Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل سينسحب ديمقراطيو أمريكا من العراق لو فازوا؟

أصبحت مسألة الانسحاب العسكري الأمريكي من العراق مسألة مهمة للعالم العربي وللإعلام العربي خاصة. وقد ازدادت أهمية هذه المسألة بعد التقارير الواردة من أمريكا بشأن الانتخابات الرئاسية القادمة 2008 والتي تقول أن للحزب الديمقراطي الليبرالي الأمريكي حظاً أوفر في النجاح في الانتخابات الرئاسية القادمة، وأن هذا الحزب يلوّح في شعاراته الانتخابية بالانسحاب من العراق، فيما لو أصبح صاحب القرار في البيت الأبيض. وشعار الانسحاب هذا هو الشعار السياسي العاطفي غير الواقعي، الذي يماثله شعار مشهور في الانتخابات العربية وفي أوساط الناخبين والمرشحين الدينيين: (الإسلام هو الحل). وشعار: (ضرورة الانسحاب من العراق) هو الشعار الأبرز والأهم في الحملة الانتخابية للحزب الديمقراطي الأمريكي، الذي يدغدغ به مشاعر الناخبين الأمريكيين الذين يكرهون الحرب وويلاتها، والذين ما زالوا يعانون من عقدة حرب فيتنام المؤلمة لهم، وللأجيال القادمة.

فالشعوب تعشق السلام، ولم تذهب يوماً إلى الحرب.

الحكام وحدهم هم الذين يذهبون إلى الحروب، ويقودون الشعوب مرغمةً من ورائهم. فالحكام وحدهم هم المستفيدون من الحروب الخاسرة والرابحة. فإن خسروا فالشعب هو الذي يدفع الخسارة، وإن ربحوا فإنهم وحدهم هو الذين (يلهطون) عسل النصر.



هل سينسحب الديمقراطيون لو فازوا؟

صحيح أن شعار (ضرورة الانسحاب من العراق) هو الشعار الرئيس في الانتخابات الرئاسية القادمة.

فإلى أي مدى تصحُّ واقعية هذا الشعار سياسياً؟

وهل يستطيع صانعو القرار الديمقراطيون في البيت الأبيض – فيما لو فازوا – أن يطبّقوا قرار الانسحاب الفعلي من العراق؟

وما هي المنافع أو الأضرار التي ستلحق بأمريكا، فيما لو انسحبت أمريكا خلال عام 2008 أو 2009 من العراق، قبل أن تتخذ خطوات سياسية وعسكرية ضرورية في المنطقة، تضمن معها هدوء المنطقة واستقرارها، وقبل أن تؤمّن منطقة الشرق الأوسط تأميناً عسكرياً وسياسياً لمصالحها، بعد أن تكبدت كل هذه الأموال، وكل هذه الأرواح من عناصر جيشها، وبعد أن غامرت بتاريخها السياسي، وبصدقيتها كقطب أحادي أعظم في العالم؟

قبل الإجابة عن هذه الأسئلة، يجب التأكيد على أن القرار السياسي الأمريكي الداخلي والخارجي ليس قرار أفراد، ولكنه قرار مؤسسات دستورية. ورئيس الجمهورية لا يستطيع الذهاب وحده إلى الحرب أو الانسحاب منها إلا بموافقة المؤسسات الدستورية المختلفة في البلاد. وهذه المؤسسات لا تمتلئ بزعماء قبائل ورؤساء عشائر وممولين وأصحاب مصالح تجارية، بقدر ما تمتلئ بنخب سياسية مثقفة ومسئولة أمام ناخبيها، وذات باع طويل في العمل السياسي والشأن العام. ولكن كما يحصل في كل انتخابات في العالم وفي التاريخ البشري هناك شعارات سياسية مدغدغة لعواطف الناس تُلقى في الحملات الانتخابية، وهي بمثابة (الشطّة) أو الفلفل الحار لفتح شهية الناخبين لتناول طبق المرشحين، ولكنها ليست هي الطبق الرئيس. إنها نوع من (المُقبّلات) التي عادةً لا تُغني ولا تُسمن من جوع. ولكن يبقى الطبق الانتخابي الرئيس هو واقعية الشعارات وصدقيتها وشفافيتها، وقدرة المرشح على تنفيذ وعوده ليس بقوته الشخصية، ولكن بواقعية شعاراته وخطابه السياسي.

