Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الأول من نيسان ، عيد الطبيعة وليس عيد الكذب !!

29 آذار 2009
في الوقت الذي يحتفل شعوب بلاد مابين النهرين والهلال الخصيب بعيد الطبيعة الذي هو نفسه عيد رأس السنة الآشورية الجديدة ( اكيتو )(1) في الأول من نيسان من كل عام , كعيد قومي وطني تراثي متأصل توارثته شعوبنا منذ أن إكتشف إبن الرافدين نظام التقويم المبني على العلاقة بين الطبيعة والإنسان ما قبل ستة آلف سنة من الآن .
في نفس الوقت نرى الغربيون الأوربيون والأمريكيون وأغلب شعوب العالم ، يكرسون هذا اليوم لعادة سيئة يطلقون عليها ( كذبة نيسان April Poll ) . يكذبون على بعضهم البعض , ويتسابقون في إختراع المقالب فيما بينهم كنوع من المزاح لأجل التسلية والفكاهة والترفيح . فياترى من أين إنطلقت هذه العادة السيئة ( عادة الكذب والخداع والإستهزاء بين الناس وفي هذا اليوم بالذات ؟؟ ) . ومتى إنتشرت وتعممت بهذا الشكل ، بحيث أصبحت عادة ليس من السهل التخلي عنها ؟؟

لقد إختلفت الأراء في تحديد أصل كذبة نيسان ، فمنهم من يؤلها الى تغيرات مفاجئة في الطقس الناتجة عن تعادل الليل والنهار في هذا الوقت من السنة ، ومنهم من يعزيها لى عادة وثنية قديمة يقومون بإختلاق الأكاذيب في أول أيام الأعيادة للمرح والمزاح . إلا إنه في الحقيقة فإن عادة كذب الناس على بعضهم البعض في الأول من نيسان تعود في الاصل إلى منتصف القرن السابع عشر الميلادي , إبان حكم الملك لويس الرابع عشر ( 1638 – 1715 ) ملك فرنسا وليس الملك تشارل التاسع في القرن السادس عشر كما إعتقد البعض ، حيث كان حتى ذلك الوقت ــ عهد الملك لويس الرابع عشر ــ يبدأ تقويم السنة الجديدة في الأول من شهر نيسان , بدلا من الاول من شهر كانون الثاني , وكان الإحتفال بقدوم السنة الجديدة يبدأ كالعادة في الأول من نيسان بدلا من الأول كانون الثاني ، وكانت تقام إحتفالات ومهراجانات بهذه المناسبة في الساحات والشوارع العامة في مدن أوربا وفرنسا بالذات ، وعادة ما كانت تُقام مسيرات وكرنفالات شعبية كبيرة إحتفاءا بتجدد الحياة في الطبيعة في الأول من نيسان حتى فترة حكم الملك لويس الرابع عشر الذي عُرف في التارخ بـلقب ( ملك الشمس ) لإنتصاراته بالحروب العديدة التي خاضها في أوربا والتي بنتيجتها إحتل معظم دول أوربا بقبضة حديدية . وكانوا يلقبونه أيضا بـ ( لويس ديودون louis Dieudonne ) والتي تعني باللاتينية ( لويس هبة الله) ( 2 ) لايمانه القوي وتعصبه الشديد بالمسيحية . لقد إرتأ هذا الملك إن يُغير عادة الإحتفال بعيد تجديد الحياة في الأول من نيسان ــ الذي لا يتوافق والتبشير المسيحي ـــ الى الأول من كانون الثاني ، حيثُ ــ حسب إعتقاده ــ لا أحد يمكنه تجديد الحياة ومنح حياة جديدة إلا الرب يسوع المسيح الذي قال : " أنا هو الطريق والحياة " ( يوحنا 14:6 ) . " إذ أعطيته سلطانا على كل جسد ليعطي حياة أبدية لكل من أعطيته " ( يوحنا 17 : 2 ). ومن هذا المنطلق أصدر الملك لويس الرابع عشر أمرا ملكيا بوقف كافة أشكال الإحتفالات بالأول من نيسان , وإلغاءه كعيد تجديد الحياة أو كعيد رأس السنة الجديدة , مبررا بأن الإحتفال بهذا اليوم ليس إلا عادة وثنية قديمة لا توافق والإيمان المسيحي إطلاقا , وطالب مشددا على إقامة الإحتفلات والكرنفالات في الأول من كانون الثاني كبداية لرأس السنة الجديدة , وكإشارة لبداية تجديد حياة الإنسان التي وعدنا بها يسوع المسيح واهب الحياة الجديدة الحقيقية للمؤمنين به , لأن شهر كانون الثاني هو الشهر الذي يلي ولادة واهب الحياة الجديدة السيد المسيح .
إلإ إن الناس الذين تعودوا أن يحتفلوا في الأول من نيسان إحتفاءا بإستقبال العام الجديد ، لم يتمكنوا من كبت مشاعرهم وحبهم بالانطلاق الى الساحات العامة في المدن والإحتفال بقدوم السنة الجديدة في الأول من نيسان كما كانوا معتادون عليه سابقا . إلا إنه بعد أن أصدر الملك أوامره بمنع الإحتفال في الأول من نيسان , عمدوا المحتفلون ومنظمي الإحتفالات إلى إرتداء الإزياء التنكرية لمنع كشف شخصييتهم لفرسان وجنود الملك الذين كانوا يجوبون الشوارع لمنع إقامة الإحتفلات وملاحقة المحتفلين تنفيذا لأوامر الملك الصارمة . فواصل المحتفلون إحتفالاتهم كالعادة وهم متنكرون دون الإهتمام بممانعة الجنود لهم لأنهم كانوا في أغلبهم مقنعون وواثقون من أن لا أحد سيتعرف على شخصيتهم , ولما وصل خبر خروج الشعب للإحتفالات بالأول من نيسان كعيد رأس السنة الجديدة الى الملك لويس الرابع عشر ، إمتلئ الملك غضبا, فأمر جنوده بتوقيف كل شخص محتفل في هذا اليوم وسوقه مباشرة الى القصر ليحاكمهم بنفسه فورا لأنهم تمردوا وعصوا على آوامره ، والأكثر من ذلك إنحرافهم عن الإيمان المسيحي القويم وإتباعهم عادات وتقاليد وثنية قديمة بالية لا تمت الى الدين المسيحي بشيء .
ولما إمتثل المحتفلون أمام الملك في قصره , دافعوا عن إنفسهم قائلين :" يا ملكنا المعظم أطال الله من عمرك , نحن لا نتمرد على أوامركم بل نطيعها ونقبلها وننفذها بحذافيرها , فاليوم كما ترانا قد إرتديينا جميعا – وليس كالعادة - هذه الملابس التنكرية , وخرجنا بها الى الشوارع والساحات العامة للمدينة , لا للإحتفال بهذا العيد الوثني المنبوذ , وإنما لاجل إقناع كل الناس بأن هذا العيد ليس عيد تجديد الحياة , إنما هو د السخرية والإستهزاء والكذب على الناس , وما خروجنا في هذا اليوم الأول من نيسان إلا للإستهزاء من هذا اليوم والتأكيد بأنه كذب من يدعي بأنه بداية تجدد الحياة . ولما سمع الملك أقوالهم زال غضبه وعفى عنهم بعد أن إقتنع بأنهم خرجو الى الشوارع لأجل السخرية والإستهزاء من هذا اليوم وليس للإحتفال به .
ومن يومها إنتشرت عادة الكذب المسمى ( April fool ) في الإول من نيسان , وتبدل عيد رأس السنة من الأول نيسان الى الأول من كانون الثاني عند الشعوب المسيحية في أوروبا ومن بعدها بقية الشعوب في العالم . لكن الشعوب المشرقية وبالأخص شعوب بلاد ما بين النهرين والهلال الخصيب , ومعظم الشعوب المجاورة كالفرس والكرد والعرب والترك , فإنهم إستمروا في ممارسة الإحتفال بعيد تجديد الطبيعة في شهر نيسان ولكن تحت أسماء مختلفة يتناسب عادات وتقاليد وطقوس وأساطير تلك الشعوب , فالبعض منهم يسمونه بـ ( عيد نوروز ) كما هو لدى الفرس والكرد ، والبعض يسمونه ( عيد الخليقة ) كما هو لدى المندائيين الصابئة ، والبعض الآخر يسمونه ( عيد التجدد ) لتجدد الحياة في الطبيعة , وآخرون يطلقون عليه بـ ( المربعينية ) أو الرابع ( نسبة الى فصل الربيع ) , ويسمى عند الآخرون بـ ( بي- نيسانه ) تيمنا بشهر نيسان ... ويسمى أيضا بعيد الخصب ( عيد الأم ) . علما إن جميع تلك الأعياد تقام في الفترة المحددة ما بين منتصف شهر آذار ومنتصف شهر نيسان, حيث ترتدي الطبيعة في هذه الفترة حلة جديدة , تتجدد فيها الحياة لكل الكائنات الحية على الأرض من نباتات وحيوانات وطيور والإنسان أيضا.
فهل من العدل أن يكون للكذب السخرية عيدا نحتفل به ، بينما الحق والحقيقة منفية من وجداننا وضميرنا الى منفى النسيان والإهمال ؟؟

