Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل لفظة سرياني تعني آشوري اليوم؟

تعليق على مقال أفرام يعقوب

قرأت في مجلة "طباين" (Tebain) الالكترونية التي تصدرها الرابطة السريانية في لبنان، مقالا نُشر في عددها الصادر بتاريخ يوم الجمعة الواقع في 30 من آذار 2007 يحمل العنوان " اكتشاف تاريخي جديد يؤكد الارتباط بين التسميتين سرياني و آشوري" لكاتبه افرام يعقوب من السويد. كُتب المقال اساساً باللغة السويدية وترجمه سعيد لحدو (عن الهولندية؟) الى العربية ونشره هنا في "طباين". وعند قراءة الموضوع وجدت نفسي مضطراً ان اقدم توضيحاً لبعض الامور المذكورة في المقال لانه يستشهد بي ويذكر أسمي. وقد رغبت في هذا الرد لأشرح فيه ملابسات الموضوع وكيف ان كاتب المقال استغل اسمنا الشخصي لترويج بضاعته بعد ان حرّف البعض من كلامنا الذي أدليناه له عن الموضوع، لذلك نجدها فرصة مناسبة لتصحيح الوضع للقراء الكرام.



قبل حوالي الشهرين اتصل بي هاتفياً شاب سرياني من السويد أسمه افرام يعقوب طالباً مني ان اعلق على مقالة انكليزية كنت قد قرأتها في مجلة (Journal of Near Eastern Studies) للباحث روبرت رولينغر. وحسب الاتفاق قام أفرام يعقوب بتسجيل حديثي الهاتفي وتعليقي على المقال لينشره. فتحدثتُ عن موضوع "الاسم السرياني" وتطوره عبر الازمنة وعلاقته مع الاسم "الآشوري" ومدلوله اليوم. وقام أفرام بكتابة موضوعه بالسويدية ونشره في احدى المجلات الالكترونية بعد ان استقطع بعض الجمل من كلامي المسجل لديه مستشهداً بها لخدمة الغاية التي كتب من أجلها موضوعه. وأرسل لي مقاله السويدي، وبعد ان قرأته استغربت مما فعله فاخبرته للحال بان لا ينشر الموضوع في صيغته الحالية لانه شوَه افكاري، حيث استعمل أسمي كجسر لتمرير افكاره باقتباسه بعض الجمل من كلامي دون ذكر السياق العام فأتت مبتورة لا توضح الموضوع كما شرحته له في المقابلة. وقد ضرب افرام ما كان قد وعده لي عرض الحائط فنشر موضوعه مباشرة دون ان يصحح الكلام المقتبس مني. وبسبب ضيق الوقت لم يكن لدي رغبة للرد عليه حينها فأهملت الموضوع ونسيته، الى ان قرأته في مجلة "طباين" مترجماً الى العربية فقررت حينها ان اكتب هذا الشرح لتوضيح الموضوع للقراء الكرام.

كاتب المقال أفرام يعقوب شاب "سرياني" صغير السن متحمس جداً للقومية الاشورية الى حد التطرف. وهو مع ثلة صغيرة جداً من المتطرفين يعتقدون ان العالم كله آشوري. وهذه المجموعة الصغيرة معروفة هنا في السويد بأصوليتها الفكرية وبمعاداتها الفظيعة للاسم السرياني واستماتتها لتسمية السريان بالاشوريين. ففي حساباتهم لا يوجد لا سريان ولا لغة سريانية البتة بل كل شيء آشوري فقط. الشيء الذي وضع هذه الثلة محط نقد شديد ليس فقط من المؤسسات السريانية الدينية والمدنية انما حتى من الاشخاص النيرين من الحركة الاشورية (حسب تقديرات العارفين بالامر ان حوالى خمسة بالمائة من السريان في السويد يسمون انفسهم بالاشوريين، وأغلبهم من تركيا).



