يا للعجب , يسألون السيد يونادم ويعرفون الجواب
يقينا , لايوجد من يطلب من السياسي ضمانة بعدم تورطه في مشروع او نهج سياسي غير مدروس بدقة , كما لا يوجد من يقاضي السياسي ( وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية ) مقاضاة صارمة اذا اخطأ في حساباته , حتى ولو كانت تلك الاخطاء من النوع الذي لايغتفر كون اكتشافها كان يستدعي الحد الادنى من ألف باء السياسة وليس المهارة السياسية المتقدمة . لكن الطامة الكبرى في مجتمعاتنا الشرقية , والتي يبدو ان بعضا من الذين يمارسون السياسة من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري قد أُصيبوا بالعدوى منها , تتمثل في اصرار السياسي المتورط , و ربما تحت دافع الاعتداد بالنفس والترفع عن قدرة الاستعداد للاعتراف بالخطأ , على اعتبار ورطته هي الموقع الصائب الذي ينبغي ان يتواجد فيه الجميع متوهما انه بذلك سيمنح تلك ( الورطة ) الشرعية الشعبية لها , وهكذا فهو يسعى الى الترويج لها وايهام النفس بان الفعاليات التي يقوم بصناعتها وتركيبها وتقديمها هي التي تؤكد شرعية الموقف في الوقت الذي تدفع فيه الى اعماق سحيقة في ورطته تلك . ان اداء النظام السابق على مدى عقود يعطي امثلة ناصعة صارخة في كيفية التعامل مع ( الورطة لسياسية ) و التي يعاني شعبنا ووطننا اليوم من نتائجها .في مدينتنا الصغيرة الجميلة ( برطلة ) اعتاد الاهالي على سماع قصة دارجة بسيطة في الحبك , عميقة في المعنى ,حيثما اقتضى الواقع والاداء حكايتها وتكرارها كدرس في الحياة , فيقال ان احدهم قد قام بتكحيل عينيه املا في رؤية الابعد والاكثر , فوقف في الساحة وادعى انه يرى الكواكب ساطعة والنجوم تتلألأ , اثار ذلك اهتمام بعض البسطاء فأسرعوا الى تقليده كي لا تفوتهم فرصة مشاهدة مايشاهده والاستمتاع به , وعندما وجدوا انفسهم امام الحقيقة المرة في انهم لايُبصرون شيئا , سارعوا الى معاتبته لانه لم يُخبرهم بالحقيقة , فكان جوابه في هل من العدل ان يكون هو الاعمى والمتورط الوحيد في الساحة ! مايقوم به اليوم بعض السياسيين من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري , وتحديدا اؤلئك الذين يُحسبون على الجهد المطالب بالحكم الذاتي بالشكل الذي يطرحه المجلس الشعبي , يُشابه تماما قصة ابن برطلة الذي كحًل عينيه , مع ملاحظة ان الاخير لم يُجبر احدا بالاكراه على تقليده بل اغوى من اغوى من البسطاء , بينما يلجأ هؤلاء الى شتى انواع الارهاب و محاولات التهميش والاقصاء واعتماد سياسات فبركة واخراج الفعاليات السياسية على المقاسات المطلوبة , بل والذهاب بعيدا الى اتهام الاخرين بوضع العربة امام الحصان وخيانة القضية , املا في الوصول الى اهدافهم في رؤية كمٍ ونوع متميز يجاورهم في الزاوية الضيقة الحرجة التي اختاروها لانفسهم , كلًُ ولغاية في نفسه .
