Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

هل يحل هذا الثور لغز الإنتحاريين؟

 

ثور في حلبة مصارعة، ينطلق نحو رجل يحمل جهاز ريموت كونترول. يقف الرجل ويضغط على الجهاز، فيتوقف اندفاع الثور ويبدأ بالدوران حول نفسه! هذا المشهد لن أنساه، وربما لن تنساه، فقد يحمل التفسير الذي سيقنعك، لأخطر ألغاز العالم اليوم، على الأقل في العراق!. لنراجع اللغز ببضعة أسطر قبل أن ندخل في موضوع "الحل".  

لقد عاد "الإرهابيون الإنتحاريون" إلى العمل بنشاط في الفترة الأخيرة في العراق، لذا فمن المناسب أن نعود لمراجعة ما نعرفه عنهم، وهو ليس واضح للجميع للأسف. فرغم كل الجهود المبذولة لتفسير تصرف "الإنتحاري" الإرهابي، فإنه يبقى مناقضاً لكل معرفتنا بالطبيعة البشرية، ويبقى لغزاً "محيراً"، على الأقل إن اردنا قبول التفسيرات الشائعة له. هذا على عكس "الإنتحاري المبدئي" المفهوم، الذي يضحي بحياته من أجل رفاقه أو شعبه أو وطنه، مثل الكاميكاز اليابانيين، والإنتحاريين الفلسطينيين. "الإنتحاري الإرهابي" يبدو كمن يخسر حياته بلا هدف محدد أو انتقام محدد، وهذا يجعله غير مفهوم. فالإنسان يشترك مع الحيوان في نقطة أساسية هي "حفظ الحياة"، ولو أفترضنا أن فرداً، أو سلالة ما، كان عندها خلل في هذه الناحية، فسرعان ما تنقرض، حتى لو قتلت في طريقها آخرين "إنتحرت بهم".  

ولذلك فحتى هؤلاء الإنتحاريين المبدئيين، لا يتواجدون إلا حيث لا توجد أمامهم طريقة أخرى لتنفيذ أهدافهم أولاً، وأن يكون الهدف أكبر منهم وأكثر قيمة من حياتهم بالنسبة لقضيتهم، ويأملون من انتحارهم أن يغير العالم لصالح قضيتهم. فالكاميكاز لم يتم تشكيلهم إلا بعد عجز الطيران الياباني عن مقاتلة المقاتلات الأمريكية الأحدث واختراق دفاعاتها الجوية. كانوا ينتحرون لتفجير طائرات أكبر واقوى من طائراتهم أو بسفينة عدوة يصعب عليهم الوصول إليها وقصفها. الإنتحاريون الفلسطينيون اكتشفوا أن تلك الطريقة هي الأقل كلفة بالنسبة لهم أمام عدو شديد الدقة والأذى. وأول انتحاري رمزي في التاريخ، اليهودي شمشون الذي هتف "علي وعلى أعدائي يا رب" فحطم المعبد الذي هو أسير فيه ليسقط عليه وعلى أعدائه، فينتهي وينتهون، وصار بطلاً يهودياً قومياً، إن صح التعبير. أما الإنتحاري الإرهابي فينتحر دون أن يبدو مضطراً لذلك، واهدافه أحياناً باهتة وغير مؤكدة. فلا نفهم لماذا يفجر أنتحاري نفسه في سوق عام ليقتل عدد من الناس، أو في وسط طالبات يقفن أمام باب جامعة مدينة مختلطة، ليس له أي علم مسبق بهويتهم، دع عنك قلة أهميتهم بالنسبة إلى أي هدف يمكن أن يقصده الإنتحاري، وأياً يكون دافعه، حتى لو كان الطائفية. فكيف سيغير عمله العالم لصالح قضيته، إن كان له قضية أصلاً؟ أو لم يكن بإمكانه أن يقذف ضحاياه بصليات من رشاشة أو بقنبلة يدوية ويهرب، وقد ينجو إن كان قد رتب طريقه بشكل جيد، فلماذا يتخلى عن أعز شيء لديه بهذه السهولة: حياته؟

والإنتحاري حين يقدم حياته من أجل قضية ما، فإنه يفتخر بذلك، وكثيراً ما يحرصون على تسجيل شريط فيديو قبل انتحاره، يشرح فيه سبب عمله فخوراً، كما فعل العديد من الفلسطينيين. ولم يختلف اليابانيون عنهم بذلك، فهم يعلنون أنفسهم باعتزاز، ويفخر بهم أهلهم، فأين ذلك من "الإنتحاري الإرهابي"؟ لماذا يضحي بحياته من أجل هدف لا يفتخر به، ولا يريد أن يترك أثراً لأهله ليعتزوا به؟

