Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

النتائج المهمة لانتخابات مجالس المحافظات

احمد جويد/مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

بخلاف الكثير من التوقعات جاءت المفاجئة التي حققتها ممارسة انتخابات مجالس المحافظات، فبالرغم من استطلاعات الرأي وما كان يرشح بين صفوف المواطنين من مقاطعتهم للعملية الانتخابية بحجة أنها عديمة الفائدة في بلد تم بناء أغلب مؤسساته الحكومية على أساس المحاصصة الحزبية، فقد توجهت نسبة كبيرة من أبناء الشعب العراقي صوب صناديق الاقتراع للإدلاء بأصواتهم كلُ بحسب توجهه واعتقاده فيمن يراه الأفضل والأجدر لشغل المقاعد المخصصة لأعضاء مجالس المحافظات القادمة.

ورغم الخلل الذي أصاب جزء من عمل المفوضية بحرمان العديد من المقترعين من ممارسة حقهم الدستوري بعدم تدوين أسمائهم في سجل الناخبين إلا أن الإعداد التي شاركت في الانتخابات تبقى معتد بها طبقاَ للمعايير الدولية.

ومثلت تلك المشاركة إحدى النتائج المهمة لإرساء العمل الديمقراطي في العراق، غير أنها أفرزت في نفس الوقت نتائج أخرى لا تقل أهمية عن الحضور الجماهير في الممارسة الانتخابية، ومن أهمها:

أولاَ: ما يخص الكيانات السياسية التي حققت نتائج متقدمة في الانتخابات؛

فالنسب التي حققتها تلك الكتل لم تكن بالمستوى المطلوب أو الذي يتناسب مع حجمها السياسي وضخامة الدعاية الانتخابية التي خاضتها لمدة شهرين متتاليين، ولم تتناسب أيضاَ مع تاريخ أحزاب كبيرة وعريقة عرفت بالعمل السياسي داخل العراق وخارجه لعقود من الزمن، وما تتحدث عنه تلك الأحزاب من نتائج تراها مذهلة يجب أن يكون مدعاة لمراجعة شاملة في عملها السياسي وتحديد مواطن القوة والضعف ومعرفة مناطق الخلل وأسباب النجاح في مكان ما والإخفاق في الأخر، لكن الكتل الفائزة بقيت محافظة على توازنها في مسيرة العمل السياسي من خلال فهمها للعبة الديمقراطية والتكتيك في تغير الأدوار الأمر جعلها تحقق فوزاَ نسبياَ.

أما بالنسبة إلى الكتل السياسية الفائزة لأول مرة، فعليها أن تعي جيداَ إن الناخب العراقي قد وضعها على المحك وجهاَ لوجه أمام مسؤولياتها التي وعدت بها الجماهير أثناء الحملة الانتخابية التي خاضتها وروجت لبرنامجها الإداري والسياسي من خلالها، وبذلك أخرجها الناخب العراقي من الظل إلى دائرة الضوء لتكون تحت أنظار الجميع من خلال أداءها المستقبلي في إدارة المحافظات.

وعلى الجميع سواء الكتل التي لها تمثيل سابق في السلطة والحكم أو التي لم تكن لها حظوة في السابق وأصبح لها اليوم شيء يعتد به في مجالس المحافظات، عليها أن تعي جيداَ إن الأداء في مجالس المحافظات ينعكس سلباَ أو إيجاباَ على نتائج الانتخابات البرلمانية القادمة.

ثانياَ: ما يخص الكيانات السياسية التي لم توفق في الحصول على مقاعد في مجالس المحافظات رغم كونها صاحبة تأريخ في العمل السياسي ورغم حجم الدعاية الانتخابية التي كانت توازي حملات الفائزين في الانتخابات، إلا أنها لم تفلح في حصد المقاعد التي كانت تخطط للحصول عليها من خلال انتخابات مجالس المحافظات.

إذ كان السبب في ذلك هو عدم فهم تلك الكيانات لمتطلبات الحياة السياسية المتغيرة والعمل على مواكبتها، وبقيت متمسكة بالنهج الذي تم إتباعه في بداية التغيير الحاصل في العراق مما أدى إلى تراجع مكانتها الانتخابية، وبعدم تغيير خطابها السياسي وطريقة تفكيرها في الوصول إلى صنع القرار فإنها سوف تجد طريقها للاضمحلال أو التلاشي.

ثانيا: ما يخص الناخب العراقي؛

أفرزت انتخابات مجالس المحافظات وعياَ يعتد به لدى الناخب العراقي ورغبة كبيرة في التغيير والوقوف إلى جانب من يعتقد به الكفاءة والصلاح وتقديم الأفضل، غير أن هناك عدد آخر من الناخبين أعطوا أصواتهم بصورة عشوائية من دون التفكير في ماهية الأشخاص الذين تم اختيارهم، كأن تكون تلك الأصوات بدافع العاطفة أو التضليل من قبل بعض الكيانات بطريقة أو أخرى.