في المقابلة التي أجراها معي شرحتُ للشاب أفرام يعقوب عن تاريخ الاسم السرياني وعلاقته مع الاسم الاشوري ووضعه الحالي اليوم، ووضحتُ له بانه ليس مهماً من اين تأتي أسماء البلدان والشعوب بقدر ما تعنيه هذه الاسماء اليوم وعلى اية شعوب تدل. اذ هناك العديد من اسماء البلدان والشعوب القديمة جاءت من اليونانية أو اللاتينية مثل أسماء اريتريا، اثيوبيا، أفريقيا، ليبيا، سوريا الخ، فهل أصبحت هذه البلدان يونانية أو رومانية لمجرد ان اسمها يوناني أو لاتيني؟ كما ان هناك العديد من الشعوب والبلدان التي تُسمى بلغاتها شيئاً وباللغات الاخرى تُسمى شيئاً آخراً كالهند مثلا فان الهنود يسموها "بهارات"، وفنلندا التي يسميها اهلها "سوؤمي" وكذلك اليابان والمانيا والنمسا والسويد وغيرها فأهلها يسموها باسماء أخرى. لكن اذا كان اسم الهند قد أتى من اليونانية فهذا لا يعني ان الهنود يونانيون. واذا كانت لفظة سوريا متأتية من "آشور" فهذا لا يعني بالضرورة ان يكون السوريون آشوريين.

أن مقال أفرام يعقوب يسوَق لفكرة أشتقاق اسم سوريا من آشور، وسوري/سرياني من آشوري. هناك بالحقيقة عدة آراء حول أصل ومصدر تسميات "سوريا وسوريين وسريان" ولكل رأي أصحابه، وكنت قبل حوالي 15 سنة قد نشرتُ بحثاً علمياً بالانكليزية عن أصل التسمية السريانية وملاباساتها. ومن الآراء عن أصل ومصدر التسمية السريانية نذكر: أولاً ان العلماء السريان القدماء أجمعوا على ان اسم سريان مشتق من ملك قديم اسمه "سورس/سيروس" Syros؛ ثانياً ان الاسم مشتق من أسم مدينة صور اللبنانية؛ ثالثاً ان بعض العلماء الاوروبيين أرجعوا أصل التسمية الى لفظة "سوري" المصرية والتي كان المصريون القدماء يطلقونها على الحوريين؛ رابعاً أشتقاق سوريا من آشور، وغيرها من الاراء العديدة حول اصل تسمية "سريان". وكنا نحن قد أرجعنا حينها لفظة سريان الى "سوري" وهو أسم دولة/مدينة آرامية كانت على ضفاف نهر الخابور. واليوم جاء مقال الباحث رولينغر في صالح اشتقاق أسم سوريا من آشور، وسوري/سرياني من آشوري.

لكن مقال الدكتور رولينغر الذي علق عليه أفرام يعقوب يدور حول التسميات السورية/السريانية والاشورية وليس حول اثنيات هذه الشعوب واصلها. ان رولينغر لا يقول في مقاله ابداً بان "السريان ينحدرون من الاشوريين"، انما يصرح بان لفظة سوريا/سوري/سرياني فقط متأتية من لفظة آشور. لذلك لا يجوز اعطاء اي بعد آخر لهذا الموضوع غير البعد الذي يتناول اشتقاق الاسماء وليس انحدار شعب من آخر. ان فكرة اشتقاق اسم سوريا من آشور قديمة ومعروفة لدينا ولدى جميع الباحثين. لكن استغلال هذا الموضوع واعطائه بعداً غير الذي يشمله، وعدم الاعتراف بالبحوث العلمية عن أصل السريان وتاريخهم يقود حتماً الى نتائج مغلوطة. ان اشتقاق لفظة "سريان" شيء وموضوع اصل الشعب "السرياني" شيء آخر تماماً. فعلى سبيل المثال ان المستشرق الالماني الكبير ثيودور نولدكه (1836-1930) كتب ان لفظة "سريان" مشتقة من "آشور" لكنه في نفس الوقت كتب بان السريان هم من الآراميين (انظر قواعده السرياني المترجم الى الانكليزية، صفحة 32). وفي مكان آخر يقول نولدكه: "ان الجزء الاعظم من سكان المناطق الممتدة من البحر المتوسط الى ما وراء نهر دجلة كانوا آراميين" (أنظر بحثه الهام: "آشوري-سرياني-سوري" المنشور في Zeitschrift für klassische Philologie, Berlin 1871, page 460).لكن أفرام يعقوب يستخلص نتيجة مغلوطة بقوله: "اذا كانت لفظة سريان متأتية من آشور فمعنى ذلك ان السريان ينحدرون من الاشوريين"، وهو بذلك يحاول ان يحمَل مقال الدكتور رولينغر أموراً يتمناها هو لكن لم يقلها رولينغر، وهذا جوهر مشكلته.

