هل كان غزو العراق سبباً في الأزمة المالية الأمريكية؟
-1-الهمس الذي كان يدور في الأوساط السياسية والاقتصادية الأمريكية، حول الأعباء المالية التي تحملتها الخزينة الأمريكية لمئات المليارات، التي صُرفت على عملية "حرية العراق"، تحوَّل إلى كلام مسموع، ومن ثمَّ إلى صرخات عالية، تُعلن عن وجود أزمة مالية كبيرة في أمريكا، انفجرت على شكل دفع مصرفي غولدمان ساكس ومورغان ستانلي إلى أحضان مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) للاحتماء من عاصفة مالية أجهزت على البنوك المنافسة. ويعني تهافت بنك غولدمان ساكس ومورغان ستانلي، للحصول على موافقة السلطات ليصبحا شركتين مصرفيتين قابضتين تخضعان لضوابط البنك المركزي فعلياً، القضاء على نموذج العمل المصرفي الاستثماري الذي هيمن على "وول ستريت"، طوال أكثر من 20 عاماً. إضافة لذلك، فقد قامت الإدارة الأمريكية، بعد انهيار السوق العقاري، الطلب من الكونجرس الموافقة على تخصيص مبلغ 700 مليار دولار، (لحلحلة) الأزمة المالية الأمريكية، ووافق الكونجرس على ذلك بعد مخاض عسير. وجاءت خطة الإنقاذ، بعد أن دفع المستثمرون - وقد أصابهم الذعر- بنك "ليمان براذرز" إلى إشهار إفلاسه، واضطرار بنك "ميريل لينش" إلى الارتماء في أحضان "بنك أوف أمريكا". من ناحية أخرى، أدت هذه الأزمة إلى خطوة اشتراكية اقتصادية واضحة، وهي تأميم شركة التأمين العملاقة "اميركا انترناشيونال جروب AIG". وجاءت هذه الحوادث، بعد أسبوع من وضع الحكومة يدها على عملاقي التمويل الإسكاني "Fennie Mae"، و"Freddie Mac ". ولا شك أن هذه الحوادث، خطوات أولى على طريق نشوء هيكلية مالية جديدة في العالم، كما يقول نيل ايروين وديفيد تشو، المعلقان في صحيفة "الواشنطن بوست". وفي الأيام الأخيرة، اضطر عمالقة "وول ستريت"، الى مواجهة واقع الحال، وهو أن حجم القطاع المالي ضخمٌ، وأن الديون تثقل القطاع الذي ينوء بها. وانتقلت الأزمة إلى مؤسسات ضعيفة السيولة، وعاجزة عن تسديد ديونها، على غرار " Fennie Mae" و " Freddie Mac" و "AIG"، و300 من مؤسسات الرهون العقارية، فساد الهلع الأسواق المالية. وتفاقمت الأزمة المالية وشملت معظم أركان الكرة الأرضية، وهو دليل واضح على مدى أثر أمريكا الاقتصادي على العالم، سلباً أو إيجاباً.
-2-
لقد اعتُبرت الأزمة المالية الأمريكية الحالية، بمثابة كارثة 11 سبتمبر ثانٍ لأمريكا. ويرد توماس فريدمان، بعض أسباب هذه الأزمة إلى أن أمريكا تخسر يومياً في العراق مليار دولار. وهي أكبر تكلفة مالية يومية عسكرية تتحملها أمريكا في تاريخها كله، بل وتتحملها أية دولة في التاريخ البشري كله. وفريدمان يتحدث بلسان المواطن الأمريكي، وبلسان الرئيس الأمريكي الذي يفترض فيه - كما قال - أن يوجه رسالة قاسية إلى الشعب العراق، (ولكن في فمه ماء)، يقول فيها:
ربما يصعب عليّ أن أصف لكم مدى عمق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلادنا.
