هل نقبل بانهيار او تفتيت الكنيسة الكلدانية في العراق ؟
habeebtomi@yahoo.noقد يرى القارئ الكريم بأن العنوان فيه مسحة من التشاؤم او ربما المبالغة في تصوير المخاطرالمحيقة بالكنيسة، لكن الواقع مع الأسف يشير الى هذه الحالة وبتسليط الأضواء على واقع الكنيسة الكاثوليكية لشعبنا الكلداني في العراق ، سوف يبدو جلياً مظاهر الضعف على هذه الكنيسة قياساً بماضيها القريب في العقود او في القرن المنصرم من العمر الطويل لهذه الكنيسة .
في الماضي القريب وبالتحديد في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين كان في جانب الكنيسة عوامل تقدمها وتوسعها ، وثبات أقدامها على المسرح الديني والقومي والسياسي في العراق ، لقد تجلى ذلك في معاهدة سيفر سنة 1920 حينما كان هنالك إشارة واضحة صريحة لتثبيت الحقوق القومية لشعبنا الكلداني .
كما كان لموقف مؤسسة الكنيسة الأيجابي من إقامة حكم وطني في العراق صداه الطيب لتعزيز مكانتها ومكانة شعبها في التمثيل في مختلف مفاصل تلك الدولة ، فكان لشعبنا الكلداني تمثيل واضح وحضور كبير في الحياة السياسية والأقتصادية والأجتماعية لهذا البلد ، واستمر ذلك الحضور حتى بعد سقوط الحكم الملكي في العراق ، فكان للبطريرك بولص شيخو حضور كبير في معالجة امور تخص شعبه الكلداني بشكل خاص والمسيحيين بشكل عام ، ومن ثم البطريرك روفائيل بيداويد الذي تجلى حضوره على الساحة العراقية في الظروف الصعبة اثناء الحرب ، وحتى في عهد صدام كان المسيحيون بشكل عام ينطبق عليهم ما ينطبق على غيرهم من المكونات من جهة الحقوق والواجبات وفي بعض الأحيان من المظالم ايضاً .
المعادلة تغيرت بعد نيسان 2003 وبالذات حين قدوم السفير الأمريكي بول بريمر واصبح حاكماً مدنياً ومعه كان بروز الحزب الآشوري كحزب مؤثر في ساحتنا السياسية وتمكنه من إزاحة الكلدانيين من المقدمة والأحلال محلهم والإدعاء في تمثيل المسيحيين بشكل عام ، بل اكثر من ذلك ليكونوا اوصياء عليهم بدلاً من مبدأ الشراكة المطلوب في هذه الحالات ، فشكل ذلك نقطة البداية في هبوط موقف الكنيسة وشعبها الكلداني على الساحة السياسية العراقية .
فالإخوة بالأحزاب الآشورية عملوا بفعالية لطمس الكلدان والسريان من الوجود القومي العراقي وإبقاء البديل الآشوري ، وقد تجلى ذلك في موقف الحركة الديمقراطية الآشورية ، والمناورات التي سلكتها هذه الحركة والى اليوم ، فهي التي ابقت اسمها كحركة آشورية وأنعمت علينا باسم واحد من تنظياتها الطلابية والشبابية الكلدوآشوري ليكون اسماً لشعبنا الكلداني ، ووفق خطاب ايديولوجي منظم حشدت كل إمكانياتها المادية والسلطوية والأعلامية لدفن الكلداني وتقزميه في الساحة السياسية وإبراز الآشورية في مركز الصدارة واستطاعت مع تلك الأمكانيات ان تمرر تلك الفرضية على شريحة كبيرة من ابناء شعبنا الكلداني ايضاً .
