وحدة قومية ام وحدة شعب ؟ ما الفرق ؟
منذ ظهور الحراك السياسي في العراق الجديد بحرية بعد انتهاء العمليات العسكرية التي نفذتها القوات الاميركية ، ظهرت في الساحة العراقية عامة وساحتنا نحن مسيحيي العراق ايضا ، فقد ظهرت افكار سياسية لم تكن جديدة على عموم البلد ٍ، لكنها كانت بعيدة نوع ما عنهم بسبب فترة الحكم الدكتاتوري الذي سيطر على العراق لفترة طويلة جدا ، عموما فمن بين أحد الافكار السياسية التي انتشرت بصورة كبيرة في وسط شعبنا من مسيحيي العراق هي الافكار القومية نتيجة لاسباب عديدة ، منها بسبب حقيقة الشعب العراقي كونه يتالف من مكونات مميزة الواحد عن الاخر بظواهر خاصة لكل مكون ، فهنالك عدم اشتراك في هذه الظواهر كاللغة والتاريخ وحتى في الجهات الجغرافية ناهيك عن الثقافة والعادات والتقاليد ، كل هذه الامور قد انحازت لبروز الفكر القومي السياسي بصورة كبيرة وخصوصا عند مسيحيي العراق الذين تنطبق عليهم هذه الامور بصورة واضحة ، كما أن هناك اسباب أخرى ساعدت ايضا في انتشار الافكار القومية وتبنيها من قبل النخب عند جماعتنا ( مسيحيي العراق ) وهي تبني الافكار الفئوية كالقومية والطائفية وباقي التوجهات اللاوطنية واللاديمقراطية من قبل الفئات والمكونات الاخرى من الشعب العراقي وخصوصا كما نعلم انهم يفوقون شعبنا ( مسيحيي العراق ) بالعدد ، لكل هذه الاسباب نرى أن مسألة تبني الفكر القومي لدى شعبنا اصبح ضرورة موضوعية لابد منها في ظل الظروف المحيطة بنا لكونها مرحلة لابد لنا من المرور بها وكذلك بقية مكونات الشعب العراقي الاخرى من اجل حلحلة مشاكلها المتراكمة منذ زمن بعيد لكي تكون عملية تبلور الهوية الوطنية الجامعة عملية مبنية على اسسس صحيحة .لقد كتبت مقالات عدة حول هذه الموضوع ، وموضوعي هذا حقيقة ليس تكرارا لما كتبت وانما استكمالا له ، فقد تناولت المسألة القومية عندنا نحن مسيحيو العراق من عدة ابواب اهمها مسألة الاسم القومي ، والحقوق القومية ، وموضوعة الوحدة القومية وكذلك الستراتيج السياسي الذي لابد لنا من تبنيه لغرض الوصول الى اهدافنا في العيش الحر الكريم كمواطنين متساوين بالحقوق والواجبات مع كل مكونات الشعب العراقي الاخرى ، لكن في هذه المقالة سأتناول مسألة صغيرة وهي الوحدة القومية أم الوحدة الشعبية وماهية قصدنا في مسألة الوحدة التي ننادي بها والتي تبنيناها كخيار ستراتيجي واضح المعالم ومبني على اسس علمية ومنطقية منذ فترة طويلة تمتد الى سبعينيات القرن الماضي والتي تبلورت بصورة صحيحة في فترة التسعينيات آبان حركة النشاط الثقافي والاجتماعي التي برزت في العراق على الرغم من كونها كانت تحت سطوة الحكم البعثي الشوفيني الجائر ، قد يبدو هذا الموضوع من الوهلة الاولى بأنه لايستحق البحث بسبب وضوحه وعدم احتواءه على طلاسم ، ولكن بسبب النوايا الخبيثة عند البعض والجهل عند البعض الاخر ، وهم جميعهم قلّة لايشكلون ثقلا في عموم شعبنا ولكن ضجيجهم قد يصنع بعض الارباك عند البسطاء من ابناء شعبنا والذين يتأثرون بالعاطفة الكنسية ، لذلك رأيت من المناسب ان اكتب بهذا الموضوع ليكون حلقة أخرى في سلسلة كتاباتي القومية.
