هل يُصلِح أوباما العطّار ما أفسده بوش؟
-1-بانت قسمات باراك أوباما السياسية، وقدرته على القيادة مستقبلاً أكثر فأكثر، من خلال زيارته الأخيرة للشرق الأوسط، ولأجزاء من أوروبا. ففي هذه الزيارة وخاصة لألمانيا وخطبته الشهيرة أمام بوابة براندنبورغ، وقريباً من حائط برلين المنهار، استطاع أوباما أن يبشر مؤيديه وناخبيه ومحبيه، أنه العطَّار الماهر، الذي جاء ليصلح ما أفسده بوش، ولتكذيب المثل العربي القائل: "لا يُصلح العطَّار ما أفسده الدهر"، فيما لو اتفقنا أن الدهر هنا هو ولاية بوش الأولى والثانية. وأن العطَّار هنا، ليس من يرشّ العطر على مصائب الدهر ليصلحها، وإنما يصلحها بالعقل والعلم، وهما كل ثروة أوباما. وكان الجزء البارز من الإصلاح السياسي الخارجي، هو ما قاله أوباما في برلين، من ضرورة ازالة جدران كثيرة في حياتنا، وفي علاقتنا مع الآخر، كالجدار القائم بين أوروبا وأمريكا بسبب الحرب على العراق 2003، والجدار القائم بين المسلمين والمسيحيين واليهود بسبب كارثة 11 سبتمبر 2001، والجدار القائم بين السود والبيض، بسبب سياسات التمييز العنصري في أنحاء متفرقة من العالم.
-2-
شكّل ظهور باراك أوباما على مسرح السياسة الأمريكية، ونجاحه في الدورة الأولى لانتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو الأسود المنبوذ سابقاً من مجتمعه، ضد الشقراء البيضاء البروتستانتية هيلاري كلينتون، وما يناله من شعبية طاغية وكريزما جماهيرية في داخل أمريكا وخارجها، ظاهرة فريدة ومتميزة في السياسة الأمريكية ومستقبلها القريب والبعيد على السواء. وهي حدث تاريخي غير مسبوق في التاريخ السياسي الأمريكي. وأن المرونة الوطنية والشعبية ألمريكية لقبول أوباما، والترحيب به على هذا النحو، هو درس لكل العرب الذين عليهم القبول برئيس جدير بالرئاسة من الأقلية، بغض النظر عن دينه، أو لونه، أو جنسه.
فلون أوباما الأسود، ودين أبيه الإسلامي، واسم ابيه (حسين)، وتحديه لمنافسته من البيض ومن المسيحية البروتستانية، وتفوقه عليها، واستطلاعات الرأي العام، التي تميل بنتائجها حتى الآن إلى ترجيح فوز أوباما بكرسي الرئاسة الأمريكية، ضد منافسه الجمهوري جون ماكين.. كل هذه المؤشرات تعني أن أمريكا الآن، تدخل عصراً جديداً من التحولات السياسية والإجتماعية والاقتصادية والثقافية كذلك. كما تعني أكثر ما تعني، جني أمريكا لحصاد تمّت زراعة بذوره منذ سنوات، وملخصه المزيد من الانفتاح الاجتماعي، والمزيد من الانفتاح السياسي في الداخل والخارج، وهذا ما بشَّر بإطلاقه أوباما، في رحلته في الشرق الأوسط وأوروبا خاصة.
-3-
ظاهرة أوباما على المسرح السياسي الأمريكي بهذه القوة، وبهذه الشعبية الجارفة، شكَّلت ما يشبه الهوس، في رأي بعض المحللين السياسيين. وهو الهوس الذي يذكّرنا بهوس الجماهير في انتخاب وفوز جون كيندي في الستينات. فقد أرادت أمريكا عام 1961 أن تُجدد شبابها، وتبتعد عن انتخاب العسكريين والطاعنين بالسن، فانتخبت جون كيندي الشاب الوسيم المتفتح، المنحدر من عائلة غنية وعريقة. وها هي أمريكا بعد نصف قرن تقريباً، تُجدد شبابها مرة أخرى، ويتملّكُها الهوس بباراك أوباما، رغم لونه الأسود، وإسلام أبيه، وفقر عائلته، وعدم عراقتها. وهذا هو التحول الاجتماعي الكبير في أمريكا، الذي يُعطي قصب السبق، لا للأصل، ولا للفصل، وإنما لقدرة الفتى على ما قد فعل. ولقد فعل أوباما الفتى وحده وبعزيمته، الشيء الكثير في حياته. فنال أعلى الدرجات الجامعية، من أعرق وأشهر الجامعات الأمريكية، وعمل استاذاً للقانون في جامعة شيكاغو الشهيرة والعريقة، وكان المحامي الفذ في ولاية إيلينوي، والناشط في مجال حقوق الإنسان، ثم السيناتور في مجلس الشيوخ، وهو الشاب اليافع. وهذه السيرة العطرة هي ما شكّل الآن داخل أمريكا وخارجها ما يُطلق عليه ظاهرة "أوبامانيا" Obamania، التي تعدت حدود الولايات المتحدة لتغزو العالم أجمع، كما شاهدنا أوباما في برلين. بل زيادة على ذلك، هناك فريق من الحزب الجمهوري الأمريكي، يؤيد أوباما وينوي انتخابه، دون أن يترك حزبه، وإنما لأنه يرى أن برنامج أوباما هو الأصلح لمستقبل أمريكا من برنامج منافسه جون ماكين.