لقد أخبرتُ أفرام يعقوب بان الألفاظ "آشور/آشوري" و "سوريا/سوري/سرياني" تطورتا مع الزمن واستقلتا واصبحتا تدل على منطقتين وشعبين وليس شعباً واحداً. وقد تطورت لفظة "سوري/سرياني" وأخذت طريقاً خاصاً لتطلق فقط على الآراميين فتسموا "بالسريان" دون سواهم، بينما استمر الاشوريون يُسمون بالآشوريين وليس بالسريان لغاية سقوط دولتهم في القرن السابع قبل الميلاد . وبعد سقوط دولة آشور وزوالها زال الشعب الآشوري ايضاً، لكن الشعب السرياني استمر لغاية الآن. هناك منذ القرن الخامس قبل الميلاد نصوص يونانية تميز بكل وضوح بين ما هو "سوري/سرياني" وما هو "آشوري"، لنذكر مثلا كتابة أكزنفون اليوناني (القرن الخامس قبل الميلاد) بقوله "ان ملك الاشوريين أخضع السوريين الذين كانوا أمة معتبرة". (أنظر كتابه كيروبيديا، الكتاب الاول، الفصل الخامس). هنا الكلام واضح للغاية بان هناك شعبان كل واحد له اسمه، الواحد اسمه آشوري والثاني اسمه سوري/سرياني. ثم نجد نصوصاً عديدة أخرى كلما ذهبنا نزولاً لغاية ايام المسيح تسمي السرياني "سريانياً"، وللدلالة على ذلك نستشهد ببيت شعري للشاعر مليغر (ولد حوال 130 قبل الميلاد) حيث يستعمل الاسم السرياني بشكل واضح ومستقل بذاته بقوله: "اذا كنتَ سورياً/سريانياً فاين الغرابة، ألَم نقطن جميعنا ايها الغريب بلداً واحداً هو العالم؟... ان كنتَ سورياً/سريانياً فأقول لك شلام... " (انظر كتاب (Greek Anthology, Bk VII, § 417, 419؛ ونستشهد ايضاً بنص يوناني آخر لتوضيح الموضوع وهو نص الكاتب اليوناني بوسيدونيوس (135 – 51 قبل الميلاد) الذي كان من مدينة أفاميا على نهر العاصي في سوريا حيث كتب: "يطلق السريان على انفسهم اسم الآراميين" (أنظر كتاب بوسيدونيوس حسب الطبعة التالية:

Posidonius, (Cambridge Classical Texts and Commentaries 1988), vol. 2, pp. 955-956))

وكذلك الجغرافي اليوناني سترابو الذي كان معاصرا للمسيح (ولد 63 قبل الميلاد – توفي 24 ميلادي) كتب: "ان الذين نحن اليونان نطلق عليهم اسم السريان، فانهم يسمون انفسهم بالاراميين" (أنظر كتابه الجغرافيا، الكتاب الاول، الفصل 34). اذاً اليونانيون القدماء سموا الآراميين بالسريان، وان تسمية سرياني في اللغة اليونانية اصبحت تسمية جديدة للآراميين. ونجد هذا واضحاً في ترجمة العهد القديم من العبرية الى اليونانية والمعروفة بالترجمة السبعينية (تمت هذه الترجمة في القرن الثالث قبل الميلاد) حيث اُستبدل الاسم "الآرامي" في النص العبري الأصلي الى الاسم "السرياني" في الترجمة اليونانية، اي ان التراجمة ترجموا لفظة "آرامي" الى" سرياني"، لكنهم لم يترجموا لفظة "آشوري" الى "سرياني" بل ظلت لفظة "آشوري" كما هي بدون تغيير في النص اليوناني. واستمر اليونانيون يطلقون تسمية "سريان" على الآراميين الى أن تغلبت تسمية "سريان" على تسمية آراميين وانفردت في الاستعمال. لكن تسمية "آراميين" لم تنقرض من الاستعمال لانها ظلت دارجة لدى المؤرخين والادباء السريان حتى في القرون الوسطى، وهذا معروف لدى الباحثين اي ان النصوص السريانية القديمة مجمعة على ان السريان آراميون.

