Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

معلولة أيتها الروح

تتحدث الراهبة عن أصوات في السماء وأخرى من حول الجبل ،ولاتجد بشرا من حولها ،فشوارع المدينة التاريخية التي تحتضن إرثا مسيحيا خالدا والتي تقع الى الشمال من العاصمة دمشق خلت من المارة ،بينما الطعام شحيح والاديرة صامتة تنتظر قذيفة مدفع تردد الصلوات وصدى أنين طفل باك ترعاه الأم الراهبة بحنان ،وتمسح الدمع عن وجهه الشاحب والمصفر هلعا من خطر محدق في الجوار ،فالقادمون الجدد الذين أسسوا لمايعرف بنظام التكفير العالمي يحتشدون ليمنعوا حركة الحياة لأنهم ببساطة يرونها في السماء وليست في الأرض ، ويفضلون إبادة الجنس البشري الضال دون السماح له بالبقاء والإستمرار في العيش بسلام لاينقطع لأن السلام الذي يريدون هو سلام الحراب المنقوعة بدم الأطفال والمملوحة برقاب النساء الفاجرات كما يرون فيهن لمجرد أنهن لبسن ثيابا لايشتهيها المجاهد ،  أو أظهرن من زينتهن ماأغوت مجاهدا آخر ،بينما تكون المرأة مرغوبة محبوبة مجلوبة من أصقاع الأرض حين يخلو بنفسه ويشتهي حشرجة الروح وهي تضاجع شهوة أخرى.

منذ أيام والمعارك تشتد حول المدينة الصغيرة ( معلولة) التي تحفل بكنوز من الأديرة والتراث الديني الخالد المحفوف بجبال أبدعتها الطبيعة وجللتها المشيئة ونسجت من حولها رداءأ من السحر فتناغم صوت الأجراس بهديل الحمام وترانيم الكنائس المتناثرة في عمق الجبل والمحفورة في ذاكرتها في لوحة عجيبة مذهلة تفوق مدينة البتراء الأردنية أو تضاهيها في الروعة ،وربما لم نكن لنتنبه لوجود هذه المدينة بهذه الروعة لولا ( جبهة النصرة ) و( الجيش الحر) ولولا قصف الطائرات الحكومية للجماعات التي تحاول السيطرة على الشوارع والمبان ، بينما الكل يدعي الحرص على معالمها وخلودها ويعدها تراثا سوريا وعالميا مأمونا ومحميا ،لكن قصف المدافع وإطلاق النار الكثيف لايشي برغبة لدى أي طرف أنه يريد الحفاظ على مبادئه الإنسانية مقابل رغبته بتحقيق نصر على عدو ينافسه في مكان وزمان واحد، وليس مهما من يكون الضحية ، ولم يعد مهما نوع السلاح المستخدم في المعركة الدائرة التي يشتبك فيها التاريخ بالدين بالقومية بالطموحات الشخصية ، ويسفك فيها دم الأطفال والشيوخ والنساء والمتحاربين.

فقدت سوريا كما العراق ،كما اليمن ،كما مصر،كما تونس وليبيا وسواها من بلاد ،وحتى أفغانستان الكثير الكثير من تراثها وكنوزها التاريخية عبر حقب تاريخية ،بفعل الإستعمار ،أو الحروب الداخلية التي دمرت العديد من المعالم وسمحت لسراق الكنوز والآثار أن يعبثوا بغياب القانون ولا مبالاة الجهات المسؤولة عن المدن الأثرية والممالك القديمة المطوية والمعابد والأضرحة والأديرة والمكتبات والقصور الشامخة والمقابر التي تحتفظ بأسرار العالم القديم وبكنوزه التي لاتحصى ولاتعد ،وهي جرائم تتكرر كل فترة ،حتى إن سؤالا طرحته مذيعة في ال بي بي سي حول أيهما تفضل بقاء الآثار في مواطنها الأصلية مع ،إحتمال نهبها وتخريبها وضياعها الى الأبد؟ أم بقائها في مراكز الآثار والمتاحف الكبرى في أوربا ؟ وكان جواب البعض من المثقفين ،إن حفظها في أوربا خير من بقائها في بلاد لاترى لها من أهمية ولاتحفل بها وتتعامل معها كما تتعامل مع تراب الطريق ،وعلى الأقل ففي متاحف أوربا تحفظ وتصان ويطلع عليها السياح من كل الدنيا ويعرفون لمن تعود، ولحضارة أي بلد وتاريخها ،فلاتضيع لأن الذين يحتفظون بها ويصونونها ويرممونها ويعرضونها لا يستطيعون إنكار لمن تعود بل يكتبون عليها عبارات تشرح الكثير من معالمها والحقب التي تمثل ومن أي بلاد جاءت ..

Hadeejalu71@yahoo.com






 

Opinions