الإرهابْ يَنمو.. وَقفوهمْ أنهم مسئولونْ
كما هو حال الكثير من المفاهيم التي غادرت مضامينها وبقيت تحتفظ بالقشور، كذلك مصطلح ((المسؤول)) الذي أصبح هو الآخر عائما بعد أن ابتعد عن شروط ((المسؤولية)) الى الإتجاه الفوضوي الذي لايفرض أي التزام إخلاقي أو أمانة وظيفية على من يتقلّدها، خاصة بعد أن أصبحت النظرة السائدة للمسؤولية اليوم هي نظرة ((تشريف وإستثمار نفعي)) وليس تكليفا وأمانة وعطاءً. وكما ذكرت من قبل في مقال لي سابق جاء بعنوان "شتان بين الإسلام والمسلمين"، فالفرق اليوم أيضا يتضخ جليا ما بين (المسؤول والمسؤولية) و شتّان فيما بينهما، سواء كان ذلك على المستوى الفردي والإجتماعي أو على المستوى الرسمي على حد سواء.
رغم ما أنتجه الفكر الإسلامي من كنوز تشكل معينا صافيا من الممكن أن تنهل منه الأجيال وتتعلق به الآمال ألا أن الدخلاء على هذا الفكر كانوا قد أدخلوا عليه نظريات لم يُنزّلُ الله بها من سلطان، وقد تبنىّ وعّاظ السلاطين وعلماء الذهب الأسود مهمة الترويج لها في أوساط الشباب المسلم ومن تلك الأفكار المسمومة "السلفية الجهادية" (الإرهاب المقيت)، التي لاتؤمن بالحكمة والموعظة الحسنة كسبيل للدعوة والتغيير وانما تعتبر (الجهاد الحربي) هو المنهج الأوحد لإحداث التغيير على كافة المستويات؛ الأمر الذي أنتج ما نراه اليوم من حركات تتبنى العنف والقتل الجماعي للشيوخ والأطفال والنساء في العراق، بل تجاوز الأمر ذلك وكما جاء في فتوى (القرضاوي) التي أجاز فيها لمنظمة (القاعدة/جبهة النصرة) قتل جميع من لايتصدى لحُكم نظام الأسد في سورية حتى وإن كان عالماً، تلك الفتوى التي ذهب ضحيتها الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي (رضوان الله عليه) رغم أنه داعية سلام يدعو الى الوسطية وعدم تدمير الوطن.
أن الفرد المسلم على الأعم الأغلب اليوم قد وَضعَ كلّ البيض في سلّة دعاة العنف والتطرّف (علماء الذهب الأسود) الذين تمكنوا من إجراء عمليات غسيل الأدمغة للشباب المسلم وبما يجعل منهم قنابل موقوتة في الأماكن التي يتواجدون فيها أو (يشدّون لها الرحال) مستقبلا. ولاشك أن المسؤولية الفردية التي تتجسد في قوله تعالى: ("وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ")، نعم أنهم مسؤولون، المسؤولية التي تحتم على المسلم توسيع مدارك العقل من خلال التفكر والتدبر والإطلاع على الجانب الإيجابي من التراث وعدم الإستسلام لخزعبلات علماء السوء ومحاولاتهم لتحريف المعاني والدلالات وتعطيل الطاقات الإدراكية للفرد والمجتمع والتفكير بالنيابة عنه تحقيقا لهدف قد أعلن من قبلهم مسبقا يتلخص في عسكرة الدين في الإتجاه الذي يخدم مصالحهم الدنيوية والأجندة السياسية لأمراء الذهب الأسود. وقد تناولت ذلك في مقال لي سابق بعنوان (فساد العـَالـِم، فســَادَ العَالــَم.. القرضاوي إنموذجاً).. الرابط أسفل المقال
أن تغييب الوعي وتلاشي الشعور بالمسؤولية على المستوى الفردي الذي تسبب به مصادرة علماء التطرف لخيارات الفرد المسلم وسعيهم الدؤوب لتنويم قدراته العقلية التي يستطيع من خلالها ادراك حقائق المعاني وفحوى المفاهيم ومقاصدها الحقيقية، أنتج بيئة صالحة لنمو الإرهاب الذي اتخذ طابعا سياسيا بطبيعة الحال كان قد وضع في سلّم أولوياته مهمة إختراق وتمزيق المنظومة الأمنية لتحقيق مآرب سياسية في البلدان المستهدفة. وفي العراق على وجه الخصوص إن وجود تدّني كبير في مستوى الشعور بالمسؤولية على المستوى الرسمي جعل الطريق سالكا بوجه الخطر الإرهابي الزاحف في كل الإتجاهات.. فـقد نشأت فجوة كبيرة أيضا مع ما يصطلح عليه بـ (المسؤول الرسمي) وبين شروط وجوده ضمن إطار مسؤولياته الأمر الذي انعكس سلبا على مستوى الأداء والعطاء. فقد نشأت مفاهيم جديدة ومنها المحاصصة والإفراط في التحزب السياسي أسهمت في إناطة مهام (المسؤولية) بمن هبّ ودب وبشكل لم تؤخذ فيه الخبرة والكفاءة والنزاهة بنظر الإعتبار وبما جعل من المسؤول الحكومي (فزّاعة حقل) في معظم مواقع السلطة.
أخيرا وليس آخراُ، أن مصادرة وعي الفرد المسلم من قبل علماء البلاط وإقصائه عن الكيان الإنساني قد تماهى مع مصادرة مماثلة من قبل الأحزاب والتيارات السياسية لخيارات المسؤول الحكومي المفتقر في معظم الأحيان لشروط المسؤولية، وفي ظل عدم إدراك الحدود الدنيا من المسؤولية الفردية المتعلقة بالمواطن والمسؤولية الوطنية الملازمة لمهام المسؤول، تصبح عملية ترميم وإعادة تأهيل المجتمع أو بناء دولة قادرة على إدارة نفسها في عداد المستحيل.
مقالات سابقة ذو علاقة بالموضوع:-
شتّان بين الإسلام والمسلمين
http://176.28.52.138/AR_Direje.aspx?Jimare=2670
فساد العـَالـِم، فســَادَ العَالــَم.. القرضاوي إنموذجاً
http://www.uragency.net/index.php/2012-03-11-16-32-27/2012-03-11-16-36-18/18257-2013-03-11-08-41-35