هل سيتعلم العرب والترك والفرس من فكر ورؤية عزيز شريف للقضية الكردية؟
في الذكرى السنوية 105 على ميلاد عزيز شريف والذكرى 19 على وفاته.المدخل
مرت هذا العام الذكرى السنوية 105 على ولادة الشخصية الوطنية والتقدمية العراقية وعضو مجلس السلام العالمي عزيز شريف والذكرى 19 على وفاته. ترك لنا عزيز شريف مجموعة كبيرة من المقالات المهمة المبعثرة التي لم يتم جمعها حتى الآن , سواء ما نشر منها في العراق أم سوريا ولبنان, وكذلك الخطب التي ألقاها أو التصريحات التي أدلى بها في القضايا العراقية والعربية والدولية حين كان رئيساً لمجس السلم والتضامن في العراق, إضافة إلى مذكراته الغنية بالمعلومات والتحليل العلمي والمواقف الوطنية التي لم تنشر بعد, وكذلك الكراس المهم الذي نشر في العام 1950 حول المسألة الكردية في العراق وعموم القضية الكردية في المنطقة. ويحق لمن عرف عزيز شريف أن يعتز بتراث هذه الشخصية الوطنية والأممية النبيلة التي قدمت الكثير لصالح العراق والمنطقة وناضل بحيوية لا تعرف الكلل من أجل منع الحروب واستتباب الأمن والسلام في العالم وفي سبيل تحقيق التضامن بين شعوب بلدان آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وضد الاستعمار والرجعية والهيمنة الأجنبية ومن أجل العدالة الاجتماعية.
وكان موقفه المشرف والسليم من القضية الكردية متميزاً يستوجب الإشارة إليه لما فيه من علمية ومبدئية عالية ورؤية قومية تقدمية سليمة تستوجب الدراسة والتدقيق من جانب تلك أبناء وبنات القوميات أو الشعوب التي توزعت على دولهم الأرض الكردستانية والأمة الكردستانية, وهي دول إيران وتركيا والعراق وسوريا لكي تستفيد من تاريخ هذه القضية ودروسها المنصرمة في مواقفها من هذه المسالة الحيوية, ولكي تستفيد من تجربة العراق الراهنة, ورغم النجاحات التي تحققت, فإنها لا تزال بحاجة إلى رؤية عقلانية وموضوعية لصالح الشعب الكردي والشعب العراقي برمته.
ومن أجل التذكير بالأستاذ عزيز شريف الذي فارقنا عن عمر ناهز 86 عاماً تقريباً, ومن أجل أن يجري التفكير بإقامة نصب تذكاري لهذه الشخصية الوطنية على أرض العراق وفي إقليم كردستان أنشر هذا المبحث المختصر الوارد في الكتاب الخامس من كتابي الجديد الموسوم "لمحات من عراق القرن العشرين في عشرة أجزاء, والذي صدر الجزء الأول منه في السليمانية في العام 2009 عن مؤسسة حمدي للطباعة والنشر.
لقد وجدت مناسباً أن أنشر ما سجلته في كتابي غير المنشور حتى الآن عن الفقيد "عزيز شريف والمسألة الكردية" في هذه الفترة بالذات بسبب السياسة الشوفينية للحكومة التركية والقضاء التركي غير النزيه إزاء قضية الشعب الكردي وحزب المجتمع الديمقراطي الذي منع بذريعة وجود علاقة له مع حزب العمال الكردستاني وإزاء الشعب الكردي في شمال كردستان أو كردستان تركيا, لكي تدرك تلك القوى بأن حكومة لأمة كبيرة تضطهد أمة أخرى ليست حرة وليست جديرة بالاحترام ويفترض النضال ضدها لصالح الأمة المضطهدة.
وكما كتب الصديق الدكتور زهدي الداوودي بحق:
"إن القومية الكبيرة التي تستعبد القومية الصغيرة، ليست حرة. ولقد آن الأوان كي يفهم القوميون العرب والأتراك والفرس هذه الحقيقة التي تحققت ضمن كيان حكومة فدرالية كردستان العراق. هذه الفدرالية التي لم تقسم العراق، بل رسخت وحدته وديمقراطيته ." [الحوار المتمدن بتاريخ 26/12/2009].
