هل من يسمع نداء الأبرياء؟!
يمرّ العراق منذ سقوطه في 2003 بظروف استثنائية مفاجئة وخطيرة أخطر من التي سبقتها، تظهر على غفلة كلما اقتضت المصالح والخلافات ظهورها، لتلعب لعبتها وتترك ضحايا ومخلفات يصعب مع الزمن إزالتها أو الانفكاك منها. أنها دائرة يدور بها البلد ولا يعرف له مُستقر أو أين سُيرسى به؟
فما اصابه مؤخرًا من قبل من يدعون بـ ( الداعش) يفوق التصورات والتخيل، في فترة قياسية تمكنت هذه الجماعات المتطرفة والمهمشة والمرتزقة والمتمثلة بأفراد من جنسيات مختلفة من الدخول وبسط سيطرتها على بعض القرى والبلدات العراقية بعد إن فعلتها في بلاد عربية مجاورة، مستخدمة العنف ومتسترة تحت راية (الله أكبر) والجهاد في سبيله، من دون أي مقاومة تذكر ومن دون أن يكون لأصحاب القرار أي دور أو ردع لهم لأسباب يطول الحديث عنها وفيها! مكتفين بالصمت والمتابعة إلى أين سيوصل المخطط الذي بُورك بموافقة من كان لهم هذا التنظيم مخرجًا لأزماتهم.
مخطط قائم على التضحية وتصفية المكونات المسالمة في بلد طالما عاش الحروب، نساء تسبي وأطفال يموتون جوعًا وعطشًا وعوائل تهجر جماعيًا وهي في بلدها وإجبار على أعتناق دينًا اقصائيًا قائم على القتل والعنف والرذيلة! مخطط كان للمسيحيين والأيزيدين النصيب الأكبر منه ليكونوا ضحايا عقلية متخلفة ومريضة لا تفقه من الدين الذي ينادون به شيئًا .. أبرياء يدفعون ثمن شيئا لم يقترفوه. أي دين ونحن في 2014 يجبر على التخيير ويفرض الاعتناق أو دفع الجزية وترك الأرض التي أتوا منها وتعبوا فيها وكانت معقل أجدادهم لقرون طويلة؟! في العصور الجاهلية كانت هكذا أساليب تمارس وكان للإنسان نصيب من الظلم الممارس، ولكن نحن اليوم لسنا في تلك العصور والإنسان لم يعد ذلك الإنسان! هناك شيء اسمه عبور وانتقال مما كان ليكون فيه بكل افضليته.
مُخطيء من يقول أن الماضي يُعيد نفسه، هو الإنسان من يكرر الأسباب والحالات ويدعوها للمثول في الواقع من خلال فكره الاستبدادي والإجرامي الذي يفيق ويوقظ فيه الشرور لحظة عيشه الضياع والغياب وإعطاء الحق لنفسه بممارسة ما ليس له.
ما يفعله هؤلاء المُدعون الجهاد في سبيل الله ما هو ألا أعتداء وأثم سوف يحاسبون عليه، ففعلهم أقبح من القباحة نفسها وهذا واضح في شكلهم وهيئتم الدالة على الإجرام. لا تهمهم حياة الآخرين ولا حياتهم، هم عنها مستغنين لأنهم يلهثون كالعميان خلف وعد بالجنة وحوريات تستقبلهم! عقول غبية تركض وراء الغيبيات الغير مرئية. هؤلاء الجماعات التكفيرية ما هي ألا صناعة عقول استبدادية عرفت الدين من خلال الأفعال الدموية للبعض ممن ينتهج الوهم ويتبع دينًا قائم على أساس ما يريد ويفسره بصورة خاطئة.
نأسف لبلد نراه يبكي وينزف ويصرخ ولا من مُجيب أو مُعين، له كل شيءٍ ومن أجلها يفعلون المستحيل من أجل نيلها. تعب البلد وتعب الشعب واحتار في مصيره، بلد تحول إلى ساحة حروب وصراعات وهضم للحقوق. ما ذنب هؤلاء الأبرياء جميعهم وما ذنب أرض تتحول إلى مقابر! حكايات تروى وقصص وأحداث لا تنتهي والتاريخ سيكتب الكثير والكثير مما ليس له نهاية مع أننا نأمل أن تكون هنالك نقطة توضع في نهاية الأحداث ... إلى متى يبقى الحال يمضي بالعراقي من سيء إلى أسوء؟! إلى متى يبقى العراقي ضحية انعدام الضمير والإنسانية؟! إلى متى يبقى العراقي ضحية ثروات بلاده؟!
الجميع اليوم مطالبين بإبراز موقفهم المتمثل بإسناد وحماية مكون من عدو لا يرحم ولا يعر ف الله والوقوف بوجهه وقطع مصادر التمويل التي تمول عملياتهم وتمدهم بالمال السلاح ... الجميع معنيين باتخاذ قرار وتحكيم ضميرهم في مصير أبرياء لا ذنب لهم غير انهم مُحبين للسلام وينشدون في سبيله. ويبدو أن أطماع هذه الفئة الهمجية تتصاعد وستأخذ زمام الأمور ممن أولتها الصلاحيات وساعدتها في أن تتطور وتتكاثر بشكل يثير القلق في نفوس العالم أجمع، وإن اصبح الحال على ما هو عليه فإن تيار هؤلاء سيجرف الكل في طريقه .. يكفينا مآسي وتكرار القضايا في زمن وأناس آخرين.