هنيئاً لكِ . ..يا دولة الإمارات
بمناسبة زيارة قداسة البابا فرنسيس
إلى دولة الإمارات
هنيئاً لكِ . ..يا دولة الإمارات
أرض البحر والشمس والعقلاء
المونسنيور د. بيوس قاشا
أمام النزاعات والحروب الإقليمية والمصالح الدولية في تدمير الإنسان، كل إنسان... وأمام إقتلاع المسيحيين من أرض الأجداد من قبل داعش الإرهابي... وأمام المفاهيم القاتلة والأفكار المميتة بتفاسيرها وفتاواها، تطلق دولة الإمارات العربية المتحدة، أرض التسامح وحق الحياة وحقيقة الإنسانية، برئيسها وشيوخها الأجلاء شعاراً لهذا العام سمّته "عام التسامح".
كلنا نعلم أن هذا العنوان ما هو إلا تتويج لرسالة دولة الإمارات الإنسانية والتي أنشأت وزارة خاصة لها لخدمة رسالة السماء المُحبة بين أبناء البشر مسمّية إياها "وزارة التسامح". وفي 20 تموز (يوليو) 2015 أقرّت هذه الدولة الكريمة قانون تحريم وتجريم الإساءة إلى الأديان، ونبذ خطاب الكراهية عبر مختلف الوسائل وطرق التعبير، من أجل إعمار سبل التعايش، وفتح آفاق الحوار في قبول الآخر المختلف. وانطلاقاً من هذه الإنسانية التي تزيّن حقيقة مسيرتها، تسجل اليوم دولة الإمارات علامة تاريخية ناصعة في أن تكون أول دولة خليجية مسلمة تستقبل قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، قديس المسيحيين، ذو الرداء الأبيض، ليكون أول بابا يزور دولة من دول الخليج. وهذه الزيارة لها بُعدها الإنساني والإيماني والحواري حيث تتزامن مع التجمّع الدولي الذي تنظمه دولة الإمارات صاحبة المبادرات الإنسانية وحاملة حوار المحبة بعنوان التسامح، والجامعة لأتباع الديانات المتعددة، ففيها يعيش الآلاف بل الملايين من مختلف العقليات والأجناس واللغات والقوميات والطقوس والشعائر بروح المودّة والإحترام.
في هذا المؤتمر الذي تنظّمه دولة الإمارات، تسطّر الدولة برئيسها وشيوخها وشعبها تاريخاً جديداً عبر المسيرة الإنسانية، ونفحة حوارية تجعل حقيقة التعايش حقيقة إلزامية، وتشهد بذلك أمام هذا التجمّع الدولي وعبر شخصيات دينية ورسمية، عالمية ومحلية، عربية وأجنبية، حاملة عنوانه "المؤتمر العالمي حول الأخوّة الإنسانية"، من الثالث وحتى الرابع من شباط (فبراير) القادم، حيث يتبادل المشاركون ويتحاورون حول سبل العيش المشترك في إنسانية خلاّقة عبر ديانات سماوية قاسمها المشترك إله واحد، خالق السماء والأرض. وما أجمل ما يحمله شعار زيارة قداسة البابا، فهو يمثّل حمامة السلام، حاملة غصن الزيتون ومزيَّنة بألوانها الإماراتية والفاتيكانية، وما أجمله من شعار بل وما أبلغه، فهو رسول السلام بين الإخوة المختلفين، كما كان يوماً فرنسيس الأسيزي في لقائه بالسلطان الكامل بن الملك السلطان العادل الأيوبي في حزيران عام 1219، ومن خلال هذا اللقاء كان الحوار الإسلامي ــ المسيحي شعاراً عبر التاريخ.
إن هذه الفعاليات الرسمية والإيمانية والحوارية والأخوية ما هي إلا علامات مضيئة على طول درب الحياة في عالم بائس، وعبر عولمة مزيَّنة بطائفيتها المقيتة وتكفيرها القاتل، وفي هذا كله أدركت دولة الإمارات، برعاتها الكرام، أن كلمة السيف لا يمكن أن تحلّ محلّ كلمة الحوار، وإن التعايش ما هو إلا حقيقة الخالق، فما على الإنسان إلا بناء الجسور، كما يقول البابا فرنسيس "إنه ليس هناك دين يمكنه إثارة الحرب بحد ذاته، فلا يمكن إشعال فتيل الحرب وفقاً لأي دين، وبالتالي فإن الإرهاب والحرب لا علاقة لهما بالدين، بل إنهما يستخدمان تشوهات دينية لتبرير أعمالهما، وفي ذلك فالإسلام براء"... وما هذه الإنطلاقة إلا علامة تفاؤل ورجاء من أجل أن يأتي هذا المؤتمر بثمار، وتدوم هذه الثمار، في إقامة علاقات دولية متبادلة في تعايش أخوي عبر العديد من الديانات المختلفة، وكل من دينه ومذهبه، في جامعه يرفع الصلاة كما في كنيسته ومعبده، وما الصلاة إلا علاقة الإنسان بالله من أجل الحياة. فقد جاء في الإنجيل المقدس "أدخل إلى بيتكَ وصلِّ، وأبوكَ الذي يرى في الخفية هو يجازيك" (متى 6:6)، كما جاء في القرآن الكريم: لا فرق بين مؤمن ومؤمن إلا بالتقوى "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ" (سورة الحجرات 13)، وأيضاً "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى (خطبة حجة الوداع؛ 2-4).