صعوبة الانسحاب الأمريكي المبكِّر

سواء فاز المرشح الديمقراطي أو الجمهوري في الانتخابات الرئاسية 2008 فإن موقف الاستراتيجية الأمريكية لن يتغير من البقاء في العراق، أو الانسحاب منه. وغالباً ما يكون البقاء العسكري في العراق أطول فترة ممكنة هو القرار الأمريكي الاستراتيجي "الأرجح" لأسباب كثيرة منها:

1- أن صُنّاع القرار الأمريكي في معظم المؤسسات الدستورية، أصبحوا يدركون بأن محاربة الإرهاب على أرضه أفضل من محاربته على الأرض الأمريكية مهما كان الثمن غالياً وجسيماً. صحيحٌ أن الوجود العسكري الأمريكي في العراق، كان بمثابة قضيب المغناطيس الذي جذب بُرادة حديد خُردة معظم الجماعات الإرهابية الدينية والقومية المسلحة إلى العراق، وكان أيضاً بمثابة الشريط اللاصق للهوام والذباب. ولكن هذا الوجود العسكري الأمريكي في العراق وبالدرجة الثانية في أفغانستان هو المبضع الذي فتح دُمّل الإرهاب المُتقيّح في العالم العربي. وهو الذي اخترق ونفَّضَ أعشاش الدبابير الإرهابية، التي كانت تكبر وتتضخم كل يوم، بحيث أصبحت معظم الأنظمة العربية عاجزة عن مواجهتها إلا بالحُسنى، وبالجزرة فقط. ولولا هذا الوجود العسكري لأصبحت الأنظمة العربية وخاصة المسيطرة منها على آبار البترول، هي وآبار البترول مهددة تهديداً خطيراً من قبل الجماعات الإرهابية التي تريد بجنون فانتازي أن تقيم أنظمة حكم دينية مماثلة لحكم طالبان في أفغانستان. وتلك هي الطامة الكبرى للعالم أجمع وليس للشرق الأوسط وحده. وأمريكا لن تنسحب من العراق قبل التأكد تماماً من القضاء على أعشاش الدبابير الإرهابية، التي بدأت هذا العام تنهار وتقتل دبابيرها كما نرى الآن.

2- منذ سنوات والنظام الإيراني يشتد ويقوى ويتطلع إلى دور سياسي وعسكري قوي في المنطقة، وقد تعاظم هذا الدور بعد غزو أمريكا للعراق 2003، وأصبح الآن على ما هو عليه كما نرى الآن، وفي ظل الوجود العسكري الأمريكي في العراق، فما بالك لو انسحبت أمريكا من العراق وملأت إيران الفراغ كما تمنّت قبل مدة؟ إن أمريكا في ظن كثير من المحللين السياسيين لن تنسحب من العراق ما لم تجد حلاً مرضياً لها وللأوروبيين بخصوص الملف النووي الإيراني، سيما وأن السند الأوروبي لأمريكا بهذا الخصوص أصبح أقوى مما مضى بمجيء ساركوزي إلى الإيليزيه، وتشدد الاتحاد الأوروبي عموماً تجاه الملف النووي الإيراني.

3- رغم أن معظم الأنظمة العربية تُعلن جهاراً وتُرحّب علانيةً بانسحاب القوات الأمريكية من العراق عاجلاً وليس آجلاً، مسايرة للشارع الديني والمؤسسات الدينية التي تنادي بهذا الشعار الديني/السياسي الرنّان، دون أن تدرك عواقبه، إلا أن هذه الأنظمة في داخلها لا تريد لهذا الانسحاب أن يتم قريباً قبل أن يستقر الوضع في العراق، ويتم القضاء على عناصر الإرهاب ، لكي لا ترتد عناصر الإرهاب لها. زيادة على ذلك، فإن الأنظمة المعتدلة في العالم العربي تعتبر وجود القوات الأمريكية في العراق ضمانة لها ضد أية أطماع إيرانية في المستقبل.

4- إن المحور السوري – الإيراني – حزب الله – الحماسي، والذي يضم أقطاراً عربية أخرى بشكل غير مباشر، والمدعوم من روسيا ومن الصين بشكل خاص، مقابل المحور المصري- السعودي – الأردني- فريق 14 آذار اللبناني، المدعوم أوروبياً وأمريكياً، يحتاج إلى قوة عظمى راصدة ومتيقظة له لكي لا يستطيع المحور الأول التغلّب على المحور الثاني في ظل الحرب الباردة الثانية الجديدة بين أمريكا وروسيا الوريث السياسي للاتحاد السوفييتي، وحماية لأكثر من 80 % من مخزون البترول العالمي. وهذه القوة العظمى موجودة الآن في العراق، وتكلفتها المالية والسياسية عالية، ولكن انسحابها المبكِّر سيكون أكثر تكلفةً سياسية وعسكرية من بقائها مدة أطول. Opinions