والفئة الأخيرة من الناخبين هي أول من يمتعض من الأداء السيئ الذي يصدر من مجالس المحافظات القادمة بحجة إنهم خدعوا من قبل من أدلوا لهم بأصواتهم وسوف يعودون إلى تكرار(سوف لن ننتخب في المرة القادمة).

أما من قاموا بالانتخاب بكامل إرادتهم ومن دون أي تأثير على اختيارهم فسوف يبحثون عن البديل في حال أنهم لم يجدوا ما يطمحون إليه في الجهة أو الأشخاص الذين تم انتخابهم، وبالتالي فإنهم سوف يضعون في حساباتهم معايير أخرى لإختيار من يمثلهم أو ينوب عنهم، وهذه المسألة بدت واضحة وجلية في هذه الانتخابات وبمفاهيم مختلفة عن الانتخابات الماضية.

ثالثاَ: ما يخص المفوضية العليا للانتخابات؛

لاحظ أغلب المراقبون سواء التابعين للكيانات السياسية أو لمنظمات المجتمع المدني وحتى الدوليين وجود حال من التقدم في عمل المفوضية في جانب الحد من التزوير في أغلب مراكز الاقتراع، وقلت تلك الخروقات ناتجة من طبيعة التنافس بين الكتل التي قدمت مرشحيها لمجالس المحافظات إضافة إلى الآلية المختلفة التي وضعتها المفوضية بعدم تكرار اسم الناخب في أكثر من مركز أو محطة انتخابية كما حصل في الانتخابات التي سبقتها، علاوة على اختيار القائمين في العمل داخل المراكز الانتخابية من الوسط التربوي والقانوني دون إتباع مبدأ المحسوبية في التعاقد مع الموظفين.

إلا إن التقصير والخلل الكبير الذي شاب عمل المفوضية هو حرمان العديد من الناخبين من الإدلاء بأصواتهم بسبب عدم وجود أسمائهم في سجلات الناخبين وعجزها عن وضع آلية آنية وسريعة عند ظهور تلك المشكلة تضمن للناخب حقه في التصويت وللكيانات السياسية نزاهة الانتخابات.

ومن أوجه الخلل الأخرى الذي شاب عمل المفوضية هو العمل بنظام (الكوتا) بعملية العد والفرز في احتساب عدد المقاعد المخصصة للفائزين، الأمر الذي يجعل شخص ما يحصل على مقعد انتخابي بحصوله على (ثلاثة آلاف) صوت لوجود اسمه في قائمة حصلت على نصاب (الكوتا) بينما يضيع حق شخص آخر حصل على(عشرة آلاف) صوت في قائمة كونها لم تصل حد الكوتا سواء كيان منفرد أو تكتل.

ورغم إن هذه الآلية سوف تزيد من حجم التحالفات المستقبلية قبل خوض عملية الانتخابات إلا أنها تحرم عدد غير قليل من الشخصيات المستقلة من خوض الانتخابات دون أن تنضوي تحت لواء أحد الأحزاب أو الكتل المتنفذة.

رابعاَ: ما يخص الأداء الحكومي والأجهزة الأمنية؛

برغم المخاوف الكبيرة التي تم التنويه لها على لسان أكثر من شخصية سياسية أو حكومية من الخشية في تدخل الأجهزة الأمنية لصالح جهة ما أو محاولتها الضغط على إرادة الناخب إلا أنها اتخذت جانباَ كبيراَ من الحيادية واقتصار عملها على حفظ الأمن والنظام والتي أثبتت من خلالها أداءَ مهنياَ صار مؤشراَ على استطاعتها تولي مهمة حفظ الأمن والنظام في العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية المتواجدة على ارض العراق المتفق عليه مع الجانب الأمريكي.

فانتخابات مجالس المحافظات أفرزت حالة من الوعي السياسي لدى بعض الكتل التي رأت من السياسة عبارة عن متغيرات ومصالح وليست ثوابت مقيدة ضمن خطاب جامد لا يؤمن برغبات المجتمع.

وعلى أية حال فالنتائج تبشر بتقدم ملحوظ صوب تداول السلطة عن طريق آلية سلمية من خلال صناديق الاقتراع، وعبر انتخابات يتم من خلالها تأسيس حكومات محلية ومؤسسات دستورية قادرة على إبعاد شبح الاستئثار بالسلطة وجعلها بيد فئة دون أخرى.

* مركز الإمام الشيرازي للدراسات والبحوث

http://shrsc.com

Opinions