هموم الكتابة وغرف البالتولك .. بين الغضب والمحبة .
ادورد ميرزااستاذ جامعي
احيانا يحتاج الأنسان الى استراحة فكرية وجسدية خاصة اذا تعرض الى إجهاد جسدي او فكري , كبير والأثنين بالطبع يؤثران تأثيرا سلبيا على حياتنا جميعا , وحيث ان ما يجري لشعبنا في العراق ولأهلنا المساكين يتعبنا كثيرا بحيث يجعلنا نبحث عن فرصة نستغلها لراحة اجسامنا وبالنا المشدود دائما لأحوالهم المأساوية , وبالرغم من اننا منشغلين طول الوقت بهم الا ان بعضا منا يستغل جزءا من راحته في الكتابة على المواقع الألكترونية او المشاركة لبعض الوقت في احد غرف المحادثة البالتولك وذلك لشرح هموم شعبه ونقلها الى من يهمه الأمر عسى ولعل ان يجدوا حلا لمعانته الأمنية والمعاشية , فبالرغم من انه يشعر بسعادة حين يكتب او يتحدث عن هموم شعبه الا ان ذلك لا يخلو من متاعب تؤذي جسده وفكره ايضا , ويأتي في مقدمتها { الغضب } كرد فعل لما يطرحه الأخرون ضده , وقد يقول قائل ان الجهل والأمية هو السبب الذي يؤدي بصاحبه إلى الغضب والعكس صحيح , حيث قد يتحول هذا الغضب إلى تصرف غير حميد فيفقد صاحبه السيطرة على نفسه وقد يصدرعنه أذى غير محمود حيث ان الغضب لم يكن يوما من الأيام سلاح الأقوياء كما يقولون .
المصداقية واحترام الرأي الأخر ..
اعجبني ما كتبه الأستاذ رياض حمامة .. تحت عنوان { احترموا رموزي .. لأحترمكم } وهو بهذا القول الرائع فقد ابدع مجسدا { حالة احترام } الرأي والأعتقاد التي بدورها ستبعد { حالة الغضب} السائدة عند البعض من ابناء شعبنا , ان الوعي لظروف المرحلة سيسهم في ارساء قواعد المحبة والألفة والسلام بين كل مكوناتنا كشعب واحد . ان احترام الرموز التي يتحدث عنها والتي هي ملك الأشوريين والكلدانيين والسريان دون استثناء واجب اخلاقي والزام ديني بالنسبة لأبناء شعبنا وعلينا مجتمعين الدفاع عنها امام الأمم الأخرى , { فالجميع مسؤولون على حماية هذه الحضارة و الثقافة والتي تقاسمها الكلدان والأشوريين والسريان } عبر مراحل تأريخية متعددة , وما استمرار بقاءها الى هذا اليوم الا دليلا على قوة ومتانة المحبة التي كانت تجمع قادة وابناء الكلدان والأشوريين والسريان عبر مراحل تطورهم الثقافي والأجتماعي والسياسي المتداخل ، و بعكسه فإننا سنقرأ مرغمين صلاة الموتى " الفاتحة" على حضارتنا من الآن لأن سفينة ثقافة حضارتنا على وشك الغرق خاصة وان هناك من يريد ان يثقلها بهموم اضافية تسمياتها متعددة .
وللأسف الشديد هناك بعض من ابناء شعبنا قد ابتعدوا عن رؤية الواقع والمصلحة العامة ، بحيث اصبحوا و بسبب إفلاسهم الفكري و الأدبي و الثقافي و حتى الأخلاقي يلجأون إلى أساليب رخيصة في الترويج لأفكارهم الغير حضارية والمريضة و التي لا تخدم ولا تغذي إلا روح الكراهية والطائفية في الوقت الذي نحن بحاجة إلى التآزر و التآخي والمحبة والعمل الموحد , فالكتابة في المواقع الألكترونية فعالية انسانية يلجأ اليها الأنسان للتعبير عن ما يجول في خاطره من افكار تخدم السلام , وهي وسيلة متحظرة للتواصل الأنساني المفيد , وبهذا المعنى فانها تعتبر احدى الوسائل الإعلامية الثقافية الفعالة لنشر المحبة والعلوم والمعرفة بين بني البشر , وكلما كانت حقيقية وصادقة كلما كان تأثيرها ايجابيا , ولا تفوتني الأشارة الى غرف المحادثة " البالتولك " فهي بنفس المعنى ايضا .
