Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

ورقة التوت بين الشوارع والبيوت

الكثير من الأباء والأمهات يحرصون على تربية أبنائهم على أكمل وجه ويفعلون المسحيل من أجل توفير كل شيء من متطلبات الحياة لأبنائهم وفي ذات اللحظة يكون قسم كبير من أولئك الأبناء أنانيون إلى درجة تمنعهم من تقدير كل ما يقدمه ذويهم لهم . وهكذا تجدهم عندما يطلبون شيئا يصرون على توفره في اللحظة وقد يطلبونه بنبرة المظلوم أو بصوت الثائر المطالب بحقوقه وألا فالعصيان هو البديل , هذا من ناحية ومن ناحية أخرى تجد الكثير من الأهل يعتنون بأنفسهم اكثر من أعتنائهم بأولادهم ويطلبون من الطفل أكثر من قدرته على التحمل أو التقديم فيقع ما يسميه علماء الأجتماع حينها بالكارثة , وهنا يحق لنا أن نقول وما أدراك ما الكارثة لأنها تختلف بأختلاف الشخوص وبتغير المعاني بالنسبة لكل فرد في المجتمع . أي ما يعتبره واحدنا مصيبة قد يراه الأخر مهزلة لأن الزاوية التي ينظر منها كل منا إلى الأمر تختلف فعلى سبيل المثال عندما ينظر أثنان إلى أي شخص يمشي في الشارع مرتديا ملابس تعتبر صارخة أو عارية أو غير مناسبة لعمر من يرتديها , يتكون رأيان أفتراضيان . الأول قد يكون تقليديا وسطحيا فيرى المار من أمامه بتلك الملابس أنسانا (( رجلا أو أمراة )) ساقطا أو منحطا . والثاني قد يكون واقعيا أكثر ومتعمقا في النفوس بعض الشيء وينظر إلى الأمر من زاوية من منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر . ويترك الأمر من زاوية بأن لكل شخص أسبابه وأرأه وبيئته التي تعكس ما أختاره من ملابس او حلي او غيرها وليس هذا المثل ألا للتوضيح في كون أختيار الأباء لطريقة تربية الأبناء هي الأساس المتحكم في ما سيصادفونه مسقبلا وما سيكونون عليه . فأذا أختار الوالدين أسلوب التربية في القطن كما يدعى ووفروا لأبنائهم كل شيء على الأطلاق حتى قبل أن يطلب منهم وأحيانا على حساب صحتهم وحقهم في المتعة والحياة تجد الطفل حينها أتكاليا إلى أبعد درجة ولا يعلم أي شيء عن الحياة خارج البيوت (( في معظم الأحيان )) وفي أقرب مناسبة يصطدم فيها مع الشارع الذي منع من الدخول فيه خوفا عليه تراه . أما يخطأ لأنه لم يعلم بان هذا الكم الهائل من الأشياء موجود خارج البيت أو يصاب بصدمة تجعله يستمر بحياة بعيدة عن تلك التي يتطلبها الشارع وعليه سيكتفي بما أختبره ويعيش أنطوائيا بعيدا عن والواقع لأنه لا ينتمي ألا لما طرح عليه في البيت حيث الأم تصلي والأب يعمل من أجل أبنائه وحتى لو حصل شجار فالأساس في معظم العوائل التقليدية هو أحترام الحياة الجماعية المقدسة والوفاء للعائلة وما

طرح على مسامع الأطفال في البيت والمدارس يختلف بدرجة (( 180 )) عن ذلك الموجود في الحياة العملية . حيث المتصابي جنبا إلى جنب مع الرزين والذئب مع الحمل ولا تعرف هل سيقود الأعمى أبنك بعد خروجه للشارع أم أن أبنك هو من

