Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

حقوق الانسان بين الواقع والشعار

 

 

علي حسين/مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام

 

يتيح لنا البحث في المسار السياسي العربي الاسلامي، معرفة مشكلات البنية السياسية والعلل التي تنطوي عليها، لاسيما مشكلة تغييب الحريات والحقوق المدنية، إذ تشير الاسانيد التاريخية الى انتهاك صارخ لهذه الحقوق من لدن الحكومات التي توالت على حكم الدول الاسلامية والعربية، وذلك باستخدام العنف والقمع والتكميم، كأساليب تحمي تلك الانظمة ذات النزعة المتغطرسة، من السقوط، مقابل إضعاف مستمر لمطالب عامة الناس وتجهيل متواصل بحقوقهم التي تمثل أبسط متطلبات العيش الكريم.

بل ثمة أنظمة سياسية تدّعي الاسلام (رسميا)، لكنها توغل في غمط حقوق المواطن لدرجة تصل الى سلب الكرامة الانسانية، فتندثر معها مكانة الانسان وقيمته وما له من حقوق وحريات، لا يصح، بل لا يجوز التجاوز عليها في أي حال من الاحوال.

إشكالية التـناقض بين الحقوق والواجبات

من الاشكاليات التي ترافق الانظمة السياسية المريضة، أنها غالبا ما تربك حالة التوازن القائمة بين الواجبات الملقاة على عاتق المواطن، وبين الحقوق التي يستحقها والمسماة عالميا بـ (حقوق الانسان) التي وردت في بنود الإعلان العالمي لحقوق الانسان.

ومن المسلّم به في دولة القانون الحديثة التي تقوم على مبدأ سيادة القانون وأولوية الحق، أن تكون تصرفات السلطة التنفيذية التي تمس بصورة مباشرة ذاتية الفرد أو ممتلكاته أو حقوقه، خاضعة للرقابة القضائية، التي يمكن ممارسة رقابتها على السلطة التنفيذية بطريقة مرضية بواسطة القضاء الإداري، ويجب أن تتاح للمواطن الذي وقع عليه الضرر بسبب تصرف غير قانوني من جانب السلطة التنفيذية، طريقة مناسبة من طرق الطعن، إما بشكل دعوى مباشرة على الإدارة أو على صاحب التصرف أو الاثنين معاً، على أن تضمن له هذه الطرق في جميع الأحوال، تنفيذ الحكم.

وقد جاء في رسالة الحقوق للامام السجاد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهما السلام) حول حقوق الرعية: (فأما حقوق رعيتك بالسلطان فأن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم وذلهم، فما أولى من كفاكه ضعفه وذله حتى صيره لك رعية وصير حكمك عليه نافذا، لا يمتنع منك بعزة ولا قوة ولا يستنصر فيما تعاظمه منك إلا [ بالله ] بالرحمة والحياطة والاناة، وما أولاك إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة والقوة التي قهرت بها أن تكون لله شاكرا ومن شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه ولا قوة إلا بالله...).

 لهذا يعمل الحكام المستبدون على خلق حالة من التناقض بين واجبات وحقوق المواطن، فيزجون بحقوقه في قضية أخرى يسمونها بـ (المواطنة، أو الاخلاص للوطن)، وهي في حقيقة الامر لا تصب في هذا المسار، بل يكون المواطن بخدمة الحاكم وحكومته، من خلال اصطفافه مع جوقة المروجين لأفكار النظام السياسي وثقافته التي تتمحور حول كيفي حماية الحكومة او النظام من السقوط، ولا يهم إن تعرضت حقوق المواطن للإهدار، لأن الاهمية تكمن فقط في كل ما يتعلق بدعم الحكومة والابقاء على مصالحها ومنافعها محمية.

ويرافق هذا المسار السياسي المنحرف خطاب يكون ذا توجّه لفظي (وطني) في الغالب لكنه يفتقد لجوهر الوطنية الحقّة، حيث يكون الكلام وطنيا حماسيا مؤثرا لفظيا فقط، أما الجوهر الفعلي له، فليس موجودا على الاطلاق، لأن كلام الحاكم الفاشل المستبد وحكومته لا يتحقق اصلا، لذا فهو زائف وكاذب، ويهدف الى غمط حقوق المواطن مع الترويج لأهمية الواجبات التي تحمي الحاكم وحكومته، وهذا ما لا يتسق مع تعاليم الاسلام التي تؤكد على اهمية حقوق الانسان، وتطالب مع تشابه تام بين القول والفعل، وبين اللفظ والجوهر، وبهذا يكون الحاكم مخادعا يقول شيئا، ويعمل بالضد منه.

