المحراث والسيف
"على الناس حماية نظامهم اذا ارادوا يوما ما التمتع بحكومة حرة، فالظروف المختلفة تتطلب افعالا مختلفة وعلى الرئيس الحكيم ان يقرر اذا كان الوقت يتطلب محراثا ام سيفا ويجب على الجميع ان يكونوا صناع سلام".وردت هذه العبارة المجتزأة المعربة في نص من نصوص العهد القديم، وقد اتخذها بعض رؤساء الغرب منهجا ودليل عمل خلال فترات حكمهم، كما استفادت منها شعوبهم وطبقتها على أرض الواقع من حيث تقصد الالتزام بتلك الوصية او لا تقصد.
هذا التطبيق والالتزام المقصود او غير المقصود شكل عقدا او ميثاقا بين الحاكم وشعبه بحيث اوجد طرفين متوازنين لمعادلة متكاملة أسهمت في قيام دولة النظام والقانون ونشوء سياسات ناضجة أنعشت مجتمعاتها اقتصاديا وعلميا وثقافيا وحققت طفرات سريعة في كافة مفاصل الحياة حتى وصلت اعلى درجات الرقي والحضارة والتطور. ومع ان هذه الافكار والحكم والنظريات ليست بغريبة عن معتقداتنا وغير بعيدة عن مفاهيمنا وثوابتنا الاصيلة. ومع ان هذه القواعد من صلب تراثنا، ومع ان هذه المعاني من لب حضارتنا بدليل هذا الغيض من فيض خزيننا النفيس وهذه القطرة من بحر احكامنا ووصايانا القدسية:
- يستقيم الملك بالعدل مع الكفر ولا يستقيم بالظلم مع الايمان.
- واطيعوا الله واطيعوا الرسول واولي الامر منكم.
- وامرهم شورى بينهم..
- واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا.
مع وجود هذا الارث السماوي الرباني التنظيري التربوي الانساني ومع وجود تطبيقاته الواقعية الميدانية على يد الانبياء والرسل والمصلحين بأمثلة تسد الآفاق وتملأ بطون الموسوعات.. مع كل ذلك ظلت معادلتنا مهتزة، مرتبكة عرجاء يعوزها التوازن وينقصها التطبيق، وظل حكامنا مترددين بين السيف والمحراث فمنهم من لم يعط للسيف حقه ولا للمحراث حقه، ومنهم من وضع احدهما مكان الآخر، واكثرهم تعكزوا على السيف السيف وحده وكسروا كل المحاريث!، حتر صار سلوكهم هذا مدعاة لانسحاب الجماهير عنهم وتخليها، وانصراف الناس الى مصالحهم الخاصة واهتماماتم اليومية غير عابهين بدولة او نظام او وطن فقد كسر اولئك الحكام عرى العقد الاجتماعي واماتوا روح المواطنة في نفوس شعوبهم المقهورة!.
والمصيبة الكبرى ان الكل يعرف "ان من اراد ان يكون فيكم عظيما فليكن لكم خادما".
والجميع يرددون:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلى
مضرُّ كوضع السيف في موضع الندى