وهكذا اصبحنا امام المشهد المُضحك المبكي , فاذا باض ديك في ( بغديدي – قره قوش ) قيل انه قد رضع من حليب الحكم الذاتي , واذا تفركشت زيجة عذراء في تللسقف قالوا انه غضب الرب انتقاما من الرافضين للحكم الذاتي , اما اذا تصاعد الدخان من مولدة للكهرباء في القوش فالسبب لايحتاج ذهابا الى القاضي , فان احدا من الذين تُغذيه المولدة يقرأ او يكتب على الانترنيت مالايُعجب الحكم الذاتي !, وهلم جرا . كل شئ لا ينسجم مع الحكم الذاتي باطل , ومن يقول له أُفٍِ مُدان , وكل الاحداث يجب ان تُجَيٍر باية طريقة لحساب الحكم الذاتي او بالاحرى لحساب صقوره . حتى جاءت تداعيات الغاء المادة 50 من قانون انتخاب مجالس المحافظات واذا بالاخوة الاعزاء يحاولون امتطاء صهوة الحدث , وهم الذين كانوا يتهكمون على ( الكوتا ) عند اعلانها , كونها تمثل الفتات الذي تمكن ممثلي شعبنا في البرلمان , بشق الانفس من انتزاعه , فاصبحت الكوتا بقدرة قادر بالنسبة اليهم ( الابن المدلل والعزيز ) , كيف لا وسياسة اقتناص الفرصة والبناء على جهد الاخرين باستخدام ارخص الاساليب هو الطريق الاقصر لضرب من ينبغي ضربه وتحقيق الاجندة. عجبا من الاقلام التي ينطلق حبرها سيالا سلسبيلا في الدفاع عن مواقف الاخرين , بل وتبرير مواقفهم بالضد من مصالح شعبنا , بينما ترى تلك الاقلام وقد تحولت الى خناجر لا ترحم , تتلذذ بتقطيع اوصال ذوي القربى ! اتقوا الله ايها الناس , فطائرة ذي الجناح الواحد لاتطير ولاتحلق في الافاق , بل مصيرها السقوط والتحطيم اذا لم يكتب الباري لها في احدى أعاجيبه سلامة الهبوط ! . ان الاحداث الاخيرة تثبت العكس تماما فتبرز الحاجة الى ان يعيد هذا البعض التفكير مليا في ادائه السياسي , هدفا واسلوبا , فيتحرر من قيوده الذاتية الشخصية والواقعية ليلتحق بالجهد الذي يرفع لواء الاداء المستقل الذي يصب قبل كل شئ في سلة مصالح شعبنا واهدافه وفق نظرة واقعية عقلانية طموحة .
ان السياسي والكاتب الذي يحاول ان يُلبس تظاهرة ما ثوب المد الشعبي بحدوده القصوى , ويقدمها للاخرين على انها ( الجوكر ) الذي حسم لعبة صراعه معهم , وهو يعلم جيدا بتقنية فبركتها انما يمارس خداع النفس بشكل صارخ قبل ان يحاول خداع المتلقي , وان هذا التكتيك في العمل السياسي هو تكتيك رخيص اثبت وبالبرهان القاطع فشله وعدم جدواه . ان اتباع نفس الاساليب المتمثلة في ( الترهيب والترغيب ) التي كان يستخدمها النظام السابق في الحشد الجماهيري يثير القلق لدى كل حريص على مستقبل هذا الشعب ودوره , لاننا لازلنا نتذكر ان الالاف وربما الملايين التي كانت تخرج في مظاهرات البيعة وتجديدها مثلًت في فعلها ابراجا كارتونية على قاعدة من الرمال عندما حميَ الوطيس . نعم كانت تظاهرة القوش متواضعة في الحجم فشارك فيها كما يقال ما يزيد قليلا على الألف شخص , ولكن لم يكن بينهم رجل الحراسات الذي قيل له ان عدم مشاركته تعني استقطاع مبلغ من راتبه الشهري , كما لم يُمنح المشاركون فيها اية حوافز مادية اخرى . اننا هنا نحيي كل ابناء شعبنا الذين عبروا عن سخطهم واستنكارهم على قرار الغاء المادة 50 والذين خرجوا في تظاهرات بغديدي ودهوك وغيرها , لان الخطأ ليس خطأ الجماهير بل خطأ من يقوم بتعبئتها والاسس التي يعتمدها لتحقيق ذلك , واعتقد اننا ما كنا نرى سببا لقول مانقوله لو كان الاخوة الذين نظموا تلك التظاهرات قد استثمروا هذا الجهد , بغض النظر عن سلبياته , في تعزيز الجهد الكلي لشعبنا امام الاخرين , وليس استغلاله في محاولة تكسير الاجنحة الداخلية فيه. فهل يجوز ان ندعو الاخرين الى مراجعة النفس والاصطفاف مع جهد يقوم على اسس غير صحيحة ولاتترك خطوات بنائه في النفس اطمئنانا الى النتائج المستقبلية التي سيفرزها !. لقد استطاع رئيس النظام السابق صدام حسين في فترة الثمانينات ان يُجيٍر مواقف اغلب الانظمة العربية والاقليمية , بل وحتى بعض حكومات الدول الكبرى , لصالحه وبقي الرئيس السوري الراحل حافظ الاسد وحده , يظهر احيانا غريبا منبوذا في الميدان متميزا بموقف اخر , ولكن الاحداث اللاحقة اثبتت صحة قراءة الرئيس السوري للوضع والحال !