في سياق الأحداث برز على الساحة بقوة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ، متسلحاً بدعم من اقليم كوردستان لخطابه ، مع وضع فضائية عشتار تحت تصرفه إضافة الى المبالغ المخصصة للمسيحيين ، وفي ما يخص مساعدة الكنائس من تلك الأموال ، (( ولا يمكن الجزم بأن تلك الأموال وزعت بتلك الطريقة بهدف تمزيق الكنيسة عمداً ام كان توزيعها بمقاصد شريفة )) ، لكن في كل الأحوال كان لتلك المبالغ آثار سلبية على بنيان الكنيسة الكاثوليكية لشعبنا الكلداني ، حسب ما نجم من نتائج سيئة على بنيان الكنيسة إذ عملت على زعزعة السلطة المركزية لقيادة الكنيسة ، وخلقت تكتلات التي نجم عنها ضعف في الرئاسة والإدارة المركزية التي كانت عبر التاريخ عامل قوة مؤثر في الحفاظ على وحدة الكنيسة وديمومتها واستمراريتها عبر الأزمنة وتحت شتى ظروف القهر والأضطهاد .
إن النمط المؤسساتي الشفاف قد تغيب في توزيع تلك المبالغ ومهما كان مصدرها ، فإن كانت من اجل المسيحيين كان يجب ان توزع عبر جهاز مهني شفاف ، وما كان من حصة الكنيسة كان يجب ان يقدم المبلغ بجملته الى رئاسة الكنيسة اي البطريركية التي مقرها بغداد مع وجود جهاز مهني من التكنوقراط العلماني للاشراف على تلك المبالغ ، لكن الذي حدث إن تلك المبالغ وزعت بشكل مباشر الى المطارنة او الأبرشيات او الآباء في هذه الكنيسة او تلك ، وتلك الصورة من التوزيع كانت السبب في إضعاف في موقف رئاسة الكنيسة وسلطتها المركزية أزاء ابرشياتها وأكليروسها ، لاسيما في اقليم كوردستان الذي ينشط فيه المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري المانح لتلك الأموال بتلك الصيغة .
اليوم كالبارحة تستأنف ، او بالأحرى هي امتداد لتلك الحملة ، في النيل من مكانة الكنيسة ولاسيما بعض رموزها ، فالبطريرك الكردينال عمانوئيل دلي لم يسلم من الحملة منذ ان طالب لشعبه الكلداني بإدراج اسمه في الدستور العراقي ، ورغم ان مساعيه تلك كانت جزء من واجبه إزاء شعبه ، ونحن الكلدانيون الحريصون على بقاء قوميتنا الكلدانية وصمودها امام الحملات التي تستهدف وجودها ، فإننا نرى بأن واجب البطريرك كان يجب ان يكون اكثر نشاطاً وحراكاً وتفاعلاً مع شعبه لاسيما في اقليم كوردستان لحث القيادة الكردية لدعم شعبنا الكلداني بشكل مباشر دون وصاية ، والقيادة الكردية كما هو معروف تتعاطف مع آمال المسيحيين عموماً دون تفرقة ، وكان يجب إبراز حقوق شعبنا القومية لشعبنا الكلداني الى جانب المكونات الأخرى من بينهم السريان والآشوريين ، دون وضع هذه الأسماء في بوتقة الأنصهار والزوال كما هي الحالة في دمج تلك الأسماء بشكل قسري وانصياعاً للخطاب القومي الآشوري الراديكالي .
فنحن لنا شخصيتنا وذاتيتنا وتاريخنا وتراثنا ولغتنا الكلدانية ولا يجوز التنازل عن ذلك ، والكنيسة ينبغي ان يكون موقفها متناغماً وداعماً لطموحات شعبها الكلداني .
في الآونة الأخيرة كُتبت مقالات كثيرة تتناول رموز الكنيسة الكلدانية ، لا سيما المطارنة الذين يساندون شعبنا الكلداني في نيل حقوقه في اقليم كوردستان والوطن العراقي عموماً .
