Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

يوميات مدن لا تعرف الحروب الأهلية

ربما علينا أرفاق صفة صغيرة بأسماء المدن التي نحن بصددها الآن فهي ليست كبيرة بنفس درجة الانطباع التي تعطيها كلمة مدينة المرافقة لها وفي ذات الوقت هي اكبر من أن نطلق عليها قرية أو قصبة والمدن التي نحن بصددها ألان هي مدن سهل نينوى الكبير والتي نعرف جميعنا بأنها لا تعيش في ظل صراعات وانقسامات طائفية حادة يطلق عليها البعض اصطلاح الحروب الأهلية ولكن بالرغم من ذلك فهي تشهد حالة إنسانية صعبة جدا ويعاني أبنائها من نقص كبير في الخدمات التي من المفترض تقديمها لهم والقلق يشاركهم الليل والنهار حول مصير مدنهم ومستقبلها في ظل انبعاث الدخان بكثافة من فوهة البركان العراقي .
هذه المدن أكثرها متشابهة فهي تقع في منطقة عازلة تقريبا بين كثافتين قوميتين فالأكراد إلى الشمال والعرب في الجنوب وأكثرها تتسم بتركيبة ديموغرافية مختلطة ومتجانسة في أن الوقت فهي أما مسيحية على الإطلاق مثل تللسقف والقوش أو بأغلبية ساحقة من سكانها مثل برطلة وبغديدة أو مناصفة مع الأديان والقوميات الأخرى لكن مع احتفاظها بشهرة تاريخية كبلدة كلدو اشورية سريانية مثل تلكيف . وهذه التركيبة المتآخية تدفع أبناء هذه المدن إلى التساؤل دائما حول ما يؤول إليه مصيرها لا سامح الله لو وقع صدام بين القوميات المحيطة بها فضلا عن ضبابية العناوين التي تلعب بقوة في ساحة هذه المدن فالكثير من القوانين والتشريعات المنظمة للحالة الاقتصادية متوقفة فيها وقد تجد في كل مدينة دائرتان أو مديريتان متخصصتان في نفس العمل كل واحدة منهما تتبع محافظة مختلفة وبالتأكيد هذه الحالة غير طبيعية سياسيا .
أما فيما يتعلق بالخدمات الأساسية فالماء شهد هذا العام شحه غير مسبوقة دفعت الأهالي إلى التنقيب والبحث عنه فلا تستغرب كثرة الحفريات في الشوارع أذا زرت هذه المدن لان مضخات الماء تربط على الأنبوب الرئيسي نفسه بسبب قلة الماء وعدم وصوله إلى الاشتراك المنزلي . فضلا عن نقص حاد تعاني منه هذه المدن حالها في ذلك حال اغلب مناطق العراق رغم وجود موازنة تاريخية كان من نتائجها الأولى أقسى المواسم الشتوية على المواطن ودخله بسبب ارتفاع أسعار النفط الأبيض التي تجاوزت في مواسم البرد القارص 200 دولار للبرميل الواحد هذا عن الشتاء الذي ودعناه ونحن مستشعرين رفع المبلغ المستحصل عن الوقود المقدم من قبل الدولة إلى أضعاف الأسعار القديمة وهذا يرفع من الجدوى الاقتصادية لتلك النشاطات ولكن بالرغم من ذلك لا تزال الخدمات الحكومية والسلع المدعومة مكانك راوح دون أن يتغير شيء ومن يدري ربما الحكومة ستقدم مفاجأة لنا في الصيف القادم وتغير المتعارف عليه منذ عقود أتحدت فيها الحرارة مع انقطاع التيار الكهربائي وشحه الماء وكثرة التيارات الهوائية التي تحمل الأتربة والغبار بسبب خلو المنطقة من حزام اخضر يلتف حول مدنها ومحصلة كل ذلك هو سيطرة أجواء الصحراء القاسية على مدار العام تقريبا.
وفيما يخص علاقة هذه المدن بالعنف الدائر في مدن العراق الكبرى فالكثير من أبنائها لديهم أقارب وامتدادات اجتماعية في المدن الساخنة وأغلب هؤلاء اضطر إلى الرحيل وتوجه إلى حيث الأمن المتوفر في سهل نينوى وساهم بذلك في خلق أزمات جديدة وضغطا إضافيا على ما هو متوفر ومتاح أصلا في هذه المدن من خدمات وسكن وفرص عمل وأولى العثرات التي تهبط من عزيمة القادمين الجدد تتمثل في ضيق الفرص الاقتصادية التي تمكنهم من الاستقرار في المنطقة فضلا عن ارتفاع بدلات الإيجارات إلى مستويات مبالغ فيها كثيرا يصبح القادمون والمقيمون بموجبها ضحية سهلة أمام جشع واستغلال البعض لما يعتبرونه اليوم فرصة العمر مضافا إلى كل ذلك الأزمات المتتالية في الطاقة الكهربائية والمحروقات التي أثرت حتى على منظومة الاتصالات الهاتفية أيضا لتشرح هذه الصعوبات والمشاكل كلها لمن يتساءل عن وضع أبناء هذه المدن بأنهم صحيح لا يعيشون في دوامة الحروب الأهلية ولكن الأخيرة ألقت بآثارها السلبية في حياة المدن موضوع البحث وأفرزت العديد من الظواهر الهجينة وليدة اليوم العنيف في مدن تبعد عشرات أو مئات الكيلومترات عن بنات نينوى العتيدة .

عصام سليمان – تلكيف Opinions