إن تسجيل شريط مزيف مجهول الهوية لا يكفي حتى لو حدث. إننا نعرف اليوم أسماء وشخصيات الإنتحاريين الفلسطينيين واليابانيين وما يفكرون به، لكن ليس لدينا أية فكرة عن الإنتحاريين الإرهابيين كشخصيات حقيقية، ومن أمسك بهم أما أنه تبين أنهم غير طبيعيين يعانون من إشكال عقلي، كما مع تلك التي امسكت في الأردن، أو أنهم يختفون في دهاليز الأمن العراقي المخترق حتى القمة بعملاء أميركا، ولا يعود أحد يسمع عنهم شيئاً، ولا احد يحلل نفسيتهم ولا يعلن عن شخصيتهم للصحافة!! 

إن الهرب من هذه الأسئلة لا يفسره سوى الرغبة الشديدة بتفسير الأحداث على أساس طائفي، لما يعطيه من راحة للنفس والإنتعاش بالإحساس بالتفوق الأخلاقي: خصومنا أشرار قذرين، ونحن فقط البشر! من أجل هذا الإحساس وما يعطيه من نشوة، تدفن الحقائق ويسهم أصحابه بدفع البلد إلى الهاوية. 

كتبت كثيراً في الموضوع منذ سنوات، وهذا بعض من إحدى مقالاتي:

"من يمكن ان يضحي بنفسه من اجل ان يقتل حفنة من المسافرين؟...جماعة صدام هي جماعة نفعية ليس لها اية مباديء حتى ولا قومية أو طائفية أو دينية, فالبعث في زمن صدام تحول من حزب قومي, الى مافيا لصوصية وحشية تحمي صدام ونفسها, وكل فرد فيها يعرف حقيقتها جيداً ويبقى فيها لإنتفاعه الشخصي أو لخوفه الشديد فقط. فالمبدأ الوحيد كان نهب ما يمكن نهبه وتجنب إغضاب صدام ومن حوله.هل يمكن أن يوجد في مثل هذه المجموعة من يفجر نفسه من أجل اي شيء؟"

وكتبت: "حادثة جسر الأئمة تثبت العكس. وحادثة جسر الأئمة هي القياس وليس استثناء لطبيعة العلاقة بين الشيعة والسنة في العراق كما نعرفها." 

يلجأ المصرون على تفسير الإنتحاري الإرهابي إلى أنه "مجنون". لكن المجانين نادرين، والمجانين العنيفين اكثر ندرة، ولولا ذلك ما استطاع أي مجتمع أن يعيش بسلام، فمن اين تكاثر هؤلاء فجأة؟ ثم أن هذا "الإنتحاري" لم يتصرف كمجنون، وحركاته لا تدل على عشوائية المجانين وإخفاءه لحقيقته تدل على استقرار ذهني قوي وإلا فضح نفسه.

إذن فهو إنسان عاقل إعتيادي، لكنه مجنون فقط في نقطة واحدة، في موضوع أنتحاره! مثلاً أن يكون شخصاً شديد التطرف الطائفي! والإعتراض على هذا التفسير أن مثل هذه الشخصية يصعب أن تنمو حتى تصبح إنساناً ناضجاً. فأن هذا يعني أن رجلاً في الثلاثين من العمر، لم يجد طوال سنوات عمره ما يدعوه للإنتحار من أجل هدفه، وفجأة توفر مثل هذا الهدف ولعدد كبير من هؤلاء "المجانين جزئياً"! الطوائف مختطلة منذ قرون وعصور، ولم تعرف هؤلاء الإنتحاريين الإرهابيين من قبل، فما الذي جد في العصر الجديد؟ هل أن هناك كراهية طائفية من الشدة ما لم تمر بها الشعوب من قبل؟ ليس هناك أي دليل على ذلك. صحيح أن المشاعر الطائفية قد ارتفعت كثيراً في العراق منذ الغزو الأمريكي، لكن الإنتحاريين جاءوا قبل تلك الزيادة، وكانوا، بما فسرت دوافعهم بأنها طائفية، سبباً في تأجيجها وليس العكس. لقد تكاملت موجة "الإرهابيين الإنتحاريين" في العراق منذ عام 2005، ولم تشهد الطائفية تصاعدها الحقيقي إلا بعد ذلك، وخاصة في عام 2006، ولا يمكن للنتيجة أن تسبق السبب. 