فنحن نناقش اليوم إمكانية تخصيص حوالي تريليون دولار، لإنقاذ نظامنا المصرفي من الاضطرابات المالية التي يمر بها. وتمثل هذه الأزمة بالنسبة لنا نسخة مالية من هجمات 11 سبتمبر. وطالما يفقد المزيد من الأميركيين منازلهم، ويزدادون غرقاً في الديون، فإنه يصعب عليهم فهم الأسباب التي تجعلنا نستمر في إنفاق مليار دولار يومياً، لجعل العراقيين آمنين ومطمئنين في بيوتهم. غير أن الأمر لم يعد كذلك الآن. والحقيقة أن تحديد هذا الموعد قد أزف. ذلك أنه يستحيل على دافع الضريبة الأميركي، الذي يرفض أن تستغل الضرائب التي يسددها للدولة من دخله الشخصي لدعم شركاتنا ومؤسساتنا المالية، أن يسمح باستخدام الدولارات الضريبية نفسها لتمويل نزاعاتكم التي لا حدَّ لها حول من يحكم كركوك؟
ويضيف فريدمان على لسان الرئيس بوش، وربما على لسان كل مواطن أمريكي:
كنا أمة يخشاها العالم من فرط قوتها قبل عقد، وها نحن نتحول اليوم إلى دولة يشفق عليها العالم من فرط ضعفها وتضاؤل نفوذها العالمي. ويدرك تنظيم "القاعدة" أنه وفي حال تمكنه من هزيمة أمريكا في قلب العالم العربي- الإسلامي، فإن ذلك سوف يكون له صدى مدوٍ في أركان ذلك العالم كله، ويرفع اسم "القاعدة" عالياً فيه. ومن جانبنا ندرك أنه وفي حال تمكننا من هزيمة تنظيم "القاعدة" في عقر داره - في بلاد الرافدين- بالتضامن والتعاون مع العرب والمسلمين، فسوف يكون لنصرنا دوي هائل على امتداد المنطقة بأسرها، وسوف يخسف بتنظيم "القاعدة" إلى القاع. غير أن مخاطرة كبيرة تجري هنا. ويبدو أننا قد تمادينا كثيراً في محاولة الفوز بهذه الحرب. وفي الوقت نفسه أدركت أننا وبمساعدتنا لكم في تنظيم انتخاباتكم، تمكنا من تذليل أول مسعى لشعب دولة عربية حديثة لصياغة العقد الاجتماعي الخاص به ، بدلاً من الخضوع لعقد اجتماعي مفروض عليه من قبل الملوك، أو الطغاة، أو القوى الاستعمارية الخارجية.
-3-
ويقول فريدمان بمرارة واضحة على لسان الرئيس بوش:
والحقيقة أنه ما من شيء تغير في واقع بلادكم. عدا أن هذا هو الدور الذي يقع القيام به عليكم أنتم وليس أحد غيركم. فقد لاحظت أنكم تماديتم كثيراً في الاعتماد على وسادة الأمن التي وفرتها لكم بلادنا، فازددتم عناداً وتنازعاً حول تقسيم السلطة، والثروة في بلادكم.
وكم كنت صبوراً وجلداً في احتمال كل هذا! ومن واجبي اليوم أن أخطركم بأن وسادتنا الأمنية لن تبقى في بلادكم إلى أبد الدهر، وأننا موشكون على سحبها من تحت رؤوسكم. وطالما وفرنا لكم من الوقت ما يكفي بزيادة عدد قواتنا لديكم، فإن عليكم أن تعجلوا باستغلالها في التوصل إلى تسوية سياسية فيما بينكم.
ويختتم فريدمان رسالة الرئيس بوش المتخيّلة إلى الشعب العراقي بقوله:
وإن كنتم تريدون رؤية الخوف حقاً، فعليكم أن تنظروا إلى عيون الأمريكيين جيداً، لتروا كيف يكون الخوف اليومي من فقدان البيوت، وانهيار الشركات، وتبخر الادخارات، وتراكم الديون. ولئن كنا أمة يخشاها العالم من فرط قوتها وجبروتها قبل عقد مضى، فها نحن نتحول اليوم إلى دولة يشفق عليها العالم من فرط ضعفها، وتضاؤل نفوذها العالمي. ولهذا فهي معنية أكثر الآن بترتيب بيتها وأوضاعها أولاً وقبل كل شيء.
كذلك، فإن الشعب الأمريكي الناخب في 4 نوفمبر القادم، يريد أن يسمع من المرشح الجمهوري جون ماكين، قوله بصراحة ووضوح:
إنني أنوي سحب معظم القوات الأميركية من العراق خلال 24 شهراً، حيث فعلنا كل ما في وسعنا هناك بل ارتضينا أن نؤدي وظيفة "القابلة" لكي نساعد على ولادة الديمقراطية هناك. لكن العراقيين يريدونها جاهزة. ونحن الآن في حاجة إلى كل دولار للاضطلاع بعملية بناء الأمم، ليس في العراق ولكن في الولايات المتحدة ذاتها". وهذا ما طالب به بشدة كثير من المعلقين السياسيين الأمريكيين.
وهذا كله يشير بوضوح تام، على أن الحملة على العراق، في 2003 ، وتكاليف القوات الأمريكية الباهظة، خلال السنوات الخمس الماضية (2003-2008)، كانت السبب الرئيسي – ربما – للأزمة المالية التي تفتك بالاقتصاد الأمريكي الآن.