ولقد أوضحتُ لأفرام يعقوب كيف ان لفظة "آثوري" ايضاً تطورت بدورها في الادب واللغة السريانية وبدأت منذ القرن الرابع الميلادي تحمل معنى "عدو enemy"، وبهذا المعنى المجازي استعملها الكتَاب السريان القدماء أمثال مار افرام السرياني ويوحنا الافسسي والزوقنيني وميخائيل الكبير، الخ؛ ونراها في معجم "بربهلول" السرياني النسطوري (من القرن العاشر الميلادي) اذ يشرحها بمعنى "عدو" بقوله: " ܐܬܘܪ̈ܝܐ: ܒܥܠܕܒܒ̈ܐ اي الاعداء" (انظر معجمه العمود 322).

كما ان اللفظة "آشوري" حملت معنى آخراً بالسريانية بمعنى "موصلّي" لأن مدينة الموصل تسمى بالسريانية "آثور"؛ اي كل من سكن مدينة الموصل العراقية عربياً كان أم كرديا أم سريانياً بغض النظر عن قوميته يسمى بالسريانية "آثوري" أي "موصلي"، وبهذا المعنى سُمي البطريرك أفرام برصوم "آثوري" اي موصلّي لأنه من مدينة الموصل، وكذلك بعض بطاركة الكنيسة السريانية الشرقية المنحدرين من مدينة الموصل أمثال ماري آثورايا "موصلي" (القرن العاشر) وعبديشوع آثورايا "موصلي" (من القرن الحادي عشر) (انظر جدول بطاركة السريان الشرقيين تأليف كيوركس وردا من القرن الثالث عشر). ويطيب لنا ان نستشهد هنا باسم "قشا بهنام آثورايا" (قس بهنام الموصلي) الذي ذكره العلامة المرحوم جان موريس فييه في بحثه الهام ("آشوريين" أم آراميين، المنشور في المشرق السرياني 38، 2، (عام 1956) صفحة 156)، وكذلك ذكره الحكاية "عندما كان شماشا كيوركيس (مواليد 1905) طفلاً سأل عمه: من هم الاثوريين؟ فأجابه عمه انهم سكان الموصل. (أنظر ايضاً كتابه الفرنسي: آشور المسيحية، مجلد 2، ص 156، م 531، طبعة بيروت 1965). اذاً ان لفظة "آثوري" تعني بالادب السرياني كلا "عدو" و "موصلي".



كتب أفرام: "ورغم ان الدكتور أسعد يقر بان كلمة سورويي (Suroye) تعني آشوريين (Assyrian) لكنه يظل متحفظاً في التعميم بحيث لا يحبذ الذهاب أبعد من الجانب اللغوي...". ان الشطر الاول من هذه الجملة القائل "ان الدكتور أسعد يقر بان كلمة سورويي تعني آشوري" هو ادعاء باطل من قبل كاتب المقال، فانا لم أقل له في المقابلة هذه الجملة مطلقا ولا زالت مقابلتي محفوظة لديه في الكاسيت ان عاد اليها فسيتحقق من ذلك. ان كلمة "سورويي" لا تعني ابداً "آشوريين" بل تعني سريان، وهذه واحدة من النقاط التي كتبها أفرام ونسبها زوراً لنا. انا قلت له بان "لفظة "سورويي" قد تكون مشتقة من لفظة "آشورويي" ولم اقل ان لفظة "سورويي" تعني "آشوريين" لان هذا خطأ علمي لا يقبله العلم والمنطق. وقد شرحت لأفرام انه حتى لو أشتقت لفظة "سوريويي" من "آشورويي" فان لفظة "سوريويي" أخذت منحى جديدا واستقلت في مضمونها خلال تاريخها حيث أُطلقت على الآراميين، ولم يبق لها علاقة مع لفظة "آشورويي" وهذا معلوم لكل العلماء المتخصصين بتاريخ السريان ولغتهم وحضارتهم Syrologists.