عزيز شريف والمسألة الكردية
" لا يجوز للعرب , وليس في صالح قضيته أن يكون سوط العذاب بيد الجلادين المستعمرين يلهبون به جلود الأقوام المضطهدة ويقطعونها على ظهورها."[1]
نصير (عزيز شريف)
حاولت في الفقرة السابقة أن أوضح مع الصديق الدكتور زهدي الداوودي في كتابنا المشترك ÷فهد والحركة الوطنية في العراق" أن موقف الحزب الشيوعي العراقي كان من حيث المبدأ ومنذ البدء سليماً حين أكد على حق الشعب الكردي في تقرير مصيره في العام 1935 ثم السكوت عن هذه المسألة فترة طويلة, ثم بدأ الموقف يتطور تدريجاً ويتحسن لصالح الشعب الكردي والقضية الكردية. إلا أن الموقف الذي اتخذه الحزب وفق قرار جماعي صدر عن الهيئات الحزبية المسؤولة حول المسألة الكردية كان في العام 1956 أثناء انعقاد الاجتماع الحزبي الموسع (الكونفرنس الحزبي الثاني) بعد توحيد قوى الحركة الشيوعية العراقية الثلاث (الحزب الشيوعي العراقي بقيادة سلام عادل , وراية الشغيلة بقيادة جمال الحيدري , ووحدة النضال بقيادة عزيز شريف).
إن تفرد عزيز شريف في طرح موقفه المبدئي الصائب مبكراً إزاء المسالة الكردية هو الذي جعلني أخصص مبحثاً خاصاً به , باعتباره من أوائل الماركسيين العراقيين الذين تميزوا بالجرأة والوضوح في وضع القضية الكردية في إطارها الصحيح وفي طرح المواقف السليمة منها وفق المنهج المادي والفكر الماركسي والوعي بقضية الشعوب وحقها في تقرير مصيرها.
أن موقف عزيز شريف المبدئي من المسالة الكردية , حتى قبل تأسيس حزب الشعب الذي ترأسه , وعمل من أجله فترة طويلة إلى أن صدر له في العام 1950 الكراس المهم الموسوم: "المسألة الكردية في العراق" لا يستحق التقدير والثناء حسب, بل والدراسة من جانب كل العرب ليتبنوا من خلاله إن الكتاب لا يخدم القضية الكردية حسب, بل والقضية العربية أيضاً. إذ لا يمكن ان يكون شعب حراً وهو يستعبد أو يهيمن أو يرفض منح شعب آخر حريته وحقه في تقرير المصير. ويبدو هذا الموقف المبدئي لعزيز شريف من أول صفحة في الكراس حين يعرض المسألة الكردية على النحو التالي:
"ظاهرتان لمسألة الكردية في العراق:
الظاهرة الأولى تمثل الوجه السلبي للمسألة الكردية أي أثر السياسة الاستعمارية الرجعية التي قضت باستعباد الشعب الكردي وتمزيق أوصاله وإبقائه في مستوى من العيش البهيمي.
أما الظاهرة الثانية للمسألة الكردية في العراق فإنها تمثل الوجه الإيجابي لهذه المسألة وهو كفاح الشعب الكردي في سبيل حرياته وفي سبيل تقرير مصيره.
والمسألة الكردية في العراق ليست عراقية صرفة , إنها جزء من مسألة الشعب الكردي في جميع موطنه كُردستان وأن مزقته السياسات الاستعمارية الرجعية المحلية الجائرة وأن تعددت لهجاته حتى بدت أحياناً كأنها لغات مختلفة بسبب العزلة. وأن ترابط أجزاء المسألة الكردية يبدو جلياً في التدابير السياسية والبوليسية العسكرية المنسقة التي تقوم بها قوات الحكومات السائدة في العراق وتركيا وإيران ومن فوقها ومن ورائها الاستعمار الانگلو أمريكي لقمع أية حركة انتفاضة كردية , تقع في أي من الأقطار الثلاثة وأحدث مثال لهذه التدابير المنسقة هو التعاون العسكري بينها لسحق حركة البارزانية عام 1945."[2]
ويعالج الكاتب في متن كراسه الظاهرتين بتفصيل دقيق وسليم ويدين السياسات الرجعية التي ترفض الاعتراف بحق الشعب الكريي لا في العراق فحسب, بل في كل الأقاليم الأخرى التي توزعت على الدول المتجاورة فيشرح خصائص القومية الكردية ونضالها التحرري, كما يطرح الموقف ألأممي البروليتاري كما يراه لهذه المشكلة القومية التي تعقدت بفعل قوى الاستعمار وأطماع القوى القومية الشوفينية في الدول الثلاث التي توزعت عليها الأرض الكردستانية وشعب كردستان.
