Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

متغيّر أمريكي أم إستراتيجية جديدة ؟

لقد كان خطاب باراك اوباما في معسكر لوجون بكارولينا الشمالية يوم الجمعة الماضي ، مثيرا جدا ، وبدا كمّن أثلج صدور كل من الأمريكيين والعراقيين معا ! ولكن علينا أن نتساءل : هل هو متغّير أمريكي أم إستراتيجية جديدة في العراق ؟ انه بالتأكيد ، علامة بارزة لمرحلة قادمة في العراق وكل الشرق الأوسط .. خصوصا وان أسباب وعوامل الصراع لم تظهر حتى الآن أمريكيا ، ولا يعلم أحد ما الذي بدأته الولايات المتحدة وما الذي أرادته .. فإذا كانت اليوم تتخّلى عن الحرب ، فهل تخّلت عن استراتيجياتها كلها ؟ والسؤال الآخر : هل يعّبر اوباما نفسه عن متّغيرات باستطاعته صناعتها ، أم أنها استراتيجيه أمريكية جديدة وجدها أوباما أمامه ، وبدأ يعّبر عنها وكأنه صاحبها ؟ إن الرجل قد عرف من خطاباته ومواقفه السابقة انه رافض للحرب التي سماها بالغبية ! ولكن هل الحرب إزاء العراق كانت مجردة من أية إستراتيجية ، كما يفهمهما البعض ؟ وهل أحرقت الولايات الأمريكية كل ملياراتها سدى ، والاهم كل أوراقها في العراق ؟ علينا أن ندرك إن سحب القوات الأمريكية وإنهاء حالة الحرب شيء ، والبدء بإستراتيجية جديدة في العراق شيء آخر ، ذلك أن الاتفاقية التي وقعت بين الطرفين كانت منجزا للرئيس الأمريكي السابق .. وجاء اوباما ليقطف ثمار الأول الذي انتهى نهاية مخجلة ومريرة اثر تجربة غير موفقة أبدا ، بسبب ما ارتكبه وأعوانه من أخطاء لا تغتفر في العراق .. ويرى بعض المراقبين أن حرب العراق هي التي أتت نتائجها بزعيم مثل اوباما إلى السلطة لأول مرة في التاريخ !

لقد أصبح لاوباما القدرة في أن يكشف النقاب عن خطة " إنهاء الحرب في العراق " من دون تناقض ، ولا إلى أية صياغات ملتوية ، ولا إلى التشدق بالانتصار .. فما يهمه ، هو الانتصار الذي حققه هو على خيبات الأمل التي مني بها الرئيس السابق .. أنني لم أجد أية صدمات في خطابه الأخير ، بل هناك تاريخ محدد لانسحاب القوات القتالية بعد 16 شهرا ، وهو جدول زمني كانت قد حددته الإستراتيجية الجديدة التي وعد بها عام 2008 ، وان جميع القوات الأمريكية سوف ترحل نهاية عام 2011 .. ولكن السؤال : هل ستنهي الولايات المتحدة نفوذها بالعراق ؟ هل باستطاعة العراق ، تحديد مستقبله نفسه بنفسه ؟ هل له القدرة على مواجهة دول الإقليم مجتمعة أم منقسمة ؟ هل قدمت الولايات المتحدة ما عليها من استحقاقات للعراق الذي دّمرته آلتها الحربية على مدى سنوات طوال ؟ قد يكون للخطاب الأمريكي تأثير قوة هائلة بالانسحاب ، ولكن هل بإمكانها أن تفصح عن إستراتيجيتها الجديدة للمرحلة القادمة ؟ خصوصا وان العراق يمّثل قلب الشرق الأوسط ، ونحن نعرف عملية المد والجزر بين الولايات المتحدة وإيران مثلا .. فهل ستبدأ صفحة خفية من الصراع ضمن إستراتيجية جديدة باسم متغّير العراق ؟ هذا ما لا تريد الولايات المتحدة أن تفصح عنه ! إن العديد من قوى العراق السياسية ستجد نفسها في مواجهة حقيقية مع الشعب . وعليه ، فإنها سترحل مع الأمريكان .

إن اوباما يريد إنهاء الحرب ليزيد من شعبيته استعدادا للدخول في الحملة الانتخابية لعام 2012 ، وانه الرجل الذي وعد فعل .. وانه يأمر بغلق غوانتانامو وان الولايات المتحدة لا تمارس التعذيب ! انه بالفعل زعيم ذكي وظف التحولات الإستراتيجية لصالح متغيراته هو نفسه .. إنني أقول بأن الرجل لا يقامر ، بل انه يعّبر عن واقع جديد صنعته المرحلة الجديدة . إن المهم بالنسبة لكل العراقيين ، ليس اوباما بالذات ، بل هو إدراك ما يمكن عمله في المستقبل ؟ وكيفية التعامل مع الإستراتيجية الجديدة ؟ ما تداعيات سحب القوات الأمريكية من العراق ؟ هل سيقبل العراق على مرحلة أفضل بكثير من تلك التي عاشها ضمن إستراتيجية الحرب ؟ أم أن صفحة تاريخية جديدة ستبدأ ؟ ما طبيعة علاقته بالولايات المتحدة الأميركية من ناحية ، وهل ثمة فراغ سيحدث بعد انسحاب القوات الأمريكية من العراق بحلول آب/ أغسطس 2010 ؟ هل أن من سيتبقى من القوات الأمريكية في العراق ستتحدد مهامه بالتدريب ومكافحة الإرهاب وادوار غير قتالية مثلا كما صرح أوباما ؟ أم أن أبعادا جديدة ستبدأ منذ الآن في العام 2009 ، وقبل إنهاء حالة الحرب ؟ ووفقا للتقارير ، اوباما سيزيل 90000 من القوات المقاتلة الحالية المقدر عددها بـ 140000 جندي في طول البلاد العراقية وعرضها ،أي الإبقاء على 50000 مقاتلا .

إن ما يعنينا نحن من العراق لا يعني غيرنا ، إذ ينبغي أن يبدأ العراق تاريخا وطنيا جديدا ، ومن خلال مشروع وطني بعيدا عن أي إستراتيجية أمريكية لم تساهم سابقتها إلا بهتك العراق وإشعال الصراعات فيه .. وإبقائه بلدا عاجزا يعيش ما قبل عصر النهضة .. يهمنا ، التئام الشعب العراقي على نفسه بعيدا عن أية أجندة إقليمية .. ويعنينا حفاظ العراق على ثرواته ، والبدء بمشروعات إصلاحية كبرى .. يهمنا جدا ، نسيان الماضي وجروحه وبداية عهد جديد ، يتوفر فيه الأمن والنظام والخدمات والعمل والرخاء لشعب عاش الحروب القاسية وأوضارها منذ ثلاثين سنة 1979 – 2009 .. يهمنا أن يدرك بعض العراقيين أنفسهم بأن أمريكا ليست الأب الرحيم لهم ، وان كل متغيراتها واستراتيجياتها تتحرك من اجل مصالحها هي نفسها ، لا من اجل مصالح الآخرين . وان على العراقيين أن يتعاملوا مع المستقبل على هذا الأساس..

البيان الاماراتية



www.sayyaraljamil.com



Opinions