كتب أفرام: "الالحاح بالسؤال يجعلنا ان نظن ان الدكتور أسعد يعتقد باننا ننتمي الى العرق الآشوري...". هذا للاسف كلام تافه كتبه أفرام ونسبه لي، فلو رجع لكلامي المسجل لديه لما وجد شيء من هذا القبيل على الاطلاق. الحقيقة ان أفرام لم يسألني شيئا لانه فتح جهاز التسجيل وتركني أتحدث وأعلق على مقال رولينغر، فعن اي الحاح يتحدث هنا؟ وكيف سأصرح له بشيء مناقض للحقيقة والعلم بالادعاء "باننا ننتمي الى العرق الآشوري"؟ فان اقول شيئاً كهذا فسأتحول حينها الى مهزلة بعيون اصدقائي العلماء. كيف أقول هكذا كلام وانا المتخصص بتاريخ السريان وحضارتهم واعرف تاريخهم وكل ما كتبوه عن انفسهم بادق التفاصيل. لكن للاسف ما هذه الا جملة أخرى مزورة في مقالة أفرام. انني على العكس تماما شرحت له بان السريان في كل العصور والاوقات كتبوا عن نفسهم بانهم ينحدرون من الآراميين وهذا واضح لكل من له إلمام بتاريخ السريان.

كتبَ افرام ايضا على لساني: "الآشوريون-الكلدان-السريان في العراق وبخاصة اولئك الذين في الشمال لهم جذور آشورية" هذه ايضا جملة مزورة نسبها لنا. أنا صرحت لأفرام بان السريان والكلدان والاشوريين في شمال العراق قد يكون ضمن نسيج جذورهم خيط آشوري ضمن النسيج الارامي البارز والطاغي عليهم، لكن هذا الخيط الآشوري اختفى ضمن النسيج الآرامي.

كتبَ أفرام أيضا: "الدكتور اسعد يعرف نفسه بلغته الأم "سوريويو" Suryoyo اي "آشوري". هذه نتيجة خاطئة استخلصها أفرام ونسبها لنا. انا قلت عن نفسي "سوريويو" اي "سرياني" وليس اي شيء آخر. والمعيب ان افرام يحمّل الكلمات من المعاني كما يحلو له وليس كما قصدتها انا بكل وضوح.

كتبَ أفرام: "ان زاك شيري (وهو شاب آشوري طالب جامعي في السويد) قال بانه وجد الكثير من الوثائق والاثباتات التي تؤيد الهوية الاشورية...". أية اثباتات وجد الطالب زاك شيري ونحن ومعلميه وبقية العلماء لم نراها بعد؟؟؟ ان التاريخ السرياني مدروس بادق تفاصيله وجميع علماء السريانيات يعرفوه وليس هناك ما هو مخفي أبداً، وهذا التاريخ تاريخ سرياني آرامي.

وكتب أفرام ايضا: "ويرى شيري (الطالب المذكور اعلاه) أنه حتى الان لا يوجد بحث جدي يتنكر للهوية الاشورية..." هذه جملة فعلا تستحق الانتباه والعجب، لان شيري عَكَسَ الاية تماماً لانه لا يوجد باحث جدي متخصص بتاريخ السريان يقبل بهكذا أقاويل باطلة. العلماء المتخصصون بتاريخ السريان مجمعون تماماً على ان السريان هم آراميون وان الاشوريين القدماء لم يبق منهم احد لأنهم زالوا كشعب ولغة وحضارة مثلما زالت بقية الشعوب القديمة المذكورة في كتب التاريخ. هكذا يُدرس تاريخ السريان في مختلف جامعات العالم وهذا علم مستقر Established knowledge وليس بحاجة لاثباته لانه تحول الى بديهة علمية معروفة لدى جميع أهل الاختصاص.

