذا، فعلى الدول المنتجة للنفط (أوبك) أن تضع سقفاً لسعر البترول، لا يتجاوزه، حتى لا يحترق العالم ونحن معه. ولا تعتمد على عامل العرض والطلب في تسعير برميل البترول.
فالبترول ليس قمحاً، ولا ذهباً.
الملك عبد الله بن العزيز، نادى بهذا (جريدة "السياسية" الكويتية 16/8/2004) وقال إن أسعار النفط يجب أن لا تتجاوز 25-30 دولاراً للبرميل، حتى لا نُلحق الضرر بالدول. وقال: "نحن هنا لا نتكلم عن دول كبرى، بل عن دول فقيرة ستتضرر حياتها ويتوقف نموها بارتفاع أسعار النفط". ولكن يبدو أن أمر أسعار البترول خارج على إرادة (أوبك). فالمسؤول الأول عن ارتفاع الاسعار – كما قال الملك – هي شركات البترول التي تكرر وتختزن وتوزع البترول، والتي تدل ميزانياتها للسنوات الثلاث الماضية بأنها قد حققت أرقاماً فلكية من الأرباح. كذلك فإن استهلاك الصين والهند كسوقين كبيرين في السنوات الأخيرة، قد زاد الطين بلّه بالنسبة لزيادة الأسعار.
لكي لا تفنى الحضارات
منذ سنوات عديدة وعلماء الدول الكبرى في الغرب يبحثون ويقضون الأيام والليالي الطوال في المختبرات العلمية بحثاً عن بدائل للبترول، تكون مصدراً رخيصاً ومتوفراً دائماً للطاقة. وتتناقل وسائل الإعلام العالمية خبر نتائج هذه الأبحاث أولاً بأول مبشِّرة البشرية بتقدم البحث العلمي عن مصادر بديلة للطاقة.
فلدى الصين ثاني أكبر مستهلك للنفط بعد الولايات المتحدة، خطط طموحة لتعزيز استخدام الطاقة المتجددة تشمل زيادة طاقة توليد الكهرباء من طاقة الرياح من 570 ميغاوات حالياً إلى 20 ألف ميغاوات بحلول عام 2020، وإلى 50 ألف ميغاوات بحلول عام 2030. ويكفي واحد ميغاوات لإمداد ألف منزل بالكهرباء.
والاتجاه لاستخدام المزيد من الوقود العضوي مثل غاز الميثان، الذي ينبعث من المستنقعات والمناجم واستخدام القش ومخلفات قصب السكر والقمامة في تشغيل محطات الكهرباء، قد يوفر على الصين في نهاية الأمر 28 مليون طن من الفحم سنوياً.
وفي اليابان أحد أكبر مستوردي النفط في العالم، يبحث صُنّاع السيارات في مجال خلايا الوقود لتشغيل موديلات جديدة باستخدام الهيدروجين، رغم أن تكلفة ذلك ما زالت خارج متناول المستهلك العادي.
وحثَّ رئيس وزراء الهند العلماء والمسؤولين على الإسراع بتنمية مصادر الطاقة المتجددة في ثالث أكبر دولة آسيوية مستهلكة للنفط.
وكان من ضمن نتائج هذه البحوث التي قام بها علماء العالم، إنتاج محرك سيارة Flex – Fuel Engine الذي يستعمل مادة الايثانول Ethanol والبنزين، أو محرك Hybrid Engine الذي يستمد نصف طاقته من البنزين، والنصف الآخر من بطارية تُشحن تلقائياً.
وفي الأسبوع الماضي مرَّر مجلس النواب الأمريكي قانوناً جديداً للطاقة اعتبره مراقبون "تاريخياً"، وذلك ضمن سلسة من الإجراءات الأمريكية المتصاعدة الهادفة لتقليص اعتماد الاقتصاد الأمريكي على النفط العربي، يفرض معايير أعلى في زيادة كفاءة الوقود في المركبات والسيارات والمنتجات التي تستخدم النفط بما يقلل اعتماد أمريكا على النفط العربي بمقدار النصف بحلول 2020.
وقالت زعيمة الأغلبية في مجلس النواب النائبة الديمقراطية نانسي بيلوسي، والتي كانت الراعي الرئيسي للقانون، في بيان لها إن التشريع الجديد "سوف يضعنا على الطريق الصحيح من أجل الاستقلال في الطاقة".
ويعني هذا أن استهلاك أمريكا من النفط سيقل بمقدار 1.1 مليون جالون من الوقود في اليوم الواحد في عام 2020، أو ما يعادل مقدار النصف لما يتم استهلاكه حالياً.
وكانت أبرز ردود القراء العرب بعد نشر هذا الخبر، يقول:
"اعتمادنا على الله سبحانه وتعالى والأرزاق بيده سبحانه، ولتذهب أمريكا وجميع محبيها إلى الجحيم. والأهل في الخليج الطيب عاشوا فى الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينات بدون البترول، وهم سعداء. وغيرنا من دول الشام ومصر عاشوا في تلك الفترة فى خير، وسنظل في خير إلى قيام الساعة".
وهذا يعني أننا لن نشرب نفطنا في عام 2020، ولكننا سنعود إلى تمرنا ولبننا كما قيل.