وقبل أن ينهي عزيزي شريف ويلخص نتائج بحثه كتب يقول:
"بقيت نقطتان نرى ضرورة التنويه بهما , وهما :
أولاً: إن مسالة الاتحاد الاختياري ليست مسألة مطلقة دائماً وفي كل مكان وزمان , يقول لينين : (ومن ناحية أخرى على الاشتراكي المنتمي إلى أمة صغيرة أن يؤكد في دعايته على الشطر الثاني من الصيغة العامة –الاتحاد الاختياري- بين الأمم. ويسوغ له دون إخلال بواجباته بوصفه أممياً أن يفضل إما استقلال أمته السياسي أو إلحاقها في دولة مجاورة ..الخ وعليه في كل الحالات أن يكافح ضد ضيق ذهنية الأمة الصغيرة وضيق الفكر والترفع , عليه أن يناضل في سبيل الاعتراف بالكل والعموم وفي سبيل تبسيط مصالح الخاص إلى مصالح العام.) (راجع ستالين , الأسس اللينينية).
والنقطة الثانية : هي أن الضرورات الا قتصادية هي الأساس العام الدائم للاتحاد الاختياري بين الشعوب.
بيد أنه في ظروف الإمبريالزم يكون للاعتبارات السياسية وزن هام وأن كان موقوتاً في تقرير الحوادث المعينة. لأن الأوساط الاستعمارية تستغل الحوادث للتآمر على حريات الشعوب كلما وجدت إلى ذلك سبيلا. ...
وخلاصة القول في هذه الناحية إن الكفاح ضد العزلة في الأمم الصغيرة عام ومطلق ودائم. أما الدعوة إلى الاتحاد الاختياري بين الشعوب فإنها ليست مطلقة وهي في التطبيق خاضعة لما تمليه الضرورات القائمة في كل حادثة من الحوادث المعينة.
وفي نظرنا إن دعوة الديمقراطيين الأكراد في العراق إلى الاتحاد الاختياري كانت مصيبة بالنظر إلى الظروف الاقتصادية والسياسية الحاضرة معاً."[3]
وانتهى عزيز شريف إلى الخلاصة التالية :
"إن حل المسالة الكردية في العراق يتضمن ما يلي:
1 - نضال الجماهير العربية الكادحة في سبيل حرية وتقرير المصير للقومية الكردية بما في ذلك الانفصال وتأليف دولة مستقلة.
2 - نضال التقدميين الأكراد المطلق ضد الميول الانعزالية بين الجماهير الكردية ودعوتهم إلى الاتحاد الاختياري بالعراق (في الظروف الراهنة القائمة).
على أن هذا النضال بوجهيه لا يتجزأ من الحركة الوطنية التحريرية ضد الاستعمار وعملائه المحليين من جهة , ومن الكفاح العام ضد الإمبرياليزم بنوع خاص ضد المؤامرات الحربية العدوانية الانگلو أمريكية , من جهة أخرى."[4]
كان عزيز شريف ينتقد القوى التقدمية في مواقفها الضعيفة والمترددة إزاء حق الشعب الكردي في تقرير مصيره. وكان هذا النقد وارداً للحزب الوطني الديمقراطي وبعض القوى الديمقراطية الأخرى , كما كان وارداً بالنسبة للحزب الشيوعي العراقي في فترة النكسة الشديدة التي تعرض لها الحزب قبل وفي أعقاب استشهاد فهد , ومجيء قيادات ضعيفة وغير مثقفة ثقافة ماركسية متينة والذي تجلى في اتهام عزيز شريف بالتروتسكية والتيتوية بسبب ما طرحه من موقف مبدئي إزاء القضية الكردية. فنحن نقرأ في المقدمة التي كتبها للطبعة الثانية من كراسه الموسوم "المسألة الكردية في العراق باسم "نصير" حيث يقول:
"ولكننا مع صرف النظر عن سياسة التمييز الاستعمارية ومع صرف النظر عن شوفينية البورجوازية الرجعية نجد أن التقدميين العرب في العراق لمي يعيروا هذه الحقيقة ما تستحقه من أهمية ولذا فقد تضمنت الطبعة الأولى من هذا الكراس لوماً لمن أسميناهم (الجبهة التقدمية) . [ لموقفها الفاتر من الحركة القومية الكردية مع أن الشيوعيين يدينون بحرية تقرير المصير للقومية الكردية لم يبرز بينهم شعار قوي للدعوة إلى هذا المبدأ ونشره وجعله قوة محركة].
