خفايا وأسرار غير مكشوفة في حياة الفنان كاظم الساهر
لكل فنان حكايات معروفة وأخرى مخفية لا يعرف تفاصيلها إلا المقربين من الفنان والذين عايشوه في مراحل صعوده إلى النجومية ولعل في حياة الفنان كاظم الساهر محطات كثيرة بحاجة إلى المزيد من الأضواء لتكشف إسرار هذه الموهبة والنجومية التي ما زالت تسطع في سماء الأغنية العربية .جميع الذين رافقوا كاظم الساهر يشهدون بان هذا الرجل صنع مجده بنفسه ، فقد كان طالبا متواضع الشهرة في معهد الدراسات النغمية ولم يكن مشهورا أو متميزا في فرقة المسرح العسكري وقد قدم آنذاك البعض من الأغنيات التي لم تثير انتباه الجمهور ، وحاول الساهر إن يجرب حضه في النوادي الليلية وكانت له بعض الوصلات الغنائية لكنها كانت تأتي في المرتبة التالية بعد النجوم الذين كانوا يتألقون آنذاك وهما احمد نعمة ومحمود أنور وكانت فرصة كاظم حتى في هذه الأماكن محدودة وغير مجدية .
حدث ذات يوم بان رئيسا لتحرير مجلة عربية مهمة يحضر تلبية لدعوة تناول العشاء في مطعم الباروك في الكرادة وكان يصاحبه احد الصحفيين العراقيين المعروفين بثوراته المستمرة ومشاكسته الحادة حتى مع أقطاب النظام السابق فطلب هذا الصحفي من رئيس التحرير بعد إن دعى كاظم الساهر وأجلسه على ذات المائدة إن يسمح بنشر مقابلة طويلة مع هذا الشاب الواعد بالعطاء والنجومية فأعطى موافقة أولية ولكن عندما غادر الساهر عبر عن امتناعه بتخصيص صفحات كاملة للحديث عن فنان مغمور وفضل إن يكون اللقاء مع احمد نعمة أو محمود أنور .
وشاء القدر وبعد عقدين من الزمن وحين اشتهر الساهر استضاف رئيس التحرير وصاحب هذه المؤسسة الإعلامية الفنان الساهر وأوصى بان تخصص له المجلة الفنية التابعة لمؤسسته عشرات الصفحات وعلى ذوق الساهر نفسه فسبحان مغير الأحوال ما بين هذا وذاك وما بين المحطة الأولى والمحطة الثانية التي وصل إليها هذا الفنان بجهد وتعب ومثابرة .
إن محاولات صنع النجومية بدأت مع بدايات الساهر حيث كان صديق منذر كريم الذي كان يعمل في دار ثقافة الأطفال حريصا لان يعرف كاظم على البعض من الصحفيين خاصة الذين يعملون في الصحافة الفنية وأهمها صحافة المنوعات في الصفحات الأخيرة وكان في مقدمتهم أياد البكري وصباح ناهي وأدت هذه العلاقة في ظهور أخبار متتابعة لنشاط الفنان الساهر في صحف تلك المرحلة .
ولعل من المفارقات إن كاظم الساهر تعرض ذات مرة لنقد لاذع من احد الصحفيين العراقيين بسبب استمرار الساهر الغناء في النوادي الليلية وشاءت الأقدار أن يتعرف الساهر بالصدفة بهذا الصحفي في فندق المنصور ميليا وحين التقيا في غرفة كاظم عبر الساهر عن عميق حزنه واقسم بأنه حين قرأ المقال في تلك الليلة شعر بالحزن وبكى كثيرا وقرر الامتناع من تلبية جميع المنتديات الليلية ليتفرغ كليا إلى مسيرته الفنية ، ونصحه الصحفي إن يبتعد عن الأغاني التعبوية وكان ذلك تلميحا بالابتعاد عن الأغاني التي تمجد صدام ونظامه .
إن المحطة المهمة في حياة الساهر التي بدأها بعد إن رسخ علاقته من خلال منذر والمعنيين بالصحافة الفنية هو قيامه بالاشتراك في مسلسل المسافر حيث ذهبت الطواقم الفنية ومعهم الصحفيين طبعا إلى الموصل وتعمقت هناك العلاقة وكتبت بعد ذلك عن الساهر الكثير من المواضيع استكملها باستغلال فرصة تاريخية حيث استثمر وجود الصحفي المقيم في باريس الزميل سعد المسعودي الذي زار العراق للمشاركة في مهرجان المربد وأقنعه بان يقدمه عبر إذاعة مونتي كارلو ومن خلال برنامج يعده واسمه نافذة على الخليج ، وفعلا بعد أيام من عودة المسعودي إلى باريس بثت مونتي كارلو عبر نافذة على الخليج حوارات وأغنيات لفنان اسمه كاظم الساهر يسوق لأول مرة لمحيطه العربي .
ولم تكن هذه الخطوات كافية وقادرة لنقل الساهر إلى النجومية حيث كان يحتاج لنقلة نوعية تجعله يخترق الإذن العربية في مشارق ومغارب الوطن العربي فكانت الفرصة مؤاتية جدا ففي سنوات الحرب والحصار كان المواطن العربي تواقا لتلقي أي شيء عن العراق فهو متعطش لسماع العراقيين وكانت هذه الفرصة الذهبية لكاظم الساهر وخطوة البداية في سلم النجومية فقرا المشهد جيدا وعرف إن القاهرة هي أحسن من يسوق الفنانين والمثقفين إلى عالمهم العربي بما فيها أوطانهم نفسها .
