العراق: مهر الزواج لغسل الأموال
المصدر: العربي الجديد
احمد عيد
تزايدت جرائم غسل الأموال العراقية من خلال وسائل وطرق مختلفة تحاول السلطات السيطرة عليها، خاصة بعد آثار سلبية كبيرة لها على المواطنين، ولا سيما في قطاع السكن، الذي ارتفعت أسعاره عدة مرات خلال العامين الماضيين، بسبب عمليات شراء العقارات بهدف غسل تلك الأموال التي عادة ما تكون من مصادر غير شرعية.
عمليات الإيداع المالي والاستثمارات في العقارات والأراضي، وشراء الذهب والنفائس، وإنشاء الشركات، تعد أبرز وجوه وطرق عمليات غسل الأموال، إلا أن الأمر تطور لابتكار وسائل وطرق احتيال جديدة تتم من خلالها عمليات غسل الأموال، عبر مهر الزواج المرتفع وإصدار عقد أصولي ورقي بمقدم ومؤخر بملايين الدولارات، وهذه حيلة جديدة يتبعها السماسرة وأصحاب الأموال المكتسبة بالطرق غير المشروعة.
عمليات غسل مبتكرة
تعددت حالات تسجيل المهور العالية للأزواج وتوثيق ذلك في العقود بمبالغ كبيرة في محاولة لتسهيل عمليات تحويل الأموال وفق عقود رسمية أصولية، اعتبرها مختصون عمليات احتيال جديدة الهدف منها غسل الأموال.
وأكد المختص في مكافحة غسل الأموال قصي الجمال أن استخدام المهر العالي كمبرر ومصدر أموال لدى البنوك يتم من خلال الاتفاق الدائم أو المؤقت للزواج مقابل مبلغ معين وبعدها يتم الانفصال لهدف دفع المؤخر لدى المحاكم الشرعية من قبل الزوج (كاش) ومن ثم تحصل الزوجة على المبلغ عن طريق شيك بنكي صادر عن المحكمة، وهنا يتم تبرير مصدر الأموال.
وأضاف الجمال، متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن هناك أموالا يتم تحويلها إلى حسابات بنوك في بلدان أخرى، أو تحويلها إلى عملات رقمية، مثل البيتكوين والإيثيريوم وغيرهما، وبيعها في بورصات العملات الرقمية.
وأشار إلى أن عمليات غسل الأموال تستخدم بطرق متعددة، منها استخدام الشركات المسجلة في بلدان ذات تشريعات مرنة كوسيلة لتحويل الأموال بطريقة غير شرعية، واستخدام العملات الورقية لشراء سلع مثل الذهب والأحجار الكريمة، ثم بيعها لاحقاً.
وأوضح الجمال أن هناك أعمالا مشبوهة وغير قانونية في غسل الأموال تتبع في معظم البلدان المحيطة، تتعلق بتمويل الأعمال التجارية غير المشروعة، مثل المقامرة وتهريب المخدرات والأسلحة وغيرها، وتحويل الأموال الناتجة عنها إلى أموال نظيفة.
المهر والزواج
وعلى ضوء تتعدد الوسائل المستخدمة في عمليات غسل الأموال في العراق، والتي من أبرزها وأكثرها انتشاراً هي شركات الصرافة والمجمعات السكنية والمستشفيات والجامعات الأهلية الخاصة والمصارف فضلا عن المطاعم والأماكن الترفيهية، جاءت حيلة مهر الزواج التي بدأت بالانتشار لتعد آخر ابتكارات موضة غسل الأموال.
من جانبه، يرى الباحث الاقتصادي عمر الحلبوسي أن عمليات الاحتيال وغسل الأموال تعددت وسائلها لتصل إلى مهر الزواج واستخدام أشخاص آخرين بتسجيل الفلل والسيارات بأسمائهم فضلا عن الاستثمار الخفي عبر الاتفاق الشفهي بين الطرفين.
