وصية المرحـوم الشـماس پـطـرس صادق سـورو أمانة في رقبتي أنشرُها إلى أقاربه ومعارفه
بقـلم : مايكـل سـيـپـي / سـدنيأقام كاهـن قـداساً ولما حان وقـت الصلاة الربـّية والناس يُصلــّونها معه وقـبل أن يُـكـْمِـلوها أوقـفـَهـم فـجأة دون أن ينطـِقـوا بـ [ واغـفـر لنا خـطايانا كـما نحـن أيضاً نغـفـر لِمن أخـطأ إلينا ] وقال لهـم : اليوم نكـتـفي بما وصلنا إليه في هـذه الصلاة ولن نـكـملها بعـد ! إستغـرب الحاضرون المؤمنون والحـريصون عـلى الصلاة ولم يرض الملتزمون بطـقـوس قـداسنا من هـذا التوجـيه الغـير المنطـقي والتصرف الغـير المألوف ، والصادر من رجـل دين هـو المعـلم والقائـد والموجّـه والمرشـد ، لابل أراد البعـض أن يعارضوه بطريقة لا تـليق بأجـواء الكـنيسة ، ولما أحـسّ بهـيجانهـم أشار إليهـم بالسكـينة هُـنيهة وقال لهـم : لينـظر كـل واحـد منـكم إلى إخـيه الذي يجـلس بجـواره ويسأل نفـسه ( هـل يغـفـر لصاحـبه الذي أخـطأ إليه ؟ ) فإذا يغـفـر له يمكـنه إكـمال الصلاة ، ومَن لا يغـفـر لصاحـبه فـليتوقـف ! إنها حـكـمة نـتعـلـّمها من كاهـنـنا الحـكـيم هـذا ، فـكـلنا أخـطأنا وأعـوَزنا مجـد الله ، هـكـذا يقـول مار پـولس ، فـليس بـينـنا إنسان متـكامل في وعـيه وطاقـته وسـلوكه ، بل كـلنا خـليقة ضعـيفة عـلى هـذه الأرض الفانية ، وضعـفـنا هـذا يقـود بعـضنا لابل أكـثرنا إلى تجاوز حـدودنا وإستغـلال أخـينا والإعـتداء عـلى جارنا ، ووصايا الله عـلى الحـيطان ضَـرَبـْـنا وأهـملـنا ، وأقـوال المسيح لا نقـرّبها من بالـنا ، وأكـيـد ، نـنسى الخـط الأحـمر الذي من عـنـده نـنـتـقـل إلى الحـياة الأبـدية التي تـنـتـظرنا . ولكـن الرب لم يتركـنا في متاهاتـنا ولم يقـطع أمـلنا بل عـلــّمنا وأوصانا بما نصحّـح به مسارنا ونــُـقــَـوّم سـلوكـنا ونـتعـهّـد أن لا نكـرّر زلاتـنا وهـو وحـده الغافـر خـطايانا سـيمحـو أخـطاءنا كي نـتهـيّأ لنيل الميراث الذي به وعَـدَنا . فـنحـن فـئـتان : خاطىء ومُـخـطىء إليه ، معـتـدي ومعـتــَدى عـليه ، متغـطرس ومتواضع ، بخـيل وكـريم ، أنانيّ وَ فادي ، كاره ومحـب ، وكـم تصادف أن تـتـداخـل هـذه الصفات فـينا ! بهـذه الأفـكار تجاذبتُ أطراف الحـديث مرات مع المرحـوم الشماس پـطـرس صادق سـورو إبن ألقـوشـنا ، وذلك عـبر مكالمات تـلفـونية طـويلة أو أثـناء لقاءاتـنا .
