Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل عاد المجرمون من كل حدب وصوب ليغرقوا العراق بالدم والدموع؟

نعم, نعم, نعم عاد المجرمون من كل حدب وصوب إلى عادتهم القديمة, عادوا ليغرقوا العراق ومن جديد بالدم والدموع, إنهم من ذات الهويات السابقة التي مارست الإرهاب قبل أعوام وأن لم تنقطع إلا لماما. إنهم ينهلون من ذات المعين المتعدد الجهات الذي كان يغذيهم بالمال والسلاح والقتلة المأجورين, إنهم مجرمون تربوا على أيدي نظم سياسية مجرمة ابتداءً من نظام صدام حسين الفاشي ومروراً بنظام إيران الإسلامي الدموي ومروراً بالنظام السوري المستكين لإيران والمتفاعل معها والمستبد بأمره واستمراراً بالقوى الأصولية المتطرفة الموجودة في السعودية وبعض دول الخليج والقادمين من أوروبا عبر بعض مساجد وجوامع المتطرفين. إنهم قوى وميليشيات مسلحة إرهابية وطائفية متطرفة, شيعية وسنية, تأتمر بأوامر دول الجوار وتنفذ مشاريعها في العراق لنشر عدم الاستقرار والاستمرار بالقتل والتخريب وتعطيل عملية إعادة البناء وكل العملية السياسية, رغم مساهمة القوى السياسية العراقية ذاتها بتعطيل العملية السياسية لمصالحها الضيقة ومشاريعها الطائفية من خلال صراعها على السلطة وبالطريقة البائسة الراهنة.

إنهم يريدون تعطيل انسحاب القوات الأجنبية من العراق ليواصلوا تأكيد وجود قوات أجنبية محتلة في العراق لكي يتذرعوا بذلك ويدعون إلى استمرار مقاومتها الفاشلة, وهي نفس الذريعة السابقة لم تتغير ولن تتغير إلا بتوطيد العاق المنشود, وليس العراق المحاصصي.

إن القوى التي تريد إشاعة الرعب والموت وعدم الاستقرار في العراق ليست غير معروفة للحكومة الحالية ورئيسها, ولكن رئيس حكومة تصريف الأعمال لا يزال متشبثاً بالحكم ويريد الوصول إلى مساومة لصالحها فيغض الطرف عن أولئك الحلفاء أو غيرهم ممن يحمل السلاح ويوجه به ضربات قاسية للجيش والشرطة والناس الأبرياء الآخرين. إن هؤلاء يمتلكون معلومات قيمة وليست ضرباتهم عبثية أو عشوائية. وهي قوى تعرف جيداً أن توجه ضرباتها لتؤجج الأحقاد الطائفية المتشنجة أصلاً والأوضاع غير الهادئة منذ سنوات بفعل الصراع حول السلطة والمال والنفوذ, هذا الثلاثي الذي أصبح مدمراً للعراق وشعبه.

نحن أمام حلقة مفرغة, كل يدعي وصلاً بليلى وليلى هي المستهدفة من كل ذلك, إنه الشعب المستهدف. لا نريد أن نذكر حكامنا في العراق كيف أصبح الدم محتقناً في رؤوس الناس في الداخل والخارج حين يرون المفاوضات الفاشلة والابتسامات العريضة غير الحقيقة ترتسم على شفاه ووجوه الحكام. لقد ملَّ الشعب هذه المسرحية المنهكة للشعب, لقد ملَّ الشروط المتبادلة لتشكيل الحكومة أو المساهمة فيها, إذ كل يريد أن يقتطع أكثر ما يمكن من هذا البلد لصالحه, وكأن العراق أصبح سفينة في بحر متلاطم والنار تشتعل فيه, ولكل الحق في أخذ ما يريد وما يشاء ويهرب به إلى شاطئ السلام دون وقبل غيره.

نحيب العائلات على موتاها وجرحاها متصاعد غلى عنان السماء ودموعهم تشكل نهراً يمر شاقاً طريقه بين النهرين وعبر العراق كله, وأعصاب الناس متوترة وأوضاعهم النفسية في الحضيض وعلاقاتهم متدهورة, وكأننا في صراع ونزاع شديد لا يقبل التأجيل ولا يمتلك الرحمة, كل يسئ إلى صاحبه مع سبق إصرار ويسعى إلى تحقيق الضربة الاستباقية. هذا لم يعد في العراق فحسب, بل انتقل إلى خارج العراق حيث كان الهدوء والتفاهم والسلام يسود بين الناس, إنه نتيجة منطقية وسلبية للإحباط الذي يعيشه الناس في العراق فينتقل عبرهم غلى خارج البلاد. كم يتمنى الإنسان أن تكون لهذا الإحباط نتائج أخرى غير الفرقة والصراع والنزاع والشتائم المتبادلة والإساءات التي لم تكن موجود قبل ذاك, أن يشد البعض إلى البعض الآخر ويعزز لحمتهم لا معاركهم الجانبية, أن يكون الإدراك لا بما فعلته الدكتاتورية وخلفته لنا في العراق وفي الخارج فحسب, بل وما فعلته الطائفية من تقسيم للشعب ومن تفريق للناس ومن إساءة للجاليات العراقية في الخارج.

لم تعد النداءات كافية لإقناع الناس بضرورة الكف عن هذه الطريقة في التعامل في ما بين القوى والأحزاب السياسية ولا مع تجميد مجلس تابع للطوائف والقوميات وليس للشعب كله. لقد أقسموا في أن يكون العراق كله نصب عيونهم, ولكن لا نرى غير الطائفة والقومية هما نصب العيون, فهل أخلَّوا بالقسم؟ هذا السؤال موجه إلى كل نائب يحس بأدميته ويرى ويعيش ما يجري في الوطن من سيول جديدة للدماء وما تنساب من دموع من عيون العائلات الثكلى بقتلاها.

ألا تنفع صرخات العائلات المتصاعدة إلى عنان السماء؟ ألا تسمعون أحاديث الناس والشتائم التي بدأت تنهال على الجميع دون استثناء؟ ألا ترون الموت اليومي في صفوف الناس؟ أم أن عائلاتكم بعيدة عن مثل هذه المخاطر وليكن عندها الطوفان؟

اشعر بالقرف الحقيقي لما يجري في العراق, ولست وحيداً في هذا بل أنه التعبير الجمعي للحالة في العراق. القوات الأمريكية تنسحب وهو فأل خير, ولكن الحصيلة كما نراها فأل شؤم, لأن المحتل يترك العراق وقد عاد الموت إليه وكأنه الجراد الأصفر القاتل, كأنه الطاعون الذي يختطف الناس ليلاً ونهاراً.

لست كارهاً لكم ولا حاقداً عليكم ولكني غاضباً على السياسات التي تمارس في العراق والعذابات التي يتحملها الإنسان العراقي بعد أربعين عاماً من حكم القوى القومية والبعثية الشوفينية والمستبدة, وبعد سبع سنوات من عذاب التعصب الديني والطائفية السياسية المقيتة التي مارست القتل في الناس من كل الأديان والمذاهب ومن كل الاتجاهات السياسية التي ترفض العنف والفرية والتعسف.

لنتوقف لحظة هدوء ونفكر في هذا الشعب وليس بمصالحنا الذاتية التي يمكن أن تذهب كلها ودفعة واحدة هدراً. لنعمل معاً وليرتفع صوت الإنسان العراقي المعذب منذ ألاف السنين, ويطالب باستعادة كرامته المهدورة وسعادته الغائبة, كرامة وسعادة كل المكونات القومية, كل الناس في العراق.

22/8/2010 كاظم حبيب


Opinions