الفكر السياسي العراقي بين الدكتاتوريه والفوضى
التسلط والاستبداد بالرأي لعبا دورا كبيرا في تشكيل الاطار العام للفكر السياسي عند العراقي منذ مطلع الخمسينات وحتى يومنا هذا حتى وصل الحال بنا الى تشكيل عشرات الاحزاب والتكتلات والمنظمات دفعه واحده وهي ظاهرة طبيعيه اذا ما عدنا للحاله التي كان الشعب يعيشها من قمع وارهاب قبل انهيار الدكتاتوريه وسقوطها فحالة الكبت والحرمان لا بد لها ان تطفو للسطح وتعبر عن نفسها باسطع صورة حتى لو خلفت تداعيات سلبيه عكس ما يتوقعه المرء في بعض الاحيان وهو ما وقع فعلا في العراق وقاد الى حدوث فوضى لا يمكن السيطرة عليها قبل مرور وقت ليس بالقليل يدفع ابناء الشعب ثمنه من دماءهم يوميا..ان تجاوز حالة الكبت هذه بلا ادنى شك سيجعل من المجتمع العراقي ينفتح على الكثير من الافاق التي من شأنها ادخال حالة التطور للبلاد من خلال الانتقال للتركيز على الحاله الجديده التي يفرزها الواقع ويفرض علينا التعامل معها وهي عمليه ليست سهله وبحاجة لدراسه معمقه قبل الاقدام عليها والخوض في تفاصيلها وهي حاله كانت غائبه فيما مضى ويصعب اخراجها للعلن ومناقشتها
لان العيش تحت ظروف استثنائيه قاهرة لا يعكس الواقع الفكري والسياسي لاي بلد مهما كان تشخيص الحاله دقيقا...
ولو عدنا لبدايات الفكر السياسي العراقي بالتأكيد لا بد ان تعود بنا الذاكرة الى دراسة حالة المجتمع في عهد الدوله السومريه التي كانت دوله ثيوقراطية الطابع لكنها كانت تمتلك اساسا للفكر السياسي القائد للدوله او المملكه في ذلك العصر وكان هذا الفكر يستند الى طبيعة الاله وطريقة تعامله مع الانسان او تأثيره فيه وهو ما يشكل الاساس الفكري لبناء الدوله وطريقه ادراتها..
اي ان ادارة الدوله بتلك الطريقه كان يشكل محور الفكر السائد انذاك وهو يمثل تجسيدا حيا للتعاطي مع شؤون المجتمع من خلال ادارة المجتمع سياسيا بتلك الطريقه التي كان السومريون يعتقدون انها تلائم تنظيم المجتمع وقيادته.
وحتى في عهد الدوله البابليه كانت طريقة ادارة الدوله تستند الى العقيده الدينيه اشد من السابق حتى اصبحت دوله يكون من الصعب على الفرد اختراق ذلك الجدار الذي خطه ملوكها بين الانسان ومؤسسات الدوله البابليه، واوتوقراطية الدوله البابليه كانت هي الاخرى من العوامل التي ادت الى تداعيات تركت تأثيرا كبيرا بعد انتهاء عصرها من خلال التشظي والانقسام الذي عصف باركانها وساهم في نشوء وقيام الدويلات الاخرى والامبراطوريات التي تلتها وبالتأكيد فأن لعامل الفكر الدور الحاسم في ذلك والا لما قامت الدوله بتنظيم شؤونها وادارتها بتلك الطريقه المنتظمه !
واذا ما تجاوزنا الاطار التقليدي لبدايات نشوء الفكر السياسي في العراق فأننا سنكون امام حالة الغليان التي عاشها العراق في مطلع الاربعينيات والتي ادت لتبلور الكثير من الافكار السياسيه والدينيه والقوميه على الساحه بطريقه تحول معها الصراع القائم الى صراع افكار اكثر من كونه يمت بصله للصراع على السلطه والشارع العراقي نفسه وقع تحت تأثير هذا النوع من الجدل لكن الاحداث الدوليه التي عاشها العالم في الحرب العالميه الثانيه والقضاء على النازيه على يد الجيش الاحمر السوفيتي ساهم الى حد كبير في احداث نقله في الفكر السائد في العراق انذاك اي انه ادى الى بروز الافكار اليساريه والعلمانيه على حساب الدينيه والقوميه التي تراجعت الى المركز الثاني في التأثير..