اتذكر ان احد الاخوة في المجلس الشعبي قد نقل لي قولا للاستاذ فوزي الحريري في سياق حديث معه على هامش اللقاء الذي جرى قبل شهور مع رئيس الوزراء العراقي اثناء انعقاد مؤتمر العهد الدولي في استوكهولم , حيث شدد السيد الحريري بان نطالب بحقوقنا من بغداد وليس من مكان اخر . والسؤال الذي يطرح نفسه , ألم يكن اجدر بالمجلس الشعبي والاحزاب المنضوية تحت لوائه ان يبادروا جميعا الى تشكيل خلية ازمة مستعجلة او غرفة عمليات فينتقلوا جميعا الى بغداد ويبدأوا سلسلة لقاءات مكثفة مع المسؤولين و اعضاء البرلمان في محاولة للضغط باتجاه اقرار لحقوق شعبنا وتمثيله ! من منهم وصل الى بغداد وحقق جهدا ؟! أليس العمل السياسي مع الجهد الشعبي ذراعان لهدف وغاية واحدة ! ليس دفاعا ولادعاية بل يشهد الله انها شهادة حق , فقد رأيت بعيني السيد يونادم كنا وحتى ساعة متأخرة من الليل يجري اتصالاته لترتيب لقاءات مع السيد ديموستورا والسفير الفرنسي ورئيس مجلس النواب و اعضاء مجلس النواب داعيا في نفس الوقت القاعدة الجماهيرية الى مواصلة الضغط في الشارع , محاولا استغلال اية فرصة ممكنة تساعد في تحقيق الهدف وضمان تمثيل شعبنا في قانون الانتخاب عن طريق اعادة المادة الخاصة بالكوتا الى القانون .
بقيت ملاحظة صغيرة نريد ان نهمس بها في اذان بعض الاخوة الاعزاء الذين استطابوا في الاسابيع الماضية تصدير بضاعة محاضرات الاعلام الحر وسياسة قبول الاخر التي يتبعها موقع قناة عشتار مقارنة مع مواقع اخرى يسجلون عليها التحزب الاعمى وصم الأذان عن الرأي الاخر , فاقول لهم ها هي بضاعتكم نردًُها اليكم ,لان المثل يقول ( لاتنه عن خلق وتأتي بمثله ) , فقد ظهر ان موقع عشتار والقائمين عليه قد وصلوا الى قناعة في انهم خلال الفترة الماضية قد ارخوا حبل الصبر لنا كثيرا , فوصل الامر الى ان نتجاوز الخطوط الحمراء عندما علموا اننا قد قمنا بتأدية ( مناسك الحج والعمرة ) الى مقر الحركة الديموقراطية الاشورية في بغداد , فاصدروا قرارا بحجب مقالاتنا عن النشر في الموقع ابتداءً من مقالنا السابق ( لابارك الله بكم , حتى على الكوتا دنت نفوسكم ) , ومن المؤكد ان القارئ الكريم الذي اطلًع على المقال ومحتواه ويعرف اليوم بقرار موقع عشتار يلقي سطلا من عصير الشفقة والبؤس على من كان وراء هذا القرار . وفي كل الاحوال تبقى شمس الحقيقة اكبر واسطع من ان تغطيها دفاتر خضراء او غربال قديم متهرئ من الانتيكات . . .
د . وديع بتي حنا
wadeebatti@hotmail.com