Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الإنهيار المالي / الإقتصادي العالمي ! سلاح ذي حدّين..ما ينبغي عليك معرفته ؟ الجزء الثاني

إن إنهيار عدة مصارف في الفترة السابقة مثل مصرف ليمان برذرس ( تسلسله الرابع من حيث الضخامة بين المصارف الامريكية الذي إستمر بالعمل لمدة 158 سنة) يعتبر مجرد مكون صغير قياسا لما يجري حاليا للنظام المالي العالمي برمته وكما نرى اليوم هناك العشرات من البنوك العالمية بنفس ضخامة ليمان او اكبراعلنت إفلاسها اوعلى وشك الإفلاس لذا فإننا نواجه إنهيار مالي ومصرفي عالمي لم يسبقه مثيل منذ القرن الرابع عشر، أن إنهيار المصارف العالمية لهو النذير الجدي لخروج الامور خارج نطاق الحلول التقليدية او المالية "ضخّ السيولة" مما لا يترك الشك بأن العالم برمته امام مشكلة عويصة وخطيرة تواجه مجمل النظام المالي العالمي لما بعد نظام بريتون وودز الاصلي عام 1944 .

السؤال الذي يفرض نفسه هو لماذا هذا الإنهيار في المصارف ؟ السبب يعود الى عدة عوامل ومنها ان كل البنوك ! يمارسون نشاطات مصرفية غير مأمونة بتاتا مثل المضاربات في صنوف مختلفة كسوق (التحوطات)* و(المشتقات)** ونتيجة الممارسات الخاطئة في العقدين الاخيرين اصبحت ضخامة المشتقات اكثر بكثير من السيولة او الممتلكات الفعلية التي يمتلكها المصرف "على سبيل المثال فأن المصارف الاسترالية الاربع تملك 2 تريليون دولار من الاصول او الموجودات بينما ما يترتب عليها من المشتقات هي 13 تريليون ! ؟" لذا لم يعد بإمكان المصارف الاستمرار لأنه لم يعد هناك توازن بين الديون المستحقة الناتجة من المضاربات في المشتقات والقدرة الفعلية على إدامتها لكي يستمر في العمل اما السبب الأخر هوعدم قدرة الحكومات التكفل بهذه التركة الضخمة من المستحقات المالية لأنه ليس بإمكان اي حكومة ان تتكفل بكل هذه المؤسسات المالية لذا تركت بعض المصارف لمصيرها المحتوم !؟ ولكن بعدها بأيام ثبت لأغلب الحكومات بأن الآزمة ستخرج عن نطاق السيطرة " تأثير حجر الدومينو" لذا إجبروا على إعطاء الضمانات للودائع المصرفية " لمنع الناس من سحب الودائع"؟ وفي الاسبوعين الاخيرين وعدت بعض الحكومات بتغطية الودائع في شركات الإستثمار أيظا ! مما يترتب عليه إفلاس خزائن تلك الدول وخلق تضخما ماليا شديدا في حال إستمرت عملية ضخّ السيولة بحيث تترتب عليها نتائج أسوأ على المدى القريب!. لذا فأن الآزمة الحالية هي سلاحا ذي حدّين لأن الحلول المالية والتقليدية والتقنية ليس لها اي تأثير إيجابي البتة بل مجرد مخدر وقتي قصير الامد مما سيجبر الجميع { وكما يقال في الغرب" الدجاج تقفل راجعة الى القفص مع الديك"} على التفكير مليا بالحل الذي دعا اليه لاروش منذ عام 1997-- علما بأن طرح لاروش سيكون على الطاولة في القمة المقبلة للدول العشرين في 15 نوفمبر الحالي في الولايات المتحدة .

