استمرار الخيانة الكردية للقضية الآشورية
توضيح: في خريف من عام 1998 كتبت مقالاً بعنوان ( في ضوء المصالحة الكردية – الكردية والمشروع الفدرالي ـ هل تخضع حقوق الآشوريين في شمال العراق إلى مساومات سياسية) ونشرته تحت أسم قلمي (حنا سوريشو) تناول نشاطات الكرد في العراق في زرع الفتنة الطائفية بين الآشوريين للقضاء على مطالبهم القومية المشروعة عن طريق تعظيم وترسيخ تقسيمهم الطائفي لكي يسهل القضاء عليهم قومياً. كما تناول المقال المصير الذي سيلحق بالآشوريين في حال ضمان الكرد حقوقهم وفدراليتهم عن طريق التفاوض مع النظام البعثي الاستبدادي حينذاك والوصول إلى اتفاق معه وأين سيكون موقع الآشوريين من هذه الفدرالية وهذا الاتفاق؟واليوم، وخلال ثمان سنوات التي تلت كتابة هذا المقال حدثت أشياء دراماتيكية عديدة منها تحرير العراق ومحق النظام البعثي وبلبلة الأمور كلياً وظهور الكتلة الشيعية والكردية كقوى سياسية بارزة ومسيطرة يفرضان إرادتهما على المصائر السياسية للعراق ولشعبه بمختلف تنوعاته القومية والدينية ويظهران وكأنهما ماردان جائعان جداً انهالوا على الكعكة أكلاً ونهباً ولم يتركوا شيئاً للصغار ولم يقدروا أو يتذكروا النضال الشريف الذي خاضه الآشوريون بقيادة الحركة الديمقراطية الآشورية خلال فترة حكم النظام العراقي المقبور وما عانوه من مختلف المآسي والمظالم خلال فترة هذا الحكم. فهذه ممارسة غير سياسية ولا ديمقراطية إطلاقاً بل هو تصرف غير حضاري وثقافي وفكري ينم عن قلة التجربة في السلطة وفي التعامل مع الغير المختلف، لا بل هي نسخة تقليدية لبعض السياسات الاستبدادية للأنظمة العراقية السابقة التي تناوبت على السلطة في العراق. رسالة الآشوريين الكلدانيين السريان لجميع القوى العراقية هي أن يفسحوا المجال لهم للممارسة حقوقهم بشكل قويم ومستقل وبدون تدخل من أحد وسوف يرون الفائدة التي سيجنون من هذه الممارسة وعلى مختلف المجالات الوطنية. والتاريخ شاهد على ما قدموه لهذا الوطن من تضحيات ودماء وإخلاص وتفاني أكثر مما قدموه غيرهم ولكم بالمقابل لم ينالوا إلا مزيد من الاضطهادات والمظالم والتي استنكفها حتى ديباجة الدستور المقترح أو تشكيل الوزارة الجديد ولا ندري ماذا يخفي المستقبل لأبناء أمتنا في أرض الوطن من هذه الممارسات غير الديموقراطية... فهل يعود صدام حسين تحت أسم أخر سواء أكان كردياً أو شيعياً أو سنياً أم يرجع التاريخ بنا إلى مذابح سميل لعام 1933؟ ... ليس بشكل مذابح جسدية وإنما بإفناء فكري وقومي وثقافي لأعرق شعب من شعوب العراق. حقاً قال المفكر الآشوري الكبير يوسف مالك عند انتقال العراق من الحكم العثماني إلى العربي (أن تغيير الفيسة ـ القبعة الرسمية التركية ـ بالسيدارة ـ القبعة الرسمية العربية في العراق ـ لا يعني تغييرا في المفاهيم والأفكار والسياسات).
