Skip to main content
Facebook Twitter YouTube Telegram

الاختلاف في فهم معاني استشهاد الحسين بين الموروث الشعبي والفكر المبتذل!

على مدى القرون والعقود المنصرمة تباين الناس في فهم المعاني الإنسانية العميقة لثورة الحسين بن علي بن أبي طالب. لم يكن هذا التباين ناشئاً عن عدم وعي بحقيقة المعاني, بل كان بسبب التباين في المصالح والأغراض التي يسعى لها كل طرف ويدفع بالاتجاه الذي يريده ويخدم مصالحه.
لقد بلغ التفسير المتباين حد التناقض الشديد في فهم أهداف الحسين في محاولة من البعض تخفيض سقفها إلى حد الإسفاف بالتبسيط والتسطيح وجعلها ,وكأنها كانت لتقييد حرية وحركة الإنسان وافعاله, في حين رأى فيها الطرف الآخر إنها أنبل من أن تدفع باتجاه تقييد الحرية الفردية وحقوق الفرد وحقوق المجتمع.
فالثورة كانت اساساً ضد الظلم والطغيان, ضد الاستبداد بالرأي وفي الحكم, ضد التصرف الكيفي بالمال العام وكأنه جزء من خزينة الحاكم الأموي الذي اغتصب الخلافة وأسدل الستار على مبدأ "الأمر شورى بينهم".
ونواجه هذا التزييف لمعاني الثورة الحسينية في قرارات مجلس محافظة البصرة ومجلس محافظة بغداد وبابل وغيرها ممن تجرأ على تشويه مبادئ تلك الثورة العامة واستند إليها لمصادرة حرية الإنسان وحقوقه المشروعة في العصر الحديث.
لم يكتف كامل الزيدي, محافظ بغداد, وكما تشير الكثير من الدلائل أنه بعثي ومن المهرولين السابقين وراء "القائد الضرورة" والمتمسك بالخط الطلفاحي, بإصدار تلك الأوامر القروقوشية لتقييد حرية الفرد والشعب وممارسة حملة إيمانية جديدة مماثلة بل وأسوأ من حملة الدكتاتور المقيت صدام حسين, بل راح يشتم المثقفات والمثقفين من بنات وابناء الشعب العراقي ممن تجمعوا في شارع المتنبي ليعلنوا عن احتجاجهم وإدانتهم لتلك القرارات السلطانية المناهضة لاتحاد الأدباء والكتاب في العراق وضد القرارات المتخذة ضد مناهج أكاديمية الفنون الجميلة في بغداد ويتهمهم بالمأجورين ليبعد التهمة ذاتها عنه. يشتم مجموعة من البشر ممن يشكل نموذجاً رائعاً للإنسان العراقي المناضل ضد الاستبداد والقمع والقسوة ومن أجل الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. السؤال الذي يواجهنا هو: ماذا يريد هذا الرجل من تلك القرارات؟ هل يريد إثارة جمهرة المثقفين والكثير من بنات وأبناء الشعب ضد الحكم الراهن حتى قبل تشكيل الحكومة الديدة, ويالتالي ينعي مسبقاً العملية السياسية؟ هل يريد اشاعة الفوضى في البلاد وتعميق التناقضات في المجتمع وتشديد الصراعات؟ ولصالح من يقوم بكل ذلك؟ هل لمصلحة من كان سيده في السابق؟ أم سيده في الوقت الحاضر؟ من استمع إلى ردات المواكب الحسينية في كربلاء وتمعن فيها لأدرك بوضوح كبير أن المجتمع يرفض سياسات التقييد للحرية ويرفض الوصاية عليه ويرفض الخيمة الفكرية والسياسية الواحدة, كما رفضها في زمن الدكتاتور صدام حسين, رغم أنه لم يستطع الخلاص منه إلا بقوى أجنبية أزالته ولكنها أدخلت معها الطائفية السياسية المقيتة.
إن ما تجرأ عليه كامل الزيدي لا يدخل في باب الاختلاف في وجهات النظر أو رؤية قابلة للنقاش, بل يدخل في عملية اقتطاع وتقريم جدية لحقوق الفرد وحقوق المواطنة وحقوق الإنسان وكل الشرائع الأخرى, إن أوامره تعتبر إساءة كبيرة للإنسان وحريته وحقه في التصرف والتحكم بإرادته, إنه السيف الاستبدادي الذي يراد تسليطه على رقاب الناس باسم الدين احياناً وباسم ثورة الحسين أحياناً أخرى. وهم من الدين والحسين براء!
