يومـان مع سركيس أغاجـان والحقيقة
عـندما عـدت مـن العراق في تشـرين الثـاني الماضـي ، كتبـت مواضـيع في الصحـف والمواقـع بخصـوص الوضـع الـذي وقـفت على حقيقـته في شـمال العراق ، واتصـل بـي العـديد مـن الأصـدقاء طالبيـن عقـد لقـاء معـي مـن خـلال البالتـالك ، ولبـيت طلبـهم ، وأشـرت إلى إنجـازات مهمـة في بنـاء قـرى شـعبنا المدمـرة ، منـها التي زرتـها : بيرسـفي وفيشـخابور وديره بـون وديـانا ، وإعـادة أهلـها إليـها الذيـن وجدتـهم يعبـرون عـن إمتـنانهم للسـيد سـركيس أغـاجان مـن خـلال إشـرافه على الهيئـة التي تـتولى هـذه الإنجـازات المهمـة بروعـتها لشـعبنا في مرحلتـه المصـيرية الراهنـة .وعـقـّب صـديق من بيـن الموجوديـن في لقـاء البالتـالك قائـلا : أكيـد أنـك تأثـرت بالسـيد سركيـس أثنـاء لقائـك معـه ؟ فأجبـته : لـم ألتـق مع السيد سركيس ولـم أراه وجهـا لوجـه حتى هـذه اللحظـة ، رؤيتـي لـه هـي فقـط مـن خـلال صـوره المنشـورة ، كمـا يـراه غيـري من النـاس ؟
فـردّ الصديـق : كيـف يمكـن أن تكـون 45 يومـا في شـمال العراق ولـم تلـتق السـيد سركيـس ؟ أجبتـه : ثـق لـم ألتـق بـه إطلاقـا ، على رغم أنـني قصـدت أربيل مرتيـن ، وأقمـت نـدوة في " جمعيـة الثـقافة الكلدانية في عـنكاوا " وقضـيت أيـاما عـدة في عنكـاوا ، التـقيت خلالهـا رؤسـاء ومسـؤولين قـياديين في أحـزاب شـعبنا ، إضافـة إلى نـواب في البـرلمانيـين الفيديرالي العراقي والإقليمي الكردستاني وشـخصيات قوميـة وثـقافية واجتماعيـة لشـعبنا ، ولـو شـئت لربمـا تمكـنت مـن اللقـاء بـه ، وذلـك إعتـمادا على عملـي الصحافـي في " جريدة الحيـاة " والشـخصيات القريبـة منـه التي إلتـقيتها ، ولكـن لـم أجـد ضـرورة للقائـه لمجـرد اللقـاء مـن دون حاجـة ماسـة لذلـك ، والأخـذ مـن وقتـه الـذي ينبغـي مراعـاتـه لمهماتـه الكثيـرة كوزيـر ماليـة في إقليـم كردسـتان ، والإشـراف أيضـا على شـؤون تخـص المسـيحيين .
وقـال الصـديق بنـوع مـن العصـبية : كيـف يمكـن أن أصـدق بـأن جميـل روفائيـل لـم يلتـق سركيس أغـاجان خـلال وجـوده في أربيـل ؟ فأجبتـه : لـك يـاأخي الحريـة والخيـار ، بـأن تصـدق أو لاتصـدق ، ولكنـني ثـق أقـول لـك الحقيقـة .
ومـرت الأيـام ، حتـى كـان آذار الماضـي ، ومشـاركتي في المؤتمـر ( الكلداني السرياني الآشوري ) في عـنكاوا ، وفـي قـاعة حديـاب حيث عـقـد المؤتمـر ، صـادف جلوسـي في الصـف الأول الـذي كـان يجلـس فيـه السـيد سـركيس ، وكنـت قريبـا منـه ، حيـث لـم يفصـلني عـنه سـوى الأخـوة بهنـام البـازي وبنيـامين حـداد وجـلال يلدكـو ، وعـندما ألقـيت مداخلـتي في الجلسـة الأولـى ( المسـائية ) المخصـصة لمحـور ( توحيـد خطابنـا القومـي قضـية مصـيرية ) لاحظـت أن السـيد سـركيس يصغـي إلـيّ بـانتـباه كبيـر ، ومـع إنتـهائها وجـدته يصـفق لـي بحـرارة ، وتـقديرا لموقـفه هـذا أثنـاء إلقـاء كلمتـي ، توجهـت أولا نحـوه وصـافحتـه وتحـدثت معـه نحـو 15 ثانيـة قلـت فيـها : أنـا الصحـافي . . . ، فـردّ : أعـرفك جيـدا مـن كتاباتـك الصحافيـة ومواقـفك القوميـة ، فشـكرته ، وثـم عـدت إلـى مقـعدي الذي يبعـد عنـه نحـو متـرين .