اما المقدار التقريبي لهذه المضاربات من المشتقات والتحوطات والاسهم وغيرها فأن قيمتها تتجاوز الفي تريليون دولار امريكي بينما مجموع الناتج القومي لكل امم الارض لا يتجاوز 80 تريليون دولار وهذه المعاملات المالية ( المضاربات في العقود الآجلة والمشتقات وسوق التحوطات المالية...الخ) تترتب عليها فوائد وهي بحد ذاتها يمكن إعتبارها إلتزامات مالية أو ديون علما بأن 99% من تجارة العملة اليومية في العالم لا علاقة لها إطلاقا ببيع وشراء السلع والخدمات، فتصوروا الفرق الشاسع بين الإنتاج الفعلي وبين سوق المضاربات الذي حول الإقتصاد العالمي الى كازينو كبير للمضاربات لذا فأنه من المستحيلات ان يتم إنقاذ النظام الحالي بصورته الآنية ما لم يتم وضع النظام المالي برمته تحت إعادة التنظيم ؟ علما بأن سوق التحوطات المالية والمشتقات بدأت بالانهيار في سنة 2005 وترتبت نتائجها السلبية على سوق العقارات وغيرها من االقطاعات الحيوية منذ ذلك الحين الى ان وصلت شدتها الى النظام المصرفي والقطاعات الانتاجية والخدمية وكما هو جاري الان، وكل الدلائل تشير الى تصاعد هذه التأثيرات بتسارع كبير في الايام والاسابيع والاشهر القادمة وبالتالي ستبدأ كل القطاعات الحيوية في المجتمع بالتأثر ولن أبالغ في القول انه ما لم يتم تبني الحلول الجذرية وليس كما تحاول بريطانيا مؤخرا الالتفاف والمراوغة من اجل إبقاء سيطرة مؤسساتها المالية ( إمبرطورية مالية وليست جغرافية هذه المرة ) ورأينا كيف ان المال العام بدأ يُضّخ للمصارف الضخمة من اجل إدامة سيطرتها ؟ وأن ما نواجهه في الفترة القصيرة القادمة سيكون ليس بمخيلة الكثيرين وذلك لهول الازمة التي ستكتسح جهود الملايين من البشر ودوامة من الشرور المصاحبة لكل إنهيار مالي من ضمنها الإغتيالات السياسية ، الحروب، زيادة درجة الاحتقان بين المجموعات الاثنية المختلفة في المجتمع الواحد، الإنهيار في المستوى المعيشي بصورة مؤلمة والانهيار الثقافي والاخلاقي وما يصاحبه من تراجع في القيم الإنسانية.

نعم ان العالم يمر اليوم بأسوأ أزمة مالية / إقتصادية ولكن بنفس الوقت هناك باعث للأمل وفرصة نادرة في ان العالم سينتهج منهجا جديدا اكثر عدلا ويضع الصالح العام ( معاهدة سلام ويستفاليا الجديدة)*** من خلال إقامة بديل لنظام العولمة الذي مثّّل المصالح الضيقة لبعض المؤسسات التي إعتاشت على حساب شعوبا بأكملها في العقود الثلاث الاخيرة..!؟ من البديهيات المتعارف عليها في أسس الدساتير والشرائع الجدية لكل امة هو العمل بكل جدية للوصول الى درجة تؤهل مواطنيها ان يستمتعوا بمستويات طموحة في الإنتعاش الاجتماعي والعلمي وإزدهار المفاهيم الانسانية الراقية والصعود بالشخصية الانسانية نحو القمم العالية:
إن الحل الذي يدعوا اليه" ليندون لاروش" يسمى "بريتون وودز الجديد" سيدعوا الى تبني وإقرار النقاط التالية :

اولا: إعادة العمل بأسعار الصرف الثابتة للعملات بشكل مباشر والعودة الى حماية التعرفة من اجل حماية الصناعات المحلية
ثانيا: التوقيع على اتفاقية بين الحكومات تنص على تحريم المضاربات في الأدوات المالية مثل العقود العاجلة وغيرها من المضاربات المالية
ثالثا: أغلبية الديون أما تلغى أو يعاد تنظيمها لأن أغلب الديون العالمية والمحلية ليست قابلة للدفع .
رابعا: إصدار اعتمادات جديدة لإئتمانات طويلة الأجل ومنخفضة التكاليف (انشاء مصارف حكومية)بحيث لا تتجاوز ال 2% للقطاعات الإنتاجية والبنية التحتية الإقتصادية الأساسية الضرورية وفي مجال التقدم التكنولوجي..الخ لخلق فرص عمل جديدة عن طريق الاستثمار في المشاريع المذكورة أعلاه
خامسا: بناء الجسر القاري الاوراسيوي (الأوربي _ الآسيوي) باعتباره الحجر الأساس لإعادة بناء الاقتصاد العالمي، الذي يعتبر الرؤيا التي ستجلب ليس فقط معجزة اقتصادية بل وأيضا السلام في القرن الحادي والعشرين:
يندرج تحت النقطة الخامسة عقد اتفاقيات ومعاهدات طويلة الأمد بين الأمم بالتركيز على المشاريع المشتركة لتطوير البنى التحتية الاقتصادية الأساسية، وتتضمن تلك المشاريع:
أ) بناء محطات توليد طاقة جديدة، خاصة بالاعتماد على المفاعلات النووية ذات الحرارة العالية (HTR).
ب ) خلق مصادر جديدة للمياه العذبة ( بالاعتماد بشكل واسع على تحلية مياه البحر بواسطة المفاعلات النووية ذات الحرارة العالية .
ج) الاعتماد بشكل متزايد على انتاج الوقود الاصطناعي المتولد أيضا بواسطة التفاعلات النووية ذات الحرارة العالية، وتقليل الاعتماد على المواد البترولية كوقود بسبب التلوث البيئي المصاحب.
د) خلق كثافة عالية من أنظمة النقل العالمية عن طريق سكك الحديد والقطارات المغناطيسية والتخلي تدريجيا عن الاعتماد المفرط الحالي على النقل على الطرق السريعة بالشاحنات.
هـ) تقليل التركيز على تأسيس الشركات العملاقة والممارسات الاحتكارية، لمصلحة شركات منتجة أصغر حجما وأكثر تحكما وانتشارا باعتبارها عناصر أساسية لاقتصاد الأقاليم معتدلة الحجم من الصناعات الخاصة والمشاريع الزراعية.
و) التشديد القوي والمتزايد على انماط تنموية للتقنيات الصناعية ذات كثافة تدفق طاقة عالية.

