يوم تطوي الارض احزاننا.
المكتوب على الجبين تشوفة العين....مثل شعبي شائع.هل حقا ان الله شاء لنا ان نجعل من جباهنا صفحة فارغة ليكتب عليها الاخرون ما يجب ان نلقاه لانهم يمتلكون ادواة الكتابة المتمثلة بالقدرة على فرض مشيئتهم علينا؟ام هي مقولة لا تعبر سوى عن تعسف الظرف الذي نمر به والذي لا طاقة لنا على رده؟ لابد انه سؤال يوقع جميع الاطراف التي تتطوع للاجابة عليه في حيص بيص كما تقول الحكمة القديمة؟
بالامس القريب غادرنا الحبر الجليل مار بولس فرج رحو دون ان يتسنى لنا السلام عليه رغم ان رحلته كانت الى مشوار الابدية،وقبله كان قد غادرنا وايضا الى نفس المشوار الاب بولس اسكندر والاب رغيد كني،واليوم غادرنا الاب يوسف عادل عبودي.
يقول المجتهدون جميعا واستنادا الى عقائدهم :ان الموت حق.ورغم تجاوزي منتصف العقد السادس من عمري وولعي الشديد بالقراءة،لم يقع تحت نظري يوما قولا منسوب الى هؤلاء السادة يقول:الحياة حق.في حين إننا جمبعا نتفق على ان الموت والحياة وجهان لعملة واحدة يتعامل بها الله او الطبيعة مع الكائن البشري،فإذا كان الله قد جعل الموت حق وعلى الانسان التفكر به ليل نهار،ترى هل نسى الله ان ينص في شرائعه عبارة: الحياة حق.؟
تتفق جميع الاديان السماوية والوضعية على ان الموت دخل العالم عن طريق ارتكاب الانسان الاول(سمته الاديان السماوية آدم) خطيئة استغلاله لحريته التي منحها له الله بشكل سيّ،لان كسر الناموس او الشريعة عند الكائن العاقل هو توظيف الارادة الحرة لما يتناقض وتلك الشريعة او ذاك الناموس كما يقول منطق ترادف الحياة،لانه يفترض ان تكون الشريعة والناموس لخدمة الجميع وليس حصرا على فئة دون فئة،كما تتفق هذه الاديان على ان اول جريمة قتل وقعت في تاريخ الكائن البشري كانت قتل احد اولاد آدم لشقيقه(اختلفت الاراء حول دوافع تلك الجريمة،ولأني لا اريد الخوض في ذلك لضيق المقام،لذلك اقترح على كل من يهمه الامر مراجعة ذلك في ادبيات الاديان وكتبها المقدسة) وهذا يعني ان ظاهرة القتل هي قديمة قدم الكائن البشري وليس حدثا صنعته الحضارة.
يتفق الجميع على ان الموسوية والمسيحية والاسلام اديان سماوية تتفق مفاهيمها جميعا على ما يخص ماهية الله وبقية القواعد الايمانية المتعلقة بتحقيق هذه الماهية،كما تتفق جميع الاراء والدراسات على ان الموسوية هي ديانة محصورة بنسل محدد اي ليست ديانة تبشيرية،الا ان التاريخ المدون في كتب اتباع هذه الديانة المقدسة تزخر بروايات الدم،ومهما قيل عن تبرير سفك ذاك الدم لا يخرج تلك الروايات من العنف الذي توشحت به،اما الكتب المقدسة المسيحية فأنها ترفض رفضا قاطعا إسالة قطرة واحدة من الدم سواء بالحق او الباطل،لان المسيحية قدمت المحبة كبديل للسيف في تحقيق أهدافها التي تبتعد عن الارض ابتعادا يقطع صلة الوصل بين السماء والارض وفق منطق المحبة التي طرحته كبديل للسيف ،أما الاسلام فأن الامر عنده تميز بمروره بمرحلتين(انا اكتب بحيادية مطلقة ولا اسمح لاي كان ان يتهمني بالانحياز الى هذا الجانب او ذاك،واذا ورد في موضوعتي ما يخدش عواطف البعض فأني غير ملزم ان اقدم لهم ولو اعتذارا بسيطا لان ذلك يفرض عليَ ان اتجنى على الحقيقة كما يجب ان تكون بحسب قناعتي الضميرية،كما إني على كامل الاستعداد للدفاع عما سوف اورده