وزيرالتخطيط والقطة والدجاجة والفراخ
لازلت اتذكر تلك القصة , البسيطة حبكا والعميقة معنى , في احد كتب الدراسة الابتدائية في مراحلها الاولى , عن دجاجة خرجت تلهو مع فراخها , فعصى احدهم أمرها , وراح يلهو بمفرده . وإذا بقطٍ , يبحث عن قوت او صيد او نعمة متروكة هنا او هناك , يُبصره فيقتنصه بلمح البصر . أدركت الدجاجة مصير عزيزها , فأطلقت بألم تحذيرها الصارم الى إخوته قائلة لهم ( هذا مصير كلًُ مَنْ يعصون أمر أُمهٍم ). اصبح الكثيرون يكررون هذه الجملة, على مسامع اصدقائهم واحبائهم , تأسفا وشماتة في الوقت نفسه , عندما يشاهدونهم في موقف او ورطة لايحسدون عليها ,حيث لم تنفع معهم تنبيهات وتحذيرات المخلصين. مشكلة وزير التخطيط الحالي, ومرشح جبهة التوافق السابق , السيد (علي بابان ) تشابه الى حد كبير قصتنا هذه , مع فارق بسيط هو ان الدجاجة في القصة الاصلية لم تكن تتمنى لفرختها تلك النهاية الأليمة , بينما الدجاجة في قصة الوزير , وهي جبهة التوافق وهنا المقصود فقط توزيع الادوار انسجاما مع القصة , هي التي تُصر على ان تكون نهاية الوزير لاتقل تراجيدية عن نهاية الفرخة . حتى ان الرئيس جلال الطالباني المعروف كون المسموح والممنوع لديه في السياسة خليط عجيب غريب لايفصل بينهما خيط رفيع , قد طالب علنا الوزير( بابان ) بالاستقالة , اي بالعقوبة الذاتية , كخدمة وطنية , لتسهيل عودة جبهة التوافق الى الوزارة , وهكذا فالوزير ( بابان ) عندما تمرد على قرار جبهته وأثر الاحتفاظ بالوزارة كان يؤدي خدمة وطنية جليلة ! واليوم بقبوله مغادرة الوزارة كونه ( حجر عثرة ) امام اكتمالها انما يؤدي ايضا خدمة وطنية جليلة ثانية !كم نحن محظوظون , فالمسؤولون في بلدنا يؤدون , في الصعود والنزول , ( خدمة وطنية جليلة ) !.مع ان الوزير( بابان ) ليس المثل الوحيد ( الذي يعصي أمر أُمه ) في الحياة السياسية العراقية , بل ان التاريخ السياسي العراقي زاخر بقصص الكثيرين الذين ( عصوا أُمهاتهم ) فدفعوا ودفع معهم الملايين الثمن , إلا ان قصة الوزير( بابان ), على ضوء الحديث عن عراق ديموقراطي جديد تحمل معنى كبيرا , وهي تُشير بالتأكيد الى تناقض كبير مابين الشعارات المطروحة ومابين المشاركة الفعلية لكل طرف سياسي بقسطه في البناء الذي يتحدث عنه. كما تعكس هذه القصة المستوى العالي من الشك والريبة وعدم الثقة الذي يسود العلاقات السياسية بين الاطراف والقوى السياسية النافذة على الساحة العراقية في الوقت الحاضر , و تُظهر هذه القصة ايضا للعيان النظرة القاصرة الضيقة للقوى السياسية على الانسان , والتي تُجرٍده من الخبرة الفردية , فتحسبه فقط رقما في سجلاتها , لها الحق والصلاحية , متى شائت , ان تُسلٍط عليه الضوء او تشطبه بجرة قلم !
