ماذا نريد من مؤسسة الشهداء؟
نريد "راتبا تقاعديا، ومنزلا لائقا، ووظيفة مناسبة، ومدرسة تقبل أولادنا" ونريد " من يساعدنا في البحث عن قبور موتانا" ونرحب " بمن يدق علينا بابنا في وضح النهار أمام جيراننا"، وقالت أم شهيد، بلغت "55"عاما "أريد أن يرسلونني إلى الحج"، وأضاف أخ لشهيد "أنا معاق كما ترون؛ وأريد أن يعالجونني"، وكلهم، قالوا: "نريد أن نعيش بكرامة".هذه الاحتياجات الثمانية الفعلية، التي يحتاجها ذوي الشهداء، إبان النظام السابق، أحصيناها من خلال استطلاع، أجريناه - في فترات متعاقبة- مع عدد من ذوي الشهداء، حول أهم احتياجاتهم ومتطلباتهم، التي سيتقدمون بها إلى الحكومة العراقية.
لهذا، حظي تأسيس "مؤسسة الشهداء" بترحيب واسع النطاق، لدى مئات الآلاف من المواطنين العراقيين المتضررين، كمؤسسة دستورية رسمية، تعنى بتطبيق مشروع "العدالة الانتقالية" لضحايا النظام البعثي المستبد. ونحو قرابة سنتين، على مباشرة "مؤسسة الشهداء" نشاطها من الناحية العملية، تؤكد إحصاءات غير الرسمية، وجود قرابة "30" ألف شهيد، مسجلين لدى سجلات مؤسسة الشهداء، حتى الآن.
وليس هناك أرقام دقيقة، يمكن اعتمادها، حول العدد المتبقي لأسر الشهداء، التي تعجز عن تسجيل ذويها في مؤسسة الشهداء، بسبب استمرار الهجرة، أو بسبب الاعتبارات الاجتماعية، أو تعقد الإجراءات القانونية والقضائية، اللازمة لاعتبار ذويهم شهداء، وفق تعليمات قانون مؤسسة الشهداء، وسط تكهنات البعض أن عدد شهداء العراق في زمن النظام البائد، قد يتجاوز " 300000" شهيد.
هناك اهتمام ملحوظ للحكومة العراقية لتمكين مؤسسة الشهداء من أداء دورها والمساهمة في تعويض ذوي الشهداء وتحقيق العدالة الانتقالية للشعب العراقي، فبالإضافة إلى إصدار قانون مؤسسة الشهداء وتعديلاته، هناك تعليمات تصدر عن الأمانة العامة لمجلس الوزراء بين الفينة والفينة، تحث وزارات ومؤسسات الدولة على أبداء المساعدة والعون لذوي الشهداء من الموظفين والمراجعين بما يتناسب وحجم التضحيات التي قدموها في الفترة الماضية.
وبناء عليه، هناك تقدم واضح وملموس في حجم نشاطات مؤسسة الشهداء في الآونة الأخيرة، من حيث النظر في الملفات المقدمة للجنة الخاصة، وشمول أكثرية عوائل الشهداء المسجلين بمنحة السيد رئيس الوزراء، البالغة "500000" ألف دينار عراقي لكل عائلة، وتوزيع الأراضي والمنح المالية لبعض ذوي الشهداء، مضافا إلى هدايا الزواج والدراسة وتكاليف العلاج، وغيرها، وكلها نشاطات تسهم وتساعد في تخفيف معاناة ذوي الشهداء، وخطوة صحيحة نحو دعم مشروع العدالة الانتقالية في العراق.
لكن؛ ومع ذلك؛ مازال الطريق أمام مؤسسة الشهداء طويلا وشائكا ومعقدا، بحجم تعقد ملف ضحايا النظام السابق، وبحجم المعوقات والعراقيل التي توضع بقصد وبدون قصد أمام حركة عجلة المؤسسة لانجاز مهامها، حيث لا تحظى مؤسسة الشهداء باهتمام بعض المسئولين العراقيين، ويحاول بعضهم جاهدا، النيل منها بين الحين والآخر بمختلف التصرفات والسلوكيات، أقلها عدم التعاون مع مؤسسة الشهداء في تطبيق قوانينها المرتبطة بمؤسسات الدولة التي يشرفون عليها. وقد كشف الدكتور "خلف عبد الصمد" رئيس مؤسسة الشهداء - خلال قناة العراقية الفضائية في برنامج "لقاء خاص" - ما معناه " أن بعض المسئولين قال له ما حاجتنا إلى مؤسسة باسم الشهداء؛ الناس ماتوا والله يرحمهم"!.
كتب صابر الشمري على موقع منتديات خالدون "السيد معالي رئيس المؤسسة المحترم، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، بارك الله فيك على هذه الجهود المبذولة، ولكن اعلم يا معالي رئيس المؤسسة أن الظلم والحيف، الموجود الآن، والواقع على أبناء الشهداء لا يقل على ذلك الظلم الذي وقع عليهم سابقا، وإلا ما معنى قانون التقاعد الذي يتكلمون عنه.. نحن عائله مكونه من ثمانية أبناء عندما اعدم والدنا رحمه الله كان أكبرنا عمره 12 سنه، وأصغرنا عمره سنتين، والآن أصبح كبيرنا عمره 43 سنه، وصغيرنا عمره 26 سنه، وبعد إعدام والدنا تمت مصادرة أملاكنا ورواتب والدنا لان وظيفته معلم.