-4-
ولكن علينا أن لا ننسى بأن (الفلتان) والتسيّب المالي والمكافآت المالية الضخمة، التي كان يتقاضاها سنوياً كبار المدراء في الشركات المالية العملاقة الأمريكية، كما كشفت عنها الجلسة الأولى لاستجواب اللجنة الاقتصادية للكونجرس بالأمس لرئيس مجلس إدارة الشركة العملاقة "ليمان برذرز" (ريتشارد فيلد، الذي كان يتقاضى راتباً سنوياً بمقدار 168 مليون دولار، و480 مليون دولار كتعويضات وغيرها من الحوافز المالية الضخمة) كان من الأسباب الرئيسة لهذه الإفلاسات والانهيارات المالية، التي أدت إلى كشف المزيد من هذه الإفلاسات في البنوك الأوروبية واليابانية وأدت إلى هزة عنيفة في الاقتصاد الأمريكي، ربما ستكون أكبر من الزلزال الاقتصادي الذي حدث عام 1929.
ولا شك أن الحكومات المتعاقبة في أمريكا وأوروبا واليابان، تتحمل مسؤولية كبيرة في هذه الكوارث المالية، وهي عدم مراقبتها المراقبة الكافية وعدم محاسبتها المحاسبة الدقيقة بواسطة البنوك المركزية، حفاظاً على حقوق المساهمين والمودعين. وفي ظني أن إهمال البنوك المركزية لدورها الفعّال في الرقابة والمحاسبة هو العامل الأساسي وراء هذه الكارثة، يضاف إليه عامل تكاليف حروب أمريكا في العراق وأفغانستان منذ عام 2002، وانصرافها نتيجة لذلك عن الشأن الداخلي.
كذلك فإن الإعلام الأمريكي والأوروبي والياباني، لم يحفر بما فيه الكفاية في داخل الشركات العملاقة طوال هذه السنين. وهو ما يشير إلى أن بعض المسئولين والإعلاميين كانوا مستفيدين مادياً من السكوت وإغماض الأعين، عما يجري داخل هذه الشركات، التي جلبت الكوارث المالية والاجتماعية لدول وشعوب هذه الشركات. هل كان غزو العراق سبباً في الأزمة المالية الأمريكية؟
شاكر النابلسي
-1-
الهمس الذي كان يدور في الأوساط السياسية والاقتصادية الأمريكية، حول الأعباء المالية التي تحملتها الخزينة الأمريكية لمئات المليارات، التي صُرفت على عملية "حرية العراق"، تحوَّل إلى كلام مسموع، ومن ثمَّ إلى صرخات عالية، تُعلن عن وجود أزمة مالية كبيرة في أمريكا، انفجرت على شكل دفع مصرفي غولدمان ساكس ومورغان ستانلي إلى أحضان مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) للاحتماء من عاصفة مالية أجهزت على البنوك المنافسة. ويعني تهافت بنك غولدمان ساكس ومورغان ستانلي، للحصول على موافقة السلطات ليصبحا شركتين مصرفيتين قابضتين تخضعان لضوابط البنك المركزي فعلياً، القضاء على نموذج العمل المصرفي الاستثماري الذي هيمن على "وول ستريت"، طوال أكثر من 20 عاماً. إضافة لذلك، فقد قامت الإدارة الأمريكية، بعد انهيار السوق العقاري، الطلب من الكونجرس الموافقة على تخصيص مبلغ 700 مليار دولار، (لحلحلة) الأزمة المالية الأمريكية، ووافق الكونجرس على ذلك بعد مخاض عسير. وجاءت خطة الإنقاذ، بعد أن دفع المستثمرون - وقد أصابهم الذعر- بنك "ليمان براذرز" إلى إشهار إفلاسه، واضطرار بنك "ميريل لينش" إلى الارتماء في أحضان "بنك أوف أمريكا". من ناحية أخرى، أدت هذه الأزمة إلى خطوة اشتراكية اقتصادية واضحة، وهي تأميم شركة التأمين العملاقة "اميركا انترناشيونال جروب AIG". وجاءت هذه الحوادث، بعد أسبوع من وضع الحكومة يدها على عملاقي التمويل الإسكاني "Fennie Mae"، و"Freddie Mac ". ولا شك أن هذه الحوادث، خطوات أولى على طريق نشوء هيكلية مالية جديدة في العالم، كما يقول نيل ايروين وديفيد تشو، المعلقان في صحيفة "الواشنطن بوست". وفي الأيام الأخيرة، اضطر عمالقة "وول ستريت"، الى مواجهة واقع الحال، وهو أن حجم القطاع المالي ضخمٌ، وأن الديون تثقل القطاع الذي ينوء بها. وانتقلت الأزمة إلى مؤسسات ضعيفة السيولة، وعاجزة عن تسديد ديونها، على غرار " Fennie Mae" و " Freddie Mac" و "AIG"، و300 من مؤسسات الرهون العقارية، فساد الهلع الأسواق المالية. وتفاقمت الأزمة المالية وشملت معظم أركان الكرة الأرضية، وهو دليل واضح على مدى أثر أمريكا الاقتصادي على العالم، سلباً أو إيجاباً.
