التخطيط الجماعي في عمل مجالس المحافظات
يمنح الدستور العراقي الاقاليم والمحافظات سلطات مالية وادارية تمكنها من ادارة شؤونها وفق منظومة هيكل الحكم الوطني الفرعي القائمة على مستويين : الاقاليم والمحافظات غير المنتضمة بأقليم . وتتشارك المحافظات المنتضمة في منطقة ما ... في السلطات مع الحكومة الاقليمية ، فيما تتشارك المحافظات غير المنتضمة بمنطقة ما ... في السلطات مع الحكومة المركزية . وقد جرت انتخابات مجالس المحافظات في الحادي والثلاثين من كانون الثاني المنصرم لتشمل المستوى الثاني وتشكيلة مجالسه وحكوماته المحلية المصغرة ، فيما لم يتقرر بعد موعد محدد لانتخابات المستوى الاول الخاصة بأقليم كردستان .ووفقا للمعادلة الانتخابية فأن المواطن يتحمل الشطر المتعلق بالمشاركة والاختيار ، فيما يتوقع بالمقابل ان تتحمل ادارة المحافظات الجديدة المسؤولية الكاملة ازاء تحسين مستوى الخدمات والحياة العامة وصياغة وتنفيذ استراتيجيات التنمية على اساس اولويات المواطنين ايذانا بأنتقال الحراك السياسي من فضائه النظري الى واقعة التطبيق العملي ، مما يتطلب القيام بعملية مسح وتقييم علمي رصين لعمل المجالس السابقة وفق رؤية تنظر بحكمة الى المشاريع المنجزة وتسعى الى تطويرها وانمائها ومعالجة الاخفاقات وتداعياتها عن طريق الاستعانة بالاخصائيين والمهنيين توخيا لحصيلة اكثر فاعلية .
لكن الذي حدث بعد الانتخابات الاخيرة وما تبعها من تجاذبات بين بعض القوى المشاركة تارة وبين تلك القوى والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات تارة اخرى ، قد اهدر الكثير من الوقت الذي كان من المفروض ان يستغل لدراسة استراتيجية تنمية المحافظات المبنية على اولويات المجتمع وعلى اساس المشاركة وتطوير الاهداف وصولا لصياغة خارطة طريق من شأنها توجيه التنمية في كل محافظة بعينها وخصوصيتها .
ان تلك العملية تشكل في حد ذاتها العنصر الاول والاهم في نجاح عمل المجالس الجديدة بما يمنح تلك الاستراتيجية الناتجة عن امكانية التخطيط الجماعي – الاداة الفاعلة والمؤثرة التي توجه وتغذي عملية التخطيط وصياغة الميزانية واتخاذ القرار المناسب. وبسبب طبيعتها المبنية على اساس مشاركة الجميع ، تستغرق عملية رسم استراتيجية تنمية المحافظات ما بين 4 الى 6 اشهر ، وتغطي الاستراتيجيات عادة فترة تتراوح ما بين خمس الى عشر او ربما 20 عاما ، الا ان صعوبة التنبؤ بالصياغة السياسية والاجتماعية في عراق اليوم ، دفعت بالعديد من المحافظات الى تطوير خطط قصيرة المدى ، فمثلا تغطي استراتيجية تنمية محافظة بغداد الفترة الزمنية الواقعة ما بين 2008 الى 2012 ولمدة اربعة اعوام بينما البصرة لمدة عامين 2007 – 2009 اما بابل فخمسة اعوام 2007 – 2012 واربيل اربعة 2008 – 2012 . واذا كانت مجالس المحافظات السابقة قد اخفقت في تحقيق الرؤية الشاملة على اساس المشاركة في التخطيط والتنفيذ ، فأن العديد من الملاحظات قد سجلت على المجالس الجديدة المنتخبة قبل ولوج عملها ، منها :
1. انطلاقها في تقليب اوراق الفساد المتعلقة بالمجالس السابقة ، وفي ذلك ما ينافي الاختصاص حيث انها تلتزم برسم وتنفيذ السياسات العامة للمحافظة ، اما قضايا الفساد فهي من صلب اختصاصات المفوضية العليا للنزاهة في العراق .