وأوضح الحلبوسي، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن وسيلة مهر الزواج هي واحدة من الوسائل المستخدمة حاليا في عمليات غسل الأموال والتي سجلت عدة مرات منذ نهاية العام الماضي، وأخذت منحى متصاعدا لتكون وسيلة جديدة يستخدمها السراق لغسل الأموال التي حصلوا عليها بطرق غير قانونية.
وعن الطريقة المتبعة في وسيلة المهر والزواج، قال الحلبوسي إن اتفاقا يتم بين صاحب الأموال غير الشرعية المراد غسلها، ومن يريد الاقتران مقابل مقدم ومؤخر بمبالغ مالية كبيرة أو منزل، ويكون هذا الزواج لفترة وجيزة ثم يحدث بعده الطلاق، وتنقل هذه الأموال إلى الفتاة لتقوم بتوجيه المال إلى وجهة معينة بعد أخذ النسبة المتفق عليها بين الطرفين، أو تقوم بشراء عقارات أو افتتاح مشروع معين يكون ورقيا باسمها.
وأكد الحلبوسي حدوث عدة حالات في هذا الجانب بمناطق متفرقة من العراق، وبموجبها تم تحويل أموال كبيرة إلى الخارج، ومنها ما تم استثماره داخلياً، وأن الخط البياني لهذه الحالة آخذ بالتصاعد.
اتجاهات خروج الأموال
قال الرئيس السابق لهيئة النزاهة في العراق موسى فرج إن عمليات خروج الأموال بالطرق غير المشروعة من العراق تتم في اتجاهين، الأول هو غسل الأموال، والاتجاه الثاني وهو الشائع تهريب الأموال التي يتم تحصيلها بطرق غير مشروعة من العراق إلى دول أخرى.
وأضاف فرج، متحدثا لـ"العربي الجديد"، أن المنافذ الحدودية الرسمية وغير الرسمية تسهل عمليات تهريب العملة إلى الخارج، وتحديداً إلى إيران ولبنان، وبلدان أخرى تسهل إجراءات استقبال هذه الأموال واستثمارها.
وأوضح أن استحداث طرق احتيال جديدة في عمليات غسل الأموال تمت فعلاً في العراق، فهناك متنفذون تزوجوا أخيراً ودفعوا مهور زواج عالية تم تحويلها إلى الخارج بطرق قانونية مشروعة.
وأكد فرج أن القانون العراقي لم يحدد سقفا معينا للمهر وإجراءات الزواج ولا توجد حدود عليا لعمليات التحويل المالي المتعلقة في هذا الجانب، ما يجعل هذه الطريقة سهلة ومتاحة لمن يمتلك المال ويريد تحويله بسهولة إلى الخارج.
وقال الحقوقي أزهر بلال إن المادة 36 من قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لسنة 2015، حددت عقوبة مرتكبي جرائم غسل الأموال في العراق.
وبين بلال، خلال حديثه لـ"العربي الجديد"، أن العقوبة تتضمن السجن لمدة لا تزيد عن 15 سنة وغرامة مالية لا تقل عن قيمة المال في الجريمة ذاتها التي حصلت، ولا تزيد عن 5 أضعاف الأموال التي تم ارتكاب الجريمة بموجبها.
وأوضح بلال أن جريمة غسل الأموال شائعة في العراق، ومرتكبوها متنفذون كبار في الدولة، ومنهم أصحاب نفوذ كبير في جميع المؤسسات، ولا يمكن أن يطبق هذا القانون بحق أي منهم.
وبيّن أن التحقيق في عمليات غسل الأموال ضعيف للغاية، ولا توجد جهات فعلية يمكن لها أن تعمل على ملاحقة الأموال أو متابعة حالات الزواج والمهور المرتفعة والتحقيق في مدى شرعيتها، رغم تزايد هذه الحالات خلال السنوات الأخيرة.