ولكن شريطة ان لا يخرج عن منطق الحق والعلم والحكمة الانسانية،لاني ارفض رفضا قاطعا تعليق مبررات على شماعة ليس هناك من يشهد على وجودها سواء كان الشاهد دليلا ماديا او عقليا)كما تقول كتب الاسلام الدينية وادبياته المعول عليها عند الجميع اي القرآن وكتب السيرة والمغازي والتفسير واسباب النزول،اي مرحلة الاسلام في مكة التي امتدت الى قرابة ثلاثة عشرة سنة واقل منها قليلا مرحلة الاسلام في المدينة،خلال تينك المرحلتين إختلفت وسائل نشر الدين الجديد،فمن الدعوة بالاقناع في مكة تطور الامر الى فرض الدين الجديد وفق شروط لا تخرج جميعها عن مفهوم منطق القوة،الاسلام – الجزية – القتال، وخاصة بعد ان اشتد ساعد انصار الدين الجديد،والغريب في الامر هو ان الاسلام ساوى بين اصحاب الديانات المخالفة له ببعض الاحكام والمتفق معها على ماهية الله كما اوردت سابقا واصحاب الديانات الوضعية كالمجوسية مثلا،والاغرب هو عدم تطرق الاسلام الى اصحاب ديانات وثنية اخرى كانت بعيدة بعض الشيّ عن الواقع الجغرافي الذي انتشر عليه كالبوذية وغيرها،ألعل الله كان يجهل اديان اولئك القوم،ام ان طموحات اصحاب الدين الجديد كانت محصورة في الحدود الجغرافية التي يعرفونها حق المعرفة؟
لست هنا بصدد المفاضلة بين هذا الدين او ذاك،انما بصدد مناقشة اهل الدين وخاصة من المسلمين المتشددين الذين لسوء سبيل اعلانهم عن معتقداتهم صارت تلصق بهم كل صنوف الاوصاف الدالة على عدم عدالة القضية التي ينادون بها.
مما شك فيه ان كل صاحب عقيدة يعتقد ان عقيدته هي الطاهرة المطهرة من كل شبه العيب،وخاصة اصحاب العقائد الدينية،لا بل اننا نجد انه في داخل الدين الواحد تعم هذه النظرة الضيقة الافق كما ارى انا شخصيا،وجميع هذه المجموعات تعتقد اعتقادا راسخا ان الله شخصيا تكفل بصيانة عقائدها،ولو سألنا المسلم على سبيل المثال عن كتب اليهود والمسيحيين المقدسة لأجاب:إنها كتب منزلة من الله ولكن احبار القوم تلاعبوا بها.ولو سألناه نفس السؤال حول مصداقية القرآن لأجاب بأنفعال:ان الله أنزل الذكر وهو له حافظ.وحين نقول له ان كتب القوم هي ايضا ذكر الله وكان عليه واجب الحفاظ عليها،لوجدنا أن إجابته لا تخرج عن تعميمات لا قيمة عقلية لها،وهذا يعني عجزه عن الاتيان بدليل مقنع على دعوته التي ما انفك يرددها لاربعة عشرة قرنا دون ان تأتي بجواب.
يعتقد الكثيرون وانا منهم ان الاستعمار والقوى المهيمنة على الاقتصاد العالمي هي التي شرعت بتوظيف الاسلام السياسي خدمة لمشاريعها بعد سقوط الانظمة الحاكمة في دول المنظومة الشيوعية،لانه بسقوط تلك الانظمة سقط الشبح التي كانت تخيف به هذه القوى شعوبها وبقية الشعوب المقهورة،ولأن ديمومة وجود شبح الخوف من خطر رابض بالباب يخدم مشاريع هذه القوى ضروري جدا،اذن ووفق ابسط مفاهيم الصراع كان لابد من بديل للخطر الشيوعي،ولان التيارات الاسلامية المتشددة المطروحة اليوم والتي كانت هذه القوى قد قامت بتهيأتها منذ منتصف ثمانينات القرن المنصرم تقريبا،اذن البديل كان جاهز وما كان عليهم سوى الايعاز بأنطلاقه ليمارس اللعبة التي وجد من اجل ان يلعبها،والا قولوا لي بربكم ما علاقة الرسام الدنماركي الذي رسم الرسوم الكارتونية التي يعتقد جل المسلمون جهلا بالاساءة الى نبيهم ومواطن عراقي او سوري او اي بشر آخر تعرض الى غضب المسلمين غير المبرر؟