وكما خطط الكرد وباشر بها قبل بضعة عقود فيما يخص ترسيخ التقسيم الطائفي للآشوريين وتسخيره لخدمة سياستهم غير المنصفة تجاه الآشوريين بشكل عام وتجاه أحزابهم ذات القرار المستقل بشكل خاص، فأن الفرص الذهبية متاحة في هذه الأيام للكرد لتطبيق ما خطط له في تدمير الأساس القومي للآشوريين سواء في معاداته للأحزاب الآشورية المستقلة أو عن طريق خلق أحزاب كارتونية أو إيجاد شخصيات اعتادت على تناول فتات موائد أسيادهم و يقومون بأدوارهم المشبوهة والمفضوحة نيابة عنهم في مزاحمة المناضلين المستقلين والبعيدين عن سياساتهم التآمرية وطرحهم على أساس أنهم يمثلون الشعب الآشوري/الكلداني/السرياني.
بعد سقوط النظام الاستبدادي في العراق خطت الحركة الديمقراطية الآشورية تساندها المنظمة الأثورية الديمقراطية يساندوهما معظم المثقفين والوحدويين من جميع الطوائف، خطت خطوة جريئة ومقدامة في مشروع محاولة احتواء التنوع الطائفي للآشوريين عن طريق الإقرار الرسمي بتسمية مركبة "كلدوآشوري" فنجحوا في إدراج هذه التسمية في قانون إدارة الدولة العراقية كأساس لإقرارها في الدستور المقترح فهز من جراء ذلك وفزع أعداء أمتنا الخارجيين التاريخيين والداخليين من الطائفيين المتزمتين في ظلام الماضي، فحشدوا أسلحتهم البشمركية والطائفية ضمن حلف غير مقدس فشنوا هجوماً عنيفاً ضد هذه الخطوة الوحدوية التاريخية وضد الشرفاء من الآشوريين وكرسوا أموالاً من المساعدات الأمريكية لبناء شمال الوطن لها لإسقاط هذا المشروع الوحدوي التاريخي فنجوا في وضع ( و) الكردية والطائفية بين الأخوة وأبناء أمة واحدة في مسودة الدستور المقترح لغرض يسهل تفتيتهم والتعامل معهم على أساس طائفي عاملين أسوت بما عمله حزب البعث الفاشي، فتمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من خلق أكثر من شخص يسخي بملايين الدولارات على الآشوريين ليس حباً بهم وإنما لغرض سحب البساط من تحت أرجل الحركة الديمقراطية الآشورية واحراجها في مثل هذه الظروف التي يصفق الجائع والفقير لكل من يدفع له دولارا واحداً ويجعله من أكبر القوميين والمناضلين.
واليوم وبعد ثمان سنوات، نعيد نشر هذا المقال كما هو بدون تغيير ليطلع القارئ الكريم على المخططات التي كان يخطط لها الكرد مع أعوانهم الأقزام في تدمير الأساس القومي للآشوريين، ذلك الأساس الذي تقوم عليه زخرفة من الطوائف والملل والعشائر والذي ليس عيباً أن نقر ونعترف بها ونوحدهم تحسب أية تسمية كانت بل أن العيب وكل العيب بل الجنون والخيانة هو أن نقلب الأمور رأساً على عقب ونجعل من الأساس فرعاً ومن الفرع أساساً ويستغلون ذلك لأهدافهم الشيطانية... هؤلاء يتخوفون من أية أسم يوحد أبناء الأمة سواء أكان مركباً من أسمين أو من عشرة أسماء لأنه يقضي مضجعهم ويفلس عقولهم العفنة وجيوبهم الخرقاء. وأخيراً وليس آخراً، أود أن أبين للقارئ الكريم أن الكتابة السياسية ليست سرداً للأحداث والتنكيل الفكري بالآخرين وإنما هو تحليل للواقع وبناء تصورات للمستقبل. من هذا المنطلق نرى أن ما كتبناه قبل ثمان سنوات ينطبق اليوم إن لم يكن بتفاصيله الكاملة وإنما بالتأكيد ينطبق في جوهر وأهدافه.