لكل ذلك، يمكننا أن نعتبر وجود "الإرهابي الإنتحاري"، شخص يقتل نفسه لإيقاع ضحايا عشوائيين، لغز تحيطه علامات استفهام وشكوك أساسية. الذين لا يقبلون التفسيرات المتناقضة، حتى عندما تتكرر كثيراً في الإعلام وحتى لو كثر عدد المصدقين بها، وأنا أحدهم كما أعتقد، سيبحثون عن تفسير لا يتجاهل تلك الإعتراضات والشكوك ، وهناك بالفعل تفسيرات أخرى لحل هذا اللغز المحير، لكن لعل أشد تلك التفسيرات وضوحاً وإثارة للدهشة في نفس الوقت، يرتبط في ذهني بـ "ثور"!  

الفلم(1) في الإنترنت – أضع الرابط هنا للذهاب إليه الآن:إنني لا أقصد هنا أي شيء مجازي.. إنني أتحدث عن ثور حقيقي احتفظ بنسخة من تسجيل فيديو له، وموجود على النت، ويمكنك عزيزي القارئ، أن تشاهده أيضاً. هذا الثور يشرح هذا اللغز أفضل من اي كاتب عبقري الألفاظ أو محلل سياسي فطحل أو "خبير بالإرهاب".. إفتح صفحة هذا

http://www.openfilm.com/videos/human-resources-remastered

 

الفلم على أهميته الكبيرة، طويل يقارب الساعتين، لذلك أرجو الإنتقال مباشرة إلى التوقيت (1:40:40) (بعد ساعة وأربعون دقيقة واربعون ثانية من البداية) ثم يمكنكم مشاهدة الفلم كله لاحقاً، وهو يستحق وقتك بالفعل إن لم تكن لديك مشكلة باللغة الإنكليزية. لا تحتاج الإنكليزية لمشاهدة لقطة الثور. نلاحظ حلبة مصارعة فيها ثور يتحرك ويهاجم المصارع كالمعتاد، وفجأة يتوقف ويبدأ بالدوران حول نفسه وكأنه لا يسيطر على اتجاهه! يتكرر المشهد يهاجم الثور رجلاً يقف في جانب الملعب، فيرفع الرجل يده بـ "ريموت كونترول" فيتوقف الثور ويبدأ بالدوران حول نفسه! كان الرجل هو "خوزيه دلكادو" الذي صمم التجربة بنفسه وأنجزها.

تلك كانت تجربة علمية أجريت في مؤسسة أنشأها رونالد ريكان عندما كان حاكماً لولاية كاليفورنيا عام 1973. وتتلخص فكرة التجربة بوضع جهاز إلكتروني يسمى "ستيموسيفر" في رأس الثور، يتصل بالمراكز التي توجه عضلاته، وعند ضغط الريموت كونترول، ترسل إشارات إلى تلك المراكز فتسيطر على عملها.  

لقد أشرفت وكالة الإستخبارات الأمريكية (سي آي أي) ومولت مجموعة كبيرة من البحوث المماثلة التي تتعلق بالسيطرة على الدماغ منذ الخمسينات في القرن الماضي، وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتجنيدها لعدد كبير من العلماء النازيين الذين كانوا يعملون في هذا الإختصاص، بعد أن رتبت لهم ترتيبات خاصة للإفلات من العقاب على جرائمهم.

قدم دلكادو عدداً من البحوث يشير فيها إلى استعماله جهاز "الستيموسيفر" على الحيوانات وعلى البشر! ووصف كليهما بـ "اللعابة الميكانيكية" التي يسيطر عليها بواسطة الريموت كونترول. وظهرت في بحوثه صوراً لفتاة أحدها ساهمة تنظر إلى منظر غير موجود مرة، وصورة أخرى تتخيل نفسها تعزف الكيتار وأخرى تضرب الحائط بعنف. 

لقد كانت تجارب السي آي أي تهدف إلى البحث في عملية غسل الدماغ ومحو شخصية موضوع التجربة وتكوين شخصية جديدة له مكانها، وكان القصد منها البحث عن أساليب تحطيم شخصية المعتقلين لإرغامهم على الإعتراف، وربما تحويل شخصيتهم والإستفادة منهم كجواسيس بعد إعادتهم إلى بلادهم! وقد استخدمت فيها المخدرات والسموم والأجهزة الإلكترونية المتصلة بالدماغ، وعلى شخوص بدون علمهم في معظم الحالات وقد أدت إلى نتائج وخيمة عليهم أحياناً أنتهى بعضها بالموت! لقد بدأت التجارب على الحيوانات، ونرى في الفلم (1:28:30) (بعد ساعة وثمان وعشرين دقيقة ونصف من البداية) قطة تم حقنها بمخدر إل إس دي، فصارت تخاف من الفأرة! لقد محت التجربة ما توارثته القطة من صفاة منذ ملايين السنين! ويشرح الفلم تجربة مثيرة لإثارة الشقاق والعراك بين الفئران بحرمانهم من حاجتهم (00:59:20) (بعد حوالي ساعة) ويشير إلى قيام السي آي أي بالتجارب على البشر (1:20:00) (بعد ساعة وعشرين دقيقة).