المسؤولية والمصلحة العامة ...
يقول العلماء ... إن خلايا الجهاز العصبي لدى الأنسان هي المسؤولة عن مجمل عمليات جسد الأنسان الإرادية وغير الإرادية ولذلك يجب الأنتباه لها ورعايتها واحترامها وابعاد كل ما يثير حساسيتها , ومن هذا المنطلق ولأن الغضب يدخل ضمن النشاطات الأنسانية الإرادية لذا ارى من الواجب التذكير بانه من الممكن السيطرة عليها لأنها كما توصف حالة طارئة وغير طبيعية قد تؤدي بصاحبها الى عواقب اجتماعية وخيمة , وهي كما توصف دائما سلاح الضعفاء وتعبيرعن الفشل ؟ حيث يظهر الغاضب وكأنه ذلك القوي الشجاع , لكنه في الواقع ضعيف فاشل , لأنه غير قادر للتأقلم او التفاوض مع واقعه أو مع من يخالفه في الرأي فيلجأ إلى المهاترة او السفاهة العنيفة , وكما يشير اليها احد المتخصصين بان ...
الغضوب بطبعه إنسان متفاخر، لكنه ضعيف في العمق وثرثار , لأنه يلجأ إلى اسلوب العنف ويختبئ وراء الغضب ليعبر عن ثورة داخلية إزاء وضع او رأي لا يوافقه أو لا يلائمه , فهو يرفض الاستسلام لرأي الآخر ويرفض الخسارة ولا يرى في الحقيقة إلا ما يغذي قناعته , ولا يضع نفسه موضع شك أبداً .... بما معناه { عاقل بين مجانين } .
الإنسان الذي يغضب من كلام معين او من مقالة أزعجته نراه يسرع غاضبا متشنجا بنوع من الإسقاطات النفسية متهجما على الشخص الذي صدر عنه الكلام او الكتابة ، فيبدأ متصيدا بالبحث عن نقص او سبب ما ليكيل التهم او ليصرخ في وجهه او يرد عليه بالكتابة او بالكلام الغير متحظر , وهنا اشير الى اهمية الحذر والأنتباه حين الكتابة او المخاطبة , حيث تختلف ردة فعل الغاضب باختلاف طبائع الأشخاص ومستواهم الثقافي والأجتماعي ومدى حدة الموقف المُغضب , ولذلك علينا التفريق بينهما .
فهناك من يدير ظهره للمتكلم او الكاتب الذي أزعجه فيتجاهله وينسحب معتقدا انه الحل الأمثل لتلافي المشاكل , واحيانا قد يواجهه بكلمة او بكلام لاذع وشديد , وهذا ما نسمعه على البالتولك او نقرأه عبر الكتابات في المواقع .
ان حالة الغضب بالرغم من انه رافق الأنسان منذ خلقه .. إلا انه تصرف غير حضاري وغير ثقافي وغير اجتماعي , ونحن وما دمنا نفتخر باخلاقنا وتأريخنا وديننا وقيمنا كأمة حية , وجب علينا اذن ان نُبعد حالة الغضب عن طريقنا وان ندعوا للتسامح والتعاون والإحترام لأنها دليل الرقي والسمو , ولذلك اقول لا تغضبوا اذا قلت لكم ان { التقسيمات المذهببية والقومية ستغرق مركبنا القومي جميعا } , لأني اعتقد بان الوضع الحضاري اليوم لا يساعد لتقسيمنا الى أجزاء ومذاهب وطوائف متصارعة بل ان ذلك ليس ضروريا اصلا , ولأن التقسيم بعينه خطر على الشعوب بل ويؤثر على نهضتها وازدهارها وحتى على سمعتها بين الشعوب , وان العمل على احترام الأراء والدعوة بحسن نية لتشكيل فريق عمل سياسي يجمع العديد من المخلصين ومن كل المكونات والأطياف من ذوي الكفاءة والأختصاص , عندها فقط سيكون هو الحل والخلاص الأمثل ...... وكما قال الحكماء ..
تقاس الأمم ...... بثقافة ووحدة ابناءها .