هل ينتظر العرب حبل النجاة من الانتخابات الأمريكية القادمة؟
-1-منذ الخمسينات، وعى العرب أهمية أمريكا في قرار السياسة العالمية، خاصة بعد حرب السويس 1956 ، عندما أنذر الرئيس أيزنهاور دول العدوان الثلاثي (بريطانيا وفرنسا وإسرائيل) بوقف العدوان على مصر، وسحب جيوشها من المنطقة. ومنذ ذلك التاريخ وإلى الآن، والعرب قيادة وشعوباً متعلقين بنتائج الانتخابات الأمريكية، ومن ستحمله إلى البيت الأبيض. وهل سيكون صديقاً للعرب أم عدواً؟ وهل سيحل قضايا ومشاكل العرب التي تتضخم عاماً بعد عام؟ ونتخيّل أن حلَّ مشاكلنا في كل حقبة متوقف على نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وهل سيكون الرئيس الأمريكي الجديد "متعاطفاً" مع المشاكل والقضايا العربية أم لا ؟
-2-
لقد أثبت أكثر من نصف قرن من الزمان، ومن تداول السلطة بين الحزب الجمهوري والحزب الديمقراطي، أن لا حزب سياسياً من هذين الحزبين قدم للعرب ولمشاكلهم مساعدة سياسية أو دعماً سياسياً على حساب مصالحه، واستراتيجيته في العالم العربي.
والعرب بما أنهم في هذا الزمان أمة عاطفية جداً، ما زالت تنظر إلى السياسة بمنظار خلقي عاطفي وأخوي خالص، وليس بمنظار المصالح، أو بمنظار أن لا عداوة في السياسة، وإنما هناك مصالح أو عدم مصالح، مهما كثُرت المغريات، وتمتنت الصدقات، وتعمّقت العلاقات. ولكن العرب يتعاملون مع أمريكا والسياسة الأمريكية مثلما يتعامل العرب مع بعضهم بعضاً في حلِّ خلافاتهم، وإجراء مصالحاتهم الوطنية. فيعتقدون أن إقامة الولائم، وبوس اللحى، وتقديم الهدايا الثمينة، وإقامة صلات الصداقة، وتبادل التحيات والتمنيات في المناسبات الدينية والوطنية، يمكن لها أن تحل المشاكل، وتساعد على تحسين الأحوال السيئة.
فأثناء الحرب الباردة، ظنت بعض الدول العربية التي لاقت دعماً ومساندة أمريكية، أن هذا الدعم وهذه المساعدة من أجل عيون العرب السوداء الكحيلة. في حين كانت هذا الدعم وهذه المساعدة في القاموس السياسي الأمريكي، تعني إقامة توازن القوى بين أمريكا وبين الاتحاد السوفيتي في الشرق الأوسط في ذلك الوقت. ففي الوقت الذي دعم فيه الاتحاد السوفيتي دول الديكتاتوريات العسكرية (مصر، سوريا، العراق، الجزائر، ليبيا، اليمن) وتحالف معها، ومدها بالسلاح والمستشارين العسكريين، وأقام فيها مرافق تنموية (السد العالي مثالاً)، كانت أمريكا تدعم الجانب العربي الآخر الذي عُرف بدول الاعتدال (دول الخليج العربي، الأردن، تونس، المغرب)، وتقيم في بعضها قواعد عسكرية، وتمنح الفقراء منها مساعدات مالية، وتقنيات بوليسية.
-3-
منذ أكثر من نصف قرن، والعرب ينتظرون من الخارج العون والمساعدة لحل القضية الفلسطينية مثلاً. ففي حقبة كانوا ينتظرون الحل من الاتحاد السوفيتي، وفي حقبة أخرى كانوا ينتظرون الحل من أمريكا. وبعد انتهاء الحرب الباردة، أصبحت أمريكا هي الرجاء الوحيد للعرب في حل المشكلة الفلسطينية.
وكان الاتحاد السوفيتي صديقاً مخلصاً للعرب، رغم أن الاتحاد السوفيتي كان عاملاً مهماً في تثبيت أقدام إسرائيل في اعترافه المبكر بالدولة الإسرائيلية، وباستعماله حق الفيتو في كثير من القرارات التي تدين إسرائيل، وفي سماحه لموجات المهاجرين اليهود بالهجرة إلى إسرائيل. وتقدم الاتحاد السوفيتي مع أمريكا عام 1969 بمبادرة يكون اللاجئين الفلسطينيين الخيار بين العودة بموجب كوتا (نظام حصص) سنوية يتم الاتفاق عليها، أو التوطين خارج إسرائيل.