سيدل الأعمى إلى الطريق الصحيح . لست أدل الناس بهذا الكلام إلى طريق معين في التربية لأنني أنا نفسي وقعت ضحية الشارع وعانيت الأمرين عندما لم أستطيع التعامل مع الموجودين فيه بنفس القيم السائدة فيه . ولكن أدعو الأباء إلى أختيار توليفة معقدة في تربية أبنائهم تسمح لهم الأستمرار صامدين في مواقعهم الواقعية دون أخطاء أو تنازلات أو ضعف قد يتحملون نتيجته لأنهم لم يعلموا شيئا بعد أن سقطت عن حياتهم أوراق التوت التي حشرها بينهم وبين مجتمعهم الأباء خوفا عليهم . وطموحي هو أطلاع كل من يغفل تلك الحقائق ويطلع عليها . ففي سنة واحدة ربما سمعت من الكلام البذيء والسخيف والجمل المنحطة ما لا تكفيني مئات الصفحات لتدوينه لأنني أنوي الأحتفاظ به . وهنا يكمن الخطأ في أنني أعتبرت كل ذلك الكلام هو ما وصفته للتو وهو قد لا يكون كذلك , بل قد يكون لغة الشارع الواقعية المعبرة عن الأنكسارات الثقافية والأجتماعية والأقتصادية التي تعاني منها مجتمعاتنا . فما أعجبت به دائما هو تفاخر عمرو بن كلثوم التغلبي وهو يقول .. نشرب الماء صفوا ويشربه غيرنا كدرا وطينا والصور التي رسمها لنفسه أمروء القيس وهو ذلك الرجل الفاتن القوي الذي تركع تحت أقدامه أصعب النساء ولكنني لم أعرف بوجود شاعر شعبي يقول في وصف شعبه .. شعب أذا ضربته بالحذاء على رأسه , صاح الحذاء بأي ذنب أضرب ... أو عامل أستقبال يقول لزبائنه ..شرف يلي بتـئرف .. وهنا لا أبالغ في القول بان شوارعنا لا تمس للبيوت بصلة ربما لأننا أصبحنا شعوب متكاذبة تتصرف بطريقتين حسب البيئة لأن من هم في الشارع هم نفسهم أولئك الجالسون في البيوت وهكذا يكون لكل مكان زي ولكل زمان وبيئة قناع فالقديس الذي تراه يعظك أمام السبورة أو في البيت أو وراء منصة المذبح والمسجد قد يكون هو نفسه ذلك المنحط السافل الذي يفعل ما يشاء حالما يتأكد بأنه خرج من بيئته التقليدية وعلى ما أعتقد أن هذه الأشياء غير موجودة في الغرب بنفس الدرجة التي تنتشر فيها بيننا ربما لأنهم عمليون وواقعيون أكثر منا أو لأنهم صادقون مع أنفسهم ولا يخافون من أظهار الحقائق لا بل يعيشون معها مهما كانت مرة . والرسالة التي أبعث بها هنا لكل الأباء وخصوصا أولئك الذين تنطبق عليهم الصفة الأولى في التعامل مع أبنائهم (( التربية في القطن )) هو أن ينقلوا أبنائهم إلى أجواء الشارع حيث ما تسنح لهم

الفرصة لأنه لا يوجد عائلة تقدم لأبنائها كل شيء إلى الأبد وعندما تترك أبنك وحيدا في هذا العالم لأي سبب كان . قد يسبك ويلعنك في كل ثانية لأنك جعلته يعتمد عليك مئة في المئة . ولأنه فشل بعد ان أبتعدت عنه أو تباعدت لأي سبب كان . المهم هو أن تخلق صورة للمدلل الذي تربيه في البيت عن ذلك العالم الذي يبعد عنه بضعة أمتار وليس القصد هنا أخافة الأبناء من تلك الأجواء خوفا عليهم من الخطأ بل مساعدتهم على الأستمرار وبقوة بك أو بدونك كما عهدتهم جراء بريئة في البيت أو حتى مع الأخطاء لأن الأخيرة لا تعني نهاية العالم بل قد تكون بداية لفصل دراسي جديد لم نأخذه لا في البيت ولا في المدرسة .

عصام سليمان – تلكيف .

Assyrian_publisher@yahoo.com


Opinions