هل يتعارض نظام الكوتا مع مفهوم المساواة؟
( جوابي المختصر: نعم يتعارض/ قطعا لا يتعارض! ..سأحاول التوضيح..)للمساواة في الساحة العربية مخاضات ضبابية عسيرة،تتوسد آلامها الزمن.لا يمكننا تخمين وقت الولادة،وزن المولود وحالته الصحية،ولكن هنالك مؤشرات ايجابية تشي بأن الولادة لا يمكن ان تكون طبيعية،ولا بد من عملية قيصرية معقدة التفاصيل.
هذا المولود (المساواة) المرتقب،عالق برحم ثقافة مجندة ضد تغذيته بما يلزم،قد يولد خديجا او معاقا او حاملا لجينات تلك الثقافة.. لكنه قادم لا محالة!
لا يمكنني ان اتصور الكوتا النسائية/التمثيل النسبي للمرأة لتمكينها دخول قبة البرلمان،اكثر من حبل سري يمد جنين المساواة بأمصال مغذية تنفض عن جسده بعضا من غبار الشيخوخة..
يبدو لوهلة،ان هذا التمثيل يتعارض مع مفهوم المساواة المرجوة التي تطالب بها المرأة،والذي ينبغي ان يكون منافسة نظيفة عبر صناديق الإقتراع لحصاد اصوات الناخبين حسب كفاءة كل مرشح وشخصيته،لا ان يقدم جاهزا للمرأة،ومن يذهب الى مثل هذا القول لا اجده مخطئا،فللمساواة دروب نضال شائكة،ومسيرة عمل حثيث لا بد ان تخوضه المرأة لإثبات وجودها كثروة بشرية منتجة على كافة الصعد والمستويات..بل اجده غافلا او متغافلا عن حقيقة غالبا ما نتركها في الزاوية الميتة، وهي زاوية الأيديولوجيا الأجتماعية،التي تقف كالسد المنيع ضد فرص حضور المرأة على الساحة السياسية،فالمرأة وفق هذه الأيديولوجيا هي ذلك الكيان الضعيف،
الناقص بعاطفته،الذي يُقاد ولا يقود حتى في مملكته الأسرية،الذي ينتقل كخطيئة من سلطة الاب الى سلطة الزوج،المُكرس للنسل والمتعة،وتنفيذ قرارات السلطة
الحاضنة لا لصنع القرار او حتى المشاركة بصنعه،الذي يربى ضربا وهجرا بعد بلوغه سن الرشد..الخ
مثل هذا الكيان لا يمكنه ان يحصد الكثير على ساحة اساسها تنافس على سلطة،وقيادة للمؤسسة الأم،الدولة،ومهما كان كفوءا مقتدرا فأن طبيعة الأيديولوجيا وثقل معاولها تعود به القهقرى الى مكانته الأنسب!..
الدول العربية التي تتيح للمرأة المنافسة عبر صناديق الإقتراع مشبعة بهذه الايديولوجيا التي لا تتيح المنافسة اساسا..المنافسة هنا غير نظيفة ايديولوجيا،تسعى لحجب المرأة عن الحضور في المحافل الذكورية مبتعدة عن وظيفتها المكلفة بها أزليا،الأمومة والإنجاب وتربية الأجيال على ذات النمط الأيديولجي..
ما تحصده المرأة من فشل في دخولها البرلمان عبر هذه الصناديق وعلى اكثر من صعيد دولي،هو فشل تلك الأيديولوجيا غالبا في إستيعاب المرأة،ورفض ثقافي لتقديمها بشكل مغاير ذي سلطة اجتماعية تضاهي سلطة الرجل..فالسلطة مملكة الرجل ومنبع فحولته في الوعي العربي..
المنافسة هنا عقيمة لا تمت للكفاءة السياسية بصلة،فهي صراع مرير بين ايديولوجيتين غير متكافئتين في القوة،واحدة تقف خلف المرأة او بصفها،واخرى أمامها
وعلى قمة التفوق الذكوري،وهي ايديولوجيا راسخة في الوعي الجمعي،تقف خلفها اكثر من سلطة،ومنها السلطة الدينية التي تغذي غالبا تلك الصورة الداكنة عن المرأة بقطوف الحكمة الآلهية والضرورات الأجتماعية..