-2-
لقد اعتُبرت الأزمة المالية الأمريكية الحالية، بمثابة كارثة 11 سبتمبر ثانٍ لأمريكا. ويرد توماس فريدمان، بعض أسباب هذه الأزمة إلى أن أمريكا تخسر يومياً في العراق مليار دولار. وهي أكبر تكلفة مالية يومية عسكرية تتحملها أمريكا في تاريخها كله، بل وتتحملها أية دولة في التاريخ البشري كله. وفريدمان يتحدث بلسان المواطن الأمريكي، وبلسان الرئيس الأمريكي الذي يفترض فيه - كما قال - أن يوجه رسالة قاسية إلى الشعب العراق، (ولكن في فمه ماء)، يقول فيها:
ربما يصعب عليّ أن أصف لكم مدى عمق الأزمة الاقتصادية التي تمر بها بلادنا.
فنحن نناقش اليوم إمكانية تخصيص حوالي تريليون دولار، لإنقاذ نظامنا المصرفي من الاضطرابات المالية التي يمر بها. وتمثل هذه الأزمة بالنسبة لنا نسخة مالية من هجمات 11 سبتمبر. وطالما يفقد المزيد من الأميركيين منازلهم، ويزدادون غرقاً في الديون، فإنه يصعب عليهم فهم الأسباب التي تجعلنا نستمر في إنفاق مليار دولار يومياً، لجعل العراقيين آمنين ومطمئنين في بيوتهم. غير أن الأمر لم يعد كذلك الآن. والحقيقة أن تحديد هذا الموعد قد أزف. ذلك أنه يستحيل على دافع الضريبة الأميركي، الذي يرفض أن تستغل الضرائب التي يسددها للدولة من دخله الشخصي لدعم شركاتنا ومؤسساتنا المالية، أن يسمح باستخدام الدولارات الضريبية نفسها لتمويل نزاعاتكم التي لا حدَّ لها حول من يحكم كركوك؟
ويضيف فريدمان على لسان الرئيس بوش، وربما على لسان كل مواطن أمريكي:
كنا أمة يخشاها العالم من فرط قوتها قبل عقد، وها نحن نتحول اليوم إلى دولة يشفق عليها العالم من فرط ضعفها وتضاؤل نفوذها العالمي. ويدرك تنظيم "القاعدة" أنه وفي حال تمكنه من هزيمة أمريكا في قلب العالم العربي- الإسلامي، فإن ذلك سوف يكون له صدى مدوٍ في أركان ذلك العالم كله، ويرفع اسم "القاعدة" عالياً فيه. ومن جانبنا ندرك أنه وفي حال تمكننا من هزيمة تنظيم "القاعدة" في عقر داره - في بلاد الرافدين- بالتضامن والتعاون مع العرب والمسلمين، فسوف يكون لنصرنا دوي هائل على امتداد المنطقة بأسرها، وسوف يخسف بتنظيم "القاعدة" إلى القاع. غير أن مخاطرة كبيرة تجري هنا. ويبدو أننا قد تمادينا كثيراً في محاولة الفوز بهذه الحرب. وفي الوقت نفسه أدركت أننا وبمساعدتنا لكم في تنظيم انتخاباتكم، تمكنا من تذليل أول مسعى لشعب دولة عربية حديثة لصياغة العقد الاجتماعي الخاص به ، بدلاً من الخضوع لعقد اجتماعي مفروض عليه من قبل الملوك، أو الطغاة، أو القوى الاستعمارية الخارجية.
-3-
ويقول فريدمان بمرارة واضحة على لسان الرئيس بوش:
والحقيقة أنه ما من شيء تغير في واقع بلادكم. عدا أن هذا هو الدور الذي يقع القيام به عليكم أنتم وليس أحد غيركم. فقد لاحظت أنكم تماديتم كثيراً في الاعتماد على وسادة الأمن التي وفرتها لكم بلادنا، فازددتم عناداً وتنازعاً حول تقسيم السلطة، والثروة في بلادكم.