++++++++++++++++++++++++++++++
في ضوء المصالحة الكردية ـ الكردية والمشروع الفدرالي
هل تخضع حقوق الآشـوريين في شمال العراق إلى مساومات سياسية
حنا سوريشو
من الواضح أنه رغم عدم استقرار المنطقة الشمالية من العراق، فإن الآشوريين يتمتعون في ظل الهامش الديمقراطي الذي توفره جملة ظروف محلية وإقليمية ودولية استثنائية في تاريخ المنطقة، يتمتعوا بنوع من الحقوق والتي تعد الأولى من نوعها في تاريخ العراق السياسي. فالآشوريون يشاركون في البرلمان كما تشارك الحركة الديمقراطية الآشورية في الجبهة الكردستانية إضافة إلى حصة وزارة الأشغال والإسكان. والأهم من هذا الجانب السياسي هو المنجزات الثقافية التي تم تحقيقها خلال خمس سنوات الأخيرة كتعليم المناهج الرسمية المقررة في المرحلة الابتدائية باللغة السريانية في المدارس التي أكثريتها من الآشوريين وتأسيس المركز الثقافي الآشوري ومديريات للثقافة الآشورية وتعليم اللغة السريانية وإصدار المجلات والجرائد وطبع الكتب وغيرها من المنجزات الثقافية والفنية.
وإذا كان صحيحاً بأن هذه الحالة الاستثنائية في تاريخ العراق السياسي الحديث التي أناحت للآشوريين فرصة ممارسة جانب من حقوقهم القومية المشروعة هي إحدى إفرازات حرب الخليج الثانية وخروج المنطقة الشمالية من سيطرت النظام العراقي في بغداد الذي حرمهم من حقوقهم القومية والثقافية، فأن لهذه الفرصة الاستثنائية جانب آخر يتمثل جزء منه في قدرة الأكراد وزعامتهم وتنظيماتهم السياسية على التفهم المنطقي لطبيعة علاقتهم السياسية والجغرافية مع الآشوريين خاصة في العقود الخمسة الأخيرة. فمن المعروف أن الآشوريين عاشوا إلى جانب الأكراد منذ فترة طويلة حيث تتداخل أراض موطنهم التاريخي مع الحدود الجغرافية للمنطقة التي عرفت فيما بعد بـ " كردستان " فكان هذا التداخل إلى جانب الاختلافات الدينية والقومية التي استغلتها الدولتين العثمانية والفارسية في تحريض الكرد ضد الآشوريين وارتكاب المذابح بحقهم وتشريدهم من أراضيهم، من العوامل التي جعلت أن تتصف صفحات تاريخ العلاقات بينهما بالكثير من العداء والنفور والتوتر حتى نضوج وقيام الحركة القومية الكردية وتبلورها في أحزاب سياسية ومنظمات قومية، خاصة عند تأسيس الحزب الديمقراطي الكردستاني في الأربعينيات وبقيادة الزعيم ملا مصطفى البارزاني الذي كانت له علاقات وطيدة مع الكثير من الشخصيات الآشورية، وربما بسبب أصوله التاريخية التي ترجع إلى جذور آشورية مسيحية وتحديداً إلى عائلة القس داود التي كانت تسكن في قرية برزان قبل إسلامها في القرون الماضي، كما تذكر ذلك بعض الكتب الآشورية القديمة. فكان للإدراك الواعي للمصالح المشتركة في المنطقة وخضوعها ككل من دون تمييز بين كردي وآشوري إلى استبداد أو إهمال السلطة المركزية عامل أخر ساعد على انضمام بعض الآشوريين إلى حزب الديمقراطي الكردستاني، وهو الحزب الذي حاول إبعاد كلمة "كردي" من أسمه وإحلال محله " الكردستاني " كدليل على أنه حزب لسكان منطقة كردستان وليس للأكراد وحدهم، وهو الأسلوب الذي أتبعه مجموعة من الكرد بزعامة جلال الطالباني عندما انفصلت عن حزب الديمقراطي الكردستاني وأسست اتحاد الوطني الكردستاني.
