أهل الموصل والأقليات التاريخية وفصائل الأرهاب
habeebtomi@yahoo.com
تساؤلات ليست بريئة تحوم حول الموصل وأهل الموصل وعن وضع الأقليات في هذه المدينة وحول تعشش الأرهاب في كل زاوية من دروبها العتيقة وفي كل منعطف من شوارعها الواسعة الحديثة .
كانت الموصل الى تاريخ قريب مركز تجمع خليط عرقي وديني متشابك تفرضه الجغرافية والمصالح الأقتصادية المتبادلة ، مع حتمية تاريخية مشتركة تفرضها قواعد الهوية العراقية وأسس الدفاع عن الوطن الواحد .
المكانة التاريخية للموصل والموقع الجغرافي المتميز قد وضعا هذه المدينة في مكان الصدارة في المنطقة وباتت مركز جذب تجاري من كل الجهات وبعض الثقات يرجع اسمها ( الموصل ) الى هذه السمة باعتبارها همزة وصل بين مناطق تجارية مهمة .
لأهل الموصل علاقات اقتصادية وثيقة بأهل المنطقة من الأقليات التاريخية ، بعض القرى في سهل نينوى ( سهل الموصل ) كانت وربما لا زالت مملوكة لملاكين في الموصل ، وأسواق الموصل وعلاويها هي المحطة الرئيسية لتسويق وتجارة المواد الزراعية كالحنطة والشعير والعدس والرز ومنتجات البرغل والحبية والجريش ، وبعد ذلك تتسابق محلات الموصل بعرض المنتجات المختلفة من الفواكه والخضر لا سيما ايام الصيف : الرمان والتفاح والرقي والبطيخ والعنب والترعوزي والعرموط والتين وخيار القثاء ..
كانت تلسقف مصدراً مهماً لتوريد الأواني الفخارية والفراوي التي كانت تشتهر بصناعتها ، وباطنايا التي كانت تشتهر بصناعة الحصران وألقوش بصناعة ملابس الأكراد ( الشال والشبوك ) ، وهكذا تبقى الموصل السوق الذي تصرف فيها البضاعة لقد عرفت الموصل بأنها حب الماء وهو الإناء الفخاري المملوء بماء الشرب ويحتاجه الأنسان بصورة مستمرة .
وكان للموصل فوائد أخرى فأطباءها قد طبقت شهرتهم الآفاق ، أما مدارسها المتوسطة والثانوية والمدرسين الموهوبين فتشكل قبلة من يتلهف الدراسة والأجتهاد ونيل الدرجات العالية . في الصباح الباكر تدخل المدينة آلاف السيارات المحملة بمختلف البضائع ويؤمها آلاف الأشخاص من القرى والبلدات المجاورة بقصد العمل او التجارة او العلاج وفي المساء يغادر هذا الجمع الى مدنه وقراه ، وفي النهار ترى شوارع الموصل زاخرة بخليط بشري غريب عجيب مختلف الأزياء : الكردية والعربية ولكل بلدة أزيائها ، فأزياء القوش الشعبية تختلف عن القره قوشية والتلسقفية تختلف عن التلكيفية وعن البطناوية واليزيدية الجميلة والكردية وهلم جراً في هذا النسيج المجتمعي الجميل .
وتتداخل الألحان والأنغام وأنت تسير امام قهوة وأخرى من مقام عراقي ليوسف عمر وناظم الغزالي الى محمد عارف جزراوي الى مريم خاني الى حضيري أبو عزيز . الى الأغاني التركية وفي الطريق تسمع أحاديث بالعربية وبالكردية والأرمنية والتركمانية والكلدانية .. حقاً قيل انه متحف حي طبيعي متحرك .
واليوم :
اليوم والحسرة تملأ قلوبنا ، فهذا النسيج الجميل قد اختفى عن الوجود وحل محله اللون الواحد ، اليوم ينمو بأرض الموصل التاريخية زؤان الأرهاب الذي يقلع كل النباتات وكل الأزهار الجميلة من هذه الأرض الطيبة ، قلع الأرهاب الذي لا يطيق الجمال والمحبة ، قلع جذور هذه الأقليات الجميلة الطيبة ، وحاربها ، فاختفت الوانها الجميلة الزاهية ، وأصبحت مدينة الموصل مدينة خاضعة للعنف والدم والأشباح .
والسؤال المثار : ما هو موقف أهل الموصل من كل ما يتعرض له ابناء الأقليات في مدينتهم ؟
لماذا الصمت المطبق حينما يتعرض للأغتيال الأب كني ورفاقه في شوارع الموصل وفي وضح النهار ، أين أهل الموصل من عملية أختطاف رئيس أساقفة الكنيسة الكاثوليكية للكلدان مار بولص فرج رحو واغتيال مرافقيه فارس ورامي وسمير بعد خروجهم من كنيسة الروح القدس ( السفينة ) وفي وضح النهار ؟
أتساءل هل أهل موصل مع الأرهابيين ام مع أصدقائهم وابناء وطنهم وشعبهم أبناء الأقليات المحبين للسلام ، لماذا كل هذا السكوت عن الجرائم التي تطال الأقليات وبضمنهم ابناء شعبنا الكلدانــي ؟ أين محافظ الموصل ؟ اين أبناء الموصل من الذي يجري على أرضهم ؟ ينبغي ان نعلم جميعاً أننا لانستطيع الأبتعاد عن حقائق التاريخ وعن استحقاقات الجغرافيا .
ألم تكن رمادي مرتعاً خصباً للأرهاب ؟ وكيف استطاع شعب هذه المدينة من قلع جذور الأرهاب في مجمل محافظة الأنبار ؟
وماذا عن القوات الحكومية وقوات التحالف التي وقفت مشلولة امام هذه الجرائم النكراء ، لقد سمعنا كثيراً عن تحرك القوات الحكومية وعن التصميم لقلع جذور الأرهاب من مدينة الموصل لكن فقط نسمع جعجعة ولا نرى طحيناً . سمعنا قولاً ولم نرى فعلاً ؟
هل حكومتنا عاجزة عن إداء واجبها في المحافظة على المسـاجد والكنائـس والمعابد ، فإن كانت عاجزة الى هذه الدرجة فلماذا لا تستقيل لتأتي حكومة قادرة على إداء واجبها اتجاه المواطنين جميعاً بصورة متسـاوية ؟ إنه أمر مثير للأستغراب ، أن يقتل بالمئات من ابناء الشعب الأبرياء وكان يجدر بالحكومة على الأقل ان تنكس العلم او تعلن حزناً او حداداً على الضحايا الأبرياء الذين يتساقطون يومياً .
إن اهل الموصل الكرام مدعوون لكي يعودوا الى علاقاتهم وصداقاتهم التاريخية مع المسيحيين واليزيدية وغيرهم من ألأقليات الدينية والعرقية ، إنها احكام وناموس الجيرة التاريخية التي لا يمكن تبديلها او إلغائها ، ونتمنى ان تعود موصل الى سابق عهدها في التآخي مع الأقليات وفي شعورها بواجبها بالمحافظة على رموز هذه المدينة وفي مقدمتهم الأسقف الكلـــداني مار بولس فرج رحّو الذي نتمنى له العودة الى اهله وذويه والى كنيسته ومدينته الموصل ووطنه العراق . ورحم الله رفاقه الشهداء الأبرار فارس جرجيس خضر ، ورامي حكمت بولص ، وسمير عبد الأحد دانو .
حبيب تومي / اوسلو