مَنْ قال إن المطران الشهيد يساوي قاتله ؟!
ترى , هل أسأنا , دون ان ندري , الى المطران الشهيد بولص فرج رحو , عندما تعاملنا مع خبر اعدام من دانه القضاء على فعلته الشنيعة , في انه نصر وفرح ؟! مَن قال ان الاسقف الشهيد وهوعيون تُرشد الامم والنحل الى طرق الخير والمحبة والسلام يمكن ان يساوي او يوضع في الميزان ليعادل كفة اخرى لاتوجد فيها سوى عين مفقوءة مظلمة ؟! مَنْ قال ان سِنً المطران الشهيد , الذي كان يعزف مع باقي اسنانه , لحنا لأعذب واجمل جمل التأخي والترفٍع والسمو يمكن ان يساوي سِنًا وصلت به الخِسًة حد العظم , ولم تعد تفيده حشوة طبيب , فحكم عليه بالقلع ؟! . تُرى هل كانت لحظة ضعف وغلَبة لمشاعر الحزن والألم والإنتقام أصابت قناة عشتار الفضائية , وهي تحي يوم الشهيد الاشوري ببرامج وفعاليات رائعة ,فتعاملت مع نبأ تنفيذ الحكم على المجرم الذي ارتكب جريمته بحق المطران الشهيد فرج رحو بهذا الشكل الغريب عن طبيعتنا , عن خلفيتنا , عن مبادئنا . ثقافة الفرح بالانتقام هي ثوب ليس على مقاسنا , ناهيكم عن ان ظهورنا به يبعث على التقزز والاشمئزاز , في داخلنا قبل الاخرين , فنحن نفتقر اصلا الى غريزة الانتقام لكي نبحث عن ما يُشبعها , فالأية الرائعة التي تقتل جيوشا من ( شنيعي الافعال , ضعاف النفوس ) توصي وتجلجل في ان لاننتقم لأنفسنا , بل نترك ذلك لغضب الله . يقينا ليست هذه دعوة للخنوع والاستسلام ,وتقبل الضربات بصمت , وإعطاء الخد الايمن بعد الايسر , كما انها ليست رفضا لقرارات القضاء وتعاطفا مع شريعة الغاب ! بل هي دعوة لكي تبقى ايادينا بيضاء ناصعة , و يبقى ضعاف النفوس يحلمون بتقبيلها , تأبى ان تتلوث , باي شكل من الاشكال , حتى ولو بغبار الجريمة , وتترفع اساسا عن اية محاولة لسحبها الى مستنقع او ساحة التلوث , فتبقى الاسمى والأنقى على الدوام .الغالبية الساحقة من ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري تعتقد , ويتملًكُها شعور واحساس يؤكد ذلك الاعتقاد , في ان جريمة اغتيال الاسقف الشهيد بولص فرج رحو هي اكبر من ان تكون جريمة جنائية شخصية يُسدل الستار عن فصولها ويُطوى ويُحفظ مِلفًُها بمجرد ادانة شخص ما بعد اعترافه وثبوت الأدلة عليه . ان اختصار الجريمة في الركن الجنائي الشخصي ومحاولة تسويف الاركان الاخرى لها , الدينية والقومية والسياسية والوطنية والاجتماعية , هو ظلم بحق المجني عليه وشعبه قبل ان يكون عدالة بحق الجاني . ان اغتيال المطران رحو واغتيال السيد الحكيم والسيد الخوئي في النجف وتفجير موكب رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري في بيروت , بل وتفجير المراقد في سامراء والكنائس في بغداد والموصل , جميع ما تقدم هي جرائم تشترك في الارضية العامة لأركانها , وإن اختلفت تفاصيل واهداف تلك الاركان , ولايمكن باي حال من الاحوال , بل ليس عدلا , ان يتم حل لغز اي من تلك الجرائم على انه معادلة بسيطة من الدرجة الاولى يكفل تحديد قيمة المتغير الجنائي الشخصي بحلٍها , بل من العدل ان يتم ايضا في جريمة اغتيال المطران رحو , كما في نظيراتها من الحالات الاخرى , تحديد دور وقيمة كل المتغيرات وبناء معادلة تكون درجتها على استحقاق تلك المتغيرات , وعدم التكاسل او التذمر او اللف والدوران لغايات معينة من التعقيد الذي سينتج في طريق الحل , لان ذلك الحل الشامل فقط سيغطي بالتأكيد واقع الجريمة بشكل كامل , وهو الذي سيكون رادعا للاخرين من التفكير في تكرارها , وليس انصاف الحلول او حلول المعادلات البسيطة البائسة الناقصة .