ومن الملاحظ بأن اتحاد الوطني الكردستاني الذي يتركز وينشط في منطقة سوران، ومركزها مدينة السليمانية، لا يعاني من مشكلة الأقليات كما هو الحال مع حزب الديمقراطي الكردستاني الذي ينشط ويتركز في منطقة بهدينان ومركزها مدينة دهوك حيث هناك أقليات آشورية وتركمانية وحتى يزيدية وبعض الجيوب العربية والتي يستوجب التعامل معها بشيء من الفطنة السياسية خاصة في ظروف استثنائية كظروف المنطقة التي من ممكن أن تستغل من أجل زيادة التوتر وعدم الاستقرار أو تحقيق بعض المنافع أو تثبيت بعض المراكز كما هو الحال مع تركيا تجاه الأقلية التركمانية في العراق وهي نفس الورقة التي حاول اتحاد الوطني الكردستاني استخدامها في حربه "الباردة" مع الديمقراطي الكردستاني في دعواته المستمرة بضرورة حماية وصيانة حقوق الآشوريين والتركمان في المنطقة وكأسلوب لإحراج خصمه في هذه المسألة الحساسة. إضافة إلى ذلك فإن هناك عوامل أخرى ساهمت في بناء العلاقة المتفهمة للأكراد مع الآشوريين، منها وجود شخصيات آشورية مقربة إلى عائلة البارزاني وأعضاء في اللجنة المركزية والمكتب السياسي وبعضهم ناضلوا مع الحزب الديمقراطي الكردستاني وظلوا مخلصين للحركة الكردية ولقيادتها وضحوا من أجلها واستشهدوا في سبيلها. كما وأن الكرد الذين عانوا الأمرين من استبداد السلطة المركزية مثلما عانوا بقية الأقليات، خاصة الآشوريين منهم ، كان يستوجب على زعماؤهم أن يكونوا أكثر ديمقراطيةً مع الأقليات ويتفهموا معاناة المضطهدين لذلك كان لازم عليهم إظهار الحركة الكردية كحركة تقدمية ديمقراطية أمام الرأي العام العالمي فيما يخص تعاملها مع الآشوريين كأقلية قومية ومسيحية، سيما وإن الحقوق الممنوحة لهم لا تشكل تهديداً لا من الناحية العسكرية والسياسية ولا من الناحية الديموغرافية على السياسات الكردية في المنطقة وتجاه السلطة المركزية أو تجاه دول المنطقة. ولكن السؤال المفروض الآن هو: الى أي مدى يبقى الاكراد ديمقراطيون مع الآشوريين ومتسامحون مع ممارسة حقوقهم في المنطقة في ظل المصالحة الكردية ـ الكردية التي تمهد الطريق للمصالحة وتطبيع العلاقات مع النظام العراقي بعد مرحلة رفع العقوبات الاقتصادية أو بعد تحسين السمعة الدولية والإقليمية للنظام، خاصة إذا عرفنا بأنه للأكراد مشاكلهم التاريخية المستعصية تكفيهم للحد الذي لا يستطيعون تحمل مشاكل الغير أو الدفاع عنها والتضحية في سبيل حلها عندما يكون الموضوع متعلقاً بمصلحتهم القومية وتحقيق فدراليتهم مع النظام العراقي. ثم ماذا سيكون موقف الأكراد من حقوق الآشوريين في ظل هذه الفدرالية التي من غير الممكن أن تتم إلا ضمن الإطار الموحد للعراق وضمن اتفاق مع الحكومة المركزية في بغداد ؟. أي ما هو مصير حقوق الآشوريين في حالة التصالح مع هذا النظام الذي يرفض التعامل مع أية حقوق أخرى للأقليات، كحقوق الآشوريين، خارج إطار المشكلة الكردية ؟
ولمعرفة موقف الكرد تجاه الآشوريين في ظل المتغيرات الجديدة المحتملة لابد أن نتعرف على طبيعة تعامل الكرد مع الآشوريين وهي الطبيعة التي تدور ضمن إطارين:
