يوميات عراقي في سوريا
من المعروف ان الأوضاع العامة في العراق قد دفعت الكثير من ابناءه الى مغادرته خوفا على حياتهم التي اصبحت اثمانها دونا عن اثمان الخيار والطماطة في سوق منطقتنا بل اصبح البعض ممن يتفنون في ازهاقها لا يكلفون انفسهم لشراء اطلاقات رصاص لذلك فأخذوا يستخدمون ادواتا لا تكلف شيئا سوى بعض المجهود العضلي وينتهي الأمر بسفك دم عراقي لا يجد له اي عرض او طلب في اسواق الدم العالمية ناهيك عن حوادث التفجير والتفخيخ والأشتباكات المسلحة التي لا تكاد تمر ساعة الا وتسمع بواحدة منها … لن اخوض في هذه التفاصيل لأنها اصبحت مملة جدا ولن يؤدي الخوض فيها الى اية حلول لأنها اصبحت معضلة تشكل في مجملها واقعا يوميا يعيشه العراقيون بكل مآسيه واحزانه بحيث ان الأغلب الأعم من العراقيين يعتقدون ان الحل الوحيد لوضع العراق يكمن في معجزة من الخالق الباري يُنزلها على هذا البلد الجريح ليخلصه من آلامه واحزانه ولو كان بصورة تسونامي عظيم جبار يكون بمثابة رصاصة رحمة يتلقيها لينام بعد ذلك نوما ابديا دافئا لا يعكره صوت رصاص او مفخخة او عبوة …على العموم انا احد الذين قرروا ترك البلد والهجرة الى احد البلدان القريبة منه لحينما تستقر احوال البلد ولو نسبيا فكان اختياري منصبا على سوريا نظرا لقربها وقرب اجواءها العامة من العراق وكذلك لقلة تكاليف المعيشة فيها مقارنة مع دول الجوار العراقي الأخرى وعليه توجهت اليها بصحبة زوجتي حاملا معي بضعة مئات من الدولارات تؤمن لي بضعة اشهر اقضيها هناك على وفق ميزانية خاصة اعددتها بنفسي مستندا الى شهادات اناس كانوا قد اقاموا في دمشق لفترات متفاوتة كما استندت الى مشورات معارف لدي في سوريا لم يبخلوا علي بإجابات على اسئلتي طالما كانت فواتير الأتصال الدولي على حسابي …ولن اخوض ايضا في تفاصيل اصدار الجوازات او الأجراءات الرسمية الأخرى لأنه سأخرج بذلك تماما عن صلب موضوعي الرئيس ولكن بعد جذب من ضابط الجوازات وشد من موظفي الدائرة الآخرين اتممت تلك العملية وخرجت منها منتصرا مزهوا سابقا المئات بل الآلاف من المراجعين لدائرة الجوازات ليس لحنكتي او لدرايتي او لوساطاتي فيها ولكن ( بصاية ) المئين دولار التي دفعتها عن كل جواز للضابط …وحانت لحظة الفراق قبل ايام وانا عين لي على بلدي يصحبها كل من عقلي وقلبي وفكري وعواطفي وحنيني والأخرى كانت بأتجاه الحدود وكانتا كلتاهما دامعتان لفراق وطن احببناه بصورة اقرب الى الخرافة او الخيال على الرغم من كل ما مررنا به فيه ، وبمساعدة حبتين من (الألرمين) المضاد لحساسية استغرقت في نوم طويل نسبيا لم يوقظني منه صراخ منتسبي منفذ الوليد الحدود الا بعد ان زادوه وضاعفوه واشترك معهم السائق وزوجتي وراكبي السيارة الآخرين وفيما كنت منتظرا عناقا اخويا من الأخوة السوريين في الحدود ليرحبوا بي في بلدي الثاني نسبة الى لافتة كانت تحمل عبارة تتضمن ذلك على بناية المنفذ قال لي احد الجنود هناك: شو بَك يا زَلَمة ؟شو ما بَدّكْ تِتفتّشْ ؟ فأعتذرت بكل هدوء منه واعطيته جوازاتي واذا به يدخل الى البناية ولا يخرج منها الا بعد ساعتين وهو يشير الي لأثنين من المدنيين الذين علمت من السائق فيما فيما بعد انهما من الأستخبارات السورية العامة …لا مشكلة …قلت ذلك لنفسي وانا اذهب معهم الى احدى اركان البناية ودار فيما بيننا الحوار التالي :- شو اسمك ؟؟؟ ( مع تنغيم الكلام واطالة نهايات الجملة على الطريقة السورية)
- فلان فلان فلان الفلاني .
- اسم امك شو ؟؟؟
- فلانة فلان الفلاني .
- ليش بدّكْ تْروح عالشااام ؟؟؟
- آني متزوج جديد وناوي اسوّي شهر العسل بسوريا .
- وإشمِِعنه بالشام بدك تساوي شهر عسلكْ ؟؟؟
- يعني عجبني اسويه اهنا ...شنو اكو مشكلة ؟؟؟
- لا يا خيو ما في مُشكِلْ ..وين بتنزِلْ بالشام ؟؟؟
- ولله ما مقرر وين اوصل وبعدين اقرر .
- لا يا خيو ما بيصير لازم تئولِلْنا وين بتنزِلْ مشان نعرف انته وين ...
- يعني هُمّه كُلّ المسافرين اللي يجون يكولولكُم وين راح ينزلون ؟؟؟ ...
واذا به ينظر اليّ نظرة تذكرت من خلالها نظرة منتسبي الأجهزة الأمنية في العراق سابقا وحاليا فقلت له بكل لطف سأنزل في الشيراتون وخفت حينها ان يسألني عن الحجوزات او ما شابه ذلك الا انه لم يفعل ذلك وقال لي ان ذلك هو اجراء روتيني عادي ولا يدعو الى التخوف او الخوف واهلا وسهلا بك في سوريا ...فأعطاني جوازي واستقليت السيارة الجي إم سي مرة اخرى وانطلق بنا جميعا الى دمشق وانا غارق في تفكير طويل صاحبه خوف من المجهول الذي ينتظرني هنا حيث لا يوجد اصدقاء او احباب او معارف وفجأة واذا بشحنة من الأدرينالين تخترق جسدي سببت لي اختلالا بالتوازن الداخلي افقدتني معها كل مقدرة على التفكير او الأستيعاب او حتى التخيل فعدت مرة اخرى الى النوم الذي وجدته افضل طريقة اهرب فيها من الوضع الجديد الذي احتواني بكاملي وخصوصا بعدما رأيت شيء من الحزن الممزوج بالخوف على وجه زوجتي الحبيبة التي لم يكن لديها شيء تقدمني اياه سوى ابتسامة جميلة طالما كنت قد عهدتها في اوقات الضيق والكرب فخلدت الى النوم مجددا ليكمل السائق طريقه نحو دمشق ... ومزيد من تفاصيل ذلك ستأتيكم غدا في كتابة اخرى .
عن موقع كتابات