سافر كاظم الساهر إلى القاهرة ليجرب حضه كما فعل قبله فريد الأطرش لكنه كان يحث الخطى على هدى مسيرة عبدالحليم حافظ الذي تأثر به كثيرا لان الأطرش ابن الأمراء وحافظ ابن الفقراء ويذكر الساهر بذات المحيط الذي كان يعيشه ، ولم يكن ذلك كافيا فعرف الساهر إن عبدالحليم حافظ استطاع رغم شهرته إن يضيف لنفسه مجدا كبيرا من خلال الاستعانة بشاعر الغزل العربي نزار قباني الذي كان مطلوبا من كل المستويات وخاصة الشباب العربي والشابات في بلاد الشام وحتى في بلاد المغرب العربي التي من الصعوبة إن تتقبل كلمات أو قصائد اعتيادية لكن نزار قباني استطاع إن يصنع له جمهورا ولهذا فان عبدالحليم حافظ عندما غنى قارئة الفنجان لقباني تألق في سماء الوطن العربي من المحيط إلى الخليج .
وقرر كاظم الساهر إن يعيد تجربة عبدالحليم حافظ فغنى قصيدة إني خيرتك فاختاري دون إن يستأذن من نزار قباني وعندما علم الأخير لامه وزعل على ذلك ولكن كاظم زاره في بيته واعتذر له وتم الاتفاق على أغنية زيديني عشقا التي كانت فاتحة خير على كاظم فتزاوجت الحان الساهر بكلمات نزار المفعمة بالحب والجمال حيث أصبح كاظم المطرب الأول في الوطن العربي ، وبعدها استمر التعاون لينتج للشباب المتعطش للموسيقى الحالمة والكلمات المعبرة والأداء الملائكي والعشق الحسي أغاني لن تنساها الذاكرة العربية وهي ( علمني حبك ، مدرسة الحب ، قولي احبك ، اكرهها ، أشهد ، هل عندك شك ، تقولين الهوى ، الرسم بالكلمات ، كبري عقلك ، اجلس في المقهى ، الحب المستحيل ، يدك ، واني احبك ، مدرسة الحب ، مع بغدادية ، صباحك سكر ، حبيبتي والمطر ) ، إن قباني تعاون مع الساهر بشكل كبير لأنه معجب به ولأنه كان يحب العراقيين لاقترانه ببنت من حي الاعظمية اسمها بلقيس وأصبحت أم أولاده ولان نجاح كاظم وتسويق أغانيه من خلال قصائده سيجعل أتعابه مجزية جدا تعينه على جنون الأسعار في مستقره لندن مدينة الضباب ، وكانت أولى القصائد التي تألق فيها الساهر مأخوذة عن قصيدة أني خيرتك وتلتها الأغاني حتى أصبحنا نسمع فتيات من تونس والمغرب العربي وهن يرددن كلمات نزار قباني بالحان وغناء كاظم الساهر وهي مسوقة عن طريق القاهرة وهذا ما يجعلنا إن نحكم على إن اغلب الأصوات الأخرى التي تزامن ظهورها مع الساهر قد افلت واضمحلت لأنها لم تمر من خلال القاهرة ولم تستخدم مفاتيح نزار قباني لدغدغة مشاعر المعجبين .
كان الساهر ذكيا وهو يتعامل مع أزلام النظام ونزوات المتنفذين فيهم وفي مقدمتهم عدي نجل الرئيس صدام حسين وعائلته فقد نجح الساهر باحتواء النظام فلم يغن مباشرة للطاغية صدام ولكنه غنى لمدينة الفاو وأغنية أخرى عن معاناة أطفال العراق في ظل الحصار واستجاب لدعوات عدي صدام لإحياء بعض حفلات أعياد ميلاده وكان الرجل يحضر ويغادر خلال 48 ساعة خوفا من استغلاله أو تعرضه مثل بقية الفنانين للاهانة في الحفلات الخاصة التي يحضرها نجلي الرئيس صدام وأقاربهم وبقية أزلام النظام .
ونجح الساهر بعد إن وظف إمكانيات منذر كريم إن يستثمر موهبة عزيز الرسام الذي ابتدأ معه بأغنية عابر سبيل ومن ثم امسك الساهر بجوهرة شعرية تلاءم ميوله وهو الشاعر الغنائي كريم العراقي الذي اصطحبه الساهر معه إلى القاهرة واسكنه قريبا منه ليرافقه في تسجيل مشاعره وتحويلها إلى قصائد شعرية يلحنها بنفسه ولها نكهة عراقية واشراقة عربية .
وحاول الساهر إن يبقى عصيا على الآخرين فامتنع من اخذ الألحان من كبار الملحنين ورغم إن البعض يعتقد إن هذه نقطة ضعف ، وحاول أيضا إن يقدم ألحانه للبعض من الفنانات العربيات المعروفات في مقدمتهن لطيفة ، وتحمل الساهر موجات من النقد الجارح عن مقدرته الصوتية وعدم تمتع ألحانه بالأصالة العربية أو العراقية واقترابها مع الأنغام التركية وهذا ما يشيع عنه دائما وفي كل المحافل الناقد العراقي عادل الهاشمي ، فظلا عن تحمله لسيل من الإشاعات التي حاولت التعرض لحياته الخاصة مثل الزواج والطلاق وعلاقاته مع النساء والمعجبات وكذلك علاقاته مع أصدقائه ووسطه الفني وهجرته من العراق وحصوله على الجنسيات الأوربية المختلفة .
وهنالك الكثير الذي يمكن إن يقال في سيرة حياة هذا النجم الكبير ولكن أهم ما يقال بان النجوم الكبار يصنعون مجدهم ونجوميتهم بأنفسهم وليس بصنيعة الآخرين وهكذا كان الفنان كاظم
الساهر مثل العظماء الذين سبقوه في عالم الأغنية العربية .
firashamdani@yahoo.com