ورغم انتشار حاله من التعاطف مع الافكار الثوريه اليساريه الا انها لم تكن ناتجه عن ايمان وقناعه بقدر ما كانت حالة من الارتياح لظهور طرف معادل للقوى المتجبرة على العالم وبالتالي نشر في نفوسهم حالة من الاطمئنان التي قادتهم الى تأييد من يحمل هذه الافكار ويدعو اليها حتى دون علم بأبجدياتها وفي نفس الوقت لعبت هذه الحاله دورا في السكون وقلة الاندفاع عند البعض لاحداث التغيير على اعتبار ان الحاله الدوليه تؤشر بأتجاه ايجابي نحو خلاص معظم البلدان من طوق الاحتلال والاستعمار لكنها كانت مشاعر سلبيه وتوقعات غير دقيقه اذا ما علمنا ان هناك شعوبا لم تعتمد على الحظ والعامل الدولي في تغيير نظامها الاجتماعي بل دفعت الالاف الضحايا من اجل ذلك ...
الاجواء التي وفرتها ثورة 14 تموز عام 1958 مهدت لبروز التيار الشيوعي في العراق وانتشار ادبياته تزامنا مع الكثير من النجاحات التي حققتها الحركه الشيوعيه في معظم بلدان العالم وحتى الاجواء السياسيه في العراق كان مهيئه لقيام دوله اشتراكيه في ذلك الحين لكن ذلك لم يحدث وادى فيما بعد الى تراجعات خطيرة في مسار الفكر السياسي الشيوعي بين الجماهير انتهت عند ملاحقة حاملي هذا الفكر وزجهم بالسجون واعدامهم وبالتالي ترك الساحه لتيارت اخرى كالتيار القومي والديني ، وتحكمت الكثير من العوامل في صياغة هذا الفكر وبلورته على الساحه لا سيما التركيبه السكانيه التي يشملها العراق وطريقة حياة الشعب التي غلب عليها في بعض الاحيان طابع الانتماء للعشيرة والبقاء بعيدا عن التجاذبات التي تخرج من هذا الاطار وتسبب هزات في المواقف السياسيه سواء للافراد او الجماعات ...
والطروف التي احاطت الشخصيه العراقيه في تلك الفتره هي صانعه الحدث والموقف لا سيما وان هذه الشخصيه لا تخرج عن اطار الميل يمينا بقوة ويسارا بقوة تارة اخرى دون ان تكون علامات الاعتدال تميز طابعها السيكولوجي ، وفرت الظروف للشيوعيين الفرصه لاستلام الحكم في عهد قاسم لكنهم لم يفعلوا كما وفرت لهم الظروف فرصه اخرى في عهد عبدالرحمن عارف الضعيف ولم يتحركوا مما اتاح الفرصه للبعث للتغلغل في الساحه والسيطرة عليها تدريجيا بسياساته الشوفينيه ، ساعدهم في ذلك بلا ادنى شك التمادي في الضعف الذي سيطر على القوى الاخرى في الساحه السياسيه ...
ان دراسه الفكر السياسي في العراق تخضع لجمله من العوامل التي قد تشكل الاطار العام لتطور هذا الفكر في الساحه ومن المنطقي القول ان هذا الفكر خضع في بعض الاحيان للنظام الاجتماعي السائد في البلاد ولم يكن اي ممتهن للسياسه قادرا على تجاوز النظام السائد لان ذلك يجعله يعيش صراعات متعدده الاطراف وتضعفه كما حدث لحاملي الفكر الشيوعي ، ومن بين العوامل الاشد تأثيرا هي وجود المجتمع في قالب يكون من الصعب اخراجه منه وهذا القالب ملون بالعشائريه والتدين والخضوع لعاداة وتقاليد لم يحدث فيها اي تطوير او تغيير من شأنه مواكبة الحياة العصريه وكذلك انتشار الاميه بشكل واسع وهي ايضا من المعضلات التي تحتاج الى اكثر من عقد من الزمن قبل ترك التأثير فيها او التماسه ..