-4-
كان شعار أوباما في حملته الرئاسية الانتخابية هو "التغيير".. تغيير ما أفسدته الإدارات الأمريكية السابقة، وخاصة إدارة بوش الإبن، التي استمرت ثمانية سنوات، في غفلة من التاريخ، كما تقول بعض التعليقات.
فإلى ماذا نرد ظاهرة الهوس بالمرشح الديمقراطي إلى الحد، الذي أصبحت معه هذه الظاهرة، تُشكِّل موجة جديدة من الفكر السياسي والاجتماعي والاقتصادي يُطلق عليها "ظاهرة أتباع أوباما Obama-Cons ". وهي ظاهرة جديدة تضاف أكاديمياً إلى ظاهرة المحافظين الجدد Concervative – Cons ، التي حكمت البيت الأبيض طيلة ثمانية سنوات، وهي فترة حكم بوش الأبن.
-5-
الأسباب التالية، ربما تكون وراء بدء نشوء الاوباميين الجدد Obama-Cons في أمريكا، وهوس الناخبين الأمريكيين، ونسبة كبيرة من الأوربيين بهذا المرشح:
1- لا شك أن لون أوباما، وديانة أبيه، وكونه من الطبقة المتوسطة الأمريكية، قادماً من طبقة فقيرة، قد لعب دوراً مهماً في تميّز المرشح أوباما، وشجع على الهوس في شخصيته، وأفكاره، وطروحاته، حتى وإن كان ذلك من باب الفضول.
2- نال أوباما شهادة الدكتوراه من أعرق جامعات العالم (هارفرد) في القانون الدولي. وهو بذلك، يصبح ثاني مرشح رئاسي في تاريخ أمريكا منذ الاستقلال عام 1776، يحمل شهادة الدكتوراه بعد دودرو ويلسون(1856-1924) الرئيس الثامن والعشرين (1914-1918) (كان ويلسون أستاذاً في جامعة برنستون العريقة ورئيساً لها، وأوباما أستاذ القانون الدستوري في جامعة شيكاغو العريقة أيضاً). وأصبح أستاذ القانون الدستوري بجامعة شيكاغو (من أكبر عشر جامعات في أمريكا). وأصبح المحامي المدافع عن الحقوق المدنية، والسيناتور في مجلس الشيوخ عام 2004.
3- إن معركة الانتخابات الرئاسية الأمريكية الحالية، تعتبر من أهم المعارك التي ستخوضها أمريكا منذ الاستقلال 1779 إلى الآن. فأمريكا الآن بحاجة ماسة إلى تجديد شبابها، حتى لا تصبح الدولة العجوز، كما تُوصف الدول الأوروبية دائماً . ولعل ترشح ثلاثة شبان من الحزب الديمقراطي (أوباما، وكلينتون، وجون إدواردز) دليل كبير على مدى حاجة أمريكا الآن لتجديد شبابها.
4- إن أمريكا تعاني هذه الأيام ركوداً اقتصادياً كبيراً، ربما لم يصل إلى حد وخطورة الركود الاقتصادي الذي ساد عام 1929، وأدى إلى انهيار سوق المال في نيويورك. وهذا الركود يعاني منه الآن معظم الشعب الأمريكي، وله أسبابه العديدة والمختلفة، ومؤمل من الرئيس الجديد ومن طاقم مكتبه وحكمه، أن يأتوا بالحلول الناجعة لتنشيط الاقتصاد الأمريكي، وإعادة الحياة له.
5- يقول فرانسيس فوكوياما، المفكر الياباني/الأمريكي، صاحب الكتاب المشهور "نهاية التاريخ والانسان الأخير"، والذي يُعدُّ من منظري تيار المحافظين الجدد، في حوار لصحيفة استرالية مؤخراً، أنه سيصوت لأوباما لمحاسبة الحزب الجمهوري على الفشل الكبير لسياسته في العراق، نظراً لأن المرشح الشاب، كما يراه فوكوياما، يملك أفضل طرق لحماية السلطة الأمريكية. فهو يرمز لقدرة الولايات المتحدة على تجديد نفسها، بطريقة غير متوقعة.
وهناك أسباب أخرى جانبية لهوس الشباب والشابات خاصة، في أمريكا وخارجها، بشخصية أوباما، الذي يعتقد كثيرون في أمريكا وخارجها، أنه بافكاره الطليعية وبشبابه المندفع، وبعلمه الغزير، سيكون العطّار الذي جاء ليصلح ما أفسده بوش الإبن، خلال الثماني سنوات الماضية، وليعيد لأمريكا العجوز شبابها من جديد.
فهل تصدُق الأيام؟