Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

المسيحية تصلب في الشرق الأوسط

ان تبقى وتعيش (مسيحياً)، في الشرق (العربي الإسلامي)، القابع تحت نير الاستبداد (السياسي والديني) و الملوث بشتى اشكال الإرهاب والبؤس والتخلف، عليك ان تحمل صليبك على كتفك وتسير وسط جحور الأفاعي وحقول الألغام،التي يقوم الإرهابيون المتأسلمون بتفجيرها في طريقك. هذه القنابل زرعتها (أنظمة الحكم) عبر نهجها الطائفي الفاشي في الحكم وسياسة التمييز الشوفيني والعنصري التي تتبعها مع شعوبها. هذه الأنظمة الدكتاتورية المستبدة (الاوليجاركية- حكم القلة الفاسدة)،حاصرت، منذ الأيام الأولى لاغتصابها السلطة، الفئات المستنيرة التي تدعوا إلى ثقافة التسامح واحترام الآخر المختلف وتحقيق مقولة:(( الدين لله والوطن للجميع)) بفصل الدين عن الدولة. وتمكنت (أنظمة الاستبداد)بواسطة أجهزتها القمعية التسلطية وعبر خطابها وإعلامها الديماغوجي الكاذب وأباطيلها (أساطيرها) السياسية التي حولتها عبر تاريخها الطويل في الحكم والتسلط، الى (تابوهات) من غير المسموح على أحد الاقتراب منها او مناقشتها، وأقفلت أمام هذه الفئات المستنيرة كل المنابر والساحات لتعبر عن رأيها وتقول كلمتها، بالمقابل شرعت المدارس الدينية وشجعت التيارات الظلامية التي تنشر التعصب والفكر التكفيري وتحلل قتل الإنسان على الهوية باسم (الجهاد المقدس) وأدخلت، بخطابها الطائفي الديماغوجي الفاشي، مجتمعاتها في صراعات وحروب أهلية مباركة ومقدسة عند أولياء الله على الأرض. فالنهج الطائفي القائم على رؤية عنصرية لا يشكل خطرا على الآخر المسيحي فقط،وإنما خطره الماحق هو على الجميع وعلى الوطن ذاته، فمعه تتلاشى (الكرامة الوطنية) ويتصدع المجتمع وهذا أخطر ما في الأمر على الوحدة الوطنية. في هذا الزمن العربي الإسلامي الشرق أوسطي، الذي هو بكل تأكيد وبكل المقاييس خارج الزمن والتاريخ العالمي الطبيعي، ليس غريباً ولم نتفاجأ أبداً من السكوت المخجل والصمت المخزي الذي ساد ويسود الشارع العربي والإسلامي، الرسمي والشعبي، على ما يجري في العراق منذ أكثر من سنتين من قتل وذبح على الهوية الدينية والعرقية والمذهبية وعلى تكرار الهجمات البربرية التي تتعرض لها (الكنائس) ويقتل مسيحيون أبرياء في العراق ومصر من غير سبب أو مبرر سوى لكونهم مسيحيين، على ايدي مجموعات اسلامية مشبعة بثقافة التعصب والإرهاب والقتل وهي تردد شعارات مناهضة للمسيحية والأديان الأخرى ونعتهم بالكفرة والزندقة وعملاء الأمريكان والصهيونية، وكأن مسيحيي العراق والشرق عامة هم الذين أتوا بالأمريكان للعراق وأفغانستان، أو أنهم جاءوا بـ (العلم الإسرائيلي) الذي يرفرف في سماء القاهرة.

ولهذا أيضاً،ليس مستغرباً قط أن ينشرح ويبتهج هذا الشارع على فتاوي تصدر من بعض رجال الدين المتأسلمين (تجار الدين) تدعو لطرد (المسيحيين) من الشوارع والمدارس والمؤسسات العراقية ومن كل ديار المسلمين، لان صحيفة (دنماركية)أساءت لنبي الإسلام(محمد)، وكأن هذه الصحيفة تتحدث باسم مسيحيي الشرق الأوسط أو مسيحيي العالم ، أو أن كتابها ومحرريها يعنيهم أمر المسيح والمسيحيين.