سأبدا في مناقشة هؤولاء الذين يقولون بأنه هنالك ثلاث قوميات عند شعبنا ( مسيحيي العراق ) ، حيث انهم يقرون بكونهم يؤيدون الوحدة لكن على اساس الاعتراف بالقومية الكلدانية وهؤولاء يمثلون تيار القائمة الكلدانية والهيئة العليا للقوى الكلدانية وشخصيات كلدانية جلها من الكلدان المغتربين الذين ينشرون افكارهم مبلبلين صفوة الفكر الناضج الذي يحاول ان يتهض بمسؤوليات شعبنا الكلداني السرياني الاشوري ، فمن خلال افكارهم يتبين انهم مصرون على فكرة كون هنالك قومية مستقلة اسمها الكلدانية يجب فرضها وتلبيسها كثوب على جميع اتباع الكنيسة الكلدانية ، وعندما يواجهون من قبل الاكثرية والراي الشعبي العام الذين يتهمهم بالمفرقين والمقسمين ، يتراجعون ليقولوا نحن مع الوحدة لكنهم يضعون شروط ومحددات هي في الاصل حواجز موضوعية ضد اتمام الوحدة ، فهم يصفون شعبنا بكونه شعب واحد لكن من ناحية القوميات ليس قومية واحدة الا في حالة واحدة هي باعتماد الاخرين التسمية الكلدانية وفي غيرها فان شعبنا مكون من عدة قوميات ، مع اقرارهم كما قلت بكوننا شعب واحد ، طبعا هذا ان دل فيدل على جهل كبير في المسألة القومية أو على وجود نوايا ملتوية عند بعضهم لاسباب مصلحية ذاتية ، فعندما نكون شعب واحد لم يبق منه غير 300 الف نسمة يعيش لفترة طويلة باتحاد مستمر في المصالح والاحاسيس والمشاعر والميول تجاه المخاطر والمكتسبات ، فان القومية يتكون الصورة الواقعية التي تعكس حصول هذا الامر ، فهي نتيجة لهذا الاتحاد الواقعي ترغب في ان تعيش في ظل قوانين وشروط خاصة بها تميّزها عن الاقوام الاخرى ، وبذلك فأن القومية هي اطار العقد الاجتماعي للعيش المشترك ، ولمرات عديدة قد بيّنت ان انصع دليل على كوننا قومية واحدة بغضّ النظر عن ماهية الاسم ، هو حالة العيش المشترك والمتحد في مدينة عنكاوا ، كما أن حالة الانقسام الجهوي التي نعيشها الان ، حيث ينقسم شعبنا الى ثلاث توزيعات جغرافية رئيسية ، جزء في محافظات اربيل ودهوك من اقليم كوردستان العراق وجزء في محافظة نينوى وجزء آخر في بغداد ، فان هذا الوضع خلق نوعا من الذوبان القومي والذي قد يؤثر سلبا على وجودنا القومي كقومية ، اي بمعنى آخر فان الظواهر التي نشترك بها وتميّزنا عن بقية مكونات الشعب العراقي والتي ذكرتها في مقدمة مقالتي هذه قد تزول وبذلك فان مسالة كوننا قومية هي مسألة حرجة يتطلب منّا العمل من أجل اثباتها وتاكيدها ، فكيف ندعو الى كوننا قوميات متعددة ؟؟؟
أننا ومن دون أدنى شك قومية واحدة ( يادوب واحدة كما يقال باللهجة العراقية ) ويتحتم علينا ان نعمل من اجل تثبيتها والمحافظة عليها من الذوبان ضمن المكونات الاخرى لعموم الشعب العراقي ، لكن الاساتذة المفرقين والداعين الى تعددية القوميات بالتأكيد لايهمهم هذا الامر وعندما تبرز على السطح حالة تستوجب الاتحاد فانهم يتصدون لها من قالب ديني ، وكما هو واضح في تناولهم لقضية التجاوز والتمليك لاراضي قرقوش ، فهم يعلمون ان ابناء منطقة قرقوش ليسوا اتباع للكنيسة الكلدانية وبذلك فهم بالنسبة لهؤولاء الاساتذة ليسوا من ابناء القومية الكلدانية ، ولكن ولسبب حراجة الموقف تصدوا لهذه المشكلة من باب كوننا جميعا شعب واحد مسيحي !! فلم يوصفوا هذا الشعب بأنه من قوميتهم لكونهم يعلمون جيدا ان قوميتهم خاصة بطائفة واحدة ، وهذا الامر بحد ذاته هو