قرأت مقالاً لأحد الزملاء وهو من رواد العمل القومي الكلداني يطالب فيه باستقالة البطريرك دلي من منصبه وكأن هذه الأستقالة ستكون المفتاح السحري لحل كل الإشكالات . والى جانب ذلك ثمة مقالات اخرى لأخوة كلدان يسبحون مع تيار المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ، او تيار الحركة الديمقراطية الآشورية مطالبين الأكليروس والبطريرك بالذات بالانصياع لخطاب الحزب الآشوري باعتباره الصراط المستقيم الأوحد والبسلم الذي يشفي كل الجروح منطلقين من توجهاتهم الحزبية ، ولا شك ان هنالك من المتطوعين ، لترويج تلك المقالات وتلك الرسائل الى اكبر عدد ممكن من القراء ، مع بذر بعض التوابل والمنبهات على مضامينها ، ولهذا يمكن ببساطة ملاحظة بصمات الحزب الآشوري في هذه الحملة ايضاً .
اقول :
1 - من نافلة القول ان موقف الكنيسة والشعب الكلداني عموماً تنتابه مصاعب جمة ، وإن تلك المقالات إن وضعناها في الفلتر لازاله الأهداف والنيات الأديولوجية الحزبية من محتواها ، ونحاول بتجرد وبموضوعية وضع احوال الكنيسة وشعبها تحت المجهر ، سنجد امامنا جسماً مريضاً يحتاج الى علاج وعناية مخلصة لانقاذ المريض من الأنهيار او الأنحدار نحو الأسوأ .
وليس من الإنصاف استغلال هذه الحالة لتمرير اديولوجية الحزب الآشوري ، بل ينبغي العمل بإخلاص لانقاذ الكنيسة وشعبها الكلداني من هذه الأنتكاسة التي حلت به .
2 ــ على الكنيسة ان تعقد اجتماعاً موسعاً للاساقفة وبعض الآباء ، مع دعوة نخبة من العلمانيين لهذا الأجتماع لسماع رأيهم ، ولتنبثق لجنة مشتركة تكون آداة ربط بين الكنيسة وشعبها في مختلف الأمور التي تخص شعبنا الكلداني . وليس من العقلانية (( ان يقف شعبها الكلداني في مكان والكنيسة تقف في مكان آخر )) ولمعاجلة الأمور التي تخص الكنيسة ايضاً بجهة وجود عدد غير قليل من الكهنة قد خروجوا من مؤسسة الكنيسة ولجوئهم الى الكنائس الأخرى ، إضافة الى المشاكل الأخرى التي تعتري جسم الكنيسة في هذه الظروف .
3 ــ وضع خطة حسابية نزيهة شفافة معززة بسجلات دقيقة عن صرف الأموال ، ووضع آلية للاشراف على اموال الكنيسة وعلى قنوات صرفها ، وتكون هذه العملية تحت اشراف لجنة حسابية مهنية مختصة .
4 ــ مخاطبة الجهات المانحة : حكومة اقليم كوردستان ، الحكومة العراقية ، اوقاف المسيحيين واوقاف اتباع الأديان غير الأسلامية وغيرهم من المانحين ، بوجوب ايصال المبالغ الى البطريركية الكاثوليكية الكلدانية التي مقرها بغداد ومنها يجري توزيع تلك المبالغ الى الكنائس والأبرشيات وفق آليات الكنيسة المتبعة . إن هذه الطريقة ستمنع خلق مراكز وتكتلات في جسم الكنيسة الواحدة وتنهي حالة الأرباك التي تعتري هذه الكنيسة العريقة .
بارك الله بالجهود المخلصة التي تعمل على ايقاف انهيار او تمزيق الكنيسة الكاثوليكية التاريخية لشعبنا الكلداني التي كانت على مدى التاريخ عاملاً مؤثراً في بناء الحضارة العراقية ونجماً لامعاً في سماء الوطن العراقي على مدى عشرات القرون .
حبيب تومي / اوسلو في 03 / 05 / 10