Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل نكون أم لا نكون ؟

أن يكون الانقسام ديدننا ، فتلك هي معضلتنا التاريخية التي ألفناها منذ تاريخ طويل ! أن يكون التوحد نشيدنا ، فتلك هي أمنيتنا السامية التي سمعناها منذ الطفولة ، بل وسمعها الآباء منذ بواكير القرن العشرين ! أن نجابه تحدياتنا دوما ،وأن ننتصر تربويا وحضاريا بعد فشل اغلب المشروعات العربية لقرن مضى ، فذاك هو هدفنا ! أن يكون للجيل الجديد قدرته للتعامل مع الإفرازات الجديدة الصعبة التي ستولدها عقود الزمن الجديد ، فتلك هي قضايانا المزمنة .. أن يكون الغرب أزمتنا ، فتلك هي مسألتنا التي شغلت عقولنا وأفكارنا ، لأكثر من قرنين كاملين ! أن يكون لكل جيل همومه ومعاناته، فتلك هي حياتنا الصعبة منذ تشكيل دولنا الحديثة وحصولنا على استقلالاتنا الوطنية ! أن يكون تاريخنا المعاصر متاهة فسيفسائية ملونة من خشب مسّندة ، فتلك هي صناعة " فرّق تسد " التي عرفنا من أنجزها في الماضي ، فحافظت دولنا عليها ، بل وزادت من تكريسها في ما بينها !! أن تكون مرجعياتنا متضاربة ، فتلك هي احجيات التضاد المدمرة التي ألفتها مجتمعاتنا بقضها وقضيضها .. أن تكون إسرائيل مستثمرة لمشروعها الصهيوني ، وقد أسست نفسها على حساب ضمور المشروع النهضوي العربي المعاصر على امتداد تاريخ القرن العشرين !

أن يكون وتكون ، هي قصة لا نهاية لها أبدا إذا ما تلوتها ! وكثيرا ما يتوقف العرب ، كما تعودوا ، عند نتائج الأمور من دون بحث الأسباب والعلل ! وكثيرا ما نتشدق بالأمثال ، والقصص ، والنصوص ، والحكايات ، والمواعظ التي لا تنتهي جلساتها إلى شيء يمكن أن يؤثر في صناعة مستقبلنا ، الذي يريده البعض مجردا من كل القيم والمعاني والأفعال العملية ! وكثيرا ما اجتمعوا لكي يقولوا ويتكلموا ، ويهتفوا وينفعلوا كثيرا دون أن يعملوا ويفعلوا ويؤثروا في شيء من الأشياء ، كما يؤكد ذلك أحد الزعماء البناة العرب المعاصرين ! ويضيف ـ رحمه الله ـ " وكثيرا ما يصنع العرب لأنفسهم ، مشكلات تتلبسها الشكوك والالتباسات باسم المؤامرات والتحديات " ! وأضيف أنهم مغرمون بالبطولات الزائفة ، فيصنعون لهم أصناما يعبدونها ، ثمّ يحطمونها ويلعنونها ! وكثيرا ما نذكي عقول صغارنا بالشعارات المعسولة والكلمات البراقة من دون أي أفعال ! وكثيرا ما نهتم بالأشكال والدعايات والإشاعات والكتابات الإنشائية الفضفاضة من دون التحقق من نقد المعاني وفحص المضامين ! وكثيرا ما نخلق لأنفسنا أعداء وهميين .. وننسى ما لمجتمعاتنا من مخاطر داخلية وأوجاع وآلام ! وكثيرا ما انقسم العرب وتحزبوا وتخاصموا وتنازعوا وتشاتموا فيما بينهم من دون أي رادع أو إحساس أو مسؤولية بما يفعلون ! وكثيرا ما يرتكبون أخطاء ، ولكنهم لا يعترفون بذلك ، إذ تأخذهم العزة بالإثم ، علما بأن الاعتراف بالخطأ فضيلة كما تعلمنا ذلك منذ صغرنا !

ليس هناك حل سحري واحد ، أو بطل منقذ يجعل مجتمعاتنا بين عشية وضحاها في أعالي الذرى ! إن بقوا على حالهم ، يلوكون خطاب الماضي وشعاراته ، بكل غرائبه وعجائبه ، فسيبقى الجيل الجديد يسمع المعزوفات القديمة التي لا تنتهي إلى شيء ذي معنى ! وسيبقى المتشائمون جامدون لا يرون في الأفق أي ضوء تهتدي به منظومتنا إلى بر الأمان .. والمتفائلون مغامرون يرون أنفسهم قادرين على تخطي الصعاب مهما كانت الأثمان ، بعيدا عن أية إجراءات مدروسة ، وحلول عملية وتطبيقية . لقد خفت كل من الشأن العام والمصالح العليا ، بسبب طغيان المشاكل الداخلية والإقليمية المتفاقمة ، فلكل بلد عربي مشاكله وتوجهاته وأزماته واختناقاته أو حساباته وتصفية آثار حروبه ، كما تبلورت مشكلات مركزية وإقليمية وداخلية عربية مستعصية أخرى ! وعليه ، لم تعد القوى الفاعلة في مجتمعاتنا تؤثر في صنع القرار أو تؤثر عليه ، رغم متغيرات العالم الهائلة والثورة الإعلامية والمعلوماتية ! ولعل اخطر ما ورثته بلداننا ، يكمن بجملة رواسب تمثلها نزعات جهوية وطائفية وانقسامية وقبلية .. الخ وكلها ينبغي إيجاد حلول عملية للتخلص منها .