ما كان للمرأة العراقية،على سبيل المثال،ان تحصد مقعدا واحدا عبر الديمقراطية الأنتخابية لولا إقحام نسبة تمثيلية لا تقل عن الربع،هذا لا يعني خلو العراق من نساء مقتدرات ومؤهلات للقيادة بجدارة قد تفوق الرجل،ولكن الديمقراطية الأنتخابية في دول المنطقة عموما،هي بالحقيقة ديمقراطية إنتخاب ذكوري،فالناخب هو الميزان الفصل في العملية الإنتخابية ولا يمكن إجلاءه من الصورة،وهو بالتالي ابن المجتمع،وأسير ثقافة ميزانها رجّح الرجل وقوامته على المرأة سلفا،انتخبه للقيادة والتشريع،للربط والحل بشكل عام وحسم الأمر..
صندوق الإقتراع أمام ناخب كهذا هو اجترار لإنتخاب أيديولجي تربوي عمره قرون مديدة،وهذا ينطبق على الذكور ايضا،فالتنافس الإنتخابي بينهم غير نظيف ايديولوجيا..
البائسون يصلون الى سدة الحكم في المجتمع البائس ثقافيا وعبر صناديق الإقتراع لو إتيح ذلك،ومع إفتراض النزاهة المطلقة دون اي تزوير،ثمة تزوير غير مرئي، فالناخب ذاته قد يكون مزوَرا ثقافيا او مضَللا..الوعي العام،بمفاصله الثقافية والفكرية،هو المؤثر الأساس في العملية الأنتخابية ونتائجها،وآلام المفاصل ينقلها الناخب،
فيما لو كان الناخب مصابا بها،الى صندوق الإقتراع،لتنتج بدورها آلام النتائج الأنتخابية..
التمثيل النسبي للمرأة هو قفزة مرحلية بعيداعن حلبة هذا الصراع الأيديولوجي المقيت،موضع قدم للمرأة في بركة راكدة،ونافذة لتحريك وإستثمار الثروة البشرية المعطلة لتتولى المناصب السياسية والأدارية والبرلمانية،وهذا يحمل المرأة مسؤولية مضاعفة بتصوري،مسؤوليتها الوظيفية اولا كعضو داخل القبة البرلمانية وخلافها،ومسؤوليتها كامرأة لإثبات وتثبيت وجودها كقيمة حقيقية مؤثرة في الواقع السياسي والثقافي،وفاعلة على طاولات التشريع القانوني..
ومن جهة اخرى،مجابهة ايديولوجيا اجتماعية لا تريد لهذا الحضور ان ينضج،ويتقد مساره ليصبح بالتالي واقعا اجتماعيا طبيعيا،ومنافسة حقيقية تحصد من خلالها المرأة مقاعدها مثلما يحصد الرجل ..
مطالبة المرأة العربية وكل القوى المؤمنة بقضيتها بمثل هذا التمثيل،او بزيادة نسبته إن كانت قد حظيت بنسبة ما،مطالبة مرحلية مشروعة لا تتعارض مع المساواة
بل تؤسس لولادتها وتقلل من آلام المخاض المميتة في بعض الدول..هو مرحلة تأسيسية قد تمتد ولإشعار غير معلوم،فهذا يعتمد على سيرورة تصحيح صورة المرأة في العقل العربي،وجدية المرأة وكفاءتها في فرض واقع افضل،ولا تنفع هذه المرحلة للإتكاء والتراخي،بل للوثبة الجادة والمثابرة على إقتناء المعرفة والخبرة لتحسين الأداء،واحتواء فنون الشغل السياسي،ومحاولة تذليل فنون الشغل الأيديولجي المعيق..
كوني امرأة مؤمنة بالمساواة حد النخاع،لا ارى من الإنصاف ان تمنح المرأة نسبة تمثيل في البرلمان الأمريكي مثلا،فلهذه الدولة دستور واضح وصريح لا تشوبه ثغرات ضد المرأة،وقوانين صارمة مصفاة من التمييز،وصورة المرأة في الواقع الأمريكي..أنسان حر.. وما تحصده سياسيا هو ريع ما تزرع دونما قيود او معوقات..وهذ لا يعني إجهاض حق الأحزاب السياسية في مشاطرة المقاعد بين نساءها ورجالها، فهذ المشاطرة آلية من آليات الأحزاب لا تفرضها الدولة بنص دستوري او قانوني..
ما يثار حول الكوتا وتعارضها مع المساواة،ينطلق من شخوص فاتها ان تبصر تلك الزواية الميتة التي تحدثت عنها،المفعمة بايديولوجيا لا تطيق منافسة المرأة للرجل على سلطة أيا كانت..ولا تستوعب قيمتها..
فاتن نور
09/03/08