ولـم أتحـدث ثانيـة مـع السـيد سـركيس أغـاجان ، كمـا لـم ألتـقط معـه أي صـورة ـ باسـتثـناء الصور المـأخوذة خـلال أعمـال المؤتمر والتي أظهـر في العـديد منـها بقـربه في الصـف الأمـامي الأول للحضـور ـ على رغـم أن عشـرات المشـاركين في المؤتمـر التـقطوا صـورا معـه خلال فتـرات الإسـتراحة بيـن الجلسـات ومـن دون أي صعـوبة ، وكـان في مقـدوري أن أنضـم متى أشـاء إلى الذيـن يقـفون معـه مـن أجـل الصـور ، ولـم أفعـل ذلـك لأنـني لـم أجـد حاجـة ، كـرأي شـخصـي لاغيـر ، لأكـون ضمـن صـور جماعيـة معـه مـن هـذا النـوع . . ولكنـني خـلال يومـي المؤتمـر كنـت أتابعـه بنهـج الصحافـي الذي يقيـّم الأمـور مـن وسـائل الملاحظـة العـامة .
واظـب السـيد سركيس أغـاجان على حضـور كـل جلسـات المؤتمـر ، وكـان يأتـي إلى القاعـة قبـل بدء الجلسـة بوقـت مناسـب ولا يغـادر إلاّ بعـد إنتـهائها ، ولـم يتـدخل بحسـب مـا رأيـت أو سمعـت إطلاقـا بـأي أمـر يخـص المؤتمـر وسـير أعمالـه ، ولاحظتـه يتابـع كـل مـايجـري في المؤتمـر كمشـارك مسـتمع لاغيـر ، وكـان منسـجما مـع المشـاركين بصـورة طبيعـية لـم أجـد فيـها أي تصـنع أو تكلـف .
لكنـه ، بعـدما أنهـى المؤتمر كـل عملـه وتهيـأ المشـاركون فيـه لمغـادرة القاعـة ، طلـب منـه عـدد مـن الحاضـرين إلقـاء كلمـة ، فاسـتجاب وألقـى كلمـة باللغـة السـريانية ، مسـتخدمـا اللهجـة العـادية المتـداولة في مناطـق شـقلاوة وديانـا ، وهـي لهجـة شـخصيا افتـهمتها بصـورة جيـدة ، لكـن اللافـت ، كمـا لاحظـت ، أن الكلمـة لـم تصـوّر تلفزيونيا أو تسـجل ، على رغـم أن كاميـرات التلفـزيونات سجلـت الجلسـة الختاميـة كاملـة ، لكنـها توقفـت عنـدما توجـه لإلقـاء كلمتـه ، وربمـا كـان ذلـك بطلـب منـه ومـن دون أن أعـرف شـخصيا السـبب ، كمـا أنـني لـم أستـفسـر ، لأنـني أعتـبرت الأمـر من شـؤونه الشـخصية .
وبكلمـة حـق ، أقـول : شـخصيا وجـدت كلمتـه قوميـة ( كلدانية سريانية آشورية ) بأفضـل مـا يكـون ، فقـد تطـرق فيـها ـ كمـا لاأزال أتذكـر ـ إلى ضرورة أن يلتـزم الإنسـان ( الكلداني السرياني الآشوري ) ـ ومـن دون أن يضـيف كلمـة سـورايـا التـي وردت فـي البـيان الختـامي للمؤتمـر ـ بمصلحـة أمتـه ويعتـز بكـل مـا يتـعلق بـها ويضعـها في المجـال الأول لقـناعاته ، لايضحـي بمصالحهـا سـواء من أجـل التـقـرب للآخـرين أو إكتسـاب المنصـب أو الأمـور الذاتيـة . . وأكـد على أهميـة وحـدة شـعبنا القوميـة وحصولـه على حقوقـه كاملة وترسـيخ مستـقبله في أرض آبـائه وأجـداده ، واعتـبر العمـل في هـذا المجـال هـو الوسـام الأسـمى لكـل فـرد من شـعبنا . . وشـدد على وجـوب أن يتمسـك كـل فـرد من شـعبنا بقوميـته ، وأن لايضحـي بـها ويقـوم بتـغيـيرها إلى قوميـة أخـرى من أجـل تحقيق غـايات شخصـية .