الهوامش :

1- كلمة أكيتو تعني المساواة والتعادل , حيث في الرابع من من شهر نيسان حسب التقويم الشرقي أو الواحد والعشرون من آذار حسب التقويم الغربي يتساوى اليل والهار
2- الموسوعة العلمية Funk & Wagnall’s Vol. 16 الصفحة 18



Opinions
الأرشيف اقرأ المزيد
قائد امريكي يبحث الاوضاع الامنية في كركوك و يقدم تعازيه لعوائل ضحايا تفجير سيارة مفخخة بكراج الشمال نركال كيت/ كركوك/احلام راضي/ استقبل السيد عبد الرحمن مصطفى محافظ كركوك في مكتبه يوم الأثنين الكولونيل باسكال قائد القوات المتعددة الجنسيات في كركوك، وجرى خلال اللقاء التباحث هل يمكن الجمع بين احترام الكرامة والضمير والترحم على نظام الاستبداد والعهر الصدامي؟ ** المدخل في زيارتي الأخيرة إلى استراليا أجرى الصحفي الديمقراطي الأستاذ غسان مخول من إذاعة SBS الاسترالية لقاءً إذاعياً معي طرح فيه مجموعة من الأسئلة المهمة والراهنية حول العراق وأحوال أهله ومستقبله جِنازة منفى جِنازةُ منفى سنطفئ يومَ الفراقِ ونشعلُ يومَ اللقاءِ بألف ضياء جميل جليلْ جِنازةُ منفى فلسطينُ عادتْ التاريخ يتكلم الحلقة 17 هل المراة العراقية جديرة بادارة الدولة ؟ من خلال سحب الدخان و أطنان المتفجرات التي يزرعها الإرهابيون أمام كنائس عراقنا الأثرية وأمام مساجدنا وحسينياتنا ومراقدنا الدينية التاريخية وأمام مدارس أطفالنا يفجر الجبناء أنفسهم باسم الجهاد . العراق اليوم يجلس على بحيرة من الدماء.
Side Adv1 Side Adv2