ألا يدرك أصحاب هذه الفتاوى الجهادية، أن سكوت الغرب وصمته الفاضح على المذابح التي ينفذونها بحق المسيحيين الشرقيين لمجرد الرابطة الدينية التي تجمعهم مع الغرب، خير دليل على أنه هذا الغرب لا يعنيه أمر المسيحيين بشيء وهو غير مهتم بهم وبمصيرهم. وأن في الغرب الأوربي والأمريكي يكاد لا يمر يوماً من غير أن يسخروا من (المسيح ) إما عبر صحيفة أو فلم سينمائي أو مسرحية أو ما شابه ذلك. وفي هذا السياق نشير الى واقعة حصلت في (دولة السويد) قبل سنوات، عندما تظاهر مسيحيون شرقييون مهاجرون احتجاجاً على عرض فلم يسيء للسيد المسيح فهجم المتظاهرون من قبل جمهور سويدي رفع يافطة كتب عليها ((خذوا مسيحكم وارحلوا عن بلدنا)). هكذا تتعاطى غالبية الشعوب الأوربية مع الرموز الدينية، في حين الإساءة اليها في احدى دول (الشرق الأوسط)، ربما تسبب حروب وويلات وتسيل الدماء في الشوارع. قد تكون مبررة موجة الغضب الرسمية والشعبية التي سادت بعض الدول العربية والإسلامية احتجاجاً على الرسم الكاريكاتوري في صحيفة ( جيلاندز بوستن) الدانمركية الذي حمل اساءة لنبي الإسلام(محمد). لكن قطعاً لا يمكن أن تبرر الأعمال الهمجية والسلوك البربري الذي قامت به مجموعات اسلامية ضد المسيحيين وكنائسهم في العراق، لأن لا ذنب لمسيحيي العراق بما نشرته الصحيفة الدنيماركية ولا مصلحة لها فيها.قد يقول البعض: ما دمر من جوامع وقتل من مسلمين يفوق بكثير ما قتل من المسيحيين وما أصاب كنائسهم من دمار، لا شك في هذا، وهي أعمال مدانة ومرفوضة بكل تأكيد، فقتل أي انسان بريء مسالم أياً كانت ديانته أو مذهبه أو عرقه هو جريمة إنسانية لا جدال عليها. لكن علينا أن نميز ونفرق بين ما يحصل للمسلمين وما يحصل للمسيحيين في العراق أو خارج العراق، التعدي على المساجد وقتل المسلمين يأتي في سياق حرب طائفية وصراع بين المذاهب والطوائف والأحزاب الإسلامية على توزيع السلطة والثروة في العراق أو غيرها من الدول العربية والإسلامية، لكن ما يحصل للمسيحيين في العراق أو مصر ليس له علاقة بهذه الصراعات وإنما فقط يقتلون لكونهم مسيحيين تحت ذرائع وحجج باطلة، يتذرع بها متأسلمين يتلذذون بقتل غير المسلم لأنهم يرون في قتله مفتاح جناتهم الخالدة مثلما أخذوا من (الصحيفة الدنيماركية) ذريعة لتفجير الكنائس فوق رؤوس المصلين يوم الأحد الماضي (29كانون الثاني)في بغداد وكركوك وضرب الطلبة المسيحيين في جامعات الموصل. وهنا أكاد أجزم بأن (مسيحياً) عراقياً لم يقتل مسلماً واحداً في العراق لمجرد أنه مسلم منذ الغزو الأمريكي له.

لا شك، أن مثل هذه الأعمال السافرة ضد المسيحيين لا يمكن عزلها أو فصلها عما تشهده المنطقة من توترات واحتقانات سياسية وأمنية وأحداث عنف دموية.لكنها أيضاً هي تأتي ضمن اطار حملة منظمة مناهضة للمسيحية، تروج لها بشكل أو بآخر بعض وسائل الإعلام والفضائيات العربية والإسلامية، الرسمية والخاصة، التي جعلت من نفسها منبراً مفتوحاً لفقهاء الجهاد والقتل والذبح على الهوية، في سياق تقييمها وتحليلها لأسباب ودوافع (الحملة الأمريكية) والغربية العسكرية على المنطقة،حيث تضع هذه الحملة في اطار نظرية (المؤامرة الغربية الصليبية الصهيونية) التاريخية على العرب والإسلام والمسلمين.

وبالتالي فمثل هذا الإعلام المسموم يبرر ويشجع التيارات الإسلامية المتطرفة التي تعمل على ترويع وترهيب المسيحيين وكل من هو غير مسلم في منطقة (الشرق الأوسط) لإخراجهم منها، تحت شعارات وعنوانين كثيرة، ربما تعميم وتطبيق على جميع البلاد العربية والإسلامية، ما أوصى به الرسول(محمد) : ((بألا يجتمع في جزيرة العرب دينان)).

إن الصمت (العربي والإسلامي) الرسمي عن المذابح التي تنفذها مجموعات اسلامية متطرفة بحق المسيحيين في منطقة الشرق الأوسط بحجة ولاء المسيحيين للغرب، يعود بالدرجة الأولى الى أن تصوير (الغرب)، من قبل هذه المجموعات الإسلامية،على أنه عدو العرب والمسلمين ينسجم ويتوافق مع الخطاب التضليلي لأنظمة الاستبداد العربي والإسلامي التي جعلت من هذا الغرب (مشجب تاريخي)علقت عليه كل هزائمها وجميع نكساتها ونكباتها، وأوهمت شعوبها على أن الغرب الإمبريالي هو سبب ويلاتها و فقرها وجوعها وتخلفها، للتغطية على مسؤوليتها المباشرة والكبيرة عن هذا الفقر والتجويع عبر نهبها وسرقة المال العام، وعن كل الإخفاقات العربية وعن ما وصلت اليه بلدانها من مآسي وويلات وكوارث، وعن حقيقة كون هذه الأنظمة هي حامية وراعية لمصالح الغرب في المنطقة.

بينما نجد أن هذا (الغرب)- الذي هو كافر بنظر المتأسلمين- وفر لملايين المهاجرين (العرب والمسلمين)، الهاربين من ظلم وعسف أنظمتهم وحكامهم ومن الجوع والفقر والعوز الذي اقبعوهم فيه، كل وسائل واسباب الأمان والراحة والعيش الكريم و الحرية الفكرية والسياسية والدينية والاجتماعية.

أخيراً: أن ما يشهده الشرق الأوسط من أحداث عنف وصراعات دموية داخلية يذهب ضحيتها مسيحيين لا ذنب ولا مصلحة لهم بها، تطرح وبجدية مستقبل ما تبقى من المسيحيين و المسيحية التي بدأت تصلب من جديد في هذا الشرق( مهد المسيحية). Opinions