الاتفاق المدعوم والشريك المزعوم
يتناسب حجم التدخلات الخارجية في الشأن العراقي طرديا مع اشتداد أزمة تشكيل الحكومة. فكلما تعمقت الأزمة واستعصت كلما اتسع التدخل وتصاعدت وتيرته. والجديد في هذا التدخل، هو هرولة المتنفذين عندنا نحو عواصم ابعد من الجوار المباشر. وليست مصر هي الوحيدة التي ترددت عليها وفود المتنفذين، وإنما هناك البحرين وقطر مثلا. بل ولم تبقَ دولة من دول الإقليم لم تصل إليها وفودنا المخضرمة للتفاوض حول تشكيل الحكومة، ربما باستثناء موريتانيا وجيبوتي وجزر القمر!.والجديد الثاني هو مفارقة تحويل الشأن العراقي على يد البعض إلى قضية تدار من قبل المخابرات المصرية، كما يحصل للقضية الفلسطينية التي أصبحت مجرد لقاءات للفصائل الفلسطينية تعقد في شرم الشيخ المصرية مع عمر سليمان مدير جهاز المخابرات المصري. وهناك جديد آخر هو طلب البعض من الأمريكان التدخل بطريقة (الاحتلال الدبلوماسي)، التي تختلف عما شهدنا من أشكال تدخل طوال الفترات الماضية، مثل عرض المكافأة، ومنح الهدية، والتلويح بالمقاطعة، وتنفيذ التهديد، وغير ذلك من وسائل الضغط المعروفة. لكن الجديد هنا هو طلب احدهم بان يرعى الطرف الأمريكي مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية الجديدة - التي يفترض انها تجري بين طرفين عراقيين - وان يتوسط بينهما ويسهل تفاوضهما ويشهد على تفاهماتهما، ويكون طرفا ثالثا .. مؤديا دورا شبيها بالدور الأمريكي في المفاوضات المتعثرة بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ونتيناهو! ويريدون من الطرف الأمريكي قبل هذا ان يحدد مفاهيم التفاوض بين العراقيين. فهذا يطلب منه "توضيح" مفهوم المشاركة في تشكيل حكومة تضمن مساهمة الجميع، وذاك يطلب " تطمينات " من وليم بيرنز مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية للشؤون السياسية، بشأن إمكانية الانضمام الى اتفاق مدعوم من الولايات المتحدة، لتقاسم السلطة.
ان ما تقدم لا يشير الى التفريط بالكرامة الوطنية فقط، بل يؤشر أيضا أجواء عدم الثقة بين القوى السياسية المتنفذة. وهي التي تدعي العمل على تشكيل حكومة شراكة وطنية حقيقية، يفترض ان يكون من بين مقوماتها الحرص على العمل المشترك وعلى الثقة المتبادلة، فضلا عن عوامل أخرى. ومن المؤكد ان التوجس من الآخر، وهو الشعور السائد اليوم بين هذه القوى، لا يمكن ان ينقلب بين ليلة وضحاها الى إيمان بالعمل المشترك، ولا يمكن ان يؤسس لمشاركة وطنية تضم جميع الأطراف، وتعمل على إخراج العراق من أزماته المستفحلة.
ان من غير الممكن تصور ان الدول الإقليمية والأجنبية تنطلق، وهي تتدخل في الوضع العراقي الداخلي، من مصلحة الشعب العراقي. ذلك ان مصلحتها تكمن في إبقاء العراق مقسَّماً،بحيث يسهل اقتسام منافعه مثل فريسة تنهشها الكواسر. تلك هي الدول التي لم يكن بمستطاعها إيجاد موطئ قدم لها في المباحثات بين القوى العراقية المتنفذة، لولا لهاث هذه الأخيرة نحوها، موفرة الشرط الضروري لتدخلها من اجل اتفاق مدعوم مع شريك مزعوم .