وأسأل : هل من أسلوب حضاري وإنساني متميز لمجتمعاتنا ؟ وهل للعرب فتح اجتهادي جديد من اجل نقد الأساليب وتشخيص الأخطاء وتبيان العلل ؟ هل لهم القدرة على الاستجابة الحقيقية للتحديات المريرة المتنوعة التي بدأوا يعانون منها ؟ ولعل أهم ما يمكن الشروع به ، هو البدء بنقد الذات دون هوادة ، نقدا جادا وأخلاقيا ، من دون الاستماع إلى نغمة ما يسمّى بـ " جلد الذات " التي يريد البعض توزيعها من اجل إبقاء الأوضاع على ما هي عليه ! تلك " النغمة " التي أشاعها الرومانسيون الحالمون دوما بالتفاؤل ، دون أي حذر من المصير الذي ينتظر أجيالنا في الثلاثين سنة القادمة .

إن أي مشروع حضاري إنساني لمجتمعاتنا ، لا يمكن أن يبدأ من حيث انتهت الأمور عند نهايات القرن العشرين ، فلابد من الاستفادة من متغيرات جديدة طرأت في العالم كله. لقد ضيعّ العرب فرصا تاريخية ثمينة ، واحرقوا زمنهم ، ومواردهم .. منذ حصولهم على استقلالاتهم الوطنية .. ولم يعرفوا التنظيم ، ولم تتحرر أذهانهم .. إذ ضيعتهم الإيديولوجيات زمنا طويلا ، ولم يحسبوا أي حساب لمستقبلهم وأجيالهم من بعدهم ، ولم يعالجوا مشكلاتهم وتحدياتهم ضمن مناهج واقعية ومؤسساتية .. فكان أن نتجت جملة مصاعب معقدة ، وتناقضات صارخة ، وتراجعات مخيفة ، سيدركها الجيل الجديد ويعي خطورتها ، دون تغييبها أو تجاهلها.. ان أي محاولة للانطلاق ، لا يمكنها أن تتم بمعزل عن إنسان مؤهل بوعيه وإدراكه وتربيته وكفاءته وإبداعاته .. يقوم بتنفيذ المستلزمات الضرورية ، والعودة بالزمن كي يمشي نحو الأمام بدل تراخيه وضموره ! وأخشى أن يردد العرب بعد مئة سنة من اليوم عبارة : هل نكون أو لا نكون !


نشرت في البيان الاماراتية ، 16 يونيو / حزيران 2010 ، ويعد نشرها على موقع الدكتور سيار الجميل

www.sayyaraljamil.com

Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
مركز المرآة لمراقبة وسائل الإعلام يستنكر الاعتداء الإرهابي على كنيسة (سيدة النجاة) شبكة أخبار نركال/NNN/ العراق- بابل/استنكر مركز المرآة لمراقبة وسائل الاعلام العراقية الاعتداء الارهابي الذي طال انفجار سيارة ملغمة في البصرة يسفر عن ضحايا نركال كيت/البصرة/ انفجرت سيارة ملغمة صباح اليوم يقودها انتحاري استهدفت المحاكم مقر مجلس القضاء وسط مدينة البصرة،واسفر الحادث عن مقتل ثلاثة اشخاص واصابة 20 بجراح الشيخ جمال الوكيل الأمين العام لحركة الوفاق الإسلامي يحمل محافظ كربلاء وقائد الشرطة مسؤولية التفجيرات شبكة أخبار نركال/NNN/ حمل الامين العام لحركة الوفاق الاسلامي في بيان له، محافظ كربلاء وقائد الشرطة مسؤولية التفجيرات التي حصلت اليوم في المحافظة، والتي راح شحيتها العشرات بين قتيل وجريح. وفيما يلي نص البيان: الجيش العراقي و القوات المتعددة الجنسيات تعثر على مخبأ اثناء دورية قتالية شبكة اخبار نركال/NNN/ بغداد/ افادت القوات المتعددة الجنسيات ان جنود الجيش العراقي و وقواتها عثروا على
Side Adv2 Side Adv1