وكم كنت صبوراً وجلداً في احتمال كل هذا! ومن واجبي اليوم أن أخطركم بأن وسادتنا الأمنية لن تبقى في بلادكم إلى أبد الدهر، وأننا موشكون على سحبها من تحت رؤوسكم. وطالما وفرنا لكم من الوقت ما يكفي بزيادة عدد قواتنا لديكم، فإن عليكم أن تعجلوا باستغلالها في التوصل إلى تسوية سياسية فيما بينكم.
ويختتم فريدمان رسالة الرئيس بوش المتخيّلة إلى الشعب العراقي بقوله:
وإن كنتم تريدون رؤية الخوف حقاً، فعليكم أن تنظروا إلى عيون الأمريكيين جيداً، لتروا كيف يكون الخوف اليومي من فقدان البيوت، وانهيار الشركات، وتبخر الادخارات، وتراكم الديون. ولئن كنا أمة يخشاها العالم من فرط قوتها وجبروتها قبل عقد مضى، فها نحن نتحول اليوم إلى دولة يشفق عليها العالم من فرط ضعفها، وتضاؤل نفوذها العالمي. ولهذا فهي معنية أكثر الآن بترتيب بيتها وأوضاعها أولاً وقبل كل شيء.
كذلك، فإن الشعب الأمريكي الناخب في 4 نوفمبر القادم، يريد أن يسمع من المرشح الجمهوري جون ماكين، قوله بصراحة ووضوح:
إنني أنوي سحب معظم القوات الأميركية من العراق خلال 24 شهراً، حيث فعلنا كل ما في وسعنا هناك بل ارتضينا أن نؤدي وظيفة "القابلة" لكي نساعد على ولادة الديمقراطية هناك. لكن العراقيين يريدونها جاهزة. ونحن الآن في حاجة إلى كل دولار للاضطلاع بعملية بناء الأمم، ليس في العراق ولكن في الولايات المتحدة ذاتها". وهذا ما طالب به بشدة كثير من المعلقين السياسيين الأمريكيين.
وهذا كله يشير بوضوح تام، على أن الحملة على العراق، في 2003 ، وتكاليف القوات الأمريكية الباهظة، خلال السنوات الخمس الماضية (2003-2008)، كانت السبب الرئيسي – ربما – للأزمة المالية التي تفتك بالاقتصاد الأمريكي الآن.
-4-
ولكن علينا أن لا ننسى بأن (الفلتان) والتسيّب المالي والمكافآت المالية الضخمة، التي كان يتقاضاها سنوياً كبار المدراء في الشركات المالية العملاقة الأمريكية، كما كشفت عنها الجلسة الأولى لاستجواب اللجنة الاقتصادية للكونجرس بالأمس لرئيس مجلس إدارة الشركة العملاقة "ليمان برذرز" (ريتشارد فيلد، الذي كان يتقاضى راتباً سنوياً بمقدار 168 مليون دولار، و480 مليون دولار كتعويضات وغيرها من الحوافز المالية الضخمة) كان من الأسباب الرئيسة لهذه الإفلاسات والانهيارات المالية، التي أدت إلى كشف المزيد من هذه الإفلاسات في البنوك الأوروبية واليابانية وأدت إلى هزة عنيفة في الاقتصاد الأمريكي، ربما ستكون أكبر من الزلزال الاقتصادي الذي حدث عام 1929.
ولا شك أن الحكومات المتعاقبة في أمريكا وأوروبا واليابان، تتحمل مسؤولية كبيرة في هذه الكوارث المالية، وهي عدم مراقبتها المراقبة الكافية وعدم محاسبتها المحاسبة الدقيقة بواسطة البنوك المركزية، حفاظاً على حقوق المساهمين والمودعين. وفي ظني أن إهمال البنوك المركزية لدورها الفعّال في الرقابة والمحاسبة هو العامل الأساسي وراء هذه الكارثة، يضاف إليه عامل تكاليف حروب أمريكا في العراق وأفغانستان منذ عام 2002، وانصرافها نتيجة لذلك عن الشأن الداخلي.
كذلك فإن الإعلام الأمريكي والأوروبي والياباني، لم يحفر بما فيه الكفاية في داخل الشركات العملاقة طوال هذه السنين. وهو ما يشير إلى أن بعض المسئولين والإعلاميين كانوا مستفيدين مادياً من السكوت وإغماض الأعين، عما يجري داخل هذه الشركات، التي جلبت الكوارث المالية والاجتماعية لدول وشعوب هذه الشركات.