الموضوع طويل ومثير ويحتاج إلى الكثير من الكتابة، لكننا نختصره هنا لنعود إلى موضوع "الإرهابي الإنتحاري". لقد كانت تجارب السي آي أي لا أخلاقية بشكل يفوق التصور، ويبين الفلم أنهم أقاموا معسكرا ً للأطفال في أحد المخيمات الأوربية بدعوى ألتعارف بين مختلف الثقافات، وكانت في حقيقتها حقل اختبار يراقب فيه الأطفال وكيف يتصرفون بعيداً عن ذويهم، ومحاولة أكتشاف أي منهم أكثر صلاحية للتجنيد للعمل في السي أي أي. ولعل أشهر ضحايا تجارب السي آي أي، أم لخمسة أطفال إسمها ليندا ماكدونالد ذهبت إلى المستشفى وكانت تحس فقط ببعض الكآبة، فأدخلوها دون علمها في تجارب فضيعة، فخرجت بعد بضعة أشهر، وقد أعادوا شخصيتها إلى ما يسمى "حالة الرضيع"، فلم تعد تذكر إسمها ولم تعرف في أية سنة هي، ولم تستطع التعرف على زوجها ولا أطفالها وعجزت عن تناول الطعام بنفسها! لقد تم مسح شخصيتها تماماً، وقد احتاجت إلى علاج طويل ومرير لتتمكن ثانية من العودة للحياة. لقد كانت السي آي أي بحاجة إلى كثير من المتطوعين للقيام بالتجارب، وحينما لم تكن تجد، فأنها أقامت تجاربها على الشعب الأمريكي بدون علمه، وأحياناً تجارب خطرة على موظفي السي آي أي انفسهم، بدون علمهم أيضاً. لقد تم إتلاف وثائق السي آي أي في السبعينات لتمنع استمرار الفضائح، أو على الأقل أن رئيسها السابق ريتشارد هلمز إدعى ذلك أمام هيئة تحقيقية للكونغرس، وقال أحد ضباطها السابقين أن ما كشف من فضائح تجارب السي آي أي ليس سوى جزء تافه جداً. الفيلم نفسه من إنتاج سكوت نوبل الذي يهديه إلى عمته التي كانت ضحية لإحدى تلك التجارب عندما كانت مراهقة، ولم تشف منها أبداً!

نلاحظ أن من أمسك من الإنتحاريين الإرهابيين في العراق حياً، كان يبدو مختل وغير طبيعي أيضاً، وقيل أن أحدهم كان ينظر إلى أعلى، فهل هذا الأمر مجرد صدفة؟ 

مقالة حول جرائمه(2). وقبل مجيئه للعراق كان نيكروبونتي سفيراً للولايات المتحدة في هيئة الأمم المتحدة, وقد قوبل ترشيح الرئيس بوش لنيغروبونتي لهذا المنصب حينها باحتجاجات واسعة من قبل منظمات حقوق الانسان وغيرها, حول دوره في دعم الارهاب في اميركا الوسطى." الصحفي بيل فان قال انها مسخرة ان يرشح شخص متورط بمثل تلك الاعمال الوحشية, ليتحدث للمجتمع الدولي عن "محاربة الارهاب".نترك الفلم والتجارب التي استمرت من الخمسينات وما وراءها، وشاركت فيها جامعات أمريكية وأوروبية كبرى كانت السي آي أي تدفع تكاليفها، لنصل إلى الثمانينات حين أصبح ذلك الحاكم لكاليفورنيا، صاحب الثور، رئيساً للولايات المتحدة، الثمانينات التي تآمرت فيها الولايات المتحدة على العراق وعلى دول أميركا اللاتينة عموماً، فأشعلت الحرب في الأول لثمان سنوات، ودعمت الإرهاب في الثانية . وقد استفاد ريكان وطاقمه من تجارب السي آي أي في ذلك واستخدموها كثيراً وانتشر في تلك البلدان إرهاب لم تعرف مثيلا له في تاريخها من الفضاعة.. وقد قدمت في مقالات سابقة لي مقارنة بين ما يجري في العراق من فضائع ، وما تم تسجيله من اميركا اللاتينية من فضائع مماثلة منقولة من ناشطين في تلك الدول تشير إلى ان الفاعل واحد، ويبدو أنه نقل تجاربه حيث يكون. ففريق عمل ريكان الذي ارتبط إسمه بتلك التجارب، نقل نتائجها إلى أميركا اللاتينية، وجاء بوش بالعديد من شخصيات ذلك الفريق الريكاني ومنهم رامسفيلد وآخرين وبشكل خاص السفير جون نيكروبونتي الذي كتبت حينها  