وذكر أفرام على لسان شيري: "بان الملك الاشوري ولاسباب استراتيجية وبشكل طوعي قبل اللغة الارامية وجعلها في مستوى اللغة الامبراطورية الاشورية منذ عام 900 قبل الميلاد" نعم ان دولة آشور في المئة السنة الاخيرة من عمرها اي قبل سقوطها وزوالها (وليس عام 900 قبل الميلاد كما ذكرَ) استعملت الارامية ايضا في وثائقها، لكن هذا الاستعمال فرض نفسه فاضطر الاشوريون اليه لان الكثير من المواطنين في آشور ونينوى كانو قد أصبحوا آراميين بسبب كثرة الاراميين الذيم سباهم الاشوريون وجلبوهم من المناطق الآرامية المحتلة واسكنوهم في عواصم آشور حتى ان "قلب آشور أصبح شبه آرامي Semi Aramean" على حد قول علماء الاشوريات ( انظر مثلا البحث الهام: كيف اصبحت آشور آراميةً The Aramaization of Assyria في المجلد "مسوبوتاميا وجيرانها" Mesopotamien und seine Nachbarn, p. 450



كتب أفرام ايضا: "ان ما يثير العجب ان الدكتور أسعد بالرغم من سلوكه وتحفظه السابق بهذا الشأن فان الاثبات الجديد مرحب به ومقبول حول هوية شعبنا...وسيكون الدكتور أسعد مثالا يحتذى في قبول الاثباتات الجديدة عوضا عن رفض كل ما لا يتفق مع الافكار المسبقة عن الاشورية أو السريانية" هذا كلام اراد منه أفرام استغلال اسمنا ليكون له سلّماً للتسلق وتسويق بضاعته. بديهي لكل العلماء ان الامور العلمية الجديدة تشق طريقها بسهولة اليهم. ان ارجاع اسماء "سوريا-سوري-سرياني" الى "آشور-آشوري" ليس فكراً جديداً لدينا على الاطلاق. نحن كنا ننسب سابقا اسم "السريان" الى لفظة "سوري" التي كانت عاصمة دولة "بيث حالوفي" الارامية على ضفاف نهر الخابور والمذكورة في كتابات الملوك الاشوريين الذين حاربوها في القرن العاشر والتاسع قبل الميلاد. كما ان بعض الملوك الآراميين حملوا اسم "سور/سوري" مثل الملك الآرامي "سوري" في شمال سوريا في القرن التاسع قبل الميلاد، وكذلك الملك "بر سور" ملك دولة "يادي" الآرامية في القرن الثامن قبل الميلاد، الخ.

كتبَ أفرام يعقوب في مقالته المذكورة عن الملفونو يوحانون قاشيشو الذي توفاه الله بالسويد قبل بضعة سنوات بخصوص ان لفظة آشوري تعني بالسريانية "العدو" قائلاً "... هذه الظاهرة درسها الكاتب الاشوري يوحانون قاشيشو ..." كان الملفونو يوحانون قاشيشو رحمه الله كاتبا وشاعرا بالسريانية وله بعض الكتب لتعليم السريانية لكنه ليس مؤرخاً، وكنا في رابطة الاكادميين الاراميين في السويد قد منحناه "جائزة آرام" السنوية للادب الآرامي لعام 2000 والتي تمنح لكتّاب الارامية سنوياً. وما ادعاه عن حقد اليهود على الاشوريين فسموهم "أعداء" كلام لا قيمة له البتة، لان العداوة بين اليهود والآراميين من مملكة آرام دمشق كانت أكبر بكثير واخبار حروبهم المستمرة مدونة في سفر الملوك، لذلك ان لفظة "آشوري" بمعنى "عدو" لا علاقة لها باليهود.