اننا نعتقد ان قناة عشتار الفضائية كانت ستكون مُحقٍة في إعطاء الاهمية التي اعطتها لنبأ قرب تنفيذ حكم الإعدام لو كانت القناة قد واكبت احداث المحكمة وتفاصيل جلساتها وسُمح لها ببث تلك الجلسات ليطلٍع عليها شعبنا . اذا كانت المحكمة لم تجد أذنا صاغية لدى الفضائيات الاخرى , تُعبٍر فيها , تلك الفضائيات , عن رغبتها في نقل وقائع المحكمة , بالرغم من ان اي فرد من ابناء شعبنا لايرى ان جريمة اغتيال المطران الشهيد تقل في اهميتها او خطورتها ونتائجها عن اية جريمة اخرى عالجتها او تعالجها المحكمة الجنائية المركزية كجرائم الانتفاضة والتجار وصلاة الجمعة على سبيل المثال والتي تُبث جلساتها بشكل منتظم , فإن الاعتقاد السائد يكمن في ان عشتار لايمكنها العزوف عن فعل ذلك , في حالة الطلب اليها , لانها تعلم علم اليقين ان هذه الجريمة بالذات لها وقع خاص لدى شعبنا الكلداني السرياني الاشوري عموما , و شعبنا في مثل هذه الحالات , لاتهمه النتائج بقدر مايهمه استنباط الدروس والعبر من حيثيات القضية وتفاصيلها. اما اذا كانت المحكمة قد طلبت من عشتار بث وقائعها , وإعتذرت عشتار عن فعل ذلك بسبب اجتهاد توصلت اليه يتمثل في ان عدم بث تلك الوقائع هو افضل وأسلم لمصلحة شعبنا , فذلك موضوع اخر قابل للحوار والنقاش . ربما تمنى الكثيرون , في سرٍهم , على عائلة المطران الشهيد فرج رحو عدم حضور مراسيم تنفيذ حكم الاعدام لان ذلك يُذكٍرهم بموقف اخر لايملك المرء إلا ان يقف امامه بكل اجلال لمعانيه الانسانية النبيلة , ألا وهو موقف جمهور وبعض منظمات المجتمع المدني في ( حلبجة ) حين اعلنوا عن موقفهم الرافض لتنفيذ حكم الاعدام في مدينتهم , اي في حلبجة , ببعض المدانين في جريمة الانفال. ربما يقول البعض ان هذا يمثل تدخلا صارخا في الخصوصية الشخصية لعائلة المطران الشهيد , وهي بالتأكيد صاحبة القرار الاخير الذي نحترمه جميعا , ولكننا نعبر عن هذه التمنيات فقط ايمانا بان عائلة الشهيد المطران رحو قد باتت جميع ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري اينما كانوا , في الوطن او في الشتات . وهنا ايضا كنت اتمنى على جميع الاخوة , الذين سجلوا ردودهم في موقع قناة عشتار الفضائية على نبأ تنفيذ حكم الاعدام , والتي تفوح من بعضها رائحة التشفي وإشباع غريزة الانتقام , ان يكونوا قد فكروا مليا قبل الكتابة فربما كانت جمل الرحمة والتقديس والتبجيل لوحدها بحق المطران الشهيد أبلغ أثرا وتلبية لطريق الصليب الذي قطع شوطه الاسقف الشهيد , مع الاحترام الشديد والتفهم الكامل لمشاعر واراء الجميع من الاخوة الافاضل في العائلة الخاصة للمطران الشهيد او كتبة الردود , فاختلافنا في الرأي لايُفسد في الود قضية , واجتهادنا يمكن ان ينال الخطأ او الصواب .
ايها المطران الشهيد , يا مطراننا جميعا , ومَن ْ ذا الذي ينكر حصة أحدنا فيك , لك الرحمة وجنات الخلد والذكرى على الدوام .
كلدان سريان اشوريين , شعب واحد لمطران شهيد , انه بعض الوفاء ان نكون ونبقى كما أوصى , مسيحيون حتى النخاع , قولا وفعلا , الى النفس الأخير. . . .