تحليل إخباري : شرطة في النهار ومتمردون في الليل
04/04/2006جيران:اكبر مفارقة يمكن ان نجدها في العراق اليوم هي ان العديد من عناصر الشرطة في المناطق التي تشهد تمردا وعنفا طائفيا أصبحوا شرطيين في النهار ومتمردين في الليل.
ليس هذا الكلام تخمينا او استنتاجا، انما هو حقيقة تعرفها وزارة الداخلية التي يواصل وزيرها بيان جبر في مؤتمراته الصحفية تطمين الناس الذي يقتلون يوميا، بالامن والاستقرار، لكن هذا الامن بات فقط رسما في مخيلة السيد الوزير، لأنه بصراحة امن الطوائف: كل طائفة تحافظ على امنها في المنطقة التي تسيطر عليها، وهذا ليس هو امن العراق المنشود.
وهي حقيقة تعرفها ايضا قوات الاحتلال التي باتت لا تغادر ثكناتها ليلا، فتمسي مجموعات التمرد حرة في السيطرة على المدن والطرقات الخارجية والداخلية تزرع ما تشاء من العبوات الناسفة وتهيئ ما تشاء من السيارات المفخخة لتنفجر صباحا حينما تبدأ الاجهزة العسكرية والامنية والناس بالتحرك والخروج من ثكناتهم ومنازلهم. وساعتها يكون ايضا قد عاد المتمردون ليرتدوا ملابس الشرطة صباحا ويداوموا الدوام الرسمي كل يوم. انها مفارقة مضحكة تجسد معنى لعبة القط والفأر او يمكن القول انها مسلسل توم اند جيري الاميركي في العراق.
لقد تم انفاق اكثر من ملياري دولار لغاية الان على تأسيس الجيش وقوات الامن العراقية، والشرطة جزء منها، وهي الاجهزة التي تنتظر القوات المتعددة الجنسيات ان تتكامل وتكبر لتكون مهيأة وقادرة على ضبط الامن لكي تسلمها الملف الامني وترحل. ويكاد كل خطاب من خطب الرئيس بوش لا يخلو من اشارة الى هذا الامل المنتظر، لكنه كما ينبئنا الواقع، امل سراب فلا الاموال التي انفقت (وجزء كبير منها تسرب في مجاري الفساد) ولا المؤسسات التي انشئت لتدريب الشرطة، تمكنت من تحقيق هذا الامل الصعب المنال طيلة ثلاث سنوات مضت.
فالشرطة العراقية الآن مزدوجة الولاء. بل يمكن القول انها لا تملك ولاء للحكومة العراقية او لقوات الاحتلال ولا لما يسمى بالعراق الجديد، انما ولاؤها للأحزاب الدينية الشيعية والسنية على حد سواء، ولجماعات العنف والتعصب القومي والطائفي وللبعثيين المتمردين انصار النظام البائد. وهي بالاساس اجزاء من ميليشيات متنوعة يرتبط بعضها بدوائر استخبارية اقليمية تسيطر على مرافق الحكومة صباحا وتخرب مرافق الحكومة ليلا. والذي يقول غير هذا الكلام ليقرأ ما نشرته صحيفة الانديبندنت البريطانية التي اشارت ايضا الى هذه المعضلة الامنية الكبيرة في العراق استنادا، الى تصريحات مسؤولين محليين في محافظتي الموصل وبغداد، فضلا عن معطيات ما جرى في البصرة وغيرها من مدن الوسط والجنوب.. اضافة الى وثائق لدى استخبارات القوات المتعددة الجنسيات. ولا يخلو الامر من دهشة واستغراب حين يقول احد التقارير ان 12 الف شرطي في احدى المحافظات يخلعون لباس الشرطة حين يجيء الليل ويرتدون لباس المتمردين ويتلثمون ويمارسون واجباتهم في شبكة التمرد التي تحكم سيطرتها على اغلب المناطق التي تشهد عنفا، وبالاخص بغداد الكبرى والموصل وديالى والانبار وصلاح الدين.
ترى، اي امل هذا الذي نعلقه على مشجب هذا الواقع المتردي حيث يزداد التمرد على ثوابت الوطن وعلى العراق الذبيح ويصبح الامر وكأنه خطة لتدمير العراق وتقسيمه وتحويله الى دويلات طائفية، وساعتها لا احد يكون الغالب.. ولا حتى هؤلاء الارهابيون والمتمردون والطائفيون والطامحون الى إمارات الدويلات الطائفية.