لو تابعنا كتابات الأخوة العراقيين والأخوات العراقيات لوجدنا إن أكثر الناس تاييداً للسيد نوري المالكي, هو الصديق الدكتور عبد الخالق حسين, الذي رفض هذه القرارات وادانها بقوة ووجه رسالة إلى السيد المالكي طالباً فيها رفض تلك الإجراءات باعتبارها مسيئة له ولحكمه وللعملية السياسية, وطالبه بمنع تطبيقها لأنها تعرض حكمه إلى المزيد من المشكلات والصراعات. وهو يرى أن السيد المالكي لا يقف وراء مثل هذه الإجراءات. أتمنى أن يكون راي الدكتور حسين صحيحاً.
السؤال الكبير الذي يواجهنا جميعاً هو: هل نحن أمام مرحلة جديدة من التشدد الديني والمذهبي وتنغيص عيش الناس والعودة إلى الوراء مع بداية تشكيل الحكومة الجديدة, أم أن الصراع على المواقع والوزارات يدفع بالبعض إلى تبني سياسات وقحة ضد الشعب وحريته وحرية الفرد ويدفع بهؤلاء إلى تبني مثل هذه الإجراءات تماماً كما فعل كامل الزيدي, محافظ بغداد؟ يتمنى الإنسان أن يكون الاحتمال الثاني وليس الأولى.
إلا أن الكلمة التي ألقاها السيد رئيس الوزراء المنتهية ولايته والمكلف بتشكيلها مجدداً في ذكرى عاشوراء والتي نقلت من قناة الشرقية تستوجب التوقف عندها والتفكير الجدي بها, إذ رغم أن السيد نوري المالكي لم يؤيد صراحة تلك الإجراءات ولكنه ضرب على ذات الوتر بطريقة لا تعبر عن وعي عميق بمضامين ثورة الحسين, رغم أنه يقود حزب الدعوة الإسلامية في العراق. فليس التضييق على حرية الإنسان وعلى سلوكه الشخصي من مسؤولية المالكي أو غيره ما دام الفرد العراقي لا يتعرض لحرية الآخرين بالأذى أو الضرر. إن خطاب المالكي في يوم عاشوراء بصدد الموضوع لا يعطي الانطباع بأن جمهرة من الحكام في العراق استفادوا من تجربة النظم الاستبدادية السابقة. فالتضييق على حرية الإنسان تتسبب بعواقب أخرى غير سليمة. فما يمنع من الباب يدخل إلى البلاد وبيوت الناس من الشبابيك, والسلطة التي تحترم نفسها لا تصدر قوانين وقرارات لا يمكن تطبيقها بل تفتح عشرات الأبواب للتجاوز عليها. والأمثلة كثير جداً بهذا الصدد, ومنها الحالة في إيران أو دول عربية عديدة.
إن من واجب اتحاد الأدباء والكتاب في العراق إقامة دعوى قضائية ضد كامل الزيدي مع تقديم نبذة مختصرة عن حياته السياسية, كما يفترض أن يقدم كل مثقفة ومثقف في العراق ومن شارك في مظاهرة شارع المتنبي على إقامة دعوى قضائية مماثلة ضد الزيدي لأنه أهان كل المثقفات والمثقفين في العراق حين اتهمهم بالمأجورية, وعليه أن يبرهن على ذلك وأن يحاسب عليها قانوناً حين لا يستطيع البرهنة على ما ادعاه, أو أن يتراجع عن إجراءاته وقراراته القرقوشية ويعتذرللشعب ولكل المثقفات والمثقفين في بلادنا, تماماً كما طالب السيد عماد الأخرس بشكل صائب في آخر مقال له حول ذات الموضوع.
إن من واجبنا ومن حقنا أن نطالب القوى المشاركة في الحكومة الحالية أو التي ستشكل الحكومة القادمة, مهما كان رأينا فيها, بالتصدي لتلك الإجراءات المفرقة للصف العراقي والمشوشة على العملية السياسية والمقيدة لحرية الإنسان والمصادرة لحقوقه التي يضمنها الدستور العراقي والمواثيق والعهود الدولية التي وقع عليها العراق, ومنها اللائحة الدولية لحقوق الإنسان.
20/12/2010 كاظم حبيب




Opinions