مايكل شوسودوفسكي(3): يكتب البروفيسور

"وقد صممت عمليات تشكيل وتدريب كتائب الإرهاب في كل من العراق وسورية على غرار “الخيار السلفادوري”، وهو “نموذج إرهابي” لعمليات قتل جماعية تنفذها فرق للموت كانت ترعاها الولايات المتحدة في أمريكا الوسطى. وقد طبقت بداية في السلفادور، في أوج المقاومة ضد الديكتاتورية العسكرية هناك،  وأسفرت عن مقتل ما يقارب 75,000 شخصاً.

بدء تأسيس فرق الموت في العراق خلال الأعوام 2004 – 2005 بمبادرة قادها السفير الأمريكي جون نيغروبونتي الذي أُرسِل إلى بغداد من قبل وزارة الخارجية الأمريكية في حزيران 2004.كان نيغروبونتي “الرجل المناسب للمهمة”. فبصفته سفيراً للولايات المتحدة في هندوراس ما بين 1981 – 1985، لعب الرجل دوراً رئيساً في دعم وتوجيه عصابات الكونتراس النيكاراغوية المقيمة في هندوراس، وكذلك الإشراف على فرق الموت الهندوراسية. وجلب نيغروبونتي إلى فريقه معاونه السابق الكولونيل المتقاعد جيمس ستييل الذي عمل معه في السلفادور. و”فور وصول الكولونيل ستييل إلى بغداد، عُين في وحدة مكافحة التمرد المعروفة باسم “مغاوير الشرطة الخاصة” التابعة لوزارة الداخلية العراقية.  

نعود إلى فلمنا من أجل لقطة اخيرة، والتي تأتي قبل أنتهاء الفلم بلحظات، (بعد ساعة وسبعة وخمسين دقيقة و40 ثانية) (1:57:40) ونرى فيها أن السيطرة قد تطورت، وبدلاً من أن يضيع الحيوان قيد التجربة في دوائر، أمكن في تلك اللقطة من السيطرة على فأرة وتسييرها إلى اليمين واليسار حسبما يوجه المسيطر عليها بالريموت كونترول، فكم بقي على السيطرة على إنسان ليحرك يده ويفجر حزاماً ناسفاً يرتديه؟ 

والحقيقة أن صورة الثور والرجل الذي يسيطر عليه بالريموت، قد تكررت في بغداد، وبدل خوزيه ماكدونالد وثور، كان لدينا مجندان بريطانيان يحملان ريموت كونترول للتفجير وقد تنكرا بزي إسلامي، يجلسان في سيارة قرب حسينية في البصرة في خريف عام 2005. وقد القي القبض عليهما بعد أن اشتبكا مع الشرطة التي اكتشفتهما، وقتلا شرطيين وكانت سيارتهما مليئة بالأسلحة المختلفة. وقد كتبت عن تلك الحادثة مقالة بعنوان "علينا ان ننسى: البريطانيان كانا يحملان جهاز تفجير عن بعد". وقد حاول الإعلام البريطاني تبرير الفضيحة بأنهما كانا يراقبان "تسلل المسلحين من إيران"، وبالطبع لم تذكر لنا لماذا يحتاج من يراقب تسلل المسلحين إلى جهاز تفجير عن بعد.

"رئيس الوزراء العراقي إبراهيم الجعفري و وزير الدفاع البريطاني جون ريد أعلنا أن تلك الحادثة لم تؤثر على العلاقات بين البلدين." (للأسف الشديد) لكن الشيخ همام حمودي رئيس لجنة كتابة الدستور حينها, لم يستطع السكوت فقال ان "الحالة غريبة وتحتاج الى دراسة دقيقة ومعمقة وموضوعية... ومثل هذه الامور ينبغي ان يكون التحقيق فيها شفافا وواضحا ويتحمل كل طرف مسئوليته " 

في نهاية مقالتي أكدت أن أحد لن يأتي على ذكر ذلك الريموت كونترول لأنه لا يمكن تفسيره إلا بالنية على التفجير. وبالفعل تجاهلت الصحف "العراقية" (وما هي بعراقية) ذلك الجهاز تماماً. كتبت حينها: "فمعنى ذلك ان البريطانيين كانوا يحاولون القتل وزرع الفتنة بين الشيعة والسنة. ومعنى ذلك انهم ربما كانوا قد فعلوها سابقاً, ومعنى ذلك اننا نجد تفسيراً للزرقاوي اكثر اقناعاً من كونه ذلك الاردني الخارق, (الذي يقوم بالأعاجيب وحده) ومعنى ذلك ان الحكومة العراقية يجب ان تطلب من الحكومة البريطانية سحب قواتها فوراً من العراق, وهذه كلها منظومات كبيرة لايسمح لها ان تنهار من اجل سؤال." 