وبعيد ظهور تلك الطبعة وما قوبلت به من عداء سافر للحل اللينيني الذي تضمنته قد كشف عن قصور ذلك النقد , فبعد أن حاربت جماعة القاعدة هذا الكراس بالصمت ولما لم يجد الصمت في قتله لجأت إلى أسلوب الهجوم المكشوف فوصفته في العدد التاسع من جريدة القاعدة ( أواسط تشرين الثاني 1950 ) بكونه (يحل المسألة بالشكل الذي طالما دعا إليه الانتهازيون , وراق ذلك له (كذا وردت) المستعمرون ...) وانحدرت إلى التشهير باسم عزيز شريف باعتباره واضع هذا البحث , كما انحدرت أكثر في العدد الثاني و زعمت أنه يحرض الجماهير الكردية ضد العرب وافترت افتراءً بذيئاً مصرحة أن للمؤلف (نصير) غرفة في السفارة البريطانية." [5]
إن هذا الموقف الخاطئ الذي تميز بروح المهاترة غير الودية إزاء قوة ماركسية أخرى من جانب قيادة الحزب الشيوعي العراقي حينذاك عبرت عن المستوى المتخلف لتلك القيادة. وقد استمر هذا الموقف فترة قصيرة إلى أن تم تعديله بقرار وموقف من قيادة الحزب التي كان بهاء الدين نوري (باسم) سكرتيرا للجنة المركزية للحزب حينذاك, حين رفع شعار حق تقرير المصير للشعب الكردي. ثم اغفل ثانية, ثم عاد إلى الواجهة في تقرير سلام عادل إلى الاجتماع الحزبي الموسع الثاني في العام 1956.
أتفق كل من سلام عادل وجمال الحيدري وعزيز شريف على التعاون المشترك لصياغة التقرير الذي قدمه سلام عادل إلى الاجتماع الحزبي الموسع الثاني الذي عقد في العام 1956 في ما يخص المسألة الكردية, إذ يجد المتتبع أن الحل الذي طرحه عزيز شريف في العام 1950 قد انعكس في هذا التقرير أولاً وأن دراسة جمال الحيدري الخاصة بالمسألة الكردية التي أنجزها في العام 12957 تحوي نفس الوجهة التي التزم بها وناضل من أجلها الأستاذ الفقيد عزيز شريف.
لقد كان عزيز شريف قومياً تقدمياً نزيهاً في وعيه للمسألة القومية الكردية من منطلق الوعي بالقضية القومية العربية أيضاً, وكان وطنياً أميناً وحريصاً على مصالح الشعب العراقي بكل مكوناته القومية والذي كان يتجلى في نضاله الدؤوب ضد الاستعمار والرجعية والظلم والاضطهاد ومن أجل الديمقراطية وحقوق القوميات والعدالة اجتماعية , كما كان ماركسياً واعياً مستخدماً المنهج المادي في التحليل والاستنتاج ورسم السياسات, إضافة إلى كونه أممياً صادقاً من حيث الموقف العام في النضال ضد الإمبريالية وفي التضامن بين شعوب البلدان المستعمرة والتابعة من أجل نيل حريتها واستقلالها وسيادة بلدانها, وفي سبيل استتباب الأمن والسلام في العالم. وقد برهنت الحياة على صواب الموقف الذي التزم به عزيز شريف إزاء القضية الكردية طوال حياته, وهو نفس الموقف الذي توصل إليه الحزب الشيوعي العراقي أيضاً خلال تلك الفترة وما بعدها.
--------------------------------------------------------------------------------
[1] شريف , عزيز. المسألة الكريدة في العراق. مطبعة الإعلام المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني. السليمانية 2004. من مقدمة الطبعة الثانية للكراس..
[2] شريف, عزيز. المسألة الكردية في العراق.مطبعة مكتب الإعلام المركزي للاتحاد الوطني الكردستاني. ط4. 2004. ص 29.
[3] شريف , عزيز. نفس المصدر السابق. ص 79/80.
[4] نفس المصدر السابق. ص 81.
[5] شريف , عزيز. المسالة الكردية في العراق. مقدمة الطبعة الثانية. مصدر سابق.
ص 23/24.