أمام هذا كله أقول: لنحتذِ كلنا، نحن العرب والمسلمون، برسالة دولة الإمارات وما تحمله هذه الرسالة من صفحات الحياة البيضاء، ولنكتب على أسطرها كلمات تنشد الحقيقة والسلام ضد روح البغض والحقد والكراهية، وتحمل معول البناء لتشييد جسور المحبة والتسامح والغفران... فطوبى لكِ، بل هنيئاً لكِ يا دولة الإمارات... طوبى لرجالكِ الشجعان... طوبى لشيوخكِ الأجلاء... طوبى لشعبكِ الوفي الأمين... يا مَن حملتم وأدركتم أن حقيقة الحياة تبدأ بروح التسامح ليس إلا!.
كم أنتِ شجاعة، وهل من رسالة أسمى من هذه في أن تتجرّئين لقول الحقيقة من أجل الإنسانية والخليقة، وما إرادتكم ايها الأمارتيون ، إلا إرادة ذوي الإرادة الطيبة بمفاعيلها المختلفة، ملؤها الخير والبركة من أجل صناعة مسيرة، وصياغة قرار يحمل في طياته حبات التسامح، ليشهد له القاصي والداني، العربي والأجنبي، المسلم والمسيحي، اليهودي والتركماني، الصابئي والإيزيدي. فكم هي عظيمة خصالكم، وكم هي جميلة طيبتكم، كنتم لها بالأمس في الشيخ الكبير، باني صرح دولة الإمارات وقائد المسيرة الشجاعة، الشيخ "زايد بن سلطان آل نهيان" (رحمه الله)، واليوم بكم يا سليلي الباني الكبير، فقد ملأ كرمكم مسارات أفئدتنا وأنتم تجمعون في خيمتكم مسلمين ومسيحيين، وما أجملها تلك الجوامع والكنائس التي تقيمونها على أرض الخير والمحبة، فإنني أتذكر ما قاله وزير التسامح الشيخ "نهيان بن مبارك" ساعة إفتتاح الكنيسة الثانية في أبو ظبي (يونيو، حزيران 2015) "بلدنا، بلد التسامح والحوار".
نعم ، حينما إستقبل البابا فرنسيس أعضاء من جمعية "مدينة السلام" (4/12/2018) تحدث عن السلام قائلاً:"إنه مسؤولية الجميع، وعلينا بجهود الجميع إزالة الحرب من العالم ومن تاريخ الإنسانية، وهذا يحتاج إلى ساسة قادرين على الحوار مع الآخر، هؤلاء فقط يقيمون السلام"، فالبابا فرنسيس لا زال يرفع صوته عالياً من أجل الدفاع عن شرائح العائلة البشرية الأكثر ضعفاً وتهميشاً عن المساعي الرامية إلى بناء جسور بين الشعوب، وإعادة النظر في المصير الإنساني المشترك.
ختاماً، يا شيوخنا الأجلاء: سماحة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان (رئيس دولة الإمارات)، وسماحة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم (نائب رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم إمارة دبي)، إسمحوا لي أن أقول:
أرضكم أرض الخير والبركة، أرض البحر والشمس والخليج، أرض السيرة والمسيرة من الحياة المنفتحة نحو الآخرين، ومن هذه الأرض تشهد منابعكم الإنسانية. وما رسالتكم إلا الحقيقة التي تحملها أرضكم من دعوات ومؤتمرات كلها تنادي بالسلام والوئام والتقريب بين البشر، فأصبحت بذلك مثالاً لدولة حاملة راية التسامح والتصالح مع الله ومع الذات ومع الآخر، وإنكم بذلك تكتبون تاريخكم بأحرف الحقيقة، وتحفظون حقيقة تراثكم ومسيرتكم وعنوانكم لأجيالكم. فاسمحوا لي أن اقول لكم: طوبى لكم... طوبى لكِ يا دولة الإمارات... يا أرض البحر والعقلاء... يا أرض الشمس والشيوخ الأجلاء... نعم، طوبى لكِ... بل هنيئاً لكِ... نعم وآمين.