الأول: علاقة الكرد مع الآشوريين كأقلية: وهي العلاقة المبنية على أساس إن الآشوريين أقلية كردستانية وفي بعض الأحيان يتماد التطرف في هذا المجال لدرجة اعتبار الآشوريين مجرد أقلية كردية مسيحية أو كرد مسيحيون يتم التعامل مع حقوقهم كجزء من حقوق الكرد بشكل عام دون تمييز أو اختلاف. وقد وجدت الحركة الكردية من يؤيدها في هذا السياق من بعض الآشوريين المنتمين إلى أحزاب هذه الحركة أو الذين يعادون أو يعارضون التطلعات القومية الآشورية ويتراصون مع النظام العراقي في معاداته لحقوق الآشوريين القومية. هذا الاتجاه لا يترك أية مشكلة بالنسبة لكرد ولا يشكل إعاقة أمام تحقيق المشروع الفدرالي الكردي مع النظام العراقي باعتباره جزء من مشكلة مجموعة "كردستانية“ تعالج ضمن إطار المشكلة الكردية ككل، وهو سبب رئيسي يدفع زعماء الحركة الكردية وعلى الدوام إلى تجاهل القضية الآشورية في وسائل الأعلام الدولية لا بل وحتى في تجاهل الدور الكبير الذي لعبه الآشوريون في الحركة الكردية وفي إسنادها ودعمها، وبالمقابل يترك مثل هذا الموقف حساسية وحالة من التوتر والقلق لدى المنظمات والحركات القومية الآشورية بشكل خاص ولدى الآشوريين بشكل عام ويثير لديهم نوع من المخاوف من ابتلاع قضيتهم وهضم حقوقهم ضمن القضية الكردية.
الثاني: علاقة الكرد مع الآشوريين كحركة قومية سياسية: للآشوريين حركة قومية تمتد بدايتها إلى فترة ما قبل الحرب العالمية الأولى، غير أنها لم تتبلور في تنظيمات سياسية حديثة إلا في منتصف هذا القرن. وبقدر تعلق الأمر في العراق وبمنطقته الشمالية فإن الحركة الديمقراطية الآشورية والمعروفة بـ "زوعــا" التي تأسست رسمياً عام 1979 والتحقت بالحركة المسلحة المعارضة للنظام العراقي في شمال العراق عام 1981، تعتبر أول حركة سياسية آشورية يتبلور في أهدافها وشعاراتها الطموحات القومية والوطنية وبشكل واضح ومتميز ومستقل عن غيرها من الحركات السياسية وبالأخص الحركة الكردية وتحديداً الحزب الديمقراطي الكردستاني. لقد فرض قوة تنظيم زوعـا وكثافة نشاطها ودعمها من قبل أكثرية الآشوريين سواء في العراق أم في بلدان المهجر أن تكون حقيقة واقعية لم يكن من السهل تجاهلها من قبل الحركات الكردية والسياسية في شمال العراق أو من قبل تنظيمات المعارضة العراقية فأتيح لها فرصة المشاركة في معظم النشاطات السياسية، خاصة مشاركتها في اللعبة الديمقراطية في شمال العراق وتحقيق بعض المكاسب في إطار الحقوق المشروعة للآشوريين التي سبق الإشارة إليها. هذه العلاقة السياسية مع الآشوريين وتنظيماتهم السياسية هي أساس الاتفاق القائم بينهما في ممارسة الآشوريين لحقوقهم القومية ضمن إطار المؤسسات والأنظمة الرسمية والسياسية والحزبية في المنطقة. ومما لا شك فيه إن المصالحة الكردية – الكردية والتي سيعقبها حتماً استقرار في المنطقة وازدهارها سينعكس ذلك إيجابياً على وضع الآشوريين من الناحية الأمنية والسياسية وتتعزز ممارسة حقوقهم القومية في المنطقة.
