وصية ألله لا تكذب والسلك الدبلوماسي والسياسي
وصية الله الثالثـة تقول " لا تحلف بأسم الرب الهك بالباطل" , وكثيراََ ما تكتب بصيغة " لا تكذب" فقط, وكثيراََ ما يقال المثل " حبل الكذب قصير" وهنا ما يهمنا من الكذب هو ما هي طبيعة عمل الدبلوماسي والسياسي في الشوؤن الوطنية او الدولية لأن نتيجة عمل الدبلوماسيين والسياسيين تنعكس علينا نحن المساكين الغلابة في آخر المطاف, وقد يقودونا إلى الحروب وخراب البيوت, ونندفع ورائهم أو نصفق لهم بحماس أو ببرود وقد يحتـل الاعداء وطننا أو نشرد ونصبح مشردين لاجئين لا حول لنا ولا قوة ونخسر أملاكنا ومقتناياتنا ومُدَخراتَنا ونحن لم نفعـل شيء أبداََ لنستحق ذلك أو قد نُحَارب ورائَهم ونخسر حياتنا وشرف الشعب والامة وتُحتل اوطاننا وتدمر بيوتنا ومُؤسساتنا وبُنيتنـا التحتية الوطنية.والسياسي او الدبلوماسي حين يتكلم, يتكلم بكلام رنان ومنمق كله كذبِِ بكذب , وعندما يُسأل سوالاََ مباشِراََ عن أي موضوع مهما كان خاصة إن كان محرجاََ يُراد منه أن ينطق أخيراََ امام الناس او المستمعين او المشاهدين امام شاشة التلفزيون بالحقيقة المجردة , تراهُ يلف ويدور في حلقات مفرغة حول الموضوع من دون أن تستلم منهُ عقاداََ نافعاََ , او أن تفهم ما يُخفيهِ , فالنطق بالحقائق كما هي من دون رتوش لا علاقة له بطبيعة وأخلاقية الدبلوماسي والسياسي المخضرم او صلة في صميم تفكيرهِ ومتطلبات عملهِ , وإذا تكلم الدبلوماسي والسياسي لا يقول إلا الكذب والكذب فقط , وقد تنطلي أكاذيبهُ على عموم البشر من الغلابة الذين يُغَرَر بهم , إلا أن أي سياسي آخر يسمع لهُ أو لكلامه أو خطابه يفهم فوراََ ما بين السطور ويعرف حالاََ كل الكذب والافتراء المقال ويستخلص الحقيقة بثواني.
وقد يصرح السياسي بشيءِِ ما وهو يعلم علم اليقين بأَنه كذب بكذب ولا يمتُ للحقيقة بشيء لا من قريب ولا من بعيد , وهنا يتدخل ضميرهُ ليُأَنبهُ ولكن هذا الضمير أي ضمير السياسي او الدبلوماسي قد أُعطيَ إجازة أبدية وقد نام تماماََ وهو من الجبن أن لا يستيقظ ابداََ أو قد مات وتحلل لكي يسمح للسياسي من العمل بحرية ومن دون تأنيب او ردع أو وجل أو خوف لا من البشر ولا من الله ومن اول يوم إمتهن هذا السياسي او الدبلوماسي لعبة السياسة. ولكن المصيبة تبدأ عندما يحلف هذا الدبلوماسي او السياسي بالله لتأكيد اقواله أو قصتهُ , ففي حينها يُدخِل نفسهُ ليس فقط بمتاهة الكذب بل بمتاهة الاخلال بالوصية الثالثـة " لا تحلف او لا تنطق بإسم الله بالباطل" وهنا يُدخل نفسهُ في دائرة العقاب الالهية وبدتعديه على الوصية يستحق الموت واللعنة الإلهية الابدية ونيران جهنم.