ضعف في محاولتهم لمعالجة هذه الحالة ( حالة التجاوزات على اراضي شعبنا ) لكون الارض باسم شعب والشعب لايرتبط برابطة الدين فقط بل هنالك روابط عديدة والدين احدها واضعفها خصوصا في حالة العراق المبتلى بالهويات الدينية والطائفية الناجمة عن تبني الدين كاساس ، وحتى عندنا نحن المسيحيين فان المسيحية بحد ذاتها هي ايمان وعيش وليست مجرد اسم مثبت في بطاقة الاحوال الشخصية ، بينما الارض كما اسلفت يتوجب ان ترتبط بظواهر تأريخية قومية ، من هذا المنطلق فأننا أعتمدنا خيار الوحدة القومية أي كوننا جميعا ( مسيحيي العراق من اتباع الكنائس الكلدانية والسريانية بشقيها والاشورية الشرقية بشقيها ) قومية واحدة واعتبرناه خيارا ستراتيجيا ليس منذ اواخر عام 2004 عندما ساهمنا في تأسيس المنبر الديمقراطي الكلداني وحسب لابل قبلها في فترة طويلة ومحطات عديدة منذ نهاية القرن الماضي تشهد علينا ، اما الترهات التي يتفوّه بها البعض كوننا خضعنا لاجندات أخرى ( آشورية أو كوردية أو اسكندنافية ) فلا تعدو كونها محاولات لضرب نخلة عراقية بحصى غاشمة لن تنال من شموخها ، كوننا بالفعل خضعنا لاجندة ولكنها اجندة داخلية تعود لشعبنا التوّاق للوحدة بكل اشكالها والذي أيّد خطواتنا وباركها ، بغضّ النظر عن الاسم الذي يحمله المفرقون كقميص عثمان لكي يحاولوا ان يقسموا شعبنا الى شعوب لا الى قوميات فقط ليتسنى لهم القيادة لكونهم يحلمون ان يكونوا قادة ولكنهم لايملكون المؤهلات لكي يقودوا الشعب كله ، فتارة يسمون شعبنا بال ( الشعب الكلداني والسرياني والاشوري ) وتارة يسمون الكلدان فقط بالشعب الكلداني ، واستنكاراتهم في مناسبة ذكرى مذبحة صورية تشهد عليهم لابل احدهم يوصفها بالكلدانية الكوردية أو بالشعب الكلداني الكوردي ، مع شديد اعتزازي بالشعب الكردي المناضل الذي اثبتت الايام قربه من شعبنا الكلداني السرياني الاشوري وتفهم قيادته الحكيمة لمطايبنا المشروعة ، لكن كيف يقبل المنطق ان لان نقول الشعب الكلداني الاشوري او الكلداني السرياني وان نقول الكلداني الكوردي !!!!
ختاما يستوجب ان نكون واضحين وموضوعيين وان نتبنى المنطق السليم في مواقفنا التي يجب ان تكون ثابته لا ان تخضع للمغامرات ونتائجها الفاشلة ، كما يتطلب ايضا ان يتم التعامل بحزم حيال المسائل الستراتيجية التي تخص وتؤثر على مستقبل شعبنا ، فكما بيّنت فأننا نواجه مخاطر الذوبان القومي بل محو الوجود القومي على ارضنا التأريخية ملامحها أزالة الظواهر القومية التي تميّزنا عن الاخرين ، فكل هذه التحديات تلزمنا على ان نكون حازمين في أمرنا ، وخصوصا فنحن مقبلين على محطتين متقاربتين في الزمن وهما المؤتمر الثاني للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الاشوري وكذلك محطة الانتخابات النيابية لمجلس النواب العراقي في بداية عام 2010 ، فمصير شعبنا السورايا سيتأثر بصورة كبيرة اما سلبا او ايجابا على نتيجة هاتين المحطتين المصيريتين ، فلابد لقافلة الوحدة القومية من ان تسير الى بر الامان بجهود كل المؤمنين بهذه الوحدة من اعضاء المجلس الشعبي واحزاب شعبنا المؤتلفة معه وكل من يؤمن بصدق بضرورة الوحدة القومية تاركين لا بل مطلّقين نهائيا كل الافكار الاخرى التي تدعو الى التقسيم والتجزئة كما ايضا الافكار التي تدعو لللتعالي والنظرة الفوقية وقذف التهم على الاخرين .