وخـارج أروقـة مؤتمـر عـنكاوا ، رأيـت بعيـني وسـمعت بـأذني انجـازات السيد سركيس أغـاجان في إعـادة اعمـار قـرى شـعبنا التي دمـرها النظـام البعثـي العنصـري وتوفيـر متطلبـات الحيـاة العصرية فيهـا مـن كنائس وقـاعات ومولـدات كهـرباء وشـوارع معبـدة ـ و بكـل تـأكيـد أن متطلبـات المصـاريف ليسـت من جيبـه وإنمـا مـن جهـات دوليـة مانحـة ، يتـردد في أوسـاط شـعبنا في الداخل ، أنـها منظمـات مسـيحية حـددت الإطـار العـام للصـرف وأوكلت الأمـر إلى السيد سركيس لمكانـته في حكومـة اقليـم كردستان وعـدم إنتمائـه إلى جهـة سـياسية لشـعبنا ، وهـذا أدونـه بنـاء على ماسـمعته شعبيـا وليس رسـميا ، وقـد سـمعـت أيضـا مـن مصـادر موثوقـة أن أحـزابـا آشـورية وكلدانيـة اتـفـقت على تـولي المهمـة بلجنـة مشـتركـة بيـنها وفاتحـت الجهـات المانحـة التـي رفضـت هـذه اللجنـة مؤكـدة اسـتمرار ثـقـتها بالسـيد سـركيس ـ وكـذلك إعـادة أراضيها الزراعية وبسـاتينها إلى أهلـها الأصليـين مـن شـعبنا واخـراج الذين استوطنـوها من خلال السـعي لدى حكومة اقـليم كردسـتان باعطائـهم التـعـويضات وحـل مشـاكلهم بـإعادتهم هـم أيضا إلى قـراهم الأصليـة . . ولكـن طبعـا أن حـل مشـاكل المسـتوطنين من غيـر شـعبنا لاتـزال في بعض القـرى مـن دون إنجـاز كامـل ، إلاّ أن الكـل يؤكـد أنـها تجـري بشـكل جيـد نحـو الحـل النـهائي .
و كمـا لاحظـت خـلال جـولاتـي فـإن ترتيـبات عـودة أبنـاء شـعبنا وحـدها لاتكفـي ، خصـوصا أن عـدد العـائلات هـو الآن أضـعاف مـا كـانت عليـه هـذه القـرى بالأصـل ، فمثـلا فيشـخابور كـان فيـها 73 عائلـة عـندما دمـرها البعـثيون عـام 1975 ، في حين أن عـدد العـائلات التي عـادت إليـها زاد عـن 200 عائلـة والعـدد في زيـادة متـواصلة ، ولأن سـكان هـذه القـرى كـانوا قبـل ترحيلـهم يعـتمدون فـي توفيـر متطلبـات حياتـهم على الزراعـة بدرجـة رئيسـية ، وأن الأراضـي هـي نفسـها فـي حيـن أن عـدد السـكان وحـاجاتهم تـزايـدت أضـعاف مـا كـانت عليـه سـابقـا ، فمـن المحـال عـلى محصـول هـذه الأراضـي بوضـعه السـابق تـلبيـة حـاجات العـدد المضـاعف مـن العـائدين إليـها مـا يتـطلب إيجـاد مجـالات عمـل أخـرى إلـى جـانب الزراعـة لضـمان إستـقرار العـائديـن فيـها ، وهـذا لـن يتـوافر إلاّ مـن خـلال إيجـاد مشـاريع انتـاجية توفـر العمـل والعيش والإستـقرار الدائـم في هـذه القـرى .
ومـن هـذه المشـاريع ، على سـبيل المـثال لا الحصـر : معـامل عصـير الطماطـة والفـواكـه والطحيـنية ( الراشـي ) وزيـت الزيتـون ، وفتـح آبـار ارتـوازيـة مجـانيـة في أراضـي مـن يرغـب بانشـاء مـزارع وحقـول دواجـن وتربيـة الخـراف والعجـول والنحـل ، وأيضـا معامـل للخيـاطة والجلـود وأحـواض تـربية الأسـماك ، ومشـاريع سـياحية خصـوصا فـي الأماكـن التـي توجـد فيـها أديـرة وكنائـس أثـرية وبقـايا تـأريخية مهمـة .
وهـذا لايعـني الطلـب مـن السـيد سـركيس بتـنفيذ كـل هـذه المشـاريع ، لأنـه محـال ، ولابـدّ مـن تعـاون مـن يمـلك إمكانـات ، سـواء مـن الموجـودين داخـل العـراق أو المغـتربين ، بتشـغيل أمـوالهم في مشـاريع انـتاجيـة فـي قـرى وبلـدات شـعبنا المختـلفة ، وقـد رأيـت بـادرة مهمـة فـي هـذا المجـال فـي ألقـوش حيـث تـم حفـر عـدد مـن الآبـار الإرتـوازيـة والبـدء بـإقـامة مشـاريع مـن خلالـها بيـنها زراعـة المئـات مـن شـتلات أشـجار الزيـتون ، وسـمعـت مـن أخـوة ينتـمون إلـى ألقـوش وتللسـقف ومناطـق العمـادية وغيـرها الذيـن حضـروا مؤتمـر عـنكاوا أنـهم بصـدد إقـامة مشـاريع فـي مناطقـهم ، وآمـل أن يفـوا بمـا أكـدوا لـي أنـهم سـيقومـون بـه .
الحقيـقة ، أنـه لاحظـت أعمـالا إنشـائية تخـص مبـاني لجهـات دينـية في ألقـوش وبلـدات وقـرى أخـرى في سـهل نيـنوى ولـم أتـناولـها ، لأنـني لـم أسـتطع معـرفة الجهـة التـي تـنـفـذها ، وقـد أتطـرق إليـها مستـقبلا ، إذا وجـدت أهميـة لذلـك .