وقد صدق من سمى هذا العمل بالسلك الدبلوماسي والسياسي فقد شَبههُ بالسلك الكهربائي, فمن طبيعة السلك الكهربائي إذا مَـرَّ التيـار الكهربائي فيهِ أن يسخن وكلما إشـتَّـد التيار المار في السلك يزداد سخونـة, وإِن إشـتد أكثر من قابلية السلك ينصهر السلك من كثرة الحرارة وينقطع , وهذا ما يحدث تماماََ في السلك الدبلوماسي والعمل السياسي فعندما تمر الاكاذيب بين الدبلوماسيين والسياسيين يسخن هذا السك أيضاََ وعندما يزداد الكذب المار ويًسبب الإحراج لطرفِِ ما من السلك لحساب الآخر تبدأ الانزعاجات ثُمَ الشتائِم , وإذا إزداد عن الحد الذي يطيق أويستطيع الطرف الآخر تمريرهُ تزداد سخونة العلاقات والمشاكل حتى تصل للإنصهار وتحصل القطيعة , ثُم تـأتي الحروب بعـد ذلك لأَنَّ مصلحة الطرف الآخر تتطلب وصل العلاقات والسلك ثانية وبأي طريقة عرجاء او عوجاء أو مهما كانت , وهنا يأتون بعملاء لهم يسمونهم السياسيين الجدد أو المعارضة والتي تقبل بالشروط الجديدة المفروضة من قبل الطرف الآخر, فهذهِ الفئـة لا يهما سوى الوصول لسدة الحكم ومستعدة للكذب وبيع كُل شيء أكثر من سابقتها , فالمهم أن تصل للمنصب وتفرض نفسها وتنهب فالمصلحة الشخصية هي كل مُبتغـى الدبلوماسي والسياسي , وهو مستعد لركوب أي تيار لتحقيق هدفهُ وتبدأ الاكاذيب تأخذ منحى جديد وتُـلون بالالوان الزقاء والحمراء والخضراء أو اي لون كان , أو أن توصف بالشرقية أو الغربية أو عدم الإنحيـاز أو أو .. , المهم أن يبدوا وكأَنَّ عـهداََ جديداََ قد بـدأ وتبدأ المتاهة من جـديد, وهكذا يضحكون على الغلابة والمساكين بأي طريقة كانت , إن كان بإسم السياسة أو القومية أو الدين أو حتى الملائِـكـة والشياطيـن.
والدبلوماسي او السياسي ليس كذاب فقط , لكنـهُ كالقط او البـزون فهـو يعـمل عملتـهُ ثُـم يطمرها بالتراب لكي لا يراها الناس وكأَنَّـهُ لم يفعـلهـا أو لا يفعلهـا أبـداََ , وهو اي البزون بالطبيعة غـدار وليس وفياََ كالكلب مثلاََ. وهنا نراهُ وخاصة عندما ينقلب على اصحابهِ يتعرض للفضيحة , حيثُ يفضحهُ اصحابه المتعاملين معهُ بجميع انواع الفضائح الجنسية او المادية كالرشاوي او القومسيون الذي إستلمهُ أو المبالغ الغير شرعية التي إستلمها هو أو حزبهُ للفوز بالحملات الانتخابية أو للوصول لكرسي الحكم , والتي يكونون قد سجلوها عليهِ أثنـاء فترة تعاملـه معهـم , وكل بزون له بزازين يخرمشون مثله ومن طبعهُ تماماََ , وكما قلنا البزون غـدار, وهنا يقع الغَـلبان والمسكين وعابر السبيل تحت غدر الطائرات والمدافع والدبابات والقنابل الذكية منها والغبية غباء كل من يصدق السياسي او الدبلوماسي .
وهنا نأتي للدبلوماسي والسياسي الشرقي فهو من ارض الذمة والرسالات والحضارات وهو بهذا مزدوج الشخصية والعقلية ويقع تحت تأثير الوصية " لا تكذب" , إلا أنَّـهُ كغيرهِ من السياسيين أو الدبلوماسيين يهمهُ نفسه ومصلحتهُ فقط أي إنهُ كذاب كغيرهِ من الكذابين , ولكن لإزدواج الشخصية لديهِ يعتقد بأنهُ يستطيع أن يحقق مصلحته الشخصية وعندما تحين الفرصة أو الضروف, ينقلب على أسيادهُ ليُحقق أهداف شرقيته أو دينه , او قد يعلم أو يتناهى إلى سمعهِ بأَنَّ أيامه اصبحت معدودة لإنتهاء مصلحة الاخر منهُ أو لإنفضاح أمره فيلجأ إلى مبدأ " عليَ وعلى أعدائي كما يقولون" أو او .. , لذا هو بهذا الإزدواج يجلب على أُمتهِ وشعبهِ مصيبتين, الاولى بما يعطيهِ او يتسامح بهِ من مصلحة الوطن والشعب لضمان مجيئهِ , والثانية عندما يغدر بأسياده فينتقموا منهُ وهنا وفي كلتا الحالتين تنعكس كل المصائِب والتنكيل على شعبهِ وليس عليه مباشرةََ لأَنَ قواعـد اللعبة بين السياسيين والدبلوماسيين لا تشمل أمن وحياة الدبلوماسي او أفراد عائلتهِ أو ممتلكاتهِ إلا في حالة إنتفاء المصلحة منـهُ نهائياََ وهنا وبالمفهوم الدبلوماسي يسمونهُ الورقة المحروقة أو انتهـت مدة صلاحيته, وبصورة خاصة إن كان الطرف الثاني قد اوجد البديل الانسب والأكثر تستراََ أو بالقليل أقل فضيحة امام الناس والعالم منهُ.