الدعايه والنشاط الفكريين في وسط تنعدم فيه الاميه يكون اسهل بكثير منها في وسط لا يزال مغرقا بالكثير من المشاكل كالاميه والعشائريه وغيرها من الامراض التي تصيب المجتمعات ، وبالتالي فأن الحديث عن دوله عصريه في المثال الاول يكون اسهل بكثير منه في المثال الثاني كما ان الدعايه وكل انواع الطروحات الفكريه تلقى السماع ربما دون ردود افعال عنيفه تودي بالمجتمع الى الفوضى ، لقد تركت التراكمات التي احدثتها حقبه الاحتلال العثماني للبلاد والتي اقتربت من الخمسمئة عام اثرا سلبيا بالغ الخطورة في تكوين الشخصيه العراقيه التي عاشت طوال هذه الفترة حاله من الخضوع والاستسلام كان لا بد لها ان تترك اثارها على ارض الواقع من خلال التصرفات التي تقوم بها هذه الشخصيه وتفجرت الى حاله نقيضه بمجرد انتهاء ذلك الاحتلال وخروج العثمانيون من البلاد وهزيمتهم على يد الانكليز ..
وتداعيات التمرد النفسي في الشخصيه انعكس سلبا على الانكليز الذين لم يعمر احتلالهم للبلاد طويلا بعد ان تلقوا ضربه موجعه في ثورة العشرين لتمتد فيما بعد الى مجموعه من الانتفاضات والتمردات بدءا من عام 41 ومرورا بعامي 52 و56 وانتهاءا بالثورة الظافرة التي اطاحت بالملكيه واسست الجمهوريه الحديثه عام 1958 ...
ولا يمكن اعتبار الافرازات التي تواصلت تدريجيا بهذا النمط حاله عابرة وانتفاض على الضعف بقدر ما كان تغيير نوعيا اثر في الحدث رغم انه اخذ طابع العنف والتقلب بهذا الاتجاه وذاك اكثر من مرة ، اي انه شكل امتداد للقضاء على حالة الخنوع التي حكمت الشخصيه والشعور بالسيطرة وفرض الاراده ..
وتفاعلت هذه الحاله داخل الانسان نفسه ليحول الاسرة البسيطه الى ارض خصبه لممارسة تسلطه واخراج الامراض التي سيطرت عليه الى العلن والتي ورثها او اكتسبها من محيطه ، والسبب في بقاء حالة التسلط هذه وعدم القدرة على تجاورها تعود لعدم تمكن الحكومات المتتاليه من وضع برامج جديه للقضاء على الاميه في البلاد وهي بطبيعة الحال ليست بالمهمه السهله لكن احدا لحد هذه اللحظه لم يضع مشروعا حضاريا بهذا الاتجاه ، المانيا وضعت برنامجا من هذا النوع بعد الحرب العالميه الثانيه ولحد يومنا هذا لم تتمكن من القضاء جذريا على الاميه حيث لا يزال اربعة ملايين الماني يعانون من هذا النقص على الرغم من ان البلاد تحتل مركزا دوليا مرموقا بين الدول الصناعيه الكبرى والاكثر تقدما امام حاله كهذه نجد ان تعريف حالة الخلل فيها والبحث عن اوجه القصور يعد امرا صحيحا دون خجل فالمجتمع العراقي لا يزال مغرقا في نسبه من الاميه تتجاوز ال 67% وهي النسبه الاكبر في المنطقه ويكابر البعض ولا يريد الاعتراف بان هذا المجتمع سيبقى اسير للتخلف وسيطرة قوى الظلام دون ان يتخطي تدريجيا هذه الحاله ...