وحين اقول جهلا وغير مبرر اعني بالضبط ما اقول،لاني اعتقد إعتقادا راسخا ان النبي الذي تهز اتباعه مثل هكذا تفاهة، اما ان لفظة نبي كبيرة جدا عليه او ان اتباعه لا يؤمنون به كما يليق الايمان بالانبياء،ان محمدا غير وجه التاريخ والى الابد، فكيف تقدر مثل هكذا رسومات ان تنال من الهالة التي تحيط بتاريخه يا ترى؟ ونفس الشيّ يقال عن محاضرة بابا الفاتيكان،فرغم ان البابا لم يأت بشيّ لا نعرفه او إنه يخالف الحقيقة التي يحاول المسلم المتشدد ان يسترها بلوح زجاجي شفاف جدا الا ان القيامة قامت،حتى احس البعض بأن يوم الحشر ينتظره بالباب،وكانت آخر المهازل التي يريدوننا ان نلتهي بها هي:تعميذ بابا الفاتيكان للصحفي المصري مجدي علام،وحاولوا بأصرار ان يصوروا ان مشهد التعميذ هو اساءة فاضحة لمشاعر المسلمين،اما ما يضحك في الاحدوثة فهو تطوع الكثير من المحسوبين على الكتاب العلمانيين بالتحذير من عواقب هذا الحدث الشخصي البحت ووصفهم لفعلة البابا بالفعلة غير المنسجمة ومشاعر المسلمين،ولو قلبنا الامر من جميع جوانبه بحيادية نظيفة سنجد ان المسلمين والمسيحيين لا تعنيهم هذه المسألة من بعيد او قريب،لان مجدي علام لا يمثل سوى نفسه،وتحوط البعض من انعكاس هذا الفعل على الواقع اليومي للمسيحيين العراقيين خاصة ليس له ما يبرره انما هو نوع من العزف على نفس الاوتار التي تعزف عليها قوى الشر، دون يدرك هذا البعض إن صلة الوصل بين هؤلاء اكبر من ذلك وقديما قيل:ما زاد حنون في الاسلام خردلة وليس للمسيحيين شغل بحنون.
لا أظن إن هناك من تدل كل وقائع علم التاريخ على اصالة عراقيته سوى المسيحيون والصابئة الكلدانيون(انا استخدم لفظة كلدانيون للدلالة على اسلوب العبادة وليس للدلالة على السمة القومية،لان قوما بهذا الاسم لم يوجدوا يوما، وما روج له قبل عدة قرون وما يروج له اليوم ليس سوى بدعة اخترعها يوما ما من اراد منها إهانة كنيسة مشرق الاشورية التي اختلف معها بألاخذ بهذه العقيدة دون تلك ليس الا)فالمسيحية عمت العراق منذ القرن الاول كما تقول الشواهد والاخبار،ورغم كثرة الاضطهادات التي تعرضت اليها الكنيسة من ايام الفرس وحتى هذا اليوم ما زالت قائمة تتحدى ويلات الزمن ،الا اننا وبعد ان بشرونا بالديمقراطية وجدنا ان دماء المسيحيين صارت تهدر دون ان يرف جفن أي مسؤول ديني،وكل رد فعلهم انحصر في دعوات شجب او انكار او إصدار بيانات مقتضبة لا تسمن ولا تغني عن إصدار دعاوى حقيقية تنهي عن الاتيان بمثل هذه الافعال الشنيعة المناقضة لما يدعونه،فالكل يصر على ان الاسلام هو دين محبة وسماحة ورحمة والى آخره من هذه الالفاظ الربانية،ولو كان فعلا هذا هو الاسلام كما يدعون،فما الذي يمنعهم يا ترى من اصدار فتاوى تحرم قتل المسيحيين دون ان يرتكبوا سوى جريمة ايمانهم بالله وكلمته وروحه؟،وحين اقول هذا لا يعني اني استبيح قتل الاخرين،انما اقوله لان المسيحيين ليسوا طرفا حقيقيا في الصراع الدائر في العراق بأي شكل من الاشكال،اما اذا كان ما يجري للمسيحيين مخطط له خارج أقبية محترفي الجريمة الدينية المنتظمة،وهذا ما اميل الى تصديقه فأنه سوف يكون للمسألة وجه آخر اناقشه في قادم الايام رغم اني طرحته في مقالات عديدة سابقة.
ياقو بلو
yakoballo@yahoo.co.uk