كنا نعلم من قبل أن العديد من الذين يسمون "إنتحاريين" كان يفجر بدون علمه، وعن ذلك يروي الصحفي البريطاني الشهير روبرت فيسك في 28 كانون الثاني 2006: الأمريكان وراء تفجيرات العراق

" تدرّب أحد العراقيين من قبل الأمريكيين للعمل كشرطي فيبغداد، حيث قضى سبعين بالمائة من وقته في تعلّم قيادة السيارة وثلاثينبالمائة من وقته التدرّب على إستخدام السلاح. بعدها قالوا له "إرجع لنابعد إسبوع". وعندما رجع عندهم، أعطوه تلفوناً خلوياً وطلبوا منه أن يسوقسيارته الى منطقة مكتظة بالسكان قرب أحد الجوامع على أن يتصل بهم من هناك. ذهب الشرطي الى المكان المحدد له، إلا أنه لم يتمكن من الإتصال بسهولةوذلك بسبب ضعف الإشارة الهاتفية، فترك سيارته الى مكان آخر ليتمكن منتحقيق إتصال هاتفي أفضل. وعند إتصاله بالأمريكيين، إنفجرت سيارته." وهناكحادثة لشرطي آخر تدرّب على أيدي الأمريكيين، و أيضاً طُلب منه التوجّه الىموقع مكتظ بالناس، ولربما كانوا مشاركين في تظاهرة ما، وطلب الأمريكان منهأن يتصل بهم من هناك وموافاتهم عن ما يجري في المظاهرة. وبعد وصوله الىالمكان المُعيّن، حاول الإتصال بهم، إلا أن تلفونه الخلوي لم يعمل بصورةصحيحة، فغادر سيارته ليتصل معهم عن طريق تلفون عادي ليخبرهم:" أني قد وصلتالى المكان الذي أرسلتموني إليه وسأخبركم عن الذي يجري هنا". وفي تلكاللحظة، إنفجرت سيارته". 

هذا كان يفسر جزء من اللغز، والخاص بـ "إنتحاريي" السيارات، أو الذين يحملون متفجرات في حقيبة ولا يعلمون بها ويتم تفجيرهم من بعيد، لكنه لا يفسر لنا ظاهرة أصحاب الأحزمة الناسفة التي يقومون بتفجيرها بأنفسهم، وبحركة من يدهم، وهو ما بقي لغزاً محيراً حينها! 

الآن بعد أن شرح لنا هذا  الثور المسكين ما كنا نجهله، فإننا نعلم أن ما كان البريطانيان يحملانه قد لا يكون جهاز تفجير عن بعد فقط، بل النسخة المتقدمة للريموت كونترول الذي كان يحمله خوزيه ماكدونالد، وجعل الثور يدور حول نفسه، أو ذلك الذي يتحكم بمسيرة الفأرة يميناً أو شمالاً، ولكن بعد اربعين عاماً من التطوير والبحوث صار قادراً على دفع إنسان ليحرك يده نحو حزامه ويسحب الخيط!  

لكن لماذا قام البريطانيون بذلك بأنفسهم فخاطروا تلك المخاطرة التي فضحتهم، ولم يدربوا عراقيين عليها؟ إنه سؤال وجيه لا يعلم جوابه إلا الله والبريطانيون أنفسهم، ولربما كانوا مازالوا في طور التجارب في تلك الفترة وأرادوا مشاهدة الوقائع على الأرض، وربما فعلوا ذلك مرات عديدة لم تكشف.

هذا ا لأمر يتطلب الكثير من التجارب، وحين كانت السي آي أي تعجز عن إيجاد المتطوعين للتجارب، كانت تجرب على الأمريكان أنفسهم.

في ظرف العراق توفر لها خزين هائل من "المتطوعين" الإجباريين، وبعيداً عن أعين ومحاسبة أي قانون، متمثلاً في عشرات الآلاف العراقيين المنسيين في السجون. لا شك أن حرب العراق قدمت لعلوم السيطرة على الإنسان، ما قدمته الحربين العالميتين لعلم التشريح من توفير نماذج مجانية للتجارب. 

لقد حل هذا الثور لنا لغزاً كبيرا، وستبقى صورته مرتبطة في ذهني بـ "الإنتحاري" المسكين الذي لم يكن يسطر على حركة يده، فلا تنطبق عليه كلمة "إنتحاري" المضلله، وإنما كلمة "ملغوم" يتم تفجيره بلا إرادته وهو ليس إلا واحداً من ضحايا الإرهاب... الإرهاب العالمي الحقيقي الذي تقوده دولة عظمى وليس مجموعة مجانين، دولة كانت تجري التجارب على الثيران والفئران والبشر!