حاله موجوده على ارض الواقع ويجب التعامل معها على انها احدى اخطر المسببات في العنف الذي يسود الساحه اليوم وهي مرتبطه بقدرة الحكومه على وضع برنامج متكامل لها بعد انهاء الاحتلال في البلاد لان تواجد الاخير على الساحه يحول دون وقف العنف وتنفيذ اي برنامج اجتماعي او اقتصادي وهو ما يحاول الكثيرون تحويله الى مبرر للقضاء على الارهاب .
الاعلان عن المشاكل والاعتراف بها واخراجها الى العلن تسمى في العرف السياسي بالشفافيه وهي ظاهرة صحيه في المجتمعات التي ترغب بالفعل في التقدم وتغيير واقعها نحو الافضل ، ولكن هل حاولت احدى الحكومات منذ تأسيس العراق الحديث التعامل مع المشاكل التي تواجهها من هذا المنطلق؟
وهل ساعد الوضع السياسي في البلاد على ارساء هذا النوع من القيم العصريه فيه؟ الم تكن معظم المشاكل التي واجهت المجتمع هي المسبب في حالة الغليان وبالتالي تغيير النظام بين فترة واخرى؟ لا بد من الوقوف عند هذا النوع من المشاكل التي تحدث وتترك تأثيرا سلبيا يؤدي في النهايه الى الغليان والثورة على الواقع ...
الم تواجه الحكومه الحاليه مشاكل من هذا النوع ؟؟
الا يعتبر قانون النفط والغاز الحالي سببا كافيا للمطالبه بالتغيير ؟؟
الا تنشر حالة تهميش الرأي الاخر نوعا من ردود الفعل السلبيه في المجتمع وتحدث تراكمات من شأنها تفجير الاوضاع في اية لحظه ؟؟ وأذا كانت الحكومه الحاليه حريصه على مصالح الشعب لماذا لا تأخذ بنظر الاعتبار حالات الاحتجاج على معظم القوانين التي تشرعها تحت سلطة الاحتلال ؟؟
هذه القضايا هي التي تحرك اليوم الاطار الذي يتشكل فيه الفكر السياسي في العراق والذي يتجه تدريجيا نحو التشدد اكثر فأكثر في ظل حكومه تريد الاستئثاربالقرار لوحدها وانطلاقا من مصالحها الضيقه فقط ، بينما لو حاولت سماع الاخرين وابراز روح من الوديه في التعاطي مع المطالب السياسيه وحتى الاقتصاديه لما وصلت الى هذا الحد الذي اصبحت فيه على شفير الهاويه ..
ان منظومة القيم الثقافيه والسياسيه هي التي تشكل عقيدة اي طرف يرى نفسه مؤهلا لادارة الدوله واذا ما كانت هذه المنظومه عاجزة او فاشله في التعامل مع المعطيات السياسيه على ارض الواقع فأنها تتسبب في مأزق للبلاد لا يمكن الخروج منه كما حدث ايام العهد الدكتاتوري لنظام صدام ويحدث اليوم على يد الحكومه الحاليه التي تتشبث بفشلها وتصر على انه انجاز حتى هذه اللحظه ..
ثقافة الاعتراف بالخطأ والفشل لا تزال غائبه عن تكويننا النفسي او حتى الاتجاه تدريجيا في التربيه على هذا الاساس ، هناك جرائم تركب في العراق ومجازر على يد قوات الاحتلال ولا تعرف الحكومه او تقر بها ..هنا خلل في بناء الدوله الحديثه التي قامت على انقاض الدكتاتوريه على الاسس الطائفيه والدينيه ولا تعترف الحكومه بذلك ...هناك ميليشيات تقوم بارتكاب ابشع انواع القتل والترهيب ومعظمها تابع للحكومه واحزابها ولا تعترف بذلك ...هناك فشل تام في تشكيلة الجيش العراقي على الاساس الذي ارادته الولايات المتحده ولا تعترف الحكومه بذلك ...هناك مرتشين وفاسدين وعملاء لدول اقليميه ودوليه في قلب الحكومه ولا تعترف بذلك ...هناك سرقات لمقدرات العراق وحضارته واثاره ولا تعترف الحكومه بذلك ..هناك وزراء غير مهنيين ولا مؤهلين لا لتسلم منصب وزاري بل حتى مدير لمدرسه ابتدائيه بسيطه وتصر الحكومه على التمسك بهم ..نفط العراق في الجنوب ينهب على اوسع نطاق من قبل اطراف محسوبه على الائتلاف وامام انظار وزير النفط الذي يشاركهم التهريب ولا صوت منتقد واحد يسمع بهذا الخصوص !!