وهنا نأتي إلى من يُعَلِـم الدبلوماسيين والسياسيين ألاتكيت والكذب المباح , فهناك مداس متخصصة لذلك وأكثرهـا شهرةََ ودهـاءِِ هي الدبلوماسية البريطانية , فلها اي بريطانيا خيـر المدارس الدبلوماسية لتعليم فن الكذب والاتكيت وضبط النفس والمراوغـة والسير على السجاد الاحمر, وفن اللباقة الفارغة والمطلية عسل من الخارج وكلها كذب من الداخل , تعلم الدبلوماسيين والسياسيين الجدد وخاصة الذين يرشحون للسيطرة على بلدانهم بعـد الثورات الوطنية الملهمة الكاذبة , او التي تأتي إلى سدة الحكم بعـد الاحتلال العسكري لبلدانهم . والمعـروف إنَّ الانكليز أوالأنكلـو ساكسون هم من أمكر ثعالب العالم الدبلوماسي والسياسي وأكثرهم خطراََ.
وحتى اللغـة الانكليزية هي خيـر اللغات الدبلوماسية لكتابة المعاهدات وشروط الاستسلام بعـد الحروب أو لكتابـة قرارات الامم المعوجـة المتحدة بالشيطان , لأنَّ بنود الاتفاقيات أو القرارات بهذه اللغة السهلة واللعينة بنفس الوقت لها تفسيرها للمُوَقِع الخاسر او المُستَسلم وآخر للمنتصر أو الغالب أو المستفيد, فيُوقع المغلوب ويقول " انا حصلتُ على أقل الخسائر بحنكتي " ويقول الغالب " أنا حصلتُ على أحسن الشروط لنصري " والوقت يبين في المستقبل القريب فداحة الهزيمة وشروط الاستسلام فقط.
والنكاية والطامة الكبرى تأتي عندما يقوم هولاء الدبلوماسيين والسياسيين الكذابين في نهاية المطاف يإعلان الحروب , ويُعطوا جنودهم وقوات بلدانهم وطائراتهم حق قتل أعدائهم من أبناء البلدان الأُخرى , وهم لم يفعلوا أو يقولوا غير الكذب والكذب فقط فكيف سيهربون من دينونة الله ونيران جهنم التي في إنتظارهم لإخلالهم بوصايا الله ومحبة القريب . وكيف يصدق الناس إنهم في الحروب لهم حق القتل وانهم إستلموا هذا الحق من حكامهم أو رؤسائِهم وكل شيء مبني على الكذب والكذب فقط , فأين ستذهبون من دينونة الله ونيران جهنم وانتم تقتلون القريب ومن دون رحمة أو شفقة.
وهنا أُورد لكم مثلاُُ لكيفية الضحك على الذقون والكذب المكنون لدى الاخوة السياسيين والدبلوماسيين , فقد شأت الصدف أن أحظر حفلة أقامها أحد الاخوة في الخليج لأصدقائِهِ من مختلف الاطياف , ولأني أتكلم الانكليزية بطلاقة تجاذبتُ الحديث مع القنصل البريطاني الذي كان حاضراََ في الحفل أيضاََ , وهنا ولأني لستُ من جماعة السلك الدبلوماسي أو السياسي, ونحن نتحدث في شوؤن الساعة في حينهِ ذكرتُ هذهِ العبارة الحقيقية للقنصل " طبعـاََ تحكم العالم اليوم أمريكا , وبريطانيـا التي كانت عظمى ذات يوم لم يبقى منها إلا بقايا الامبراطورية العجوز وأصبحت بالطبيعة تابعة لسياسة امريكا".
وهنا ثار القنصل وكأني كفرتُ بالله, وجاء لنجدتي صديقى الخليجي لكي يقول له " بأني لم اكن اقصد كذا بل كذا وكذا" , وإستطاع أن يُهدي من ثورة القنصل, وكنتُ اسمع النفاق واضحك في سري واقول لنفسي " لا بل قلتُ الحقيقة المجردة , وهي الحقيقة بعينهـا شاءِ من شاء , وأبى من أبى , وألله على ما أقولُ شهيد" . واليوم يكفي أن أقول " إِنَّ كلب بوش لا يهز ذيلهُ لبوش كما يهزُ توني بلير رئيس وزراء بريطانيا ذيلهُ ترحيباََ وموافقةََ وتأييداََ لكل ما يقوله ويفعله بوش وأمريكا".
نوري كريم داؤد
14 / 10 / 2006