جبهة التوافق , ( الدجاجة المثقلة بالهموم ومشاكل المعدة ) , تُلح اليوم على السيد المالكي ان يُكمل إلتهامه لفرختها حتى النهاية ولايبقي له أثرا , وهي ( اي جبهة التوافق ) تفعل ذلك ليس حُبا بالمالكي ورغبة منها في تقديم وجبة لذيذة له , بل ربما تقول في قرارة نفسها مايقوله الاشقاء المصريون ( مَطرح ما يسري يهري ) وهي ترى فرختها بين كماشتي المالكي , ولكن جبهة التوافق تُدرك جيدا ان بقاء فرختها ( في الحفظ والصون ) دون ان يصيبها هول النهم او الرمي جانبا , تجلس معززة مُكرًمة على مقعد الوزارة الى جانب شقيقاتها الجدد القادمين الى مقاعدهم في نفس الوزارة بعد طول أناة , سيفتح الباب على مصراعيه امام هؤلاء الجدد للاقتداء جميعا بالوزير( بابان ) عندما ( ستزعل ) جبهة التوافق مرة اخرى على الوزارة وتهدد بسحب وزرائها , وهو احتمال ليس ضئيلا على ضوء الواقع السياسي العراقي وإداء جبهة التوافق بالذات خلال هذه المرحلة. ان جبهة التوافق هنا تُكمل إنشاء اساس متين و ( بالكونكريت المسلح ) لقاعدة خطيرة في عمل الجهاز التنفيذي , حيث يتقدم الولاء الحزبي او الجبهوي او الكتلي للوزير او المسؤول الاداري على كل الاعتبارات الاخرى , فتكون الوزارات حكومات ودول مستقلة , يُغنًي كل منها على ليلاه , عوضا عن ان تكون تشكيلات لحكومة ودولة واحدة . من جهة اخرى فان المالكي قد عانى كثيرا مما يراه سيفا من الابتزاز تقوم بعض الاطراف السياسية , وفي المقدمة منها جبهة التوافق بالتلويح به بين اونة واخرى , ولذلك فهو يرى ان الاحتفاظ بالوزير ( بابان ) يمكن ان يكون ورقة ضغط كبيرة تجعل الجبهة تعدًُ في المستقبل الى المئة , او حتى الى الألف , قبل ان تشهر سيف الانسحاب مرة اخرى , بل انه يُعوٍل على ان بقاء الوزير بابان في الوزارة يترك الفرصة اكبر في المستقبل , وعندما يتكرر المشهد من جديد , للخروج بمجموعة من ( علي بابان وليس ببابان واحد ) , حيث يتمرد عدد من وزرائها او جميعهم على قرارها بالانسحاب من جديد من الحكومة , فيكون ذلك ضربة قاصمة وافلاسا سياسيا حقيقيا.
ربما يجد المالكي حلاً لمعضلة الوزير( بابان ) , فيقايض مصيره , مثلا , بمصير رئيس مجلس النواب السيد المشهداني الذي يبدو ان جبهة التوافق هي مدينة للاخرين في مسألة غض النظر حتى الان عن قرار تغييره بالرغم من ان حاله ( اي المشهداني ) في مجلس النواب قد أمسى كحال صاحب الاجنحة المتكسرة , فاصبحت طلعاته الجوية ليست ميزة صارخة في سماء المجلس , بل قام يطير طيرانا منخفظا جدا وبطلعات نادرة ! . او قد يذهب المالكي الى حل معضلة الوزير( بابان ) بطريقته الخاصة , فيمنحه احدى حقائب حزب الدعوة بعد ان يقدم الوزير ( بابان ) طلب الانتماء الى ذلك الحزب . لكن السؤال الذي يبدو مُلحا يتمثل فيما سيؤول اليه مصير الوزيرة ( وجدان ميخائيل ) , وزيرة حقوق الانسان الحالية ومرشحة القائمة العراقية سابقا , لو سارت الامور بين المالكي و الدكتور علاوي بنفس الاتجاه الذي سارت به مع جبهة التوافق وقررت القائمة العراقية العودة الى الوزارة , فدخول جمل من ثقب إبرة أيسر من قبول السيدة وجدان ميخائيل في الائتلاف الموحد وهي التي لاقت مالاقته من موقف محرج في النجف قبل ايام ! ربما في هذه الحالة لن يكون امام السيد المالكي إلا ان يستعين بالرئيس الطالباني ( فيُطيٍب خاطرها ) بمزحة من مزحاته الخفيفة ثم يطلب منها وبرجاء أبوي ( تضحية وخدمة وطنية ) , خاصة ونحن المسيحيون أهل لها باستمرار , يشهد الجميع لنا اننا ( مَنْ يُضحًي دائما ولايستفيد أبدا )!.
هنيئا للسياسي في العراق الذي لاقت او تلاقي ( والدته السياسية ) حتفها إثر حادث مؤسف , غرقا او خنقا او في المرور , او قضت او تقضي , بمشيئة ربها , بسبب مرض عضال او ورم خبيث , فلم يعد له من يتوعده بالعقوبة والجزاء إذا عصا الأمر ! اما السياسيون من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , فلانملك إلا ان نقول لهم , اذا كان البحث عن ( والدة سياسية ) قد اصبح ضرورة ملحة في عراق اليوم فالأولى بهم ان يعثروا على ( والدتهم هذه ) بين اوساط شعبنا فيكونون اكثر اطمئنانا , لانها بالتأكيد ستكون اكثر حنانا ورأفة بهم فايمانها ومعتقداتها تُطالبها بل تفرض عليها ان تغفر لهم سبعين مرة سبع مرات . . . .