الاصلاح المطلوب لا يمكن حدوثه في ظل الاوضاع الحاليه نعلم ذلك جيدا لان العراق الجديد تحت الاحتلال ويبنى على اسس مكونه من الرمال وليس الاسمنت والكونكريت ..كما ان الاصلاح المطلوب يضر بأغلب التيارات الحاليه الموجوده على الساحه وفي مقدمتها الدينيه والطائفيه والقوميه كما انه يسقط القناع عن وجههم الحقيقي ، هذا ما يعلمه الشعب ايضا ويعلم معه انه لن تجري انتخابات نزيهه طالما بقي الاحتلال وبقيت معه الاحزاب التي جاء بها من كل حدب وصوب وتبدو الصورة قاتمه له وتدفعه بأتجاه الفرار من الموت والصراع الغير شريف بين الاطراف السياسيه المختلفه ، الدول الاقليميه المجاورة للعراق تدعم تنظيم القاعده بقوة حتى وان كانت الطريقه غير مباشرة في تقديم الدعم لان بقاء هذه المنظمه الارهابيه في العراق وديمومتها يبعد الخطر الديني عن تلك البلدان ووتتجنب هزات سياسيه لا تعرف التصرف معها ، هذا ما تعلمه حتى الولايات المتحده وتحاول وقفه عن طريق فرض صفقات عسكريه للاسلحه بمبالغ خياليه على مصادر التمويل في الخليج ووضع الدول الاخرى تحت حصار لوقف استمرار هذا الدعم ..
هذا الوضع العام المتشنج الذي اختلطت فيه المصالح والاضرار اصبح عاملا مساعدا على افراز حاله من التشدد في التفكير عند اغلب العراقيين وجعلهم يعيشوا دوامه لا أمل في الخروج منها الا عن طريق تنظيف الساحه العراقيه بأسرها من كل هذه المؤثرات حتى يتمكن الشعب من وضع دستورا عصريا له حتى يتمكن من بناء ما دمرته الحرب وجماعات الارهاب والاحتلال والحكومه حتى يتمكن من وضع برامج مستقبله بطريقه خاليه من التعصب ...
فبعد ان كان هذا التفكير محاصرا بالة القمع البعثيه انتقل لمرحله الفوضى ليعبر عن نفسه بطريقه هجينه لا تسهم في انقاذ حالة البلاد مما هي فيه بقدر ما يعيدها عقودا الى الوراء ، التنظيم يبدو صعبا في ظل اوضاع شاذه كهذه فالاحتلال ساهم في نشر الفوضى لتمرير اجندته وجعل المجتمع ممزقا غير قادر على النهوض وكذلك جعل من تأثير الاحزاب التي تعادي الاحتلال من التيارات العلمانيه تجد صعوبه في ايصال افكارها الى المجتمع الذي وقع ضحيه لنوع اخر من التسلط هذه المرة على اساس طائفي وديني ...
