Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

أبناء غاندي .... سيتكلمون بالعربية وبالعراقية أيضا

دائما يسمعون من صمتهم ويفهمون من غموضهم ويشدون الآخرين أليهم بتنازلاتهم ومقاومتهم الهادئة لكل القيم السائدة . وغالبا ما ينجحون ويصعدون إلى الطوابق العليا من الذاكرة الإنسانية بابتكارهم لوسائل جديدة ومتجددة في الإجابة على الأسئلة والتحديات التي تجابه مجتمعاتهم وشعوبهم لأنهم ببساطة لا يملكون أنفسهم ولا تعبر كلماتهم عن مصالحهم الشخصية بل يشترون بها وبإصرارهم الخلود والإنسانية الفاضلة القادرة على فتح أبواب الكرامة أمام من يسعى في ذلك النهج ليستحق بأن يضاف إلى قائمة أبناء غاندي . أبناء الألم المقترن بألاصرار والصبر القادر على تجاوز كل الحدود ومجابهة كل الصعوبات وطرد كل المحتلين والانتصار على أعتى الأعداء وسحقهم ولكن دون عنف أو دم دون قتل أو ذبح دون سرقة أو تهجير دون مكائد تنصب على الأرض لتقتل كل حي فيها بل بمكائد ومناورات عظيمة ورائعة تلتف حول الخصم وتكشف نواياه وتفضح خطوطه ليصبح عاريا تماما أمامهم لأنهم استوعبوه في مخيلتهم ومداركهم وأوقعوه في شرك أعماله وانقضوا عليه بقوة النسر الجارح ليسقطوه أرضا ويوسعوه ضربا وليمتلأ خجلا وخيبة دون أن يلمسوه أو يعكروا صفو وسائلهم التي لا يجدي معها عنف ولا تردعها الرذيلة .
هذا ملخص بسيط عن كل من يسعى إلى هدف سام بوسائل تكلم عنها الكثير من الأنبياء والمعلمين الدينيين وطبقها أيضا الكثير من الزعماء السياسيين والقادة الشعبيين وأبرزهم الزعيم الراحل (( غاندي )) ذلك الزعيم الذي ظلمته الكثير من مناهجنا التاريخية وركزت فقط على الثورات الدموية والحروب الطاحنة التي شهدتها المنطقة والعالم ونادرا ما أتت على ذكره لأنه لم يقتل عدوه بوحشية ولم ينشأ تحالفات ومحاور في حربه مع الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس ولم يسعى إلى تحرير الهند بقتل مواطن من بلده تحت إدعاء الخيانة أو على أساس التعامل بالمثل . وهذه ليست سوى دعوة إلى كل المتخصصين في هذا المجال إلى مراجعة المناهج الدراسية وإدراج التاريخ الإنساني الهادئ وأبطال اللاعنف العالميين في خططهم التربوية للأجيال القادمة لأن تاريخ العالم ليس فقط هيروشيما وكارثتها النووية أو سقوط بغداد بشكل دموي على يد المغول بل هو إجبار بريطانيا على الخروج من الهند والنهوض باليابان من الهاوية إلى القمة والوسائل هي غنية عن التعريف وأهم من أن تشرح بسطور .
ويا تراها التجارب المذكورة سابقا كم ستكون مفيدة لو اقتدينا بها في العراق سواء تلك المتعلقة بالمقاومة أو الأعمار . لكم تشوقنا للانقياد كالعميان وراء كل من يدعونا إلى بناء الإنسان من جديد وفق مقاييس البشرية الراقية حتى لو تطلب الأمر عقودا من الصبر والمثابرة . لكل من يجمعنا تحت محبة الوطن بمكوناته ومسمياته ومصلحته وسياسته وتوجهاته التي يجب أن تنطلق بعيدا عن الأصوات المرتفعة اليوم بأسلوب خاص يتناسب مع ألم العراق وأنينه . لطالما افتقدنا لزعماء ناضجين يتفهمون متطلبات هذه المرحلة الصعبة لا ينقصهم الإلمام بالخيارات المتاحة ولا يجدون صعوبة في الاستفادة من تجارب الأمم الأخرى . قادة يجمعون الصفوف ويحشدون طاقاتها في سبيل هدف معين هدف يجمع العراقيين ولا يفرقهم هدف سهل يمكن لأي طفل صغير أن يعبر عنه بكل سهولة ولا يحتاج إلى عالم دين هنا أو مجتهد في الرأي هناك لا يتطلب مليون متكلم ولا مائة حزب سياسي . هدف لن نحققه بغلق شوارعنا أمام توجهاتنا أو بعزل مدننا عن الحياة وكأننا نحن الإرهاب وفينا أيضا من يقاوم ذلك الإرهاب . لن نستمر وفق هذه المعادلات لأنها غير سوية ولن يكون في القواميس أي ذكر لنا أو لبلدنا إذا كنا كما نحن الآن . لماذا لا يخرج في ساحتنا اليوم دعاة يتبعون مدرسة غاندي فهي تسهم نوعا ما في معالجة مشاكلنا لأن أكثر المطروح فيها من أفكار يساعد على رص الصفوف الداخلية وتقوية أواصر المواطنة بين أبناء الوطن الواحد وهذا ما نفتقده كثيرا لكي نصبح أقوياء في جبهاتنا الخارجية خصوصا بعد أن أصبح بلدنا نقطة شد وجذب بين هذا وذاك . لم يسعى غاندي إلى طرد المحتل بفصل كلكتا عن كراجي ولا بعزل بومباي عن محيطها كما يفعل مقاولوا المقاومة الجدد اليوم في الموصل وبغداد في استنباطهم لأساليب يدعون بأنها لمقاومة الاحتلال والأخير لا يجوع ولا يتألم بها لأنها مستنبطة على أسس ومصالح متشابكة يمكن أن تدرج تحت عنوان ما تمليه هذه الجارة أو لإسقاط هذه الحكومة وليس في مرتبة الأهداف الوطنية السامية كتلك التي ينادي بها أبنا ء غاندي في كل مكان .
نحتاج اليوم في العراق إلى وسائل غير عنيفة لكي نتبادل وجهات النظر ولنلغي التعاملات الخشنة بيننا كأبناء وطن واحد نشترك في الكثير قبل أن نتصور بأننا مختلفون على القليل وهذه الأساليب والوسائل السلمية كثيرة ولكنها بعيدة عن متناول البسطاء بسبب عقود من الحروب الطويلة وعلى خلفيات تاريخية لم تأتي على ذكر السلام ألا في ما ندر وقل وربما تحتاج لتعمم كثقافة متداولة أن تتلى على كل المسامع وتقرا على كل المنابر لكي نحصل على أجيال لا تقتل عندما تغضب ولا تذبح أو تجز الرؤوس عندما تختلف وأيا كانت وسائل ارتباطنا فالمهم أن نستمر معا أمام كل التيارات سواء كنا طائفيين بحقوق منتقصة أو أنانيين لا نشبع ولا نقنع المهم أن نكون عراقيين وفق أعلى مقاييس العراقية التي لم نضعها لحد الآن حتى لو سعينا في ذلك إلى تعلم الهندية التي تكلم بها غاندي وتدربنا على روح المثابرة التي يتمتع بها اليابانيون لكي نبدأ في بناء عراق متعطش لكل صنوف البناء ولإنجاب المزيد من الأبناء الناطقين بلغات السلام جميعها مضافا أليها العربية والعراقية بلغاتها ولهجات تلك اللغات المتعددة .



عصام سليمان – تلكيف .

Opinions