عندما كنت اسمع بالمثل العراقي "أخذ الشور من راس الثور" لم اكن أتخيل أنه سيكون له تطبيق حرفي بهذا الشكل! ومع ذلك، هل فعلاً سنأخذ "الشور" ونكتب عن الحقيقة هذه المرة، أم سنفضل كعادتنا الهرب من هذا "الشور"؟ وأمامنا طريقان للهرب:

الأول الهرب إلى التفسير الطائفي، والثاني الهرب إلى التحليل "العلمي" التاريخي أو الإجتماعي.

الأول أنسب لمن يريد التمتع باستحسان البسطاء الطائفيين من إحدى الطائفتين، وتهليلهم لـ "موضوعيته" و"شجاعته"، وهذا الطريق لا يحتاج لجهد كبير، فالمقالة منها لا تحتاج لأكثر من نصف الساعة التي تستغرقها كتابة حروفها على الحاسبة، لكنها لا تحظى عادة باحترام ثقافي كبير.  

الطريق الثاني هو ما يبدو أنه "التحليل العلمي العميق" الذي يبحث في "جذور العنف في المجتمع العربي" و"طائفية العراقي" و"تاريخ الكراهية في الإسلام" ونتفحص كل كلمة في مناهج دراسة الأطفال. هو أن "تعصر" التاريخ وعلم الإجتماع للوصول إلى الإستنتاجات المناسبة بأن "الخطأ فينا" وفي "ثقافتنا المتوارثة"، وأن الحل في "التربية" الخ. وهذا يحتاج إلى جهد ووقت، إضافة إلى القدرة على المراوغة بعيداً عن الأسئلة الحرجة والحقائق التي لا يفسرها التاريخ أو "ثقافتنا المتوارثة"،  لكنه يكافأ بالمقابل بكتب مطبوعة وتقدير في المجتمعات الراقية ودعوات لمؤتمرات حول السلام و"تعايش الأديان" وربما مناصب استشارية وبحثية.

ويمكن أيضاً خلط طريقي الهرب بتحليل تاريخي "علمي" يوصل إلى أن الإرهاب طائفي! أن طائفة ما، مجبولة على الإرهاب منذ القدم. ليس ذلك صعباً على من "يريد".

 أن نفعل كما اعتدنا كل ما نستطيع لنزيح الحقائق المزعجة التي تضع نفسها أمامنا على طاولة الحاضر البسيط؟ أن نركلها كما فعلنا مع حقائق عزيزة كشفتها كنيسة سيدة النجاة بعد أن دفعت ثمنها دماءاً ودموعاً غالية! المصيبة لم تعد في سرية الإرهاب وقلة المعلومات عنه، المصيبة صارت في قصور شجاعتنا على مواجهة الحقائق التي نعرفها عنه! إنه يصرخ: ها أنذا، فأروني ما أنتم فاعلين!... ثم يبتسم ويقول: "لاشيء؟...إذن هيا أيها الأولاد الحبابين، إذهبوا لدراسة التاريخ، وابحثوا عني في كتب علي الوردي، ولا تعودوا لهذه الأسئلة السيئة!".. 

ربما لم يعد اختيار الهرب نحو بحوث التاريخ والمجتمعات والتربية لتفسير الإرهاب، يكافأ دائماً بالكثير، لكثرة من تكاثر على مائدته من "الباحثين" الهاربين من الحقائق القاسية والطامعين بمال أو جاه من عالم يسيطر عليه الشيطان الأكبر، لكنه يبقى الخيار "الأسهل" و "الأسلم" و"الأجمل" و"الأريح" ، وهو بلا شك الأكثر أماناً... 

فمن يعتقد أن معرفة معنى وجود البريطانيين متنكرين ومسلحين مع ريموت كونترول للتفجير عند حسينينة في البصرة، تخبرنا عن الإرهاب في بلدنا أكثر من بحوث تؤكد وراثتنا لجينات الحشاشين، مهدد أن يدفع الثمن. أن من يتساءل، لماذا خبت كروموسومات الحشاشين قروناً ولم تظهر إلى أن احتاجها الأمريكان، مهدد أن يدفع الثمن. إن كان في الخارج فهو مهدد بالشبهة من أجهزة البلد الأمنية وأجهزة "محاربة الإرهاب" السرية ومهدد بفقد عمله. أما في العراق فبأن تستقر رصاصات في امعائه كما حدث مؤخراً لخطيب الجامع ومدرس اللغة العربية في الموصل ،شاكر المولى، الذي تجرأ فقال أن القاعدة مؤسسة أمريكية كانت ومازالت تأتمر بتعليمات أمريكية.  