وضع هذه المشاكل على الطاوله ومناقشتها بطريقه حضاريه يؤدي الى ارساء حاله من الاستقرار الاولي الذي يقود البلاد الى شاطئ الامان والاستقرار النهائي اي معالجة مشاكل المجتمع بطريقه علانيه وظاهرة وتشخيص الاخطاء وتسمية مسبباتها كل ذلك ينشر حاله من الاطمئنان للنظام السائد ويقود الى تطويره بأستمرار ليأخذ المجتمع معه الى حاله افضل ، لقد اثرت الاحداث الدائره اليوم في العراق بلاادنى شك في طريقه تفكير الانسان فيه وتعاطيه مع المشاكل التي تواجهه حتى اصبحت تشكل كيانه دون ان يتمعن في صحتها ولم تقتصر على البسطاء من ابناء الشعب بل اصبحت جزءا من مفردات حياة كل مسؤل حكومي في البلاد بدءا من اصغرهم وانتهاءا عند اعلى مسؤول ..
ويعتقد الكثيرون من مناصري الاوضاع الحاليه انها افضل بكثير من العهد الدكتاتوري او العهود التي سبقته لكن الواقع يقول ان اغلب دول العالم كرهت الديمقراطيه الامريكيه بعد الخراب والدمار الذي حل على العراق بسببها ، الدكتاتوريه تتحمل القسط الاكبر مما حصل لكن ذلك يحمل الحكومه الحاليه المسؤوليه لفشلها في ارساء مجتمع مدني خالي من النعرات الطائفيه والعنصريه واكثر من ذلك فشلها في تجاوز حالة الفوضى التي جاء بها الاحتلال ورسخها عبر شركات الحمايه الخاصه التي جاء بها ، الى اين سيسير المجتمع العراقي اذا ما بقيت الحكومه الحاليه لسنوات طويله في الحكم لا شك ان البلاد ستعود الى نفس المرحله التي تلت احتلال هولاكو لبغداد والتي حولت البلاد الى اكوام من الخرائب وتحول شعبه الى مجاميع تختبئ هنا وهناك خوفا من البطش
وتجذر الهلع في نفوسها ، اذا لن يتمكن الائتلاف الحاكم من تحويل العراق الى بلد مستقر في ظل تسلط هذه العقليات عليه !!
التجربة الحاصله في العراق اليوم والتي يسميها البعض بالتجربه الديمقراطيه تختلف اختلافا جذريا عما حدث في كل من المانيا واليابان وهناك اسباب كثيرة تمنع حدوث التجربتين في العراق لا سيما وان المنطقه هي مركز الصراع العالمي والعراق يمثل في هذا المركز قطبا وتمتعه بالقوة والاستقلاليه لا يخدم حتى دعاة الديمقراطيه من الذين يسمون الاحتلال بالتحرير !!
القاعده والعناصر الارهابيه معها والولايات المتحده وايران ومن يقف خلف هذه الاسماء هم جميعا وجها واحدا بلون واحد شكله البارز العداء للعراق ومحاولة تحطيمه وابادته عن بكرة ابيه ولكل منهم وسيلته القذرة المفضله في احداث العنف او التلاعب بمصير البلد سياسيا واقتصاديا ما يهم العراقي اينما كان انقاذ البلاد من هذه المعادله المقيته حتى لو كان ذلك عن طريق ضرب ايران بالولايات المتحده واعادة القاعده الى مراكز انطلاقها الحقيقيه في الاردن والسعوديه ومصر ، ما يهم الشعب العراقي هو خروجه من هذه الدوامه باسرع ما يمكن ووقف الجهات التي تعمل مع هذه المحاور عند حدها فحالة الاستقرار كفيله بأعادة من جاء من ايران الى ايران ومن جاء من الولايات المتحده اعادته اليها لان الحاله العراقيه عبر تاريخها السياسي الطويل لم تبق من يمتهن هذا الاسلوب في العمل السياسي في الساحه ومصير نوري السعيد لا يزال الكثيرون ممن عاصروه يتذكرونه جيدا ..
ان الحكمه تقتضي النظر الى الامام جيدا لابراز الهويه الانسانيه للعراقي وابراز خصائله في رفض الظلم والطغيان ايا كان شكله والخلاص من صدام واستبداله بمئه من امثاله لن ينقذ العراق وامام الشعب خيارات كثيرة قابله للتحقيق ان اراد ذلك وان عزم على التغيير والانتفاض على الظلم ..