وأخيراً وصلت النيران إلى أبناء شعبنا في كردستان
لقد هزت الأحداث الاخيرة في إقليم كردستان وتحديداً في المناطق التي يتواجد فيها أبناء شعبنا المسيحي بكثافة : زاخو ، دهوك ، شيّوز ، سميل ، زاويتة والعمادية وبعدها السلمانية وغداً غيرها ، بعنف ركناً مهماً من أركان الديمقراطية التي وضع أسسها الإخوة الكورد بعرقهم ودمائهم وعشرات السنين من أعمارهم ، وكانت طعنة من الخلف للإستقرار والأمان وحقوق الإنسان التي بدأت تنموهناك وتعطي ثمارها منذ عقدين من الزمان .إن تقديم أية وعود وتشكيل لجان بأمر من القيادة الكردية الواعية دون ترجمتها على أرض الواقع إلى أفعال وإجراءات ومحاسبة الفاعلين وتعويض المتضررين ، لا تلبي طموحات أبناء شعبنا والإخوة الأيزيديين ، ولا نبض الشارع الكردي الواعي ، ولا تمنع أحداث مماثلة مستقبلاً . وأن تقديم تبريرات غير موضوعية لا تنصب في صالح القيادة والحكومة من ناحية منحها الثقة من قبل الشعب ، وسمعتها الدولية وعلاقاتها مع أوربا وامريكا ، خاصة والحديث يجري عن كون الإقليم اصبح ملاذاً أمناً للمهجّرين والمطَاردين والمضطهدين من بعض المحافظات ، وواحة للحرية للإطمئنان والأمان للمسيحيين وغيرهم ، لان ما حدث كان حركة تمرد منظمة ضد الأوضاع والدستور والقوانين والأنظمة السائدة.
لقد أظهرت تطورات الاحداث خللأ واضحاً في الحس الأمني في إفشال المخطط قبل تنفيذه أولاً ، وتقصيراً من كافة الأجهزة الأمنية ضمن واجباتها الميدانية في إستيعاب الحدث المؤسف والتصدي له منذ ساعة إنطلاقه مباشرة ثانياً ، إذا كان ما وقع حقاً مفاجئة لها ، لان الحقد الأعمى في أفعال المتشددين لم يكن وليد اللحظة التي إنطلقت فيها تلك المسيرات الغوغائية لترهيب المسيحيين المثقفين المتسامحين المخلصين والإعتداء الوحشي على مصادر أرزاقهم وحتى دورهم لغرض إجتثاثهم من أرضٍ عاش عليها أباؤهم وأجدادهم منذ قدم التاريخ ، بل كان مخططاً مرسوماً بدقة ، وكانت ساعة الصفر لحظة خروج المصلين من الجامع ، بدليل عدم التجاوزعلى أصحاب مهن مماثلة من غير المسيحيين والإخوة الأيزيدية . والسؤال المطروح الان : هل من أصابع خفية تقف خلف التمرد؟؟؟
ظاهرياً تبدو تلك العملية الإنتقامية أنها لقطع الأرزاق ، ولكن توقيتها ومدلولاتها تدل على أنها بداية لقطع الأعناق وإنذاراً خطيراً للمسيحيين للرحيل عن بلداتهم وترك مساكنهم ، لان الفرد بطبيعته يبحث عن رزقه ويستقرحيثما وجد الأمن والأمان، وحينما يفقدهما يضحي بكل شيئ في سبيل الحفاظ على عائلته ومستقبل أبنائه ، كما حدث لعشرات ومئات الألاف من المسيحيين الذين تركوا دورهم ومصادر عيشهم ورحلوا عن البصرة وبغداد والموصل وكركوك وغيرها ، واليوم يبدو أنهم يقفون على تلول الحافات الاخيرة من وطنهم (كما ذكرت سابقاً) ، وقد صدر بحقهم الفرمان الاخير بسرعة ربما فاجئ كل الساسة والمحللين.