وختم أفرام مقالته بحديثه عن الملفونو نعوم فايق بقوله بان الملفونو نعوم فايق لم يكن يفرق "في الاعتراف بين أصوله الارامية أو الاشورية". لنستشهد ما قاله المرحوم يوحانون قاشيشو عن الاديب الملفونو نعوم فايق اثناء رثائه له بالسريانية مباشرة بعد وفاته عام 1930 قائلاً: " ܘܩܪܐ ܠܐܬܘܪ̈ܝܐ ܠܘܬ ܚܘܝܕܐ ܘܡܬܒܝܬܝܢܘܬܐ ܕܬܚܝܬ ܐܬܐ ܚܕܐ ܕܐܪܡܝܘܬܐ ܫܒܝܚܬܐ اي "ونادى "الملفونو نعوم فايق" الاثوريين للاتحاد وللانتماء تحت راية واحدة هي راية الأمة الآرامية المجيدة" (راجع كتاب: نعوم فائق: ذكرى وتخليد، بقلم مراد فؤاد جقى، طبعة دمشق لعام 1936، صفحة 151، سطر رقم 11-12). هذه شهادة الملفونو قاشيشو بحق الملفونو نعوم فايق بانه كان يدعو الاشوريين (اي السريان المشارقة) ليعملوا تحت لواء التسمية الارامية ويتحدوا فيها. وبامكاننا ان نستشهد ببعض كتابات الملفونو فايق لتأكيد كلام الملفونو قاشيشو عنه؛ اذ نستشهد بعناوين لكتابين للملفونو نعوم فايق الاول هو "الزهور العطرية في حديقة الامثال الآرامية" حيث يقول فايق : "من حدائق لساننا الآرامي الطافحة بالورود والازهار... وتجددَ فيَ هذا الغرام وانصرفتُ الى التحري على امثال بني آرام...". وكذلك مقدمته الافتتاحية لجريدة الاتحاد المنشورة في العدد الاول منها بتاريخ 1921 بعنوان "الصحافة الآرامية ومبادؤها السامية" يقول فيها الملفونو نعوم فايق " فقد أنشأت هذه الجريدة لترشد ابناء الامة الآرامية... وهي أول جريدة تنشر باللغة العربية للآراميين على اختلاف مذاهبهم في المهجر... والغرض من انشاء هذه الجريدة توحيد افكار بني آرام الكرام،... ولا فرق بين آراميي لبنان وسوريا وآراميي ما بين النهرين وبلاد الفرس." (كتاب ذكرى وتخليد المذكور اعلاه، صفحة 65-66) . هل هناك كلام قومي أجمل من هذا؟؟؟

واستمر هذا التقليد السرياني الصحيح في ربط التسميتين السريانية والآرامية ببعضهما عبر العصور، وزاوله معظم الكتاب السريان عبر التاريخ الى ان وصل قرن العشرين. ونجده لدى البطريرك السرياني العلامة الكبير أفرام برصوم (1887-1957) صاحب العديد من الكتب والابحاث في تاريخ السريان وادابهم وحضارتهم، إذ ألَف عام 1952 كتابه الهام "في اسم الامة السريانية" فاقترح فيه تسمية الكنيسة "بالكنيسة السريانية الآرامية" (Syrian Aramean Church)، وتسمية الشعب السرياني "بالسرياني الآرامي"(Syrian Aramean) وتسمية اللغة "بالسريانية الآرامية" Syriac Aramaic)) (انظر الكتاب المذكور صفحة 44، طبع الكتاب مع ترجمته الى الانكليزية والتركية والالمانية عام 1983 ). وسار مار اغناطيوس زكا الاول بطريرك السريان الارثوذكس الحالي في اعقاب سلفه البطريرك أفرام برصوم فكتب بدوره عن تلاحم الاسمين السرياني والآرامي قائلاً: "اللغة السريانية هي اللغة الآرامية ذاتها، والآراميون هم السريان انفسهم، وقد أخطأ من فصل بين الآراميين والسريان" (أنظر كتابه كنيسة أنطاكية السريانية عبر العصور، صفحة 9، طبعة حلب 1981).

وخلاصة القول ان أفرام يعقوب نسب الينا كلاماً لم نقله، واستقطع من حديثنا بعض الجمل وحمَلها أبعاداً من افكاره التي تغلب فيها العاطفة على العقل. لكننا في شرحنا هنا قمنا بتصحيح الوضع لئلا يضيع القارىء من جهة، ولئلا تُنسب الينا بعض الاقوال والخرافات البعيدة كل البعد عن التاريخ الصحيح للشعب السرياني الذي بكل فخر ننتمي اليه ونتمكن من تفاصيل تاريخه وحضارته لان هذا اختصاصنا الاكاديمي. ان جميع العلماء المتخصصين في تاريخ السريان يجمعون على ان السريان ينحدرون من الاراميين وليس بينهم من يقول شيئا آخرا. وليس مهماً ابداً من اين أتت كلمة سريان، لكن المهم ان السريان أتوا من الآراميين

الدكتور أسعد صوما-أسعد

باحث متخصص في تاريخ السريان ولغتهم وحضارتهم Opinions