هل من سبيل لحل أزمة تشكيل الوزارة في بغداد؟
بعد مرور شهرين على إعلان نتائج الانتخابات لا زالت جمهرة السياسيين في العراق تتصارع على مركز رئيس الوزراء في حين تتجمع السحب الداكنة حول سماء العراق وتنذر بمخاطر جدية على الأرض, إذ أن خلايا القاعدة والجماعات الإرهابية الأخرى المناهضة للعملية السياسية التي كانت في قيلولة أو المشكلّة حديثاً بدأت تعمل بجدية كبيرة وتنزل ضربات قاسية بالشعب العراقي وتحاول إشاعة الفوضى والشكوكية وعدم الثقة بين الأطراف السياسية العراقية من خلال عمليات الاغتيال لشخصيات سياسية تحسب على هذه القائمة أو تلك, كما حصل بالنسبة للشهيد العگيدي.حين انتهت الانتخابات السابقة (2005) تشبث الجعفري برئاسة الوزارة ورفض تسليمها لعضو حزبه المالكي أو لأي شخص آخر حتى انتزع مكاسب شخصية له بشكل خاص نشرت مئات المرات وفی مئات المواقع. وها نحن نواجه مشكلة جديدة هي تشبث المالكي برئاسة الوزارة ورفضه أن يتخلى عنها لا لعلاوي ولا لغيره من أعضاء حزبه أو ائتلافه السياسي. فقد قال مرة لأحد الشيوخ "بعد ما ننطيها" , وكأنها ملك له ولحزبه.
لست مع المالكي ولا مع علاوي, فكلاهما لا يجسد الشخصية السياسية التي يحتاجها العراق, كما أرى, فكلاهما فيه من صفات الفردية والنرجسية والذهنية القومية أو الطائفية ما يمنعني عن تأييده في أن يكون رئيساً لوزراء العراق. ولكن هذا الموقف الشخصي النابع من قناعتي الشخصية تصطدم بواقع آخر يملي علي موقفاً آخر. وأعني به الأخذ بالاستحقاق الانتخابي.
في جميع أرجاء العالم حيث تسود الحياة الدستورية والديمقراطية يمنح الحزب الحاصل على أكثرية الأصوات والمقاعد الحق في البدء بمحاولة تشكيل الوزارة وليس الكتلة التي تتشكل في مجلس النواب بعد الانتخابات ومن عدة أحزاب. أي أن الاستحقاق الانتخابي هو لرئيس القائمة العراقية من الناحية الدستورية التي أرى فيها البعض الكثير الذي لا أميل له ولا يمثل وجهة نظري بل هو ضد تصوراتي للعراق الجديد مائة في المئة. ولكن ورغم ذلك عليه أن يبدأ بمحاولة تشكيل الوزارة وحين يفشل تعطى إلى الشخص الذي قائمته حصلت على المرتبة الثانية, وأعني به المالكي. وهكذا تسير الأمور بصورة طبيعية ودون تعقيدات إضافية للعراق المبتلى بالتعقيدات الكثيرة والمتشابكة.
إن إصرار المالكي على البقاء وتشكيل الوزارة , كما يبدو لي وأرجو أن أكون مخطئاً, هو منطلق طائفي مريض لا يجوز قبول به بأي حال, وهو بالضد مما كان يدعيه قبل ذاك بأنه يرفض الطائفية والمحاصصة الطائفية. وإذا كان هو ضد الطائفية فلم الإصرار على بقاء رئاسة الوزارة بيد حزب إسلامي شيعي أو ائتلاف شيعي؟
إن موقف المالكي والمتحدثين باسمه, كعلي الدباغ, يسيرون بالاتجاه الخاطئ ويعطلون العملية السياسية برفضهم الموافقة على بدء علاوي بتشكيل الوزارة الجديدة, وهو أمر بالغ السوء للعراق كله وعلى مستقبله غير الطائفي الذي يفترض أن يكون.
كما أن تفسير المحكمة الاتحادية للدستور يتناقض حقا مع العرف الدستوري على الصعيد العالمي والعربي (إن وجد عند الدول العربية قانون وعرف في هذا المجال!) وبالنسبة للدستور العراقي, إنه تفسير سياسي غير موفق. وبدلاً من أن تكون المحكمة الاتحادية حّلالاً للمشاكل خلقت بتفسيرها السياسي وليس القانوني الخاطئ مشكلة إضافية كان المفروض أن تنأى بنفسها عن هذا الموقف الذي يقلل من مصداقيتها أمام الشعب العراقي وأمام العالم.
نحن بلد لم يمارس الديمقراطية وليست لديه تقاليد فيها, وعلينا التعلم من الدول الديمقراطية وان نفسر الدستور, في حالة وجود أوجه مختلفة لتفسيره أو مادة تعتبر حمالة أوجه, وفق التقليد الديمقراطي العالمي وليس العكس.
أتمنى على المالكي أن يقدم درساً مهماً في هذا المجال وأن يمنح قائمة علاوي فرصة تشكيل الوزارة, وفي حالة عجز القائمة العراقية وفق ميزان القوى الراهن أن يحال الأمر لقائمة دولة القانون لتشكيل الوزارة وفي حالة فشلها يحال لشخص آخر يتم الاتفاق عليه ..
إن الفراغ السياسي الراهن يخلق مصاعب أمنية جديدة ويعقد عمل الأجهزة الأمنية والشعب هو الذي يتلقى الضربات الإرهابية, ففكروا بالشعب لا بالمناصب.
27/5/2010
كاظم حبيب