في مقالتي " تساؤلا ت مشروعة حول إستحداث محافظة سهل نينوى " تطرقت إلى هذه الأحداث المتوقعة في الفقرة السابعة أدناه ، وإلى المخاطرالتي تواجه أبناء شعبنا مستقبلاً بعد إنسحاب القوات الأمريكية ، حيث ورد فيها :
" 7. في الوقت الذي لم تسطع كافة القوات الأمريكية والحرس الوطني والأجهزة الأمنية المركزية والمتعاونة معها في الحفاظ على أمن وسلامة المسيحيين والأقليات الأخرى في بغداد والموصل وغيرها لان يد الإرهاب والقوى المتطرفة ما زالت طويلة وتخترق بين الحين والأخر كافة الإجراءات الأمنية وتضرب بعنف مناطق تعتبرأمنة في بغداد وكافة المحافظات وحتى الشمالية أحياناً ومن ضمنها بعض بلداتنا كتللسقف وبرطلة ؟ من سيحمينا مستقبلاً في حالة بقاء المحافظة مرتبطة ببغداد والقوات الأمريكية على أبواب الرحيل عن العراق وقواتنا الإتحادية مخترقة وناقصة التدريب والتسليح ، والبلد يعيش في أجواء فوضى إقتصادية شاملة ، وفساد إداري ومالي مستفحل وحكومة محاصصة عاجزة ، وتكتلات سياسية متناحرة ، وأحزاب متمترسة في خنادقها تستفز وتوجه أصابع الإتهام لبعضها ، تخطط في الخفاء وتلتقي تحت قبة برلمان شبه مًعطل لتختلف على معظم المقترحات والأراء ، في الوقت الذي تنظم القوى المناهضة نفسها وتترصد لتنقّضُ كلما سنحت لها الفرصة. "
بيد أن المفاجات أتت قبل أوانها في توقيت ومناطق لم يتوقعها حتى أشد المتشائمين لمستقبل شعبنا في دياره ، حيث مدت الجماعات الإسلامية المتطرفة أحد أذرعها ووجهت ضربة مؤلمة وما تزال تترصد للمزيد ، لتثبت مكانتها على الساحة السياسية ولتقول للجميع أن لها كلمة يجب أن تٌسمع ويمكنها أن تتحدى وفي ضوء النهار، ويمكنها أن تفرض أجندتها متى ما تريد دون خوف أو تحسب لردود أفعال من الحكومة وبقية الأحزاب الاخرى وكافة الاجهزة الامنية ، وحتى الشارع الكوردي والمنظمات الدولية ، وربما تكون قد تلقت الضوء الاخضر لإشعال فتيل فتنة طائفية!
السؤال الذي يفرض نفسة بقوة على الأوضاع الراهنة هو: هل ما حدث له علاقة بالربيع العربي الساخن المريب ؟ طالما أن الأحزاب السياسية الإسلامية المتطرفة بدات تتسلق هرم السلطة في كثير من الأقطار العربية بالإنتخابات بعد ركوب موجة الثورات الشعبية حين أحنى الشعب ظهره لها أو بطريقة فرض الأمر الواقع ، فبدأت تستولي على دفة الحكم لتقود سفن تلك الدول في بحر متلاطم نحو هدف مجهول ، سيما وأن إقليم كردستان ليس بعيداً عن ساحة الاحداث المتزاحمة المرشحة للتصعيد ، وعن قلب البركان الذي بدأ يقذف حممه على ما يجاوره من مدن أمنة وحقول خضراء وأناس مسالمين أبرياء وشعب مضطهد يئن تحت نير الظلم منذ زمان .
إن الكلدان على ثقة مطلقة بان هذه الحوادث المفتعلة المشبوهة سوف لن تمر على القيادة الكردية الحكيمة المتميزة بحنكتها السياسية ونظرتها الثاقبة للمستقبل والأحداث وتقييمها الموضوعي للمستجدات والحريصة على شعبنا المسيحي وبقية المكونات في تلك المدن والبلدات ، مر الكرام ولا تنتهي كزوبعة في فنجان ، بل ستُوضع تحت مجهر دقيق لإستخلاص النتائج والعبر وإستخدام العلاج المناسب لهذا الداء الخبيث قبل أن ينتشر ويستفحل في جسد الإقليم لا سامح الله .
وبنفس الوقت نأمل ونقترح إعادة النظر بإزدواجية تعامل بعض المسؤولين في الإقليم والتي يمارسونها لتهميش وإقصاء الكلدان من الساحة السياسية في كافة مفاصل الحكومة والدولة ، ومنحهم حقوقهم المشروعة إسوة ببقية مكونات شعبنا المسيحي ، إستحقاقاً لدماء الكثير من المقاتلين الكلدان الذين وقفوا لسنوات إلى جانب إخوانهم الكورد في محنتهم وقدموا تضحيات جسيمة من أجل نيل الشعب الكوردي حقوقه المشروعة . وفي هذه اللحظات راودني صدى إهزوجة كان يرددها المتظاهرون في شوارع بغداد بحماس خلال الستينات من القرن الماضي ، وهي تقول : " السلم في كردستان يا شعب طفي النيران" ، كما نتمنى للقائد الحكيم الشجاع سيادة رئيس الإقليم مسعود البرزاني أن يحمل بيده قلماً ويطلق كلمة ، وهما أمضى من حمل السلاح .
6/12/2011