وإذا كان الكاهـن المـذكـور في مقـدمة كـلامنا قائـد واجـبه نشر الوعي المسيحي بـين أبناء رعـيته ، وإيمانه يـدعـوه إلى تـلمـذة الناس بالقـيم التي نادى بها ربنا يسوع المسيح وربه ، تلك التي تــَحـدّ من عـنجـهـية الإنسان وإستعـلائه وغـطرسته وتفـتح قـلبه بفـرح لأخـيه ، فـما من شـك أن مِن بـين أبناء رعـيّـته مؤمنون آمنوا بما آمَن به ، وذهـبوا إلى ما ذهـب إليه في وعـظه ، بحُـكـم نشأتهـم الكـنسية وتربـيتهـم العائـلية وثـقافـتهـم الشخـصية ، التي خـلـقـتْ فـيهـم إنساناً ذي روح سلسة متواضعة راضية بالحـياة وللجـميع مُـرْضـية ، والمرحـوم الشماس پـطـرس صادق سـورو واحـد من أولئـك الرجال الذين جاهـدوا ونجـحـوا في حـياتهـم العـملية والثـقافـية جـنباً إلى جـنب خـدمتهـم في الحـقـول الكـنسية بالإضافة إلى مساهـماتهـم الإجـتماعـية . ولا أنسى نــُبل موقـفـه وَ رقــّة مشـاعـره وعَـظــَـمة تواضـعه النابعة من أعـماق قـلبه ، يوم إعـتـذر مني نيابة عـن سـوء تصرف غـيره ، فـقـلتُ له : إنك أخ كـبـير تستحـق كـل التقـديـر . وكـم مِن مرة - وبخـفــّـة دم تجـعـل المقابل يصغـر أمامه - عارضني في موقـف أو كـتابة جـملة أو نـطــْق عـبارة ، فـكـنـتُ أدافـع عـن نفـسي بما أجـعـله يقـول لي بكـل تواضع : ( شـماس ! لا أسـتطيع إصـطـيادكَ ) .
كـلــّمني مساء يوم الخـميس 14/2/2008 بالتلفـون من داره لأكـثر من نصـف ساعة ، تـطرقـنا في حـديثـنا وكـعادتـنا في كـل مرة ، إلى مواضيع شـتى منها القـومية والـدينية والإجـتماعـية وكـذلك أمور ثـقافـية متـنوعة ، وخـلال دردشـتـنا سـألني طـلباً ، جـعـلني اليوم أكـتـب هـذا المقال . فـما الذي قاله لي ؟ قال لي : شـماس - نحـن مؤقـتون عـلى الأرض ، قـلتُ : نعـم وهـذا الكـلام أقـوله أنا أيضاً لأولادي . قال : إنـتظر ، إنك لا تزال شاباً . قـلتُ له : وأنـتَ أكـثر شباباً ، فـلطالما أولادك شباب فإنك شاب مثـلهـم . قال : أشـكـرك ، لي طـلب منكَ ولستُ أدري إنْ كـنـتَ تـلـبّـيه أم سـتردني خائباً ؟ قـلتُ له : إنـك الأخ العـزيـز تـفـضــّـل . قال : لقـد خابرتُ أخـتي ( أنــّو) في أميركا وطـلبتُ منها الشيء نفـسه حـين قـلتُ لها أن تصل إلى كـل أقاربي وأصـدقائي ومعارفي وكـل مَن سـبـق وَ أن رآني في حـياتي ، أن تستغـفـره نيابة عـني ، لأيّ ذنب إقـترفـتــُه بحـقه ، أو خـطأ عـملتــُه ضـدّه ، أو سـلوك تصرفـتــُه معه لم يُـرِْضِـه ، أو كـلام جارح سمعَـه يوماً مني ، أو أية سـلبـية بـدرَتْ دون عِـلــْمي ، فأنا أعـتـذر عـن كـل ذلك طالباً منهـم جـميعاً الغـفـران .