سادسا: عقد معاهدة "سلام ويستفاليا" جديدة سيضمن للخمسين عام القادمة استخراج المواد الخام وتصنيعها لصالح كل أمة على هذا الكوكب أن العقود الثلاث الأخيرة من نظام "العولمة"، هذا النوع من الرأسمالية المفترسة، قد كشفت نفسها بما لا يقبل أدنى شك على أنها مفلسة من جميع النواحي سواء الاقتصادية أو المالية أو الأخلاقية منها. إن الإنسان يجب أن يكون مركز الاقتصاد، وعلى هذا الأساس على الاقتصاد أن يخدم الصالح العام. إن هدف النظام الاقتصادي العالمي الجديد هو ضمان الحقوق المقدسة للإنسان.
أما بالنسبة الى سوق العقارات وكيفية حماية اصحاب المنازل سيكون بتبني وتطبيق القانون الذي إقترحه لاروش في عام 2007 والمسمى " قانون حماية أصحاب المساكن والبنوك (Home Owners and Bank Protection Act-HBPA) ، لوقف عملية الاخلاء القسري لأصحاب المنازل الذين لم يعد بإمكانهم دفع اقساط القروض بسبب خسارة الوظائف والاعمال وكذلك الابقاء على المصارف مفتوحة لأن المجتمع المدني لن يقوم من دون وجود هذه الآليات لاداء عملها القانوني وليس المقامرة.

* التحوطات المالية Hedge Funds نوع من التعاملات او الصفقات او الاقتراضات المالية لغرض الوقاية ( التحوط ) من الخسارة او المخاطرة بواسطة الرهان على اي من انواع المضاربات في ( المشتقات) بنسب 1 الى 20 او 30 او اكثر وهذه اخطر لأنه عندما تنهار المشتقات التي هي مقامرة اساسا حينها فأن الخسارة ستكون بنسبة 20 او 30 ...الخ وكما هو حاصل الان Highly – leveraged [in debts] investment funds, that speculate in derivatives

**المشتقات Derivatives ادوات مالية للمضاربات، وبدأت بصورتها الحالية في عام 1987، وبإختصار شديد هي المضاربة ( المقامرة ) على الإداء المستقبلي او المحصلة النهائية لشخص او اشخاص يقامرون على استثمار معين في المستقبل اي { المقامرة على المقامرة gamblers side bets} وهناك انواعا عدة للمشتقات مثل (Futures, Options, swaps, collateral debt obligations.. )

*** معاهدة ويستفاليا أنهت بنجاح "حرب الثلاثين عام" الدينية في أوربا والتي قضت على حوالي نصف سكان ألمانيا والمناطق المجاورة لها. إن المآسي والحروب بين البشر لن تنتهي ما لم يتم تطوير مجتمع مبادئ مسكوني (على أساس التسامح بين الأديان) بين الدول القومية ذات السيادة التي تمثل ثقافات مختلفة وليس لديها نفس العادات والتقاليد. مبدأ "التسامي- حب الانسانية والعدالة ويسمى في المسيحية أغابي النابع من المحبة وكما يؤمن المسيحي بأن الله محبة " وهذ المبدأ هو في حقيقة الأمر كفيل بالالتفاف على المشكلة. إننا نواجه مشاكل رهيبة وخطيرة: خطر اندلاع حروب والإغتيالات السياسية وخطر الانهيار المالي. كيف ينبغي علينا التعامل مع هؤلاء الأعداء؟ أن نلتف عليهم, لكي لا نقع في مخالب مخططاتهم ، لأنهم هم من يخلق المآسي وحينئذ يطرحون ما تسمى بالحلول لضمان تلاعبهم وسيطرتهم على البشر— مبدأ فرق تسد!؟.

لمن يرغب بالإطلاع على الجزء الاول من هذا المقال يرجى النقر على الرابط التالي:
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,233415.0.html

وتقبلوا مني كل الحب والاحترام
اخوكم
سليمان يوحنا
syohanna@bigpond.com
2/ 11/ 2008
Opinions