ولكن إلى أي حد تستطيع الحركة الكردية وأحزابها السياسية التعامل مع الآشوريين سياسياً ؟ أي التحالف مع الحركة الديمقراطية الآشورية فيما إذا تمت المصالحة الكردية – الكردية وتحققت على الواقع السياسي وأصبحت طريقاً ممهداً ومشجعاً للتفاوض مع النظام العراقي لتحقيق الفدرالية في المنطقة الشمالية أو تحقيق الحد الأدنى من العدالة للقضية الكردية. وأين ستكون حقوق الآشوريين أو موقع الحركة الديمقراطية الآشورية من هذا التفاوض وهل ستتخلى الأحزاب الكردية عنها أو تساومها أو ستعتبرها مجرد جزء من المشكلة الكردية على أساس اعتبار الآشوريين مجرد كرد مسيحيون ؟ وماذا سيكون موقف الحركة الديمقراطية الآشورية في حالة تفاوض الكرد مع النظام العراقي ؟ وماذا سيصبح مصير حقوق الآشوريين في المنطقة ؟؟ هذه التساؤلات التي تشغل بال الآشوريين بالدرجة الأولى نجد جانب من أجوبتها في التاريخ القريب عندما فاوض الكرد حكومة العراق عام 1992 حيث كانت الحركة الديمقراطية الآشورية والحزب الشيوعي العراقي الوحيدان اللذان أبديا تحفظاً على هذا التفاوض، وأساس تحفظ هذه الحركة كان ولا يزال هو أن النظام العراقي وحزب البعث الحاكم لا يعترف بوجود الآشوريين فكيف يتم التفاوض أو منح حقوق لشيء غير موجود وغير معترف به، فأساس حقوق الآشوريين في العراق يقوم على الشعار الذي رفعته هذه الحركة في "عراق ديمقراطي حر والإقرار بالوجود القومي الآشوري" وهو المبدأ الأساس الذي لا يمكن التنازل عنه، كما تقول عناصر في قيادة هذه الحركة، وبالمقابل هو المبدأ الذي لا يقبله النظام العراقي وحزب البعث الحاكم ولا يقبل التفاوض حوله لا بشكل مباشر ولا بواسطة الكرد، لذلك سيكون المبدأ الذي قد يشكل عاملاً معكراً لطبيعة علاقة الكرد مع الآشوريين ومعياراً لاختبار مصداقية الأكراد تجاه حقوق الآشوريين عند دخولهم في مفاوضات مع النظام العراقي.
إن ممارسة الآشوريين لبعض من حقوقهم القومية والتفافهم حول منظمتهم الطليعية، الحركة الديمقراطية الآشورية أصبحت جزء من الواقع الراهن ليس أمر إلغائها أو تجاهلها مقبولا على الإطلاق لا محلياً ولا دوليا لذلك عندما تحين فرصة التفاوض والمساومات لتحقيق المشروع الفدرالي قد تدفع الكرد إلى سياسة تحجيم هذه الحقوق وحصرها في مجالات معينة أو إيجاد منظمة آشورية بديلة للحركة الديمقراطية الآشورية تقبل بمثل هذه الحقوق كحل وسط تتوافق مع خفايا المشروع الفدرالي أو في كون الآشوريين مجرد أكراد مسيحيون ويرضي في نفس الوقت النظام العراقي ويحقق الحد الأدنى من مصداقية الكرد تجاه الآشوريين ويطمئنوا العناصر الآشورية القيادية في الحزب الديمقراطي الكردستاني وهي السياسة التي ليست بخافية على المطلع لأوضاع الآشوريين في شمال العراق رغم استثنائية الحالة الايجابية في ممارسة الآشوريين لحقوقهم القومية. فوراء هذه الممارسة الايجابية جملة سياسات ومواقف كلها تصب في هدف تحجيم حقوق الآشوريين وإضعاف وجود ونشاط الحركة الديمقراطية الآشورية.