والآن وبعد سقوط النظام الصدامي، قدمت طلب إلى وزارة التربية طلبت فيه استرداد حقنا وهي المبالغ المصادرة من تاريخ اعتقال والدي في 1982 ، والى يوم سقوط النظام، ولكن المفاجئة والطامة الكبرى قالوا لي بإنه لا يحق لي المطالبة برواتب والدي؛ لأنه لا يوجد قانون ينص على ذلك؛ ولكن رواتب البعثيين والصدامين من الموظفين والضباط تدفع لهم وهم في سوريه والأردن، وغيرها..!!"
وحسب "الهدى في 11-03-2009 " فقد " شكا عدد من العوائل من التأخر في تسديد المنحة، وتخصيص قطع الأراضي في محافظة كربلاء، متهمين المؤسسة بالتقصير، ويقول أبو حسن من كربلاء المقدسة، وهو من ضمن العوائل المسجلة لدى المؤسسة، أن أعمال المؤسسة دعائية أكثر مما هي خدمية، ويضيف (م.ج) أبن أحد الشهداء المسجلين في المؤسسة: قبل فترة وجيزة أخبرنا بأن المؤسسة ستقوم بتوزيع 500 ألف دينار كمنحة لطلاب المعاهد والجامعات، إلا انه لم يتم التوزيع سوى على عدد قليل لا يتعدى عدد الأصابع. ويقول احد أبناء الشهداء الخريجين من الجامعات وهو ضياء باقر: قالوا لنا سيتم توزيع مبالغ لكل من لديه شهادة عليا، إلا انه لم نستلم شيء حتى هذه اللحظة. يذكر انه كان من المقرر أن يتم توزيع المنح المالية على العوائل منذ شهر تشرين الثاني من العام الماضي".
وقال الدكتور خلف عبد الصمد في حديث لـ"نيوزماتيك"، إن "قانون التقاعد يعتبر أحد أبرز العراقيل حاليا أمام تسلم ذوي الشهداء في العراق الذين قتلوا لقضايا سياسية إبان النظام السابق رواتب تقاعدية"، وأوضح "وذلك بسبب احتواء القانون على مادة تمنع حصول الشخص الذي يبلغ سن الثامنة عشر على الاستحقاقات التقاعدية من معيله المتوفى".
وأضاف خلف أن "قانون التقاعد وإجراءات دائرة التقاعد العامة في العراق لا تنسجم مع قانون مؤسسة الشهداء التي تتعامل مع جميع ضحايا نظام صدام حسين منذ عام 1968 وحتى عام 2003، والذين مر عليهم أكثر من 35 سنة، بحيث تجاوز ذويهم سن الثامنة عشرة بكثير"، حسب قوله.
وأشار خلف إلى أن "بقاء قانون التقاعد العام على حاله من دون تعديل يعني حرمان 90% من ذوي الشهداء من الرواتب التقاعدية، وبالتالي استمرار التهميش التي تعاني منه هذه الشريحة في البلاد".
ورغم أن هناك إشارات إيجابية وانفراج حاصل في علاقة مؤسسة الشهداء بوزارة المالية ومديرية التقاعد، ولكن يظل من المهم جدا، إعطاء فرصة أكبر وصلاحيات أكثر للمؤسسات الدستورية الراعية لشؤون المتضررين والضحايا من أمثال مؤسسة الشهداء والسجناء ولجان المفصولين، لكي تتمكن هذه المؤسسات من أداء دورها بالتزامن مع الأدوار التي يمكن أن تقوم بها المؤسسات السياسية الأخرى، لتتكاتف جميعها وتتسابق في الوصول إلى جوهر العدالة الانتقالية، فواقع الحال يشهد أن مؤسسات الضحايا وذويهم تتعرض إلى مزيد من التقييد، ومزيد من التعطيل المتعمد من قبل بعض المسئولين في الحكومة العراقية لا يرغبون ولا يريدون أن تتحقق العدالة للجميع.
كذلك بوسع الحكومة العراقية العمل بشكل أكثر جدية وواقعية على تهيئة الظروف الملائمة لصيانة كرامة ذوي الشهداء وضحايا النظام البائد، وتحقيق العدل بواسطة التعويض عن بعض ما لحق بهم من الضرر والمعاناة، ويمكن أن يتم التعويض المادي عن طريق منح أموال أو حوافز مادية، كما يمكن أن يشمل تقديم خدمات مجانية أو تفضيلية، كالصحة والتعليم والإسكان.
ومن المهم أيضا، أن تعمل حكومة العراقية والأطراف المعنية بالعدالة الانتقالية، بشكل جدي وحقيقي على إعادة النظر بكل القوانين والتعليمات والإجراءات التي تفضي إلى تسهيل وتقديم كل الخدمات التي من شأنها تخفف وطأة الظروف التي عاشها الضحايا أو أهليهم بما يجعلهم أكثر ميلا لقبول وتعزيز مبدأ العدالة الانتقالية، كتسهيل انتقالهم أو عودتهم أو استرجاع حقوقهم أو منحهم جنسية، وغيرها. وبغير ذلك لا يحق لنا أن نتحدث عن عراق جديد.