وظلت أمريكا صديقة مخلصة للعرب، رغم أنها ساهمت – ربما – في إقامة ودعم إسرائيل أكثر مما فعل الاتحاد السوفيتي. فقدمت لإسرائيل الأموال الطائلة والأسلحة الحديثة، والدعم السياسي في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وسمحت للوبي الصهيوني بالعمل الحر داخل أمريكا. وقد ساعد أمريكا على اتخاذ كل هذه الخطوات موقف العرب المتأرجح والمختلف والضعيف من القضية الفلسطينية، وموقف الفلسطينيين أنفسهم المختلف والضعيف من هذه القضية. فإلى يومنا هذا والعرب غير مجمعين على موقف موحد من القضية الفلسطينية.
ومما يزيد الطين بلَّة، أن الفلسطينيين أنفسهم مختلفون فيما بينهم. فحركة "فتح" تلتزم بالسلام مع إسرائيل وبالمفاوضات معها، وتعترف بإسرائيل وبكافة المعاهدات والمواثيق معها. كما تعتبر أن الحل السياسي هو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، كما أعلن محمود عباس عدة مرات، وبأن لأمريكا دوراً هاماً. في حين تلتزم حركة حماس بعدم الاعتراف بدولة إسرائيل، كما تلتزم بتحرير فلسطين، التي تعتبرها وقفاً إسلامياً من البحر إلى النهر، ولا تتخلّى عن المقاومة والكفاح المسلح، وتتحالف مع دول معادية للغرب ولأمريكا كسوريا وإيران. ولا تتوانى بين الحين والآخر، هي والمليشيات الفلسطينية الأخرى على قضِّ المضاجع الأمنية الإسرائيلية بالصواريخ وبالعمليات الانتحارية التي تطلقها من غزة. إضافة إلى ذلك فهي تشتبك مع حركة "فتح" في غزة وخارجها اشتباكاً مسلحاً دامياً، تضيع فيه دماء فلسطينية بريئة.
فكيف يمكن أن تساهم أية إدارة أمريكية قادمة إلى البيت الأبيض في إقامة الدولة الفلسطينية وهذه هي حال الفلسطينيين من الانقسام والصراع والاختلاف وعدم الإجماع على كلمة وموقف واحد؟ في حين أن كافة الإدارات الأمريكية منذ نصف قرن ويزيد، وقفت من إسرائيل موقفاً واحداً داعماً ومسانداً. فلم تكن سياسية أمريكا تجاه إسرائيل موقفاً مزاجياً عصابياً مختلفاً من رئيس لآخر، بقدر ما كان موقف تحكمه مصالح أمريكا العليا، وتحكمه الاستراتيجية الأمريكية في الشرق الأوسط.
-4-
وفيما يتعلق بمشاكل العرب الأخرى كالمشكلة التعليمية ومناهج التعليم الديني خاصة، التي برزت واشتدت بعد أحداث كارثة 11 سبتمبر 2001، فإن العائق الديني الفقهي (إسلام الفقهاء) - الذي سبق للباحث نادر حمامي أن كتب كتاباً بهذا العنوان نشرته "رابطة العقلانيين العرب" في باريس- يقف عائقاً كبيراً في كثير من الدول العربية لتصحيح المناهج، وإلغاء التشدد والتطرف منها، مما ساعد في كثير من الأحيان على زيادة انتشار الإرهاب. فقد اعتبر هؤلاء الفقهاء أن أعداء العرب من غير المسلمين الذين كانوا قبل 14 قرناً، هم الأعداء أنفسهم الآن، دون محاولة تفسير التاريخ من داخلة، وليس من فوقه.
-5-
وفيما يتعلق بمشكلة الديمقراطية، وهي المعضلة الأساسية في البناء السياسي العربي، فما زالت هذه المشكلة تراوح مكانها، دون أي تقدم ملحوظ. والسبب الرئيسي في ذلك، يعود إلى أن إسلام الفقهاء أيضاً، الذي ما زال حريصاً على ربط الدين بالدولة، واعتبار الحكام أئمة دين في الوقت نفسه. وأمريكا لا تستطيع حراكاً في هذه المواضيع، كما هو الحال في العراق، الذي دفعت فيه أمريكا الأموال الطائلة، وقدمت الأرواح الكثيرة.