لقد كان من المنطق أن يكون تكاثف وتوسع نشاط زوعا بين جميع الطوائف الآشورية في المنطقة وتزايد انتماء أبناء الطائفة الكلدانية الكاثوليكية إليها وتسلم بعضهم مناصب قيادية في المكتب السياسي واللجنة المركزية أن يؤدي ذلك إلى تحجيم انتماء الآشوريين إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني وحتى إلى الحزب الشيوعي العراقي أو الحزب الشيوعي الكردستاني والى انحسار نشاطهم بين الآشوريين فظهرت الحركة الديمقراطية كمنافس حقيقي وجدي في هذا المجال. ففي عام 1992 عندما خصصت خمسة مقاعد للآشوريين في برلمان الإقليم دفع الحزب الديمقراطي الكردستاني بقائمته تحت أسم "القائمة المسيحية" كما دفع الحزب الشيوعي العراقي بقائمته تحت اسم "قائمة كلدو وآشور" لمنافسة قائمة زوعا والتي فازت بأربعة مقاعد وفاز ممثل القائمة المسيحية بالمقعد الخامس. وإذا كان مثل هذه الإجراءات الديمقراطية شرعية ومقبولة ولا اعتراض عليها فأن الإجراءات الأخرى كالاغتيالات وتعرض مقرات زوعا إلى الهجوم المسلح والتي كان وراؤها "عناصر مجهولة" واستيلاء الكرد للقرى الآشورية كلها تصب في سياسة ترهيب الآشوريين وتحجيم نشاطهم السياسي والقومي وبالأخص ترهيب أبناء الطائفة الكلدانية من مغبة الانتماء إلى هذه الحركة الآشورية القومية، خاصة عندما نتذكر بأن المهندس فرنسيس شابو عضو البرلمان، اغتيل عام 1993 والذي يعتبر أول شهيد برلمان الإقليم، كان من أبناء الطائفة الكلدانية المنتمين للحركة الديمقراطية الآشورية ومن أكثر العناصر النشيطة في توحيد الطوائف الآشورية.
ليس هذا فحسب، فقد لجأ الاكراد والشيوعيون أيضاً إلى لعب الورقة الطائفية وكشفها على الساحة السياسية لغرض تحجيم النشاط القومي الآشوري في المنطقة، فالحزب الشيوعي الكردستاني لم يتوان من أجل لعب هذه الورقة إلى تأسيس فرع له باسم " كلدو وآشور " أي بأسماء الطوائف الآشورية بحجة كون ذلك مطلب من الطوائف الآشورية. كما وإن قيادي حزب الديمقراطي الكردستاني، رغم تعاملهم الحزبي والسياسي والرسمي مع الحركة الديمقراطية الآشورية باعتبارها ممثل الآشوريين في المنطقة وفي مؤسساتها الحزبية والرسمية، فأنه لا يفوتهم الفرص للإشارة إلى الآشوريين من الطائفة الكاثوليكية باسمهم الطائفي أي "الكلدان" رغم عدم وجود مؤسسة أو كيان سياسي لهم، فالكلدان نفسهم كطائفة دينية لا يرغبون التدخل في المسائل السياسية أو يطالبون بحقوق سياسية وقومية إلا ضمن الإطار القومي الخاص بهم والمتمثل في التسمية "الآشورية" الجامعة لكل الطوائف . فالكرد رغم معرفتهم الجيدة بذلك فإن القصد من تأكيدهم للفروقات الطائفية بين الآشوريين هو إضعاف نشاط زوعا ومن ثم تحقيق سياسة تحجيم حقوق الآشوريين في المنطقة وجعلها في متناول المساومات السياسية عندما يحين وقت التفاوض مع النظام العراقي من اجل تحقيق الفدرالية.
هذه السياسات التي تثير الكثير من التساؤلات عن مصير " تحالف" الآشوريين مع الاكراد وجدوى ممارستهم لحقوقهم القومية في المنطقة الشمالية، وهي التساؤلات التي تثير مخاوف الآشوريين في الداخل والخارج وتخلق حالة من التشكك في مصداقية الاكراد تجاه الآشوريين، وهو حق وشعور مشروعان لهم في الخوف على ووجودهم في المنطقة الممتد في أعماق التاريخ والذي لم تحدد معالمه مستقبله بعد في ظل المشروع الكردي للفدرالية.
=========================
هذا ما كتبته في عام 1988 وأطلب من القارئ اللبيب أن يقارن هذا بما يحدث على الساحة العراقية من تحجيم للحقوق القومية الآشورية الحقيقية ومواقف القوى الكبيرة السلبية تجاه الحركة الديمقراطية الآشورية التي ناضلت معهم جنباً إلى جنب في السنوات المظلمة التي عممها النظام البعثي على جميع الشرفاء... أفهل من الأصول والشرف أن ينسى مناضلوا الأمس نضال رفاقهم في الدرب؟