لقـد تألــّمـْتُ شـخـصياً له وحـسِـبْـتــُه راكـعاً عـنـد منبر الإعـتراف أمام كاهـنه وقـلتُ له : إن كـلامك هـذا يا شماس هـو الغـفـران بـحـدّ ذاته ، وغافـر الخـطايا هـو المسيح وحـده ، وَمَن منــّا لم يخـطأ في حـياته بل كـلنا أخـطاء . قال : أنا سـوف أدخـل المسـتشـفى غـداً لإجـراء عـملية ولا أحـد يضمن حـياته وعـليه أطـلب منـك أن تكـتب وصيتي مثـلما قـلتــُها لأخـتي وتـنشـرها بإسمي ، ولكـن بالعـبارات التي تخـتارها بأناقـتك ورشاقة قـلمك . قـلتُ له : إذا كـتبتُ ويقـرؤها القـراء سيعـرفـون أني أنا الكاتب وليس غـيري ، مثـلما كـتبتُ يوماً لغـيري وبطلب منه ، لكـن القـراء إكـتـشـفـوا أني كاتـبها ، ومن جانب آخـر فإن مشاعـرَ كالتي تقـولها تـنبع من قـلبك الآن ، هي أصـدق من آخـر لا يشعـر بها وعـليه إذا كـتــَـبْـتــَها أنت وبخـط يـدك يكـون الأفـضل وأنا أنقـحها لك ثم أنشـرها ، قال : وهـذه المرة أيضاً لم أستطع مصارعـتـكَ . وفي الحـقـيقة كـنـتُ أقـصـد في كـلامي أن ينسى الموضوع ويـبتـعـد عـن التفـكـير في نهاية الحـياة ، واليوم أعـتـذر إعـتـذاراً شـديـداً وأؤنــّب نفـسي ، فـلو كـنـتُ أعـرف أنه عـلى موعـد لملاقات ربه ، كـنـتُ وفــّيتــُه طـلبه وهـو بـينـنا . لـذا أشـعـر في هـذه اللحـظات أنّ أمانة كان قـد سـلــّمها لي وعـلــّـقـها في رقـبتي كي أوصـلها إلى كـل أقاربه وأصدقائه ومعارفه أينما كانوا عـلى المسـكـونة :
أيها الإخـوة والأخـوات من الأقارب والأصدقاء وكـل مَن يعـرف المرحـوم الشـماس پـطـرس( أبو واثـق ) إبن الشماس صادق سـورو من عائلة ألقـوشية عـريقة والذي كان قـد إستـقـر لأكـثر من عـشر سنواته الأخـيرة في أستراليا مع أفـراد أسرته الواسعة ، قـد وافاه الأجـل يوم الأربعاء 27/2/2008 ، يطـلب من كـل أعـماق قـلبه غـفـران الله أولاً ، ثم غـفـرانـكـم عـن أية زلـّة بـدرَتْ منه تجاهـكـم أو كـلام جـَرَحَ به مشاعـركـم أو أية سـلـبـية صدرَتْ عـنه بـدون عِـلــْمِه ضـدّكـم ، أو أية إساءة إقـترفـها بحـقـكـم ، فالله يغـفـر للمعـترف بخـطاياه ويحـسبه من بـين الفاضـلين ، ونحـن الناس نقـبل المعـتـذر المتواضع ونحـسبه من بـين الصالحـين ، فـكـلنا مخـطـئون . نطـلب من الرب أن يُسـكـنه ملـكـوته الأبـدي الموعـود به ، وتعازينا لـجـميع أفـراد أسـرته وأقاربه سائـلينه أن يهـب لهـم الصبر والسـلوان ، إنـنا جـميعـنا في طـريق الحـق سائرون ، آمـين .
لقـد دخـل المرحـوم المسـتشفي يوم 15/2/2008 وأجـريت له عـملية إستـئصال القـولون ، فـزُرتــُه نهار الخـميس 21/2/2008 ورأيتــُه واهـن الجـسم ، لـكـنه قـوي الإرادة نشط الوعي حاضر المناقـشة وبحـضور كـنــّـته التي شـجّـعَـتــْه عـلى الـتـكـلـّم ، ولـذلك وهـو في تلك الحالة تبادلنا الآراء في أمور عـديـدة لا تمتّ بصلة إلى حالـته الصحـية ، وقال أنه سيغادر إلى البـيت غـداً أو حـسب توصية الطـبـيـب ، ثم سـلــّـمتُ عـليه وغادرتُ المكان . وقـد عـلمتُ أنه غادر المسـتشفى يوم 22/2/2008 بصحة مناسِـبة إلاّ أن المنيّـة إستعـجـلتْ معه فـغادرتـنا روحه يوم الأربعاء 27/2/2008 إلى السماء . وسيقام قـداس الجـنازة عـلى نية روحه الطاهـرة نهار يوم الجـمعة 29/2/2008 في كـنيسة مار توما الرسول الكاثوليكـية للكـلـدان ، ومنها في موكـب مهـيـب إلى حـيث سـيُوارى جـثـمانه الثرى . نرفـع صـلواتـنا إلى الباري تعالى من أجـله وتعازينا لـذويه .