عيادات الأطباء... اكتظاظ بالمراجعين وارتفاع بالأجور ووكالات للمستشفيات الأهلية
يعتبر عدد من المواطنين تزاحم المراجعين لعيادات الأطباء الخاصة ظاهرة سلبية وأنكر هؤلاء المواطنون على الأطباء ارتفاع أجورهم واستعدادهم لاستقبال عشرات المراجعين يوميا، معتبرين ذلك إشارة الى تحول مهنة الطب الى مهنة ربحية.ومن هنا يبدأ الكلام والحديث يطول حاملا معه ألوان ممزوجة من الألم الذي أنشئه ضعف الأداء للمستشفيات الحكومية التي غالبا لأتوفر أي علاج للمريض او حتى المستلزمات المطلوبة لذلك من ناحية .. ومن ناحية أخرى الجشع الذي أصاب بعض الأطباء للأسف الذين اتخذوا من هذه المهنة حرفة للتجارة وطريقة سهلة لزيادة الربح السريع والذي من ثماره سيارة أخر موديل وعمارة فخمة ورصيد ممتاز في البنك بالإضافة الى امتيازات أخرى لا يحظى بها إلا من عاش على الآلام الآخرين..
فعند جولتنا في بعض العيادات وتحديدا في منطقة الحارثية التي تعتبر من ابرز المجمعات الخاصة بالعيادات الأهلية والخاصة للأطباء.. وغالبا ما يقصدها الكثيرون من مناطق بغداد ومن المحافظات لعرض مرضاهم على الأطباء الموجودين في هذه العيادات والذين غالبا ما يتواجدون في العيادات (أي الأطباء) من الساعة الثالثة والى السادسة او السابعة بتوقيت بغداد أي بعد الدوام الرسمي الذي ينتهي بعد الساعة الثانية ظهرا.
حيث يتجمع عشرات المرضى منذ الثالثة عصرا وحتى ساعات المساء الأولى عند كل عيادة طبيب انتظارا لدورهم بالدخول عليه طلبا للتشخيص والعلاج.
فاستعداد الأطباء لاستقبال عشرات المراجعين في غضون ثلاث ساعات، أو أكثر بقليل "يعني أن كل مريض لن يحصل على الوقت الكافي لشرح ما يعاني منه، ولن يحصل على فرصة كافية للفحص والتشخيص، كذلك الأمر يكشف عن طغيان الدافع الربحي، مادام الطبيب ينظر لكل مريض على أنه رقم في قائمة الزبائن" بحسب أحد المواطنين. ويرى بعض المراجعين ان الطبيب بإمكانه استقبال أكثر من 500 مراجع في اليوم.. والبعض يرى بأنها معادلة غير قابلة للحل مطلقا حسب المعاير والضوابط التي تطبق في بعض بلدان العالم.. اما من الناحية المادية وهي بخصوص أجرة المراجع فهي تتراوح مابين 20 الف الى 30 الف وربما يزيد المبلغ أكثر حسب شهرة الطبيب والمنطقة التي تقع فيها عيادته..
وفي عيادات إحدى الطبيبات المشهورة وتحديدا في عمارة الزهور وهي عمارة فخمة جدا نجد ان مئات المراجعات ينتظرن دورهن للدخول على هذه الطبيبة ويبدو ان شهرتها هي من كانت السبب في ازدياد عدد مريضاتها وقد أوضحت إحدى المراجعات (وهي موظفة) ان هذه الطبيبة عندما تدخل عليها لأول مرة ستطلب من المريضة إجراء تحليل للمريضة وهو إجراء روتيني لتسهيل كشف الحالة المريضة للمراجع ولكن الغريب أنها تصر على إجراء هذا التحليل من مختبر معين وهي تحدده ولا تقبل بتحليل يجرى في مختبر أخر ..؟؟؟ وهنا تضيف هذه المراجعة ان السبب المنطقي لهذا التشدد في إجراء هذا التحليل لدى المختبر الذي تحدده بان هناك اتفاق مسبق بين هذه الطبيبة وصاحب المختبر مقابل نسبة معينة.. علما إن هذا المختبر يجري تحليل فقر الدم بسعر خمسة عشر إلف دينار عراقي وهنا يأتي مجموع الحساب خمسة عشرون إلف أجرة الطبيبة وخمسة عشر أجرة للتحليل يعني أربعين إلف فقط للعلاج ناهيك عن أجرة النقل وأجرة الوصفة التي تكتبها هذه الطبيبة...