في هذا المجال يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي في الكتاب القيّم الذي يحمل عنوان (من عبق المرجعية)، بهذا الخصوص: (لا يكفي للحاكم ان يقول انني حاكم اسلامي، بل لابد ان يكون مستندا الى القرآن والسنة، فما لم يؤيده القرآن والسنة والمعصومون عليهم السلام، ويقولون انه من عند الله، فهو في واقعه غير اسلامي، وإن تسمى بالاسلام).

لذا من أهم ما ينبغي أن نراه ونلمسه في الدولة الصحيحة التي يدعو الاسلام الى بنائها، هي المساواة بين الحقوق والواجبات، وعدم شخصنة الواجبات الوطنية من خلال تجييرها لصالح الحاكم الفرد، كما يحدث في ظل الانظمة العسكرية او الفردية، أو أحادية المسار، وحينما يتحقق شرط المساواة المذكور أعلاه، سوف يتحقق شرط حماية الحقوق السياسية والمدنية للمواطن، وسوف تكون هناك حالة من الرفاه الواضحة بسبب السياسة العادلة في الدولة ازاء الجميع، وهو أمر يمكن ملاحظته بسهولة في الدول المدنية المتطورة.

حقوق الانسان في الاسلام

يقول سماحة المرجع الشيرازي: ذكر التاريخ أن جمعاً من أعداء الإسلام جاءوا من مكّة إلى المدينة وحاربوا رسول الله صلى الله عليه وآله وبعد أن خسروا المعركة، تّم أسر بعضهم، وكان أحدهم جريحاً وكان يئنّ ويتأوّه الليل كلّه، وعندما حان وقت صلاة الصبح، جاء النبي صلى الله عليه وآله ليصلّي بالمسلمين فقال: ما نمت الليل كله لأنين ذاك الأسير!! أي أنه صلى الله عليه وآله كان متألماً على حال ذلك الأسير وهو عدوّه.

وعقّب سماحته: هل تجدون مثل هذه الرأفة ومثل هذه الأخلاق العظيمة عند غير رسول الله صلى الله عليه وآله؟ إن هذا التعامل من رسول الله صلى الله عليه وآله هو التعبير الصادق عن حقوق الإنسان، وليس ما يدّعيه الغرب وما يدّعيه حكّام الدول الإسلامية، فادّعاؤهم ليس إلاّ كذب في كذب. فلاحظوا كيف يتعامل الحكّام مع شعبوهم فضلاً عن عدوّهم. إنهم يقمعون شعوبهم حتى لأبسط مظاهرة.

تحقيق العدالة الاجتماعية

في العراق تجربة سياسية لا تزال غضّة، ولكن يمكن ملاحظة فقدان العدالة في الدولة العراقية منذ تأسيسها الحديث في عام 1921، حيث تعاقبت حكومات ملكية وجمهورية، يليق بها تماما وصف (الحكومات الفاشلة) بسبب فشلها في تحقيق التوازن بين الواجبات والحقوق، ولهاثها المحموم نحو حماية عروشها بالنار والحديد، كل هذا وسواه، قاد الى معاناة هائلة ومتواصلة، تعرض لها الشعب العراقي، حيث فقدان الحقوق المدنية وسواها، مع اهمال منقطع النظير لحقوق الانسان، وتجهيل متواصل ايضا للشعب، مع حرمانه من الوعي والثقافة والتنوير، بسبب محاربة الحكومات لكل ما يتعلق بالتنوير والتثقيف.

هذا المشهد التاريخي المؤلم والمتواصل الذي تعرض له العراقيون يتطلب جهدا استثنائيا يصب في مجال حماية حقوق الانسان في هذا البلد، وتنبيه قادة العراق السياسيين الى اهمية الحفاظ على حقوق الناس وحرياتهم، والى الربط بين القول والفعل، والابتعاد عن اساليب الخداع والتضليل التي غالبا ما يلجأ اليها الحاكم المستبد من خلال الاستقواء بحكومة مستبدة ايضا، لذا فالمسؤولية مشتركة، والهدف كبير وغاية في الاهمية، لكن العمل من اجله ينبغي أن يكون محط اهتمام وانظار الجميع تتقدمهم النخب.

يقول سماحة المرجع الشيرازي في هذا المجال: (وظيفة الحكومة الاسلامية تجاه الامة، هي حفظ العدل بين الناس، داخلا وخارجا، والدفع بالحياة الى الامام، وتوفير الفيء من الرزق والمال عليهم، وتعليمهم وتثقيفهم، وحفظ أمنهم واستقرارهم).

هكذا ينبغي العمل على المستويين الرسمي والاهلي في صيانة حقوق الانسان بالعراق وعموم الدول خصوصا التي تضع الدين الاسلامي عنوانا في دساتيرها وانظمتها السياسية.

وكثيرا ما يُثار جدلا كثيرا حينما نتحدث عن فقدان الحقوق في معظم دول الشرق ومنها الدول الاسلامية والعربية، حيث تتواجد ظاهرة الاستخفاف بحقوق الانسان، وقد أشرنا الى وجود مشكلة أساسية، تتمثل بغياب الحاكم العادل والمتفقه والكفء في نفس الوقت، الامر الذي يقود الى تردي الحقوق بمختلف مسمياتها، خاصة الحريات والحقوق المدنية لذا نحن بحاجة الى الحاكم الذي يكفل ويحمي هذه الحقوق.

يقول سماحة المرجع الشيرازي: (مواصفات الحاكم الاسلامي انه رجل مؤمن متفقه في الدين تماما يعرف شؤون الدنيا ويتحلى بالعدالة التامة).

مخاطر إنكار حقوق الفرد

إن السبب الدائم هو الحاكم الظالم، الذي غالبا ما يكون نموذجا سلبياً لغيره، لاسيما لأفراد الشعب، حيث تؤثر شخصية القائد بالناس سلبا او ايجابا، لذا يؤكد سماحة المرجع الشيرازي في كتابه القيّم (السياسة من واقع الاسلام): (القائد تكون أعمالُهُ درساً للشعب، ومنهاجاً للأجيال، ولذلك كان القائد متحملاً لما يمارسه الشعب نتيجة تعلمه منه، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. والحياة الشخصية للقائد أدق مدرسة للأجيال المتمسّكة بذلك القائد).

بالنتيجة لابد من مكافحة مخاطر التجاوز على حقوق الانسان، لأن الامر يشكل غاية في الخطورة، بسبب استمرا انتهاك كرامة الانسان، تذكر لنا احدى الدراسات في هذا الصدد: (تنبع خطورة موضوع حقوق الإنسان من تدخله في حياة الإنسان اليومية وفي نشاطاته المختلفة وعلاقته الفردية والذهنية بالآخرين وبالسلطة القائمة على أمر الجماعة، وأي إنكار لحق من تلك الحقوق في النهاية هو إنكار لوجود الفرد ولكرامته ونفي لشرعية وجود الدولة نفسها).

لذا فإن الوعي بالمخاطر الكبيرة، يستدعي حالة متواصلة من الاستعداد، بل الاستنفار لمعالجة الوضع الدائم لإهدار الحقوق المكفولة عالميا وانسانيا، لاسيما في العراق ودول الربيع العربي، التي تحاول اليوم تجاوز مآسي الماضي، ولكن لن يتحقق هذا الهدف من دون بذل ما يكفي من جهود جبارة، رسمية وشعبية تتقدمها النخب دائما، من اجل صيانة حقوق الانسان في ظل حكومة استشارية (ديمقراطية) تفرزها صناديق الاقتراع فقط لاغير، وهي تمثل ارادة الشعب.

وعندما تسعى الحكومة الى حماية حقوق المواطن، وتساوي بين الواجبات المطلوبة من المواطن، وحقوقه المكفولة، فإن هذا بمثابة المؤشر الأكيد على بناء الدولة المدنية المبتغاة، تلك الدولة التي يحلم بها المواطنون، ولكن ينبغي أن يكون هناك سعي دائم من لدن الجميع لبناء هذه الدولة المرتقبة.

* مؤسسة النبأ للثقافة والاعلام

http://annabaa.org

 

Opinions