2. الصراع على المناصب ، وما رافقه من انسحابات ... في نينوى – قائمة نينوى المتآخية - والعراك بالايدي – اجتماعات مجلس محافظة بابل - فشل بعض المجالس ولاكثر من مرة في اختيار المحافظ – مجلس محافظة النجف ، ترك اثرا بالغا في نفسية الناخب من جهة واعطى صورة مشوهة عن المجالس الجديدة قبل انطلاق اعمالها . وعليه ينبغي على الكتل المشكلة للمجالس الجديدة :
· ان تنأى بنفسها عن التجاذبات السياسية الحاصلة على مستوى البرلمان والحكومة او القوى السياسية ، بمعنى ان لا تسمح بتداعيات الحراك السياسي ان تنسحب سلبا على عمل المجلس لتكون النتيجة توقف الخدمات وتعطيل المشاريع والتلكؤ في الانجاز .
· ان توحد برامجها الانتخابية المعلنة والتي صوت على ضوئها الناخب في برنامج خدمي واحد من خلال بلورة الخطط واعدادها واعلانها على ابناء المحافظة والتعهد بانجازها في ضوء التحضير الميداني المسبق .
3. الاختيار على اساس المحاصصة ، وذلك ما يمكن ملاحظته في الترشيحات المتعلقة بأختيار نواب المحافظ الذي يبيح القانون اختيارهما من خارج المجلس على ان يكونوا من ذوي الخبرة . والمفروض ان يتسع صدر المجالس الجديدة ليس فقط لاستيعاب شخص او شخصين من الكفاءات بل يتعدى ذلك الى الانفتاح على الكتل التي لم يحالفها الحظ والسمو فوق المحاصصة وعقلية الغنيمة والاقصاء الحاكمة الان ، مع ذلك هناك فرصة كبيرة في الاستعانة بالخبرات والكفاءات واصحاب التجربة في اللجان المختصة التي سوف تشكل سواء لجنة التربية والصحة والبلديات والامن ... الخ .
ان التجربة السابقة لمجالس المحافظات كانت غير موفقة في معايشتها لمعاناة المجتمع ، فالفوقية والتسلط والحواجز والحجب وارتال الحمايات كانت تحول دون ملامسة واقع الناس وتطلعاتهم وآلامهم ، لذا فأن المطلوب من اعضاء مجالس المحافظات الجدد ان يعوا انهم جاءوا لخدمة المحافظة وابناءها والتواصل والتواضع والمعايشة ليست مطلوبة بل واجبة لانها تسهم في ادراك الواقع وتلمس الحقيقة ومعرفة بوصلة الجمهور وتوجهاته وحاجاته ، من خلال اشراك العشائر ورجال الدين والوجوه الاجتماعية والمراكز الثقافية ومنظمات المجتمع المدني في تنمية واقع المحافظة وايجاد الحلول الجذرية لمشاكلها عبر آلية للتواصل المستمر والعلمي المنتج فالترفع والتكبر وارتال الحمايات لا يغير في معادلة المنصب والكفاءة والوطنية شيئا . وحتى لا يكون بناء العام الماضي خيرا من بناء هذا العام وتتحرك عقارب الواقع بطريقة عكسية الى الوراء ولان استراتيجية تنمية المحافظات تنظر الى المدى البعيد ، فأنها توفر في عملية رسمها فرصا لجميع المشتركين لكي يتحاوروا ويسووا خلافاتهم ويتفقوا على رؤية طويلة الامد للمحافظة ، وبما يخلق من خطواتها المتعلقة بجمع المعلومات صورة اكثر دقة وتكاملا وشفافية لنقاط القوة والضعف مع الحفاظ على تأثير سياسي اقل وضوحا. وتظهر الاحتياجات والفرص من خلال التفاعل والانصهار في بوتقة المجلس على اساس التشاور في عملية التخطيط وتقاسم الاشراف على مهام التنفيذ .