حين ذاع خبر الإرهابيين البريطانيين نقلت صحيفة «ذي تليغراف» عن المسؤول العسكري البريطاني قوله إن «الرسالة التي أرسلتها هذه العملية للارهابيين في العالم بأسره هي أنهم لن يتمكنوا من أخذ الجنود البريطانيين رهائن ويفلتوا بفعلتهم»!! هذه هي طريقة الغرب الأمريكي البشعة: أقلب الحقائق على رأسها تماماً وتحدى العالم وانظر في عينيه! الحقيقة التي يجب أن تنسى هي أن الإرهابيين البريطانيين هم من ضبطوا متلبسين بجرمهم، وقتلوا الشرطة العراقية وأفلتوا بفعلتهم بفضل الدبابات التي اقتحمت سجنهم! أما الرسالة الحقيقية التي يجب أن تذكرها جيداً وأن تثبت في ذهننا اللاواعي دون أن نذكرها علناُ، فهي أن "من يتجرأ على التحرش بالإرهابيين الحقيقيين، لن يفلت بفعلته"!  

ولدهشتي، حين كنت أبحث عن صورة هذين الإرهابيين، وجدتها في موقع لناشطين غربيين كانوا يكتبون بنفس ما أكتب من قلق على الحقائق مؤكدين الحاجة إلى مقاومة النسيان .، فعند الصورة كتبوا:

"الوجه الحقيقي (لما يسمى) الإرهاب الإسلامي – عميلين "للخدمات الجوية الخاصة" البريطانية القي القبض عليهما متنكرين في هجوم إرهابي في البصرة في 20 أيلول 2005.... لإلا ننسى من هم الإرهابيون الحقيقيون"!  

The REAL face of “Islamic Terror” – Two SAS agents caught carryingout a false flag terror attack in Basra, Iraq September 20th 2005

Lest we forget who the real Terrorists are…

 

فالحقيقة التي يحاول إعلامنا العميل دفنها عن شعبنا في النسيان، هي نفس الحقيقة التي يحاول إعلامهم العميل دفنها عن شعبهم في النسيان، وفي ذلك علامة مهمة لنا لنعرف من هم أصدقاءنا ومن هم أعداءنا. 

رغم كل ذلك يبقى الإصرار على ما أشاره علينا "رأس الثور" مغرياً، فهو الأكثر صدقا ً وشرفاً! إنه الخيار الأزلي للإنسان بين تفضيل الراحة أوالصدق - بين الأمان أوالشرف. إنه ليس خياراً سهلاً ولم يكن كذلك يوماً....وعليه يعتمد مستقبل الكثير من الأشياء في الحياة، وربما الحياة نفسها! 

المقالة القادمة ستكون تكلمة للحلقة، وحول فرق الموت في العراق.

 

(1) رابط الفلم: http://www.openfilm.com/videos/human-resources-remastered

(2) صائب خليل: نيغروبونتي: السجل الخطير لسعادة السفير"

     http://www.ahewar.com/debat/show.art.asp?aid=20653

(3) http://cdn1.aljaml.com/node/91940

 

Opinions
المقالات اقرأ المزيد
"كاروك" الإصلاحات العنوان غريب وبعيد جدا عن المضمون ولكن للعراقيين أساليبهم وحكاياتهم بتناول الحديث في مجالسهم الشعبية الخاصة غير أحاديث الصالونات وأجواء السياسيين ولهم القدرة على إعطاء الإشارة والمعنى ، ولهذا لا أريد الدخول بتفصيلات ما حزمة تحديات تنتظر البطريرك الجديد للشعب الكلداني د. حبيب تومي/ مقدمة أزعم ان الأسم العربي مقرون بشدة مع الإسلام وكأنهما صنوان لا يفترقان رغم وجود اختلاف شاسع بين المصطلحين ، فالعرب ليسوا جميعاً مسلمين ولا المسلمين جميعهم عرب ، ومع ذلك يصار الى الارادة المستلزم الاساسي للتصدي جاسم الحلفي/ لم يمتلك الثوار الفيتناميون اسلحة كالتي امتلكتها الانظمة العربية عام 1967، ومع ذلك حققوا انتصارا جبارا على المحتلين الامريكان، خمس قوى تقف وراء ازمات العراق نــزار حيدر/ لا شك ان اجراء الانتخابات في الاجواء الايجابية والمستقرة والهادئة له اثر ايجابي كبير على العملية الديمقراطية
Side Adv2 Side Adv1