إما طبيبة الأسنان التي تحدثت معها بخصوص غلاء أجرة الفحص في العيادات الطبية الخاصة فقالت " بالنسبة لاختصاصي انا فاستطيع ان اقول ان سعر المخدر (البنج) الذي يستخدم في التخدير لغرض قلع السن هو إلفي دينار فقط.. اما اقل سعر يتقاضه طبيب الأسنان لعملية قلع السن هو خمسة عشر الف دينار وقد أوضحت ان العملية تدخل فيها حسابات أخرى مثل إتعاب الطبيب وكذلك نسبة منه تذهب الى راتب السكرتيرة وكذلك إلى الإيجار أيضا.. وتقول ان هذا السعر هو سعر معقول يتناسب مع التكاليف التي تكلف الطبيب في مثل هكذا حالات... غير ان الحال يختلف مع بعض الأطباء حيث تحول البعض منهم إلى وكلاء للمستشفيات الأهلية.. حيث يصف ابو محمد (احد المراجعين لطبيب باطنية في منطقة الحارثية) تجربته السابقة مع احد الاطباء حيث يقول اني ذهبت إليه ولم يمضي سوى 30 ثانية في الفحص ومن ثم قال لي انهض تحتاج الى إجراء عملية فقلت له كم تكلف ؟؟ فأجابني ان أجوره او اتعابه التي يتقاضيها هي 500 الف دينار عراقي فضلا عن اجرة المستشفى وهي 250 الف ولبقية الكادر تتراوح بين 150 الف دينار الى 200 الف أي يصل السعر النهائي لاجراء العملية ما يقارب المليون دينار عراقي ماعدا سعر الأدوية التي تصرف في الوصفات.. فيكمل قائلا انه لم يكن مقتنع بهذا الطبيب فذهب الى طبيب اخر وقد اخبره ان حالته لا تحتاج الى إجراء أي عملية وإنما تعالج ببعض الأدوية فقط !!!!!... ويقول انه يبدو ان له نسبة من المستشفى التي يجري فيها عمليات ويضيف ان هذه الحالة أصبحت رائجة مما تجبر المريض على ان يراجع اكثر من طبيب ويقارن بين النتائج وطرق العلاج لكي يضمن ان لا يكون ضحية من ضحايا تجار الطب ووكلاء المستشفيات وبكلتا الحالتين ستكلف المريض اجور اضافية سواء اجرى العملية ام بذهابه الى اكثر من طبيب للتاكد ... وهناك أيضا حالات كثيرة منها ان بعض المستشفيات التي تختص في إمراض القلب مثل ابن البيطار لا تقبل أي مريض يحول إليها الا من خلال التوزيع الجغرافي للمستشفيات على المناطق ولكن اذا كان الطبيب يعمل داخل المستشفى فممكن ان يجري لك تحويلا وتدخل لهذه المستشفى مجرد ان تذهب للعيادة الخاصة به وعندها سيجري لك تسهيلا كبيرا في إجراء الرنين او الايكو او تخطيط القلب.. بينما المواطن الاعتيادي الذي لم يراجع أي طبيب عامل في هذه المستشفى فلا يمكنه إن يعالج داخل هذه المستشفى حسب السياقات المتبعة والضوابط التي تطبق عليه فقط... ومن الحالات التي تحدث داخل المستشفيات ان بعض الفنين يعطلون او يدعون ان الأجهزة التي يحتاج اليها بعض المرضى مثل الرنين او الايكو او المفراز هي معطلة في المستشفيات الحكومة او ان هناك دور وعلى المريض ان ينتظر دوره لمدة شهر او شهرين ولحين ان يأتي دوره يمكن ان يكون المريض قد فارق الحياة مما يجعل اهل المريض يطلبون معونة احد العاملين على هذه الأجهزة او من بعض الأطباء فيعطوهم كارت لإجراء الرنين او المفراز في عيادة خارجية وبمبلغ أعلى بكثير مما هو موجود في المستشفيات الحكومية.. وهذه حالة واردة في المستشفيات الحكومية وموجودة وقد صادفها البعض منا.. وعند سؤالنا لأحد الأطباء وهو اختصاص إمراض تنفسية وصدرية عن سبب غلاء أسعار فحص المرضى في العيادات الخاصة الأهلية فاجاب ان السبب الرئيسي برأيه يرجع الى الطبيب حاله كحال بقية إفراد المجتمع عليه التزامات مالية واقتصادية وأيضا ان الطبيب يسعى الى الربح فيلجا الى اختيار عيادته في موقع ممتاز لسببين ان يكون مشهور وان تكتظ عيادته بالزبائن على مدار الأسبوع وهذا مما حدا بأصحاب العمارات الى رفع أسعار إيجار العيادات والصيدليات في مناطق الحارثية وباب المعظم وشارع فلسطين وشارع السعدون في بغداد.. ويرى البعض انه يجب ان يكون لنقابة الأطباء دور في محاربة هذه الظاهرة التي تمثل عبئا ثقيلا على كاهل المريض وخصوصا ان اغلب المرضى همه من الطبقة دون الوسطى وان تتخذ إجراءات تتضمن مراقبة عمل العيادات وكذلك إصدار بعض التعليمات للأطباء بعدم استغلال حالات المرضى لكي يحققوا ربحا ماديا او جلب زبائن لبعض المستشفيات الأهلية التي يعملون بها وعلى النقابة ان تشرع قانونا لحماية المريض وعدم استغلال ماساته من قبل البعض لان العلاقة الإنسانية بين الطبيب والمريض مبنية على الثقة والتسامح وان من واجب الطبيب أن يكتشف المحتاجين فعلا وغير القادرين على دفع أتعاب الطبيب لمد يد المساعدة لهم لان خدمة المريض هي الهدف الأسمى في الممارسة لهذه المهنة وليس الربح.. اما وزارة الصحة فكان لها دور وهو حسب ما تعلنه باستمرار بإن قسم التفتيش والشكاوى في الوزارة أغلق عددا من عيادات الأطباء والصيدليات ومذاخر الأدوية ومحال بيع الأعشاب الطبية في مناطق متفرقة من بغداد لمخالفتها لشروط وتعليمات وزارة الصحة.
وذكرت الوزارة أن “الحملات التفتيشية التي قام بها قسم التفتيش والشكاوى خلال الأشهر الماضية والتي شملت كافة عيادات الأطباء والصيدليات ومذاخر الأدوية وذوي المهن الصحية في مناطق متفرقة أسفرت عن إغلاق عدد من العيادات الطبية ومن مختلف الاختصاصات ومحال لبيع الأدوية وصيدليات والمذاخر بسبب عدم التزامها بشروط النظافة ومخالفتها لتعليمات وزارة الصحة.” وهنا تكون المخالفات ليست لسبب غلاء الأسعار وإنما لأسباب أخرى.. اما الدكتور عدي صلاح الاسدي فقد عزا سبب ارتفاع اجور العلاج في العيادات الى الاهلية الى فقدان ثقة المواطن في المستشفيات الحكومية مع العلم ان هذه المستشفيات هي تمتلك من الاجهزة الطبية احدث مايمكن ومن الادوية المستوردة من مناشيء عالمية وايضا من الكادر لكن الصورة السيئة للمستشفيات الحكومية وعدم العناية بقت راسخة في ذهن المواطن منذ ايام العهد البائد مع العلم ان الكثير من الاطباء الذين لديهم عيادات خاصة هم يعملون في المستشفيات الحكومية وهنا يجب ان نثقف المواطن على ارتياد هذه المستشفيات والابتعاد عن العيادات الاهلية والتي غالبا ماتكون سببا في ابتزازهم ...
واخيرا لا يسعنا الا ان نحلم ونتمنى ان نجد في المستقبل القريب قانونا ينظم عمل هؤلاء الأطباء ويحمي المريض من جشع واستغلال البعض ممن هم متخذين هذه المهنة للربح السريع وليس لخدمة